الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تزايد احتمالات الانزلاق نحو سيناريو العنف في السودان

حمزة بلول
الفشل في حل قضايا مابعد الاستفتاء وعودة التوتر إلى إقليم دارفور، إضافة إلى تداعيات تطبيق الشريعة في الشمال، كلها ملفات مشتعلة قد تفتح الباب أمام سيناريو العنف في السودان.
25.04.2024
هل سينزلق السودان إلى مستنقع الحرب مرة أخرى؟
هل سينزلق السودان إلى مستنقع الحرب مرة أخرى؟

الفشل في حل قضايا مابعد الاستفتاء وعودة التوتر إلى إقليم دارفور، إضافة إلى تداعيات تطبيق الشريعة في الشمال، كلها ملفات مشتعلة قد تفتح الباب أمام سيناريو العنف في السودان.

مع فجر كل يوم جديد يطل على المشهد السياسي في السودان تزداد احتمالات انزلاقه إلى العنف، فإلى الآن لم يصل شريكا الحكم في السودان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى تفاهمات نهائية حول الملفات المعلقة بينهما قبل إجراء استفتاء تقرير المصير في التاسع من يناير القادم، كما أن أزمة دارفور تعود اليوم إلى مربع الحرب بعد زيادة المعارك بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية في شمال دارفور. إضافة إلى ذلك يثير قرار البشير تطبيق الشريعة الإسلامية في حال انفصال الجنوب سجالا سياسيا واسعا ومعارضة شديدة من قبل القوى السياسية الأخرى على الساحة السودانية.

قضايا مابعد الاستفتاء برميل بارود

لعل الملف الأكثر سخونة هذه الأيام في السودان هو قضايا مابعد الاستفتاء. فاتفاقية السلام الشامل التي وقعها الطرفان في نيروبي مطلع العام 2005م نصّت علي فترة تعقب الاستفتاء يتم فيها ترتيب الأوضاع بحسب النتيجة وحدة كانت أم انفصال تنتهي في التاسع من يوليو 2011م، لكن لا يزال التقدم بطيئا حتى الآن في كل قضايا مابعد الاستفتاء مثل "الحدود، ابيي، المواطنة، الديون"، وكل هذه الملفات يمكن أن ينتج حربا ضروسا بين الشمال والجنوب حال تم الانفصال إن لم يتم الاتفاق علي حلول جذرية.

قبل أيام صرّح القيادي بالمؤتمر الوطني د.قطبي المهدي ان قيام دولة جديدة بدون حدود معلومة سوف يؤدي إلى حرب بين الشمال والجنوب، قبله أفاد محافظ بنك السودان أن عدم الوصول إلى صيغة نهائية في أزمة الديون السابقة التي تقدر ب"35مليار دولار" يقود إلى مواجهة عسكرية بين الدولتين، أما أم الأزمات "ابيي" فما زالت تراوح مكانها دون التوصل إلى حد ادني من التفاهمات بين الطرفين برغم الجهود المبذولة من القيادة الأمريكية والاتحاد الأفريقي وبقية مبادرات المجتمع الدولي، قبيلة المسيرية ابتدأت التحرك من مناطق انطلاقها في المجلد وبابنوسة والفولة وغيرها في مراحيلهم التي تصل إلى مناطق ابعد من ابيي جنوبا، مما ينبئ باقتراب نزاع علي الأرض حتي وان اتفق الساسة لاحقا.

دارفور..العودة لمربع الحرب

أما الملف الدارفوري المتوتر فلم يشهد منذ انطلاق مسيرة العنف في اقليم دارفور في العام 2003م هدوءا مستمرا برغم توقيع الحكومة كثير من الاتفاقيات مع فصائل دارفورية عديدة توجتها باتفاق ابوجا في العام 2006م، واستمرار التفاوض في منبر الدوحة إلا أن الأرض الدارفورية ما زالت مشتعلة. ففي سابقة هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة توحدت الحركات الدارفورية المتشاكسة وبادلت القوات الحكومية هجمات في مناطق عديدة بولاية شمال دارفور، كما خرج كبير مساعدي الرئيس السابق مني اركو مناوي ووالي غرب دارفور السابق أبو القاسم إمام من شمال السودان إلى جنوبه غاضبين، وأقاما في جوبا في طلاق نهائي مع المؤتمر الوطني شريكهم في السابق في اتفاقية ابوجا. كل الأخبار القادمة من دارفور في هذه الفترة تؤكد استمرار المعارك بصورة يومية بين القوات المسلحة السودانية وتحالف متمردي دارفور بما فيهم حركة العدل والمساواة التي تتواجد الآن بالدوحة انتظارا لإعادة وقف إطلاق النار الذي مهروه مطلع العام مع الحكومة وتم نقضه وسط اتهامات متبادلة بالخرق من الجانبين.

