الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الرنك - أوضاع إنسانية سيئة وحماسة عالية نحو الاستقلال

زينب محمد صالح
بالرغم من الوضع المزري للعائدين من الشمال الذين يمكثون حاليا في مدينة الرنك فإنهم متحمسون للمشاركة في الاستفتاء، وينظرون بتفاؤل لتكوين دولة جديدة.
25.04.2024
صورة ارشيفية توضح صعوبة الحصول على الماء في بعض مناطق جنوب السودان
صورة ارشيفية توضح صعوبة الحصول على الماء في بعض مناطق جنوب السودان

بالرغم من الوضع المزري للعائدين من الشمال الذين يمكثون حاليا في مدينة الرنك فإنهم متحمسون للمشاركة في الاستفتاء، وينظرون بتفاؤل لتكوين دولة جديدة.

 

طريق عودة الجنوبيين من الشمال إلى مناطقهم الأصلية طويل وشاق، ومكلف أيضا. لذلك اختار أكثر من أربعة آلاف مواطن جنوبي المكوث في مدينة الرنك الحدودية في ولاية أعالي النيل في طريق عودتهم، حيث بإمكانهم هناك المشاركة في الاستفتاء حول مصير الجنوب لقرب المدينة الجغرافي من الجنوب، مع توفير تكاليف السفر الباهظة للجزء المتبقي من الرحلة إلى مناطقهم الأصلية. جدير بالذكر أن غالبية الجنوبين عزفوا عن المشاركة في الاستفتاء في مدن الشمال حيث شهدت مراكز تسجيل الناخبين إقبالا ضعيفا.

حكومة الولاية بدورها قسمت العائدين إلى ولاية أعالى النيل، والذين ينتمون إلى ولايات الجنوب العشر، إلى قسمين، فمن أراد البقاء ذهبوا به إلى التخوم الشمالية من الرنك في معسكر بايبوك، ومن أراد أن يشارك في الاستفتاء فقط وبعدها ينوى الرحيل إلى مسقط راسه وُضع على شاطئ النيل في التخوم الشرقية للمدينة، وذلك لتسهيل ترحيلهم عبر النيل إلى ولاياتهم.

الكثير من العائدين عاد على نفقته الخاصة للمشاركة فى الاستفتاء ،فمنهم من أتى للتسجيل ثم عاد إلى الخرطوم وجاء مرة أخرى اليوم للتصويت، مثل بيتر روبين وأسرته المكونة من عشرة أفراد، الذي وجدناه وعائلته تحت (راكوبة ) من العيدان والقش لم يكتمل بناءها بعد، وهو من الذين فضلوا البقاء في الرنك في الساحة الشرقية للمدينة. وقال بيتر الذي ينتمى لولاية جونقلى لـ(سودان فوتس ): \"نحن موجودون هنا منذ عشرة أيام، أتينا للمشاركة في الاستفتاء، وتركنا الشمال من خلفنا للابد.\" بيتر كان يعمل سابقا عاملا للبناء، ثم عمل غفيرا في إحدى العمارات في حي سعد قشرة في الخرطوم، وبالرغم من أنه لا يملك مصدر دخل حاليا ووجد نفسه اليوم في مكان لا يوجد به مدرسة لأبنائه أو مستشفى أو حتى دورة مياه في المعسكر، إلا أنه لا يزال متحمسا لمجيئه إلى الجنوب. فقد عبر عن شعوره بالحرية لكونه موجودا في وطنه حيث لا توجد شرطة نظام عام أو مطاردة لبائعات الخمور البلدية، وقال إنه سيواصل عمله كعامل بناء في مدينة الرنك وسيبنى بيته من القش، وينتظر وعود الحكومة أن تعطيهم قطع أراضي سكنية، وأن توزع عليهم الغذاء بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للأغذية.

