الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

دولة جنوب السودان الجديدة... بعيون شمالية

عثمان شنقر
ساعات قليلة تفصلنا عن ميلاد الدولة الجديدة ويوم 9 يوليو 2011. ماذا يعني هذا الانفصال للشمال؟
25.04.2024
فرح الجنوب يجد مثيله في الشمال الاّ ان هذه المشاعر مختلطة بالحزن كذلك.
فرح الجنوب يجد مثيله في الشمال الاّ ان هذه المشاعر مختلطة بالحزن كذلك.

بضع ساعاتٍ فقط تفصلنا عن حدث إعلان دولة جنوب السودان، في التاسع من يوليو الجاري، بعد أن صوَّت الجنوبيين، فى الإستفتاء الأخير، بنسبة 98 % لصالح خيار الإنفصال، ليتمكنوا أخيراً من إقامة وطنهم الذى حلموا به وعملوا من أجله منذ ستين عاماً.

إزاء هذا الحدث تتباين الرؤى، وتختلطُ المشاعر، هنا وهناك. فى الجنوب من المتوقع إقامة إحتفالات شعبية صاخبة فى الشوارع العامة، خصوصاً ان حكومة الجنوب كانت قد منعت المواطنين فى الجنوب من الإحتفالات الصاخبة إحتفالاً باعلان نتيجة الإنفصال، وطلبت من المواطنين الجنوبيين إرجاء الإحتفالات لحين إعلان الدولة رسمياً فى التاسع من يوليو الجاري.
 
فى الشمال، الموقف يختلف، إذ يبدو أن الشماليين حتى الآن لم يستوعبوا بعد حقيقة إنفصال الجنوب، وإعلان دولته بصورة رسمية غدا.

فقدان الأصدقاء من الجنوب

هند عثمان، الطالبة بجامعة الخرطوم، بدت مذهولة من حقيقة الأمر وهي تتحدث  مؤكدة أنها لم تستوعب حتى الآن حقيقة إنفصال الجنوب من الشمال. وقالت أن إعلان دولة الجنوب رسمياً يعني لها فقدانها لزميلات عزيزات وزملاء أعزاء من جنوب السودان، شاركوها مقاعد الدرس بالجامعة، طيلة اربع سنوات.

"هذا يعني، ببساطة، أنني لن أتمكن من التحدث مع ربيكا وإميلدا وشول وديفيد، زملاء في الجامعة، مثلما كنت فى السابق". هند عثمان

وقالت هند‪:‬ "هذا يعني، ببساطة، أنني لن أتمكن من التحدث مع ربيكا وإميلدا وشول وديفيد، زملاء في الجامعة، مثلما كنت فى السابق".
 
إلاَّ أن هند تعزت بوجود وسائل إتصال حديثة سوف تمكنها من التواصل مع أصدقائها وزملائها من الجنوب عبر الفيس بوك والموبايل.

ولم يبتعد سامي صلاح، الطالب بجامعة جوبا، كثيراً عن حديث هند ، إذ أوضح  عن إعتزازه بصداقة دامت سنوات مع زملاء من جوبا وملكال ويامبيو ومريدي شاركوه مقاعد الدرس بالجامعة. إلاَّ أن سامي قال أنه أكثر فرحاً لأصدقائه من الجنوبيين الذين حلموا بهذه اللحظة التاريخية منذ سنوات طويلة.

من جانبه يدفع إدريس آدم، بائع أحذية بسوق الخرطوم، بوجهة نظر أخرى، تؤكد ان دولة الجنوب لن يكتب لها النجاح في ظل التوترات الأمنية التي يشهدها الجنوب.
 
وقال آدم  أن الجنوبيين غير متفقين فيما بينهم وسوف ينزح المواطنون الجنوبيون إلى الشمال، عند إطلاق اول طلقة بين الجيوش والمليشيات المتناحرة، حسب قوله.