بقاء الحركة الشعبية بالشمال ينعش التطرف الديني والعنصري

والي النيل الأزرق مالك عقار
والي النيل الأزرق مالك عقار

ويضيف قرار الحركة الشعبية البقاء في الشمال تحديا جديدا مرشحا للتفاعل إلى الساحة السودانية. فقد عقد قادة الحركة الشعبية بشمال السودان، وهم نائب رئيس الحركة ووالي النيل الأزرق مالك عقار، ونائب الأمين العام ياسر عرمان، ورئيس الحركة بولاية جنوب كردفان ونائب الوالي عبد العزيز الحلو، عقدوا مؤتمرا صحفيا بغرض تأكيد استمرار نشاطهم السياسي بالشمال حال انفصال الجنوب وتحدثوا صراحة عن بقاءهم كحركة شعبية ما بقي الشمال، هذا التصريح أنتج ردود فعل غاضبة من جهتين شديدتي التأثير في الشارع الشمالي، أولهما الرابطة الشريعة لعلماء المسلمين التي أصدرت بيانا أفتت فيه بتحريم قيام الاستفتاء الذي يؤدي إلى اقتطاع جزء من ارض الإسلام، ورفضت الرابطة من خلال حديث نائب رئيسها محمد عبد الكريم أي وجود للحركة في الشمال، هذا الموقف عضّد من رؤية الجهة الثانية وهي منبر السلام العادل الذي يقوده خال الرئيس السودان المهندس الطيب مصطفي والقاضي بفصل الجنوب وطرد الحركة الشعبية من الشمال نهائيا، وبرغم الخلاف بين الفريقين في مسألة انفصال الجنوب إلا انهما يلتقيان في الموقف من الفكر العلماني الذي تتبناه الحركة الشعبية ومتوقع أن تواصل السير عليه إن استمرت في الشمال. في هذا السياق ألغت السلطات الرسمية مسيرة احتجاجية اعلن قطاع الشباب بالمنبر عن قيامها امس الاول تحت شعار "لا لوحدة علي حساب الشريعة " وتسربت أخبار عن أسباب المنع من قبل الحكومة، إذ قيل أن المنع جاء تخوفا من صب المسيرة الزيت علي النار وإثارة الشارع في الشمال ضد الحركة الشعبية في فترة حساسة من عمر الاستفتاء. المراقبون السياسيون في السودان لديهم تخوفات من استجابة الحركة في الشمال لاستفزازات المنبر وعلماء المسلمين، وهو تخوف بمني على أن الحركة الشعبية في الشمال تمتلك قوات عسكرية في جبال النوبة والنيل الأزرق تهدد بهما سلام الشمال في حال محاولة منعها بالقوة من قبل اي جهة رسمية كانت ام شعبية. جدير بالذكر أن رابطة العلماء خرجت في مسيرات هادرة عقب صلاة الجمعة الماضية تحت حماية الشرطة مرددة فيها شعارات مطالبة بتطبيق الشريعة.

اعلان الشريعة يفتح جبهات مواجهة جديدة

أثار شريط فيديو يصوّر فتاة تتعرض لضرب شديد من قبل الشرطة السودانية ردود فعل غاضبة علي مستوي الشارع السوداني، وتولت جهات حقوقية وإعلامية وسياسية معارضة حملة مضادة لضرب النساء، ومن جانبهم أعلنت الشرطة عن تحقيق يتم إجراءه عن التجاوز الذي تم بضرب الفتاة بطريقة اقرب إلى التعذيب ومضي رئيس القضاة في ذات المنحي التحقيقي، إلا أن رئيس الجمهورية في لقاء جماهيري بالقضارف رفض التحقيق في قضية الفتاة مطالبا كل من احتج علي ضرب الفتاة بمراجعة نفسه دينيا، معلنا بصراحة عن نيته لإعلان الشريعة واعتماد اللغة العربية في دولة الشمال المتبقية عقب انفصال الجنوب، رابطة علماء المسلمين أيّدت الموقف الرئاسي وطالبت بالمزيد في شأن الشريعة علي لسان محمد عبد الكريم الذي طالب بأن تكون الشريعة هي مصدر التشريع الوحيد. موقف الحكومة والرابطة الشرعية أثار مخاوف عديدة من انطلاق مسيرة تطرف مشابهة لتلك التي ابتدأت في منتصف تسعينات القرن الماضي وتمكنت الحكومة من احتوائها لاحقا بعد أن قام متطرفين بعدة عمليات قتل جماعي، آخرها كان هجوما وقع في احتفالات رأس السنة الميلادية العام قبل الماضي، وفقد علي اثرها موظف بالمعونة الأمريكية وسائقه السوداني أرواحهم، وتمت محاكمة مرتكبيه لكن معظمهم تمكن من الهرب قبل تنفيذ الأحكام. في هذا السياق جاء إعلان وزير الإرشاد والأوقاف اوهري التجاني الأسبوع الماضي عن دخول ناشطين صوماليين إلى السودان، جاء ليزيد مشاعر التخوف من انزلاق السودان ناحية عنف التطرف الديني.

