الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

استئناف المفاوضات المعلقة بين دولتي الشمال والجنوب لبحث القضايا العالقة

آدم محمد أحمد
تنتظر طاولة التفاوض بأديس ابابا بداية الأسبوع المقبل جملة من القضايا التي تسمى عالقة، وهي ما علق من اتفاقية السلام على رأسها قضية أبيي وجنوب كردفان النيل الأزرق، وهذه القضايا شهدت خلال أسابيع مضت تطورات كبيرة على…
25.04.2024

استأنف ثامبو امبيكي الخطوات المكوكية ما بين الخرطوم وجوبا يتلمس من خلالها إمكانية العودة لطاولة المفاوضات بين دولتي الشمال والجنوب، بعد انقطاع دام قرابة الشهر بفعل ترتيبات إعلان الدولة الجديدة، وما صاحب ذلك من سكرة الاحتفال بالانفصال من قبل الجنوبيين...

فخلال يومين قضاهما امبيكي استطاع أن ينتزع موافقة قوية من الرئيسين \"البشير وسلفاكير\" باستئناف التفاوض... ويبدو أن أهمية القضايا التي تسمى بالعالقة وعلى رأسها: البترول والعملة والجنسية وأبيي والحدود، هي التي دفعت الأطراف إلى أظهار الرغبة المستعجلة...

المؤتمر الوطني على لسان رئيس قطاعه السياسي د. قطبي المهدي رحب بالاتجاه الداعي لبدء التفاوض؛ لجهة أن الحوار توقف بسبب الاحتفال، وأن ما تبقى من قضايا يعتبر ملحاً جداً ولا يحتمل أي تأخير، وقال قطبي: كنا نتوقع أن تستأنف المباحثات في أسرع وقت ولجاننا الآن جاهزة لبدء التفاوض...فيما وافق الرئيس على بدء الحوار في أسرع وقت ممكن حسبما قال امبيكي.

 تنتظر طاولة التفاوض بأديس ابابا بداية الأسبوع المقبل جملة من القضايا التي تسمى عالقة، وهي ما علق من اتفاقية السلام على رأسها قضية أبيي وجنوب كردفان النيل الأزرق، وهذه القضايا شهدت خلال أسابيع مضت تطورات كبيرة على كافة الأصعدة ربما كانت السبب في تعجيل الحلول أو العكس.

ووفقا لمراقبين فإن الوضعية التي أصبحت عليها تلك القضايا قد تسهل إمكانية حلولها لجهة أن التفاوض سيكون بين دولتين وليس بين حزبين في إطار دولة واحدة كما كان في السابق، وهو أمر يقلل ويزيل سمات التعنت التي اتسمت بها أي مفاوضات بين الحركة والوطني في السابق.

فقضية أبيي التي تبدو محسومة في اجتماعات أديس الماضية لم يتبق لها سوى الاتفاق على الإدارية وجدولة انسحاب القوات المسلحة، ونشر القوات الإثيوبية في المنطقة بصورة نهائية، ومن ثم الاتفاق على ترتيبات إجراء الاستفتاء في المنطقة أو إيجاد حلول تضمن العبور بالمنطقة إلى الضفة الأخرى.

رغم أن الاتجاه الراجح الذي يلوح في الأفق هو إمكانية الاتفاق على تقسيم أبيي مناصفة بين الطرفين \'دينكا نقوك\' و \'المسيرية\'، باعتبار أن إجراء الاستفتاء يحمل بعض الصعوبات التي جاءت نتيجة للتطورات على الأرض وما صاحبها من عمليات نزوح ربما غيرت من التركيبة السكانية.

حكومة الجنوب أعلنت على لسان رئيس لجنتها في المفاوضات وزير السلام باقان اموم إنها اختارت قائمة مرشحيها في انتظار حكومة الشمال... وهذا مرتبط بوصول القوات الإثيوبية إلى المنطقة وهي الخطوة الأولى التي تبنى عليها الخطوات اللاحقة.

 لكن بذات القدر تحمل قضية المنطقتين بعض الصعوبات التي تضعها في خانة الشد والجذب، وعلى الرغم من أنها لم تكن ضمن القضايا العالقة التي ستناقش بين الدولتين لكنها ستضمن حيزاً كبيراً ومساحة واسعة في طاولة المفاوضات التي تبدأ اليوم بأديس ابابا...