آدم يقول أن الشمال سوف يستقبلهم بصدر رحب إذا ما حدثت مشاكل بينهم، إلاَّ أنه عبر عن تمنياته بأن تشهد دولة الجنوب إستقراراً وينعم المواطن الجنوبي بالأمن.
 
إختلاط الحزن بالفرح

بالنسبة للتقي محمد عثمان، إعلامي متخصص فى الشأن الجنوبي، فان اللحظة بالنسبة له عبارة عن إختلاط للحزن بالفرح. ويقول
عثمان أن ذهاب الجنوب الى حال سبيله "يجعل المرء فى حالة حزن وفرح فى ذات الآن".

ويفسر عثمان حالتي الحزن والفرح لديه، بعدم محافظة السودانيين على وطنهم واحداً موحداً، من جهة وسبب فرحه أن الجنوبيين سيتمكنون، أخيراً، من اقامة وطنهم الذي حلموا به وعملوا من اجله لستين عاما، وصوتوا لانفصاله بنسبة 98% في الاستفتاء الاخير.

إذن تتداخل  مشاعر الحزن والفرح لدى عثمان، وهذا الأمر يجعله يفكر مع آخرين  فى مستقبل السودان، الذي  يعتبره مازال وطناً متعددا.
 
ويحتاج هذا التعدد الإثني والديني، حسب عثمان، الى "إنتباهة ويقظة لكى لا تتشظى منه أجزاء أخرى".


حسن بركية © عثمان شنقر

بناء من 'الصفر'

الباحث المهتم بالشأن الجنوبي، حسن بركية، يرى أن دولة الجنوب الوليدة ستواجه العديد من المشاكل والعقبات. وأوضح بركية أن الجنوبيين مطالبين خطاب مشترك بين مكونات دولة  الجنوب المختلفة، ويقول أن "العداء والموقف تجاه الشمال كان قاسما مشتركا يوحد كل الجنوبيين رغم تباينهم!"
 
ويكشف بركية عن تحديات كثيرة سوف تواجه دولة الجنوب الوليدة، ابرزها تحدي بناء دولة من مرحلة 'الصفر' في غياب شبه تام للبني التحتية .

إلاَّ أن بركية يقول أن أمام الجنوبيين فرصة تاريخية لبناء دولة ديموقراطية تكون نموذجا في المنطقة.
 
ويعتقد بركية أن قادة الجنوب قادرين على بناء دولة ديموقراطية ويتوقع أن تحظي الدولة الجديدة بدعم دولي مقدر.

ويتهم بركية بعض الكتاب والصحفيين الذين دفعوا بقراءات وتقارير تتحدث عن مستقبل دولة الجنوب الفاشل ب"التهويل وعدم المصداقية".

إذ يقول أن اغلب هذه القراءات  غير دقيقة ولاتعكس الواقع حيث تجنح إلى تهويل المشاكل والصراعات الموجودة.

وأكد بركية على فاعلية الاتفاق الأخير بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بأديس أبابا والذي تقرر فيه خلق منطقة عازلة بين الشمال والجنوب وبمراقبة دولية وقال ان"هذا الاتفاق  قد يسهم  في تهدئة الأوضاع في الجنوب وخاصة أن كل المليشيات المتمردة على حكومة الجنوب تتمركز في جنوب الشمال وشمال الجنوب وتتلقي الدعم والتمويل من الشمال".

وقال بركية أن من مصلحة الشعبين إقامة علاقات ودية تستجيب لمصالح الدولتين لأن القواسم المشتركة  والمصالح المتبادلة، حسب رأيه، أكبر من كل دعوات 'قرع طبول الحرب'.

وأكد بركية على أن العلاقة بين الشعبين ستظل جيدة رغم كل المناوشات والتراشقات الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وسعي بعض الجهات المتطرفة في المؤتمر الوطني إلي جر البلاد مرة أخرى لمربع الحرب. وقال أن "هذه المحاولات مصيرها الفشل لأن الحرب وسيلة مجربة ولم تحل أيه قضية وبل جلبت الويلات والمأسي وقضت على الأخضر واليابس".