الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

إنفصال الجنوب انحسار للغطاء النباتي في الشمال

عثمان شنقر
”الغابات لا تعترف بالحدود السياسية“، ولكنها إحدى أبرز القضايا المعلَّقة بين الجنوب والشمال. بين البيئي والاقتصادي من يخسر ومن يربح الغطاء الأخضر؟
25.04.2024
جودة خشب جنوب السودان معروفة و امكانية التوقف عن جلبها للشمال سوف يؤثر على مهنة صنع المراكب الشراعية هناك.
جودة خشب جنوب السودان معروفة و امكانية التوقف عن جلبها للشمال سوف يؤثر على مهنة صنع المراكب الشراعية هناك.

يؤكد خبراء ومتخصصون في البيئة أن السودان سيفقد، بسبب انفصال جنوبه عن شماله، حوالي الثمانين بالمائة من غطائه النباتي، أما الهيئة القومية للغابات فتؤكد أن هذا الانفصال سياسي ولا يعني انفصال غابات جنوب السودان عن شماله!

الوقائع على الأرض تؤكد أن انفصال الجنوب، بإعلان دولة الجنوب رسميا بعد أقلَّ من أسبوع، سيكون انفصالاً نهائياً، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والجغرافية. فالشريكان، حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، فشلا في حلحلة قضايا وترتيبات ما بعد الانفصال.

الغابات لا تعترف بالحدود

لعل أبرز القضايا المعلَّقة بين الجنوب والشمال تتمثل بفقدان السودان لأكثر من ثلثي غطائه النباتي بسبب وقوع معظم الغابات في جنوب البلاد. وإذا كانت عبارة "الغابات لا تعترف بالحدود السياسية" التي قالها من قبل، وأكثر من مرة المدير العام للغابات في السودان عبد العظيم ميرغني، للاستهلاك السياسي، فإنها تكتسب بعدا آخر الآن. فبعد أيام، ستعلن دولة الجنوب وسيكرس انفصال الجنوب عن الشمال وستصبح معظم الغابات ضمن حدود الدولة الجنوبية، إلا أن ميرغني يصر، على أن الغابات لن تتأثر بالوضع السياسي.

ويطالب ميرغني الشريكين بضرورة التنسيق للحفاظ علي الغابات في دولتي الشمال والجنوب. ويؤكد المسؤول عن الغابات في السودان على أن تأثيرها، أي الغابات، في حالتي الإيجاب والسلب، لا يعترف بالحدود السياسية وأنه يتعدى حدود البلد الواحد إلى بقية أجزاء الإقليم.

ويعترف ميرغني بوجود معظم الغابات بالولايات الجنوبية مشيراً إلى أهمية غابات الجنوب للشمال والجنوب على حدٍّ سواء، ليس لتوفير المنتجات الضرورية والسلع الهامة فحسب، وإنما لتوفيرها، بصورةٍ خاصة، خدمات بيئية لا يمكن الاستغناء عنها أو تعويضها، على حد قوله. 


محمد الناير © عثمان شنقر

تأثير بيئي أم إقتصادي؟

من جهته يقلِّل الخبير الاقتصادي، محمد الناير، من تأثير انفصال غابات الجنوب، على الاقتصاد السوداني، إلاَّ أنه أكد على تأثيرها السلبي على البيئة في الشمال.

ويقول الناير إن غابات الجنوب لم تكن تسهم إسهاما اقتصادياً بارزاً في الاقتصاد السوداني. ويدلل على قوله، بأن أبرز المنتجات "الغابية" المساهمة في الاقتصاد هي الصمغ العربي الذي توجد غاباته في كردفان وليس في جنوب السودان.

ولتفادي الأثر البيئي البالغ لانفصال غابات الجنوب، يطالب الناير دولة  الشمال بالإسراع في زراعة مزيد من الغابات والأحزمة الشجرية، للوقاية من التصحر الذي من المتوقع أن يضرب الشمال، ولتعويض الغابات التي ستضم لدولة الجنوب.

ويطالب الناير الدولة بوضع إستراتيجية واضحة لزراعة ملايين الأشجار في المناطق المتأثرة بالزحف الصحراوي، مشيراً إلى ضرورة عدم تجاهل هذه القضية الحيوية، حسب وصفه.

الحاجة لتنمية الغطاء النباتي


ميزت منظمة الأغذية والزراعة العالمية الدول الفقيرة من الغنية بمدى فقر أو ثراء الغطاء النباتي في هذه الدول. ووضعت المنظمة حدَّاً أدنى للدول النامية يبلغ عشرة بالمائة من مساحة الغابات في الدولة المعينة، وحينها تعتبر هذه الدولة ذات غطاء غابي شحيح.

الخبير في مجال الغابات، حسن عثمان النور، يقول إن السودان، في ظروفه الراهنة، يحتاج إلى نسبة 25% من مساحته الجغرافية، على الأقل من الغطاء النباتي لتلبية الحد الأدنى من احتياجاته الاقتصادية والبيئية. ويؤكد النور أن الدراسات أثبتت أن السودان يحتاج إلى تنمية غطائه النباتي، بما يعود بالفائدة على المواطن.

ويشدد الخبير السوداني على أن إعلان دولة الجنوب في التاسع من يوليو، سيخلق وضعاً خطيراً في الشمال على المستوى البيئي، مشيرا إلى أنه "سيتبقى لنا 10 بالمائة فقط من المساحة، التي يفترض أن تكون 25%. ونحن نحتاج  إلى نسبة كبيرة حتى نصل للنسبة الـمطلوبة عالميا". 

ويعرب النور عن مخاوفه من مصير غابات الجنوب، وكيف يمكن أن تدار قائلا "لا نعرف ماذا سيكون مصير 80  بالمائة من الغطاء النباتي الموجود بالجنوب".  ويطالب الشريكين ببحث القضية ضمن ترتيبات العلاقة بين الدولتين في المستقبل، محذرا من خطورة تجاهلها وإهمالها، لأن ما سيترتب على هذا الإهمال سيكون خطيراً جدا على دولة الشمال، بحسب عبارته.


حسين عفان © عثمان شنقر
جولة تكشف حقائق

وللوقوف على بعض الحقائق على الأرض، قمنا بجولة في منطقة 'أبروف' المطلة على نهر النيل، وهى منطقة مشهورة بصناعة المراكب الشراعية، وتعتمد بشكل رئيسي على الأخشاب القادمة من جنوب السودان. وكشفت الجولة عن تردى وضع صناعة المراكب.

إبراهيم موسى، يعمل في صناعة المراكب منذ سنوات قليلة واكتسب خبرة ومهارة في الحرفة،  يقول إن عملهم في صناعة المراكب توقف منذ شهور قليلة. ويرد السبب  إلى أن التجار توقفوا عن جلب الأخشاب، التي تدخل في صناعة المراكب من غابات الجنوب. وأبدى تخوفه من توقف المهنة وان يفقد وظيفته بسبب عدم توفر الأخشاب.

وبدوره يكشف حسين عفان، وهو من أبرز العاملين في المهنة عن عدم وجود بدائل متوفرة في الوقت الراهن لأخشاب الجنوب التي تشتهر بجودتها ومتانتها. وأشار عفان إلى ضرورة المواصلة في استجلاب الأخشاب من الجنوب بكل السبل، حتى لا تتوقف هذه المهنة العريقة.