جنوب كردفان تمثل النقطة الأكثر اشتعالا، لأنها بجانب الحرب التي تستعر فيها الآن، يعتبر الاتفاق الذي تم توقيعه في أديس بشأن القضية في أعداد المفقودين، مما يحتم على الجانبين البحث عن أرضية مشتركة بينهما تضمن ضرورة الاتفاق على حل وسط...وحتى هذا لا يبدو متوقعا بالنظر إلى التطورات التي سادت مسار القضية منذ توقيع اتفاق أديس وحتى اليوم..فالمؤتمر الوطني عمليا نفض يده من الاتفاق وأعلن ذلك صراحة...

وبالمقابل تمسكت الحركة بالشمال به، وزادت على ذلك بعض التهديدات التي تستبطن شيئا، من بينها ما قاله عرمان بأنهم سيفاجئون الوطني إذا تمادى في رفض الاتفاق، إضافة إلى حديث الحلو الأخير بأنه سيلجأ إلى المطالبة بحق تقرير المصير إذا تمسكت النخبة في الخرطوم بالأسس القديمة للحكم...

هذا من جانب، فيما يأتي الجانب الآخر انطلاقا من قضية المشورة الشعبية التي يبدو الاختلاف الآن ليس حول إجرائها أو توقيتها وإنما في جدواها فالحلو مثلا يرى أن مرحلة المشورة تم تجاوزها الآن، بسبب ما أسماه بعدم وجود من يلتزم بأي اتفاق ويقوم بتنفيذه في الخرطوم...

بينما في المقابل مددت الحكومة السودانية اجراءت المشورة لستة أشهر قابلة للزيادة...وهو الأمر الذي اعترض عليه رئيس الحركة في الشمال مالك عقار واعتبره إجراءً أحاديا وهدد بمقاومته بكل السبل...غير أن التطور المهم في القضية هو ما رشح بالأمس عن احتماء مالك عقار وسط قواته بالنيل الأزرق، ورفض المجيء الى الخرطوم للقاء رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بناء على مبادرة طرحتها جامعة الخرطوم في إطار الجهود لاحتواء الأزمة.

 بيد أن ثمة فوارق في التفكير بين الدولتين في ما يتعلق بمفهوم القضايا العالقة، فالخرطوم تكاد تكون حسمت أمرها وموقفها، من تلك القضايا...بدءً بموضوع النفط، وإن كان الطرفان لم يصلا إلى نقطة مشتركة بعد، إلا أن الحكومة أحالت قانون تنظيم رسوم عبور البترول إلى البرلمان وقام بإجازته، رغم أن القانون لم يحدد القيمة التي تطلبها الحكومة، يضاف إلى موضوع الجنسية التي حسمت أيضا بتعديل القانون وإجازته، والذي نص على إسقاط الجنسية عن الجنوبيين...

وتصبح القضية الوحيدة التي تحتاج للبحث حسب وجهة نظر الحكومة السودانية هي قضية العملة والكيفية التي يتم بها إعادة الكتل النقدية من الجنوب...وبحسب مصدر- فإن وفد الحكومة الذي سيشارك في المفاوضات المقبلة لديه رؤية واضحة مسنودة بالواقع الذي تم خلال الأيام الماضية. وأشار المصدر إلى انه لا توجد صعوبة بالنسبة للوفد في ما يتعلق ببعض القضايا التي قالت فيها الحكومة رأيها واضحا.

 بيد أن هناك قضية أخرى لا تقل أهمية عن جملة تلك القضايا وهي مسألة الحدود بين الدولتين وعلى الرغم من أن الشمال رسم عمليا خارطة دولته على الورق؛ والجنوب كذلك، إلا أن ذلك لم يغط على حقيقة أن هناك مناطق مشتركة لا يزال الجدل حولها قائماً، من ضمنها منطقة حفرة النحاس بين ولاية جنوب دارفور مقاطعة شرق الاستوائية بالإضافة إلى أبيي... وخطورة هذه الأشياء تؤكدها الأخبار التي نشرتها صحيفة (التايمز) الأمريكية التي أشارت إلى صعوبات تواجه، إنزال خارطة دولة الجنوب إلى الأطلس...

