الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تأجيل الانتخابات - وعد من لا يملك لمن يستحق

عثمان شنقر
بات اقتراح تأجيل الانتخابات الذي كان سبعة خبراء قدموه العام الماضي يحظي بدعم المزيد من القوى السياسية، لكن احتمال تنفيذه لا يزال ضعيفا نظرا لرفض شريكي اتفاقية السلام.

في أكتوبر من العام الماضي دفع (7) من الخبراء والأكاديميون السودانيون وهم (د. حيدر إبراهيم علي، د. عبد الرحيم بلال، د. أمين مكى مدنى، د. عطا البطحاني، د. فاروق محمد إبراهيم، فيصل محمد صالح وياسين حسن بشير) بمذكرة اقترحوا فيها تمديد الفترة الانتقالية لتنتهي في 2014م بدلاً عن 2011م وبرروا دعوتهم تلك بأن المتبقى من الفترة الانتقالية لا يكفى للوفاء ببقية استحقاقات اتفاقية السلام الشامل التي قالوا إنها تواجه صعوبات سياسية ونفسية جمة، ما يعنى بالضرورة تأجيل الانتخابات. وكان القيادي السابق بالحركة الشعبية وعضو طاقمها المفاوض د.لام اكول قد قال في ندوة بالمركز السودانى للخدمات الصحفية فى النصف الاول من العام الماضي ان الشريكين فى الأساس لم يكونا راغبين في إجراء انتخابات وتضمين ذلك الالتزام في الاتفاقية، لكن وسطاء الإيقاد اصروا عليها لتفادى تحول الاتفاقية إلى ثنائية مشرعنة، ويقول مراقبون ان الحركة كانت قد اقترحت ان يكون أمد الفترة الانتقالية (10) سنوات فيما رأى المؤتمر الوطنى ان الانسب هو (4) سنوات فقام الوسيط النيجيرى الجنرال اوبسانغو بخصم (4 من 10) ليكون عمر الفترة الانتقالية (6) سنوات.

 

الآن وقد بدأ العد التنازلي للانتخابات فأن مذكرة الـ(7) التى لم تجد اذانا صاغية وقتها تجد من يتبنى فكرتها الآن لذات الأسباب مضافا اليها ازمة دارفور. فقد دعت حركة العدل والمساواة قوى إجماع جوبا للتمسك بتحقيق السلام قبيل إجراء الانتخابات، ووجهت لوماً للأحزاب التي سمّت مرشحيها لخوض الانتخابات واعتبرت الخطوة تراجعاً عن التزام سابق مع الحركة، وحذّرت من أنّ الانتخابات المقبلة ستقود إلى ما وصفته بـ(الكارثة)، بحسب الناطق الرسمي باسم الحركة أحمد حسين آدم. اما حزب الامة القومى فقد كان اكثر صراحة وأدق تحديدا عندما دعا لإرجاء الانتخابات حتى نهاية العام الحالي حتى يتسنى الحاق دارفور بالاستحقاق الانتخابي، وتبع حزب الأمة في دعوته تلك حزب البعث السوداني الذي اقترح نوفمبر المقبل موعدا بديلا للانتخابات باعتبار ان الظروف الحالية ليست مواتية، فى وقت كانت حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد نور قد أكدت استحالة إجراء الانتخابات في دارفور من الناحية العملية حاليا نسبة لسوء الأحوال الأمنية واستثناء مناطق فى الاقليم من ترسيم الدوائر الجغرافية بعد إخفاق فرق الإحصاء من الوصول إليها.

 