بيتر عبر عن فرحته بالحرية لوجوده في وطنه حيث لا توجد شرطة نظام عام

ولكن الحكومة التي كانت تعطى العائدين الذين عادوا في شهر اكتوبر الماضي، وكان عددهم قليل، لم تستطع أن تواصل مدهم بالحاجيات الأساسية بعد أن تدفق الآلاف منهم في الأسابيع الماضية. عن ذلك قال محافظ الرنك دينق اكوى لـ(لسودان فوتس): \"المسؤول عن برنامج العودة هو وزارة الشؤون الإنسانية في حكومة الجنوب، وأعداد العائدين المتزايدة فاقت إمكانياتنا في المحافظة لذلك أتى برنامج الأمم المتحدة الغذائي للمساهمة في تقديم العون الإنساني”.

ومن جهة أخرى نجد الشابة ناروانج دينق والأم لطفلين تتحدث بحزن عن حالها، وقالت إنها ربما تعود مرة أخرى إلى الخرطوم وذلك لإن الحكومة لم تقدم لهم شئ منذ أن أتوا إلى هنا قبل ما يقارب الشهر. وقالت ناروانج التي لم تتجاوز منتصف عقدها الرابع \"إن الاستفتاء باغتنا، وفجأة شعرنا انهم قد يتعرضون لنا إذا بقينا في الشمال لذلك قررنا العودة إلى الجنوب، وتركت زوجي في منزلنا في امدرمان حتى يتمكن من بيعه أو تأجيره ويأتى بالعفش بعد ذلك\". وأوضحت أن هنالك اختلاف في العام الدراسي بين الشمال والجنوب لذلك فان أبناءها سيضيع عليهم عام دراسي كامل لأنهم قد درسوا الفترة الأولى من العام الدراسي وقبل انتهائه أتوا إلى الرنك. وأضافت ناروانج أن المنظمات الإنسانية أتت للمساهمة في مدهم بالمؤن، وهو ما أكده محافظ الرنك دينق اكوى أثناء حديثنا معه، حيث قال إن برنامج الأمم المتحدة للأغذية قام بتقديم المساعدات، ولكن الحكومة احتفظت بالمؤن إلى حين حصر المواطنين ومعرفة حجم كل أسرة.

ناروانج درست تقنية المعلومات بجامعة أعالى النيل، وكانت تعمل مصففة شعر في الخرطوم، وكبيتر لم يعد لديها الآن مصدر دخل، لذلك فهي تعتمد حاليا على شقيقها العامل بمستشفى السلاح الطبي في الرنك من أجل إعانتها هي وأبنائها لإن المؤن لم توزع عليهم. وأشارت إلى( راكوبة ) من القش والعيدان وقالت إنها تأتى إليها يوميا راجلة لعدم امتلاكها المال لتستقل المواصلات، وذلك حتى تتمكن من امتلاك قطعة الأرض التي وعدت بها الحكومة، لأنها إذا أهملت في قطعة الأرض هذه فإنها ستفقدها، مشيرة إلى أن المال الذي أتت به من الشمال قد نفد.

وفي معسكر الايبوك احتشد عشرات المواطنين حول رمضان مايكل المسؤول عن المعسكر في مكتب صغير لتسجيل انفسهم لأخذ المؤن، وذكر لنا رمضان انهم سيوزعون العون الإنساني على المواطنين بعد حصرهم ومعرفة حجم الأسر وذكر ان برنامج الأمم المتحدة الغذائي أتى بالذرة والعدس والزيت.

ولاحظت( سودان فوتس) أن المعسكر لا يوجد به دورات مياه وان المواطنين يقضون حاجاتهم في العراء وان ذلك يؤثر سلبا على البيئة الموجودة فيه المعسكر والمدينة على السواء، ولكن دينق اكوى محافظ الرنك وعد بحفر دورات مياه عاجلة بمساعدة من بعض المنظمات الإنسانية حتى لا يتسبب الوضع في زيادة التردي البيئي.

وهكذا فبالرغم من الوضع الإنساني المزري للعائدين من الشمال في مدينة الرنك حيث لا توجد أغذية ولا خيم ولا أغطية في فصل الشتاء ولا مدراس ولا مراكز صحية، إلا أن المواطنين متحمسون للمشاركة في الاستفتاء وأكد الجميع تصويتهم للانفصال ليتحرروا على حد وصفهم و يستقلوا عن دولة الشمال وتكوين دولتهم.

الرنك:زينب محمد صالح