الأحزاب السياسية المناوئة للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان رفضت إعلان الرئيس تطبيق الشريعة الإسلامية مطالبة الحكومة بإجراء تعديلات دستورية تفضي إلى دولة مدينة لا تتبني الدولة فيه دين محدد. حزب الأمة طالب علي لسان رئيسه الصادق المهدي الأسبوع قبل الماضي بقيام حكومة قومية عقب الاستفتاء مباشرة وإلا سيضطر التحرك من مربع الوسيط بين النظام والقوي الساعية لإزالته إلى موقف جديد ينضم فيه إلى المجموعة الأخيرة التي تعمل علي الإطاحة بالنظام. وأضاف المهدي خيارا شخصيا باعتزاله السياسة حال فشل التوصل إلى حلول. المؤتمر الوطني لم ينتظر طويلا ليرد علي المهدي علي لسان نائب رئيسه د.نافع علي نافع بدعوة المهدي إلى اعتزال السياسة أو التخندق مع القوي الساعية لتقويض النظام بالقوة لأنه لن تكون هناك حكومة قومية كما يطالب المهدي. على إثر ذلك خرج أنصار حزب الأمة في مظاهرة احتجاجية في ذات توقيت مظاهرة رابطة علماء المسلمين، لكن القوات النظامية تصدت لها بالقوة وأصيبت القيادية بحزب الأمة نجلة رئيس الحزب د.مريم الصادق بكسر في يدها وشج في رأسها من قبل قوات الشرطة مما احدث تفاقما في القضية وإرهاصات بعدم مرور هذا الأمر بسهولة من قبل أنصار الحزب المنحدرين من طائفة الإنصار ذات القاعدة الثورية.

بقية القوي السياسية اجتمعت امس الاول بدار حزب الأمة مقدمة مطالبات بإصلاح سياسي وإلا فإنها ستخرج إلى الشارع حتي يسقط النظام. أما حزب المؤتمر الشعبي بقيادة عرّاب النظام السابق حسن الترابي فاعلن عن انعقاد اجتماع لهيئته القيادية غدا الخميس تستمر لثلاثة ايام يعلن عقب انفضاض الاجتماع عن موقفه إزاء كل القضايا الجارية علي الساحة السياسية. من ناحيته حضر الحزب الاتحادي الديمقراطي اجتماع المعارضة محتجا علي عدم دعوته إلى الاجتماع ورد عليه الحضور بأن حزبهم اعلن انحيازه لخيار تطبيق الشريعة علي لسان قائده محمد عثمان الميرغني لا أن مندوب الحزب د.ابوالحسن فرح رفض هذا التقييم مؤكدا أن حزبه سيقف مع خيار القوي السياسية حال اتفقت علي رأي مشترك، وتحدث قيادي بالحزب للشرق عن بيان سيصدره الميرغني خلال ساعات يوضح فيه حديثه المؤيد لموقف رئيس الجمهورية القاضي بتطبيق الشريعة في حال انفصال الجنوب، ومضي ذات القيادي في حديثه للشرق عن وجود نص صريح في اتفاقية نيفاشا يقول بتطبيق الشريعة في الشمال والعلمانية في الجنوب في الفترة الانتقالية نافيا أن يكون هناك جديد في حديث رئيس الجمهورية.

اجتماع كل الازمات السياسية والعسكرية والاقتصادية بالاضافة إلى تداعيات اعلان تطبيق الشريعة وتوقع مقاومتها من قوي عديدة يمتلك بعضها القدرة العسكرية والبعض الاخر القاعدة الشعبية، وتمسك النظام الحاكم بمواقفه من كل القضايا يفتح الباب امام سينايو العنف ان لم يحدث تطور جديد في مواقف الاطراف او علي مستوي القضايا المشتعلة في الساحة السودانية .