الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

جنوب كردفان... على ألسنة اللهب

آدم محمد أحمد
مراقبون يحذرون : ولاية جنوب كردفان مرشحة للتصعيد الذي لا يقل عن إمكانية عودة الحرب..
25.04.2024
 نساء في مسرحية من أجل سلام جنوب كردفان. هل يصبح التمثيل حقيقة؟
نساء في مسرحية من أجل سلام جنوب كردفان. هل يصبح التمثيل حقيقة؟

ثلاثة أحداث متفرقة ومتزامنة تخللها إطلاق نار وصف 'بالكثيف' جراء اشتباكات، كانت كافية لأن يقطع والي جنوب كردفان مولانا أحمد هارون لقاءات مهمة في الخرطوم ربما ليس من بينها اللقاء السري للحركة الإسلامية بأرض المعسكرات بسوبا. غادر الوالي على عجل حاطا رحاله بعاصمة الولاية كادوقلي. بمجرد أن وصل هارون كادوقلي، عبر الهاتف قال: "الحاجات الأمنية دي عايزة استقصاء أمهلني بعض الوقت" ولم يرد على الهاتف بعدها واكتفى برسالة تقول "عذرا سأتصل بك لاحقا"....

بدا هارون وكأنه يريد أن يخمد تلك النيران حتى لا تفسد له حلاوة الفوز بمنصب الوالي، فعقد اجتماعات فورية مع أجهزة الأمن بالولاية. وبحسب بعض المصادر، غادر وفد أمني الخرطوم إلى كادوقلي لذات الغرض... تفيد روايات من المنطقة إن الأحداث التي شهدتها جنوب كردفان هي تمرد حصل داخل وحدات القوات المسلحة، فالحادثة الأولى طبقا لبيان صدر عن الحركة الشعبية "وقعت بسبب تمرد داخلي بالفرقة الرابعة عشرة مشاة الموجودة بكادوقلي بوحداتها المختلفة، حيث خالفوا تعليمات القيادة بشأن الدخول في مواجهة مع الجيش الشعبي لنزع أسلحته، ولأن غالبية الضباط والجنود في المنطقة من أبناء النوبة فقد حدث عصيان للأوامر ووقع إطلاق نار..." أما الحادثة الثانية فهي وفقا لذات البيان "اشتباكات بين قوات الاحتياطي المركزي والشرطة في منطقة أم دورين على بعد 120 كيلومترا من كادوقلي... والثالثة "وقعت عندما تمردت شرطة الحياة البرية التي تم تجريدها من السلاح، حيث قاموا بالهجوم على مخزن السلاح واستولوا على الأسلحة التي تمت مصادرتها منهم، وهنا وفقا لرئيس لجنة الأمن بالولاية فإن جنودا يتبعون للحركة الشعبية ضمن القوات المدمجة في الشرطة رفضوا الانصياع لتوجيهات تأمرهم بالتحرك إلى منطقة أبيي، مما أدى إلى تجريدهم من السلاح".

لمزيد من المعلومات إقرأ : "إنتخابات جنوب كردفان – الطريق المسدود"

غير أن الرواية الحكومية طبقا للوالي أحمد هارون، تشير إلى "أن الأحداث التي وقعت بكادوقلي عبارة عن هجوم نفذته بعض عناصر الشرطة المدمجة على وحدة شرطة الحياة البرية، فيما تم اعتداء على حامية الجيش السوداني بمنطقة بأم دورين". معتبراً "أن الحادثتين نتيجة لتصرفات فردية من مجموعات متفلتة من قيادتها الحالية وليستا نتاجا لخطة مدبرة أو منسقة، وأن الحكومة ستتعامل مع الأمر حتى الآن على هذا الأساس". وأرجع هذه التصرفات "الفردية" لما سماه "القلق الذي يعتري منسوبي الجيش الشعبي، خاصة بعد أن اختار الجنوبيون الانفصال".


المتابع لتطورات الأحداث بولاية جنوب كردفان خلال الأيام الأخيرة التي أعقبت الانتخابات بالولاية وما صاحبها من "مغالطة" واتهامات بالتزوير، واختلاف حول النتائج، يمكنه بوضوح تلمس أن مشكلة ما ستقع.. وهو أمر حذر منه مراقبون كثر باعتبار أن الولاية مرشحة للتصعيد الذي لا يقل عن إمكانية عودة الحرب.. وأكثر ما يدل على ذلك النبرة التي علت في تصريحات الشريكين "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية" في ما يتعلق بوجود قوات الأخيرة في الشمال عقب الانفصال.. هذا مقرونا بما حدث في أبيي، والذي على ضوئه قررت القوات المسلحة إجلاء قوات الجيش الشعبي الموجودة شمالا داخل حدود 56 وأمهلت تلك القوات أسبوعا للمغادرة..

وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي العقيد فيليب اقاوير: "ليست لدينا معلومات دقيقة عما حدث في جنوب كردفان لكن اعتقد أن هذا يأتي في سياق بدء القوات المسلحة السودانية بتنفيذ تحذيراتها للوحدات المشتركة في جبال النوبة".. ما قاله فيليب يبدو صحيحا إلى حد ما إذا قارناه بتصريحات لرئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني د. قطبي المهدي أطلقها عقب اجتماع لـ 'القطاع' ناقش ضمن أجندته تلك الأحداث، إذ جزم الرجل "بعدم وجود أي مبرر لبقاء مسلحين تابعين للجيش الشعبي بجنوب كردفان بعد التاسع من يوليو المقبل لا علاقة لهم بالقوات النظامية"، واصفا الأمر "بغير المقبول" سيما في ظل قدوم إجراءات المشورة الشعبية بالمنطقة، مشددا على ضرورة تسريحهم ودمجهم في المجتمع.

لم تفلح الصورة التجميلية التي يضعها الكثير من المسؤولين في الدولة حين يصفون الأوضاع بجنوب كردفان، ويعتبرون أن التحذيرات من عودة الحرب ما هي إلا 'تخويف' تحاول بعض الجهات إطلاقه، وأن المشكلات الموجودة مقدور عليها.. لم يفلح ذلك في إخفاء حالة الغليان بالولاية والناتجة عن انصهار مشكلات جوهرية تعتبر من مخلفات اتفاقية السلام.. فرئيس حزب العدالة والقيادي بالمنطقة مكي علي بلايل، يضع عدة احتمالات يرى أنها ربما كانت السبب لوقوع الأحداث بالأمس، وقال في حديث لـ"الأخبار" إنه لا يستطيع أن يقدم تفسيرا لما يجري لأنه تلقى معلومات متضاربة من مصادر متعددة حول الأحداث وأسبابها، لكنه يضيف "الاحتمال الأول ربما يكون الأحداث في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات الماضية، أو ربما هي محاولة لعمليات أوسع في إطار يشمل العودة إلى خيار الحرب، لأن هناك اتهامات من الجيش الشعبي وحكومة الجنوب للمركز بما فيها قضية أبيي على رغم أن تصريحات القياديين من الجانبين تستبعد هذا الاحتمال"-والحديث لمكي- الذي يزيد بالقول "وقد تكون عناصر خارج سيطرة قيادة الحركة في الجبال"..

غير أن رئيس دائرة جنوب كردفان بالمؤتمر الوطني وعضو البرلمان السابق الفريق جلال تاور يرى أن التوترات التي حدثت مسألة طبيعية، واستبعد الرجل فكرة أن تجر تلك الأحداث الولاية إلى منزلق الحرب، وقال "هذا غير وارد، لأنه يمكن السيطرة عليها بالحكمة ومعالجة الإشكالية"، مشيرا إلى أن "الحلول السياسية متواصلة وأن الوالي التقى نائبه عبد العزيز الحلو لبحث التداعيات"، وأضاف في حديث لـ"الأخبار" "النظرة إليها يجب أن تكون متكاملة. صحيح أن الفترة الانتقالية شارفت على النهاية لكن بالحكمة قادرين على إيجاد الحلول"، لكنه أقر في ذات الوقت بـ"أن الأحداث خلقت نوعا من التوتر في نفوس الناس الذين تخوفوا من حدوث أشياء أكثر من ذلك.."
 
وفي بيانها قالت الحركة الشعبية "نقف مع السلام والحوار ولن نقبل أية محاولات للإقصاء وأي قرارات بإرادة منفردة والوصاية على الآخرين، ولن نبادر بالعداء ولن نسعى للحرب، لكن سندافع عن أنفسنا".

بين الطمأنة والتحذير والتهديد، على وقع إطلاق نار هنا وهناك، عقب نتائج الانتخابات في ولاية جنوب كردفان وما رافقها من اتهامات مع اقتراب انتهاء فترة الولاية الإنتقالية  عشية الاحتفال بانفصل دولة الجنوب، تبدو جنوب كردفان برميل بارود يهدد بانفجار، تنشط المساعي للحد من نتائجه التي قد تكون كارثية.