الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

آدم محمد أحمد
الخرطوم - لم تقفز عبارة السودان سلة غذاء العالم العربي من مرحلة التداول ولم تستطع أن تنزل إلى أرض الواقع رغم إمكانيات الدولة في مجال الزراعة، مما أدى إلى معاناة عدد من مناطق البلاد من انعدام الأمن الغذائي.

يعتمد السودان على موردين أساسين لتأمين الغذاء هما الزارعة والثروة الحيوانية.  وفقا لمعطيات البنك الدولي، فإن مساحة الأراضي الزراعية في السودان تصل إلى 45 في المئة من المساحة الإجمالية للبلاد، أي ما يعادل 5.2 مليون فدان (أو 108 مليون هكتار تقريبا). و ”تشير الأراضي الزراعية إلى نسبة الأراضي التي تكون صالحة للزراعة ومزروعة بمحاصيل دائمة أو تغطيها مراع دائمة“، حسب البنك الدولي.

على مدى السنوات العشر الماضية، كان القطاع الزراعي بشقيه، النباتي والحيواني، يمثل رأس الرمح لنمو الاقتصاد السوداني، حيث كان يلعب القطاع الزراعي دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان.

ولكن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي انخفضت بشكل كبير. في ستينيات القرن الماضي، كان القطاع الزراعي يساهم بنسبة 55  في المئة. هذه النسبة انخفضت إلى 39  في المئة سنة 1998، وانخفضت مجددا لتصل إلى 24 في المئة سنة 2011.  

أحد أسباب هذا الانخفاض الملحوظ هو ظهور البترول في بواكير العام 1999، وتحول تفكير الحكومة السودانية والمواطن إلى النفط كثروة نقدية سريعة العائد، وأصبح الاعتماد عليه بصورة أساسية، مما أدى إلى إهمال القطاعات الأخرى سيما الزراعية منها.

وتأثرت الكثير من المشاريع الزراعية بسبب إهمال الحكومة التي وجدت بديلا في توفير احتياجاتها حتى بالنسبة للغذاء، عبر فتح باب الاستيراد لكل المستلزمات الضرورية. وبلغت فاتورة استيراد القمح والدقيق من الخارج نحو مليار دولار سنويا كلها كانت تدفع من عائدات النفط قبل الانفصال. هكذا تغيرت عوائد المواطن السوداني في نظام الغذاء سيما المدن الكبيرة منها، من الاعتماد على الذرة والدخن إلى القمح، مما زاد من استهلاك القمح الذي بلغ نحو مليوني طن في العام.

انعدام الأمن يعني انعدام الأمن الغذائي
الملاحظة الأبرز أن اندلاع القتال بين الحكومة والمعارضين لها كان له تأثير في المناطق ذات أهمية من حيث الموارد، التي يمكن الاعتماد عليها في سد العجز وهي دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

وهذا الأمر أثر في الحياة بصورة عامة وعلى قدرة المواطنين الموجودين هناك على الإنتاج والاعتماد الذاتي، فانقلب الأمر إلى نازحين يبحثون عن دعم، مما حدا بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية الزراعية ’الفاو‘ من مجاعة قالت إنها محتملة في بعض مناطق السودان.

وأكدت المنظمة في تصريحات لها في شهر أبريل الماضي أن ”أكثر من 3 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي بالبلاد، بسبب زيادة النزوح والصراع في إقليم دارفور وتوافد اللاجئين من دولة الجنوب“.

وقال عبدي أدان جاما، ممثل ’الفاو‘ في بيان سابق ”أن السودان يمثل أزمة منسية تسير من سيئ إلى أسوأ\" مشيراً إلى ”الحاجة الماسة لمساعدة الرعاة والفلاحين للحد من مزيد من التدهور في حالة الأمن الغذائي“.

وساقت المنظمة جملة من الأسباب التي أدت إلى الأزمة الغذائية على رأسها ”تجدد القتال والعنف في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وارتفاع الأسعار المحلية للحبوب ووصلوها إلى مستويات قياسية بمعظم الأسواق، إضافة لفشل الموسم الزراعي ببعض المناطق في السودان“.

ولم تعارض الحكومة هذا التقييم، حيث قال عمر علي رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان السوداني في تصريحات صحفية لموقع سودان نيوز في نفس الشهر، أن قضية الأمن تعد الفيصل في توفير الغذاء لكون الحالة الأمنية تعد عائقاً أمام إيصال المساعدات للمحتجين.

على سبيل المثال، تعد منطقة دارفور واحدة من المناطق التي يعتمد إنسانها على الزراعة التقليدية وتشكل له أساساً قوياً في تأمين حياته المعيشية. بالإضافة إلى ذلك تعبر منطقة جبل مرة، في ولاية غرب دارفور، إحدى المناطق الأكثر خصوبة في السودان حيث تتمتع بمناخ البحر الأبيض. لكن العنف حول تلك المناطق إلى خراب لا فائدة منها.

نفس السيناريو ينطبق على ولاية النيل الأزرق التي تراجعت فيها نسبة المساحات المزروعة بنسبة 60 في المئة بسبب الحرب، سيما في بداية التمرد في العام 2012. وأقر المجلس التشريعي للولاية في وقت سابق بفشل الموسم الزراعي بالولاية بنسبة 60 في المئة في محصول السمسم و55 في المئة في محصول الذرة، بينما بلغت حالات الإعسار وسط المزارعين نسبة 60 في المئة. وقال الزين يوسف، رئيس اللجنة الزراعية في المجلس التشريعي لولاية لنيل الأزرق ”إن أحداث التمرد التي شهدتها الولاية تسببت في فشل الزارعة المطرية لأن المتمردين دخلوا للمناطق الزراعية، مما أدى إلى هروب المزارعين وتركهم لمشاريعهم الزراعية الأمر الذي تسبب في تلف جميع المحاصيل خاصة في المناطق المتاخمة للتمرد“.

