الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تأمين الانتخابات السودانية - مسؤولية الشرطة ام المليشيات؟

زينب محمد صالح
قضية تأمين الانتخابات السودانية ما زالت تثير التساؤلات. المعارضة تتهم الحكومة بالاعتماد على مليشيات مقربة من حزب المؤتمر، والمسؤولين الأمنيين ينفون نفيا قاطعا.
غموض حول دور الاجهزة الامنية المختلفة في تأمين الانتخابات
غموض حول دور الاجهزة الامنية المختلفة في تأمين الانتخابات

قبل أسابيع، وحينما كان الجدل لا يزال محتدما بين أحزاب المعارضة السودانية حول مشاركتهم فى الانتخابات من عدمها، اتهم فاروق ابوعيسى المتحدث الرسمى باسم تجمع احزاب جوبا وزارة الداخلية والمفوضية القومية للانتخابات بالاستعانة بمليشيات تابعة للمؤتمر الوطنى لتأمين الانتخابات طبقا لإذاعة "مرايا اف ام". واعتبر ابوعيسى في حديثه للإذاعة أن عدد قوات تأمين الانتخابات المزمعة كبير جدا وغير مبرر إلا إذا كانت الحكومة تنوى تزوير الانتخابات وتخشى رد فعل المتضررين من التزوير، وان هذه القوات قد تشكل رعبا للمواطنين، حسبما ما ذكر ابوعيسى.

وجزم الاستاذ فاروق ابوعيسى وقتها لمرايا اف ام انه يمتلك معلومات عن انتماء قوات التأمين الى مليشيات الوطنى وليست الشرطة السودانية، لكنه رفض ان يفصح عن مصادر معلوماته وطبيعتها وطبيعة المليشيات التى استعانوا بها.

حملتُ هذه الاتهامات ووجهتها لشرطة ولاية الخرطوم فرفض مسؤول التأمين فى الولاية اللواء شرطة الطيب محمد الرد عليها، كما رفض التعليق على الأخبار المتواترة حول قيام الشرطة السودانية في الأيام السابقة للانتخابات بتخريج 100 ألف شرطي على دفعات مختلفة، ويُعتقَد أن المتخرجين تلقوا تدريبا عسكريا صرفا ولم يتسنَ لنا معرفة ما اذا كانوا قد تلقوا تدريبات اخرى.

جدير بالذكر أن بعثة الأمم المتحدة الموجودة فى السودان (يونميس) قد قامت بتدريب25 الف رجل أمن على الجوانب الإنسانية في مهمة تأمين صناديق ومراكز الاقتراع وتأمين الناخبين من خلال محاضرات في حقوق الإنسان. وبحسب الناطق الرسمى باسم البعثة خالد منصور فان رجال الأمن الذين شاركوا في التدريبات هم جنود وضباط من رتب مختلفة، وأبان منصور انه تم اختيارهم بطريقة عشوائية، نافيا ان يكونوا مليشيات تابعة للمؤتمر الوطني، فالامم المتحدة لا تتعامل مع مليشيات، حسبما أضاف. وواصل قائلا: "انهم قوات شرطة اتت بهم وزارة الداخلية لتدريبهم ونحن قمنا بتدريبهم فقط،" وعن باقي القوات وأهمية تلقيهم لدورات في التأمين وحقوق الإنسان ذكر بان الحكومة قد تكون لجأت إلى منظمات أخرى. وانهم (يونميس) ليسوا اللاعب الوحيد في هذا المجال.

استهجان من أحزاب المعارضة

وأعربت معظم الأحزاب السياسية المعارضة عن خشيتها من ان تكون هذه القوات المذكورة عبارة عن مليشيات تابعة للمؤتمر الوطنى. ورأت ان هذا العدد الكبير غير مبرر، وقد ينطوى على نية لتزوير الانتخابات ثم قمع المعارضة في حال رفضها للنتائج المزورة.

وفى السياق نفسه علق المرشح المنسحب من السباق الرئاسى ياسر سعيد عرمان قائلا:" كل الاجهزة الامنية فى البلاد تابعة للمؤتمر الوطنى" وان التحول الديمقراطى الحقيقى لا يتم بهذه الفقاعات على حد وصفه. واكد مرشح الحركة الشعبية لمنصب والى الخرطوم المنسحب اداورد لينو ان القوات المذكورة هي مليشيات مختلفة منهم الدفاع الشعبى والمجاهدين وبقايا حرب الجنوب وجميعها تابعة للمؤتمر الوطنى، واعتبر أن استعانة الوطني بمليشيات يعبر عن خوفه، كاشفا عن اماكن تدريبهم فى اطراف امدرمان وتوقع ان يقوموا باعمال عنف وبسرقة المواطنين.

وكذا رأى القيادى بحزب المؤتمر الشعبى كمال عمر المحامى ان معظم القوات التي تم تدريبها هي قوات امنية وليسوا شرطية، وان هذا العدد يعبر عن الهاجس الذى ينتاب المؤتمر الوطنى، وان ذلك قد يتسبب في توتير مناخ الانتخابات، ويؤثر سلبيا على ارداة الناخب وحريته فى الاختيار. ورأى ان يترك التقدير لحجم القوات للمفوضية القومية لللانتخابات وليست للداخلية باعتبارها الجهة المعنية بتامين الانتخابات.

الأجهزة الأمنية تنفي الاستعانة بمليشيات

لكن الأجهزة الأمنية التى اتهمها ياسر عرمان بانها تابعة للوطنى، رفضت التهم وحاجج بعض مسؤوليها بان جيش الدفاع الشعبي ليس مليشيا، رغم نص الدستور والاتفاقية على حل هذه المليشيا والحاقها باحدى القوتين النظاميتين الجيش الشعبى او القوات المسلحة او تسريحها واعادة دمجها.

اللواء التهامى مسؤول التامين فى السودان قال إنهم يرصدون بعض المجموعات التى قد تثير عنفا مستغلة الانتخابات، ونفى بشدة استعانتهم بأية قوات اخرى غير قوات الشرطة، وذكر انهم سيقومون بتأمين الانتخابات فى الفترة القادمة بالإضافة الى عملهم الاعتيادى فى المرور والدفاع المدنى والسجل وتامين البعثات والسياحة. وراى ان العدد ليس كبيرا وان السودان يحتاج الى اكبر من ذلك لتامين البلاد لكبر مساحة البلاد. ومