الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الصراع في أبيي لا يدور حول النفط فقط

خالد سعد
تكتظ وسائل الإعلام المحلية والعالمية بتقارير صحفية تحصر توصيف النزاع حول منطقة أبيي على أنه
25.04.2024
جندي من جنود الخوذ الزرقاء يحرس منطقة الحدود في أبيي
جندي من جنود الخوذ الزرقاء يحرس منطقة الحدود في أبيي

 

بينما تُصور منطقة أبيي عادةً على أنها غنية بالنفط، كشف تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا أن حقول البترول في \"أبيي\" قد تنضب بحلول عام 2011م على أحسن تقدير، وأن نسبة النفط المنتج من حقول المنطقة يشكل نسبة ضئيلة من الإنتاج الإجمالي للنفط السوداني حيث يتركز غالبية الإنتاج في ولاية الوحدة الغنية بحقول النفط إلى جانب بعض الحقول الموجودة في مناطق داخل حدود الشمال.

وبينما تصور منطقة أبيي على أنها غنية بالنفط، يكشف تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية أن حقول البترول في \"أبيي\" قد تنضب بحلول عام 2011م على أحسن تقدير، وأن نسبة النفط المنتج من حقول المنطقة يشكل نسبة ضئيلة من الإنتاج الإجمالي للنفط السوداني حيث يتركز غالبية الإنتاج في ولاية الوحدة الغنية بحقول النفط إلى جانب بعض الحقول الموجودة في مناطق داخل حدود الشمال.

وحسب الأرقام المتداولة فإن ثلثي النفط السوداني المستغل ينتج من أبيي. غير أن خبراء آخرين يقللون بشدة من أهمية نفط أبيي، ويرون أن منطقة أبيي مرشحة لأن تواجه مشكلة فنية خطيرة، بسبب تسرب المياه إلى حقول النفط الذي يفوق عدده مائة حقل، وهناك من يتنبأ بأن النفط في أبيي قد ينضب بعد ثلاثة أعوام من الآن، ويشيرون في هذا الخصوص إلى حدوث تراجع في حجم الإنتاج في المنطقة منذ عام 2006 مقارنة بمواقع الإنتاج الأخرى في السودان. ويقدر الخبراء أن حجم الاحتياطي في أبيي نحو 200 مليون برميل وأنه في تراجع مستمر.

وفي معرض حديث لقناة الجزيرة الفضائية قال الكاتب الصحفي والخبير بشؤون المنطقة محجوب محمد صالح إن الجنوب سيكسب نحو (4 ـ 6) كلم مقابل (10) كلم للشمال من حقول أبيي وهى المناطق الغنية بالنفط وأبرزها حقل \"هجليج\"، غير أنه قال إن (الأرض) ظلت مطلباً أساسيا \"للجنوبيين\" يفوق أهمية البترول، واستدل بالتمسك بها منذ اتفاقية اديس ابابا للسلام عام 1972م، فيما أشار وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي إلى تقرير أعده خبراء البنك الدولي أثناء التفاوض حول بروتوكول الثروة في اتفاقية السلام يرجح نضوب النفط في أبيي بحلول2016م.

كما أن هنالك نقطة أخرى تستبعد موضوع الخلاف على النفط من الأذهان، وهي اهتمام سكان المنطقة بموضوع ترسيم الحدود اكثر من اهتمامهم بموضوع النفط، إذ أن المسيرية عرب رحل ينتقلون معظم شهور السنة شمالا وجنوبا من \"بحر العرب\" وليس لديهم قرى مستقرة مثل الدينكا الذين يعملون أساسا بالزراعة، ويعتقد \"المسيرية\" أن أسلوب معيشتهم القائم على الترحال ينبغي ألا يسلبهم حقهم في ملكية أراضيهم التي عاشوا فيها مئات السنين.

وهنالك وجهات نظر متباعدة بشكل كبير بين شريكي اتفاقية السلام السودانية \"الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني\" حول تفسير قرار هيئة تحيكم دولية خاص بترسيم حدود المنطقة صدر في العام الماضي من محكمة في لاهاي، كما أن خلافات الشريكين بشأن من يحق لهم التصويت في الاستفتاء يرجح تأجيله حسب آخر تسريبات نشرت في صحافة الخرطوم.

ويُعد النزاع حول المنطقة واحد من المسببات الرئيسية التي تقف عائقا أمام إجراء عملية الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان وفقا لما نصت عليها اتفاقية سلام موقعة في عام 2005م ، والتي نصت أيضا على استفتاء سكان منطقة ابيي لتحديد مستقبل تبعية المنطقة للشمال أو للجنوب.

وبين يدي الاستفتاء المقرر بشأن تبعيتها للجنوب أو بقائها ضمن الشمال، يزداد الخلاف في أبيي بين القبليتين الرئيسيتين بالمنطقة قبيلة دينكا نقوك الجنوبية وقبيلة المسيرية العربية بشأن من يحق له التصويت، وكل من الفريقين يدعي أحقيته التاريخية بالمنطقة وبالتالي هو من يحق له الإدلاء بصوته ويصف الآخرين بالغرباء أو الضيوف.