ذات الأمر ينطبق على منطقة جنوب كردفان التي تشهد هي الأخرى تمردا مماثلا. جنوب كردفان كانت من أكبر مصادر إنتاج وتسويق الذرة في السودان، وتعد من أكبر مناطق عمليات الإغاثة في تاريخ المنطقة التي كان إنسانها مكتفياً ذاتياً وبها مشاريع آلية كبيرة حتى لإنتاج القطن. لكن الحرب قضت على كل ذلك، حتى الزارعة المطرية التقليدية.

استراتيجيات الدولة

الأمر الواقع جعل الدولة تفكر في إستراتيجية جديدة لإنقاذ الزراعة وجعلها في المرتبة الأولى في إطار الأمن الغذائي، فاتجهت لإحياء بعض المشاريع الكبرى وضخ الأموال في إطار ما يسمى بمشروع التمويل الأصغر للمزارعين، بهدف مساعدتهم على الإنتاج.

وطرح الرئيس السوداني عمر البشير ما أسماه مبادرة للأمن الغذائي العربي أمام القمة العربية التي عقدت في الكويت في يناير من العام 2013. وكان هدف هذه المبادرة هو جلب مستثمرين عرب، بغية الاستفادة من الأراضي الزراعية في السودان.

ووجه نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن ”وزراء القطاع الاقتصادي بالتركيز على الجزيرة وإعادة مشروعها سيرته الأولى“. ومشروع الجزيرة يعتبر من أكبر المشاريع الزراعية في السودان كان الاعتماد عليه في السبعينيات في توفير الأمن الغذائي لكنه وجد الإهمال عندما استملت الحكومة الحالية الحكم في العام 1989. ويقول مدير عام مشروع الجزيرة المهندس عثمان سمساعة أحمد الشيخ إن ”الدولة تعول على مشروع الجزيرة لحل مشكلة غذاء“.

وكشف عمر علي رئيس لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان السوداني عن خطة ”للحد من النقص في الحبوب الذي تشكو منه البلاد بزراعة 550 ألف فدان من الذرة ومثلها من القمح في مشروع الجزيرة باعتبار أن التركيز في زراعة الحبوب أمر مهم لتأمين الغذاء وسد الفجوة“.

ورغم كل إمكانيات السودان إلى يتحدث عنها المختصين في مختلف المجالات، إلا أن السودان كبلد لا يزال مهددا في أمنه الغذائي نتيجة لعوامل كثيرة بعضها يعود للحكومة التي وبعد فترة حكم امتدت لـ 26 عاما لم تستطع وضع خطة محكمة لتأمين الغذاء، ربما لذلك أسبابه التي تتمثل في انتشار الحروب والنزاعات في مناطق متعددة من البلاد.

انعدام الإمكانيات يعني انعدام الأمن الغذائي

ولكن حتى إن توفر الأمن وغطى كل ربوع السودان قد لا تستطيع الدولة الاستفادة من أراضيها الزراعية الشاسعة بسبب عدم توفر الإمكانيات الاقتصادية والمال.

عمليا الزراعة تحتاج إلى رأس المال سواء أن كانت آلية أو مطرية، وهذا، وفقا للمعطيات الاقتصادية، غير متاح لخواء خزينة الدولة من المال. وكثيرا ما تحمل الحكومة السودانية الحظر الاقتصادي المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشرة سنوات تقريبا مسئولية فشل مشاريع التنمية في السودان، وذلك لأن مقومات الزراعة الحديثة من آليات وتقاوي محسنة تقع تحت دائرة الحظر.

أجزاء السودان غير متساوية من حيث وجود المقومات الجيدة للاستفادة من أي إستراتيجية حكومية مستقبلية في مجال الأمن الغذائي. على سبيل المثال، يوجد في شمال السودان ووسطه أراضي واسعة يمكن الاستفادة منها في الزراعة الآلية نسبة لقربها من نهر النيل، من بينها الجزيرة وولايتي الشمالية ونهر النيل. هذه الجهات يتركز فيها الاستثمار الآن وما هو مطروح من مشاريع زراعية في مجال الأمن الغذائي سيما القمح لما تتمتع به من إمكانيات، من بينها وجود الكهرباء.

ولكن هناك جهات قد لا تستطيع توفير أمنها الغذائي حتى لو توفر الأمن وتوقفت الحرب لكونها تعتمد على الزارعة المطرية المرتبطة بمستوى الإمطار ونسبتها في فصل الخريف، وهذه المناطق تتمثل في غرب السودان مناطق كردفان ودارفور بالإضافة إلى النيل الأزرق، وولايات شرق السودان أبرزها القضارف وكسلا، وتشتهر بزراعة الذرة والحبوب المحلية.

على المستوى النظري يظل السودان من حيث الإمكانيات الزراعية في درجة متقدمة على مستوى العالم والمحيط الأفريقي، ولا زالت مقولة ’السودان سلة غذاء العالم العربي‘ تلتصق به، غير أن الواقع الماثل الآن يجعل الشعب السوداني من أكثر الشعوب معاناة، ويمكن أن ينطبق عليه المثل ’شايل السقا وعطشان‘