وتمسك رئيس حزب الامة (الاصلاح والتجديد) مبارك الفاضل فى حوار مع صحيفة (الصحافة) أمس(10 يناير) بضرورة تأجيل الانتخابات حتى اكتوبر للوصول الى تسوية نهائية لازمة دارفور وتشكيل حكومة قومية لادارة الانتخابات، وينفى الفاضل ان تكون خطوة الإرجاء اذا تمت مدخلا لتأجيل الاستفتاء الذي قررت الاتفاقية ان تجريه "حكومة منتخبة" ويمضى قائلا "اذا قامت حكومة قومية وجرت الانتخابات في نوفمبر سيتبقى للاستفتاء ثلاثة اشهر ستنقل البلاد الى مناخ جديد ملائم يمكن أن يجرى فيه الاستفتاء بصورة عادلة"، وفى غضون ذلك رأى نائب رئيس الحزب الاتحادى (الأصل) على محمود حسنين فى تصريحات نقلتها وكالات انباء أمس ان سلطة تحديد موعد الانتخابات بالأساس ليست من اختصاصات المفوضية التي أعطاها القانون فقط حق التأجيل (60) يوما فقط حال حدوث انهيار عام فى البلاد او اعلان الطوارئ. ورأى المؤتمر الشعبي بحسب بيان صادر عنه امس ان "عدم حل ازمة السودان فى دارفور قبل إجراء الانتخابات العامة يعنى ان النظام يتعمد نقل الأزمات لمرحلة ما بعد الانتخابات"، واشار البيان الى استثناء مناطق آهلة فى دارفور كجبل مرة الذى يقطنه (750) الف نسمة بجانب كل معسكرات النازحين واللاجئين البالغ تعدادها مليونى شخص، ويؤكد الحزب ان كل هذه الاسباب توضح ان تأجيل الانتخابات امر ذو جدوى سياسية عالية.

 

ويقول الموقعون على مذكرة الـ(7) انه يجب أن لا يفهم مقترح التمديد أو يستخدم من قبل طرفي الاتفاقية أو أطراف سياسية أخرى على أنه تمديد لعمر حكومة الوحدة الوطنية لترسيخ الواقع المتأزم وطالبوا بضرورة المحافظة على نصوص اتفاقية السلام الشامل كما هي دون أية تغيير أو تعديل او استخدام التمديد كمدخل لإحداث شروخ في جسد الاتفاقية، ويرى مراقبون ان الاتفاقية تمثل إرادة الشريكين وانه بمقدورهما اذا اتفقا تعديل اى من بنودها على ان لا يمثل ذلك سابقة ترسخ بالتدريج للتحلل من الاتفاقية او تنفيذها بشكل انتقائى، لكن اللافت ايضا ان الشريكين لم يستطيعا تنفيذ كل بنود الاتفاقية وفقا لحرفيتها الزمنية وآجالها المحددة بدليل ان موائمة القوانين مع الاتفاقية والدستور الانتقالى تأخرت اكثر من ثلاثة سنوات، مع انه كان مقررا الفراغ منها بانتهاء السنة الاولى من الاتفاقية بحيث تؤدى تلك القوانين بالتدرج الى انتقال ناعم وسلس من الشمولية ودولة الحزب الواحد الى مناخ الحريات والتعددية الامر الذى من شأنه ان يخلق بيئة مثلى للانتخابات.

 

بعيدا عن التعقيدات الفنية والقانونية لتأجيل الانتخابات، وبافتراض ان الموافقة على ارجائها حتى اواخر العام قد تمت لحين اكمال سلام دارفور تبرز أسئلة محورية، ابرزها: هل تكفي فترة التاجيل لانجاز اتفاق سلام فى دارفور فى ظل الغموض الذى يكتنف عملية التفاوض نفسها؟ اذ ان حركة العدل والمساواة التى سبق ان وقعت اتفاقا لحسن النوايا لم تحدد الى الآن ان كانت ستشارك فى الجولة المقبلة أم لا كما أن فصيل عبد الواحد لا يزال متمسكا بعدم الجلوس الى مفاوضات قبل احراز تقدم ميدانى على الارض كعودة الفارين الى ديارهم ونزع سلاح المليشيات.

 

بالنتيجة يمكن القول ان معظم القوى الفاعلة لا ترى بأسا في تأجيل الانتخابات باجراء تعديل دستورى، فبجانب انها ترى ان الاجواء غير مواتية تتخوف من انه اذا جرت انتخابات تجاوزت اجزاء من دارفور فأن الحكومة القادمة ستكون ناقصة الشرعية والاعتراف الداخلى والدولى وبالتالى فأنه يحتمل ان تلقى نتيجة العملية بظلال سالبة على الاستفتاء وتقلل من فرص الوصول لتسوية عاجلة ومستدامة فى اقليم دارفور ، لكن مهما كانت وجاهة مقترح التأجيل تكمن العقبة في ان الشريكين لا يدعمان هذا الاتجاه وتمديد الفترة الانتقالية، وحتى وان كانا راغبين فإنهما لا يبديان ذلك لتفادى اتهامهما بالتهرب من الانتخابات واستحقاقات الاتفاقية الأخرى، وبالنتيجة فأنه لا يمكن للفكرة أن تجد مدخلا للتنفيذ بسبب سيطرة الشريكين على القرار بشأن الانتخابات.