الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

صعوبة الحياة والتسول في السودان (26.06.2012 00:00) - 1261

آدم محمد أحمد
الخرطوم -التسول ظاهرة متنشرة في السودان، ومن المتوقع ان يزداد انتشارها بسبب الحروب و الحالة الاقتصادية المتردية في البلاد.
25.04.2024
متسولان في الخرطوم، 19 يونيو 2012.
متسولان في الخرطوم، 19 يونيو 2012.

\"اتخذوا من فناء المسجد بالسوق الكبير وسط العاصمة الخرطوم، مأوى لهم، وكأنهم يتضرعون إلى الله من أمام بيته انتظاراً للرحمة. عندما تشرق شمس كل يوم جديد، ينتشرون في أرجاء السوق بحثا عن أرزاقهم، ثم يعودون إلى المسجد عند دبر كل صلاة، ليس حرصا على تأدية الصلاة مع الجماعة ولكنهم ينتظرون خروج المصلين عند باب المسجد عسى أن يشعر احدهم بمعاناتهم ويرمي لهم قرشا\". 

هكذا روى لي عبد الرحمن صالح، رجل في ثمانينات العمر، طريقة وأسلوب عملهم \"كمتسولين\" في العاصمة السودانية الخرطوم والتي تحتضن ما يزيد عن تسعة الآف متسول حسب إحصاءات غير رسمية. 

\"المسجد أصبح منزلي وناس
السوق هم أهلي وسأموت هنا\"
عبد الرحمن صالح

ويقول عبد الرحمن عندما سألته عن أهله وأبناءه: \"أنا جئت إلى الخرطوم قبل عشر سنوات، وتركت أهلي في غرب السودان ولكني لا اعرف أين هم الآن\".

ويضيف وهو يجمع ما وجده من قروش حصاد ذلك اليوم ويدسه في جيب ملابسه المهترئة \"المسجد أصبح منزلي وناس السوق هم أهلي وسأموت هنا\".

ثم لم ينتظر عبدالرحمن لأساله مرة أخرى،  فبادرني بسؤال قائلا: \"أنت تفتكر نحن نمارس التسول عشان شنو؟\" لكنه لم ينتظر إجابتي وأضاف: \"ليس لدينا شخص مسئول عنا والدولة لا تهتم بنا مطلقا فمن أين نأكل طالما نحن أحياء؟\"

السلطات في الخرطوم ممثلة في وزارة الرعاية الاجتماعية، ترى أن معظم المتسولين في الخرطوم هم أجانب توافدوا من دول افريقية مجاورة للسودان. وأشار المسئول بوزارة التنمية والرعاية محمد الدرديري إلى أن الوزارة قامت بترحيل ما يفوق (500) متسول أجنبي بالتنسيق مع سفارات بلدانهم على عدة مراحل خلال عامين، فيما منحت المتسولين السودانيين بعض المبالغ والاحتياجات التي تساعدهم في كسب عيشهم بعيدا عن التسول، ونوه \"إلى أن كل من يتم تسليمه تلك المبالغ يكتب تعهد بعدم عودته إلى مهنة التسول مرة أخرى\".

يقسم بدرالدين بأن ما يقابلهم من 
المتسولين \"ليسوا سودانيين لأنهم
لا يستطيعون حتى التحدث
بالعربية ولايشبهون السودانيين\".  بدر الدين احمد 

يتسبب المتسولون في بعض المضايقات لأصحاب المحال التجارية سيما أصحاب المطاعم. ويقول بدر الدين احمد صاحب محلات لبيع الأطعمة الجاهزة إن المتسولين يتسببون في إزعاج الزبائن وذلك لأنهم يقتحمون المحل ويبدءون في التسول وهذا وفقا لبدر الدين لا يعجب معظم الناس، ويضيف: \"نقوم بطردهم لكنهم يعودون مرة أخرى\". ويقسم بدرالدين بأن ما يقابلهم من المتسولين \"ليسوا سودانيين لأنهم لا يستطيعون حتى التحدث بالعربية ولا يشبهون السودانيين\".  

كلمات عبد الرحمن السابقة التي يبدو فيها الحكمة جعلتني التفت إلى امرأة عجوز طاعنة في السن تجلس بجواره وكانت تتابع حوارنا باهتمام فسألتها: ”هل أنت زوجة عبد الرحمن أم أخته؟“ فضحكت رغم أن حالتها تدعو للبكاء وقالت: \"عبد الرحمن أنا وجدته من زمان هو قاعد هنا\". 

وأضافت سعدية أبكر بعد أن جمعت أطراف ثوبها وغطت به وجهها : \"المشكلة انو ناس الشرطة يا ولدي ما بيخلونا نكسب رزقنا ومرات يقبضوا علينا بدون سبب\". وعندما سألتها عن ما تكسبه في اليوم قالت بصوت منخفض: \"نكسب شوية شوية\". 

وأشارت سعدية إلى أنها جاءت إلى الخرطوم من ولاية القضارف بحثا عن رزق بعد أن ضاقت بها الحياة هناك والتي وصفتها \"بالصعبة\".

خميس حسين لا يفهم اللغة العربية جيداً، ولا يجيد التحدث بها، وبصعوبة قال خميس الذي يبدو مظهره انه شاب في الأربعين من عمره، \"انه
من جبال النوبة منطقة  الدلنج وجاء إلى الخرطوم للعمل\"، لكنه أضاف بعد أن كشف لي ساقه المعاق \"صدمتني عربة في رجلي هذه وأصبحت عاجز عن العمل\". ويقول خميس انه يريد \"العودة إلى منطقته ولكنه غير قادر لعدم توفر المال الكافي\".

\"المشكلة انو ناس الشرطة يا ولدي 
ما بيخلونا نكسب رزقنا ومرات
يقبضوا علينا بدون سبب\"
سعدية أبكر

بالرغم من أن مراقبون يقولون ان التسول كظاهرة اجتماعية سالبة انخفضت حدتها في العاصمة الخرطوم مما كانت عليه قبل سنتين إلا أنهم يحذرون من أن الحالة الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة نتيجة لما يعاني منه السودان بعد الانفصال ربما يزيد أو يدفع بظاهرة التسول للعودة إلى شوارع الخرطوم بصورة أكثر حدة خلال السنوات القادمة. 

ويقول الباحث الاجتماعي خالد صلاح انه يخشى من \"لجوء فئات كثيرة إلى التسول بسبب صعوبة الحياة، خاصة بعد أن قررت الحكومة السودانية زيادة أسعار الوقود وما يصاحبه من غلاء الأسعار\". ويشير خالد إلى أن \"هناك اسر نزحت إلى الخرطوم من مناطق تشهد الآن نزاع مسلح بين الدولة والحركة المتمردة لكن طبيعة العاصمة قد لا تساعدهم على العيش مما يضطر بعضهم إلى ممارسة التسول\".