الاستفتاء… نهاية الاقتراع وبداية الازمات

رفعت الاقلام وجفت صحف توقعات نتيجة الاستفتاء، وقال الجنوبيون كلمتهم داخل صناديق الاقتراع. لكن يبقى السودان على شفا الحرب طالما أن هناك قضايا محورية عالقة بين شمال البلاد وجنوبه، والتي فشل شريكي عملية السلام، رغم الجهود المبذولة من قبل الطرفين وجهات ثالثة وسيطة، في حسمها قبيل عملية الاقتراع. فهل سيتغير المشهد بعد انتهاء التصويت، خاصة وأن موقف الحكومة الاتحادية من سيناريو الانفصال قد اتخذ منحا مغايرا في الأسابيع القليلة الأخيرة؟   

وعن أولويات الحركة الشعبية فيما يخص عملية التفاوض اشار امين عام الحركة الشعبية ووزير السلام بحكومة الجنوب باقان اموم في حديث خاص الي انهم سيسعون للوصول الي محطة استفتاء ابيي حتي يتسني لاهلها تقرير مصيرهم بالبقاء في الشمال او العودة لجنوب السودان كما كانو قبل العام 1905م. ابيي كما هو معلوم هي احدي عقد اتفاقية السلام المزمنة وأكثر القضايا العالقة استعصاء على الحل، بينما هو من شبه المؤكد أن يقود عدم الاتفاق حولها الي الحرب بين الشمال والجنوب. أما ما ظهر على الساحة السياسية مؤخرا من اتفاقات تهدئة مؤقتة ودفع ديّات القتلي بين قبيلتي المسيرية والدينكا نقوك فإنه لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى حل دائم يقى المنطقة شر المواجهات العسكرية مستقبلا.

أيضا تقف علي الرصيف قضايا ليست سهلة الحل تنتظر تفعيلا للجان التي قبعت طويلا في قاعات التفاوض ولم تخرج بشئ ذي جدوي يؤكد احاديث الساسة من الجانبين عن علاقات مميزة بين الدولتين حال الانفصال (كما جاء على لسان الرئيس البشير في خطابه بعاصمة الجنوب الاسبوع قبل الماضي وما ذكره نائبه في الحزب د. نافع علي نافع في حديثه للاقباط بمدينة شندي منذ بضعة أيام. وعلى الجهة الأخرى تصريحات رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ونائبه في الحكومة والحركة الشعبية رياك مشار حول علاقة خاصة تتميز عن تلك التي بين السودان ومصر.) هذه المقولات المطمئنة لا تجد لها اساسا علي ارض الواقع، ذات القضايا التي يقول شريكي الحكم انهم سيحسمونها خلال اقل من 6 اشهر يتم التفاوض حولها منذ عشرين عاما.

سيعود الشريكان ليناقشا قضية حدود طويلة - 2000 كيلو متر - اكثر من 20% لا تزال محل اختلاف. ايضا لم يتوصل شريكي اتفاقية نيفاشا الي رؤية نهائية فيما يخص الديون التي تثقل كاهل الدولة السودانية بما يقارب الاربعين مليار دولار. محافظ بنك السودان تحدث عن تفاوض مستمر مع الجهات الدائنة بغرض الاعفاء او اقتسام الدين بين الدولتين حال الانفصال. أما الموقف من جانب وفد حكومة الجنوب المفاوض فمتصلب ونهائي بحسب تصريح باقان اموم لنا عن عدم رغبتهم في تحمل الديون لأنها اتت بطريقيتين اولهما سلاح ضرب به شعب الجنوب وثانيها مشاريع لم تدخل ارض الجنوب. وأضاف باقان انهم سيتحملون الديون في حال واحدة فقط هي اقتسام اصول الدولة السودانية مع الشمال حال الانفصال.

بقية القضايا العالقة بين الشريكين قد تكون اقرب للحل من تلك التي ذكرناها - \"ابيي، الحدود، الديون.\" الوطني لم يجد بدا من الاشارة الي اعترافه بنزاهة  الاستفتاء علي لسان امينه السياسي ابراهيم الغندور. ويأتي هذا الاعتراف بعد ان اشارت التقارير الي وصول نسبة الاقتراع الي قرابة ال90% من مواطني الجنوب الذين سجّلو للاستفتاء. وبهذا ستكون النتيجة معبرة عن ارادة شعب الجنوب اكثر من كونها رؤية الحركة الشعبية كما كان يردد بعض قادة الوطني. أي أنه بات من الواضح أن بعض قيادات المؤتمر الوطني استوعبت بالفعل التغيّر في الموقف، واطلقت مثل هكذا اعتراف بنزاهة وشعبية استفتاء الجنوب.