وقد منح قانون الاستفتاء الخاص بأبيي حق التصويت لقبائل دينكا نقوك إضافة للسودانيين الآخرين المقيمين بالمنطقة، وقد رفضت قبيلة المسيرية القانون لأنه لم يشر إليها صراحة، في حين تقول الحركة الشعبية لتحرير السودان إن التصويت في الاستفتاء لا يشمل المسيرية لأنهم ليسوا مقيمين إقامة دائمة.

اما القضية المرشحة بقوة لكي تكون مصدر خلاف في المنطقة هي قضية المياه، فالمراقبون يخشون من اشتعال صراع حول المياه بين القبائل الرعوية في الجنوب والشمال، خصوصا مع الاحتياجات المائية المتوقعة لجنوب السودان في حال اختار الجنوبيين الانفصال، ومع الصعوبات الكبيرة التي تواجه ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب.

وفي أبيي مخزون كبير من المياه الجوفية، وتقول الدراسات إن حجم الثروة الحيوانية من بقر وضأن وماعز في المنطقة يقدر بالملايين، وبها أراض زراعية شاسعة بكر صالحة للزراعة، كما أن بها غابات كثيفة تُزرع فيها أشجار الصمغ العربي وصمغ الطلح.

ويمر بمنطقة أبيي \"بحر العرب\"، وهو نهر منحدر من الغرب إلى الشرق ليغذي نهر النيل، وهو نهر دائم، ويعتبر مصدر المياه الرئيسي لسكان المنطقة خاصة أن أغلبهم يربون الماشية. كما توجد أنهار صغيرة أخرى تُتخذ مصادر للمياه في فصل الصيف غير الممطر.

ويمتهن سكان أبيي الرعي والزراعة، وتشهد ما يعرف برحلات البقارة في السودان، حيث يتجهون إلى الجنوب في الصيف، حيث تشح المياه في الشمال، ثم يعودون في الرحلة ذاتها إلى الشمال حين تبدأ الأمطار في الهطول في الشمال.

وترفض قبيلة دينكا نقوك المقيمة قرب النهر طوال العام تسمية النهر ببحر العرب فهم يسمونه نهر كير ويقولون إن أبيي وحقولها النقطية ملكهم وحدهم ويعدون المسيرية ضيوفا في هذه المنطقة.

وتخللت العلاقة بين الطرفين منذ عشرات السنين حالات من التوتر في بعض الأحيان والهدوء في أحيان أخرى، بسبب التنافس على الرعي والموارد الطبيعية في المنطقة، غير أن الصراع بين القبيلتين اتخذ بعدا جديدا شكلته حسابات السياسة لتتحول طبيعة المشاكل في المنطقة والتي كانت غالبا تخضع لقانون القبيلة، إلى صراع مسلح يزيد من اشتعاله محاصصة شريكي اتفاقية السلام.

ويعتقد الدكتور سلمان محمد احمد سلمان خبير قوانين وسياسات المياه أن النزاع حول منطقة ابيي هو \"صراع حول المياه\" وليس بسبب النفط كما يقال، واوضح إن بحر العرب سيظل الحد الفاصل بين إقليم دارفور والجنوب وبين الجنوب وإقليم كردفان، إذ أن المنطقة التي ستتبع للجنوب بعد الاستفتاء في حال \"الانفصال\" بها رافدين أساسيين لبحر العرب هما \"الرقبة الزرقاء\" و\"رقبة الشيل\"، مشيرا إلى إن إقليم كردفان الذي تقع ابيي في جزء منه سينتهي دوره كمجاور للنيل ولن يتبق من أجزاءه غير 22 كيلو متر فقط مجاورة لنهر النيل.

ولمواجهة هذه الأزمة، يقترح خبير سياسات المياه الدكتور سلمان أن تُضمن قضية المياه في قانون الاستفتاء، مثل قضايا \"الجنسية، والحدود، والديون الخارجية، والاصول\"، لكنه قال إن القانون لن يحل تداعيات الانفصال بشان قضية المياه، وقال إن التحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ومناخية وبيئية تواجهها المنطقة والبلاد، داعيا إلى ضرورة التعاون الكامل بين دول الحوض والتركيز على تقاسم المنافع بدلا عن المياه، معتبرا أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستفادة القصوى من نهر النيل وزيادة وحماية موارده، ونادى بإشراك المواطنين في كل ما يتعلق بقضية المياه، وان تلعب جهات وطنية او دولية محايدة دور الوسيط في معادلة تقاسم المياه بين قبيلتي \"دينكا نقوك\" و\"المسيرية\" على أساس توضيح المنافع المشتركة وليس على أساس \"المحاصصة\".

الصورة: GUILLAUME LAVALEE/AFP/Getty Images