حكومة الجنوب على لسان باقان اموم تحمل قدرا من التفاؤل في إمكانية التوصل إلى حلول حول تلك القضايا...ومن بينها موضوع النفط والذي كشف باقان بأنهم سيسترشدون فيه بالنماذج العالمية، من بينها دولة تشاد التي تصدر نفطها عبر الكاميرون وتدفع 41 سنتا من الدولار مقابل البرميل الواحد. وبحسب باقان فإنه لا يوجد سبب يمنع التوصل لاتفاق في هذا الإطار، إلا إذا كانت الخرطوم تريد أن تتخذ موقفا عدائيا تجاه الجنوب...

لكن هذا مقرون بالمبالغ التي كشفت عنها حكومة الشمال والتي حددتها بـ(32،8) دولار كرسوم لعبور النفط تشي بأن الاتفاق حول الملف ليس بالسهولة التي يقولها باقان اموم لان الخرطوم تنطلق في ذلك من المبدأ بأن لديها الحق في تقدير ما تريد...

ووصف الأمين السياسي للوطني د.الحاج آدم يوسف كلام باقان بـ\"السخيف جدا وغير اللائق سياسيا\" وقال \"إن من حق أي طرف فرض الرسوم التي يراها مناسبة\". مشيراً إلى \"أن الحركة الشعبية هي التي تتحمل تفاقم تردي الوضع الاقتصادي بين الدولتين؛ لتعنتها الشديد بشأن الملف الاقتصادي\". وأضاف \"لدينا كافة الخيارات للتعامل معها لكن الأفضل من ذلك هو الجلوس للتفاوض وتسوية الملف\".

وتمثل العملة ملفاً شائكاً بين الطرفين لجهة أن النقاش حولها سيكون بمردود سلبي انطلاقا من واقع..فالطرفان يجلسان على الطاولة اليوم وبحوذة كليهما عملة جديدة شرع في تداولها، وهنا الجدل الأكبر...لكن الجنوب يتحمل العبء الأكبر من الخسارة، في حين استمر الأمر هكذا لأن خزينة حكومته تمتلئ بجنيهات سودانية أصبحت من الماضي غير مبرئة للذمة، ولا قيمة لها إن لم تصل أديس في المباحثات التي تنطلق اليوم لاتفاق بشأن القضية...

باقان اموم يتهم الخرطوم بخرق اتفاق تم بين الشمال والجنوب يقضي بأن يستمر تعامل الجنوب بالعملة السودانية لفترة تتراوح ما بين 6 إلى ثمانية أشهر، معتبرا \"أن تغيير العملة في الشمال حرب اقتصادية على الجنوب، وفيها خطر ويخسر الجنوب فيها ما لا يقل عن 2 مليار دولار، عبارة عن قيمة الجنيه المتداول في الجنوب\"، واعتبر باقان \"أن الحلول تكمن في أن يتحمل الشمال مسؤولية تعويض العملة التي سيتم سحبها من الجنوب\". لافتاً إلى إنه لا يعرف الحلول إذا رفضت الخرطوم التعويض...

لكن في لهجة مختلفة عما ذهب إليه باقان؛ يرى القيادي في الحركة أتيم قرنق انه بناء على تصريحات قادة الشمال لا توجد قضايا عالقة وكل زول يعرف حدوده، ويؤكد أتيم في تصريح لـ(الأخبار) قائلا \"نحن دولة نتطلع إلى علاقات جيدة لكن لن نسمح لأي شخص أن يخضع إرادتنا\". وأردف\"إذا كان الآخرون بهذا المفهوم فإننا لن نخضع إلا لله وإردة شعبنا\".

المفاوضات التي علقت استؤنفت ولكن القضايا لم تكن في ثلاجة، القضايا العالقة تتزايد وتتعمق الخلافات وتتشعب وتتشابك، قضايا متشابكة هل يمكن تفكيكها وحلحلتها بشكل منفصل أم أن الحل يفترض ان يكون حلاً على طريقة السلة الواحدة؟ هل انطلق قطار المفاوضات أم هي محطة جديدة في إطار سلسلة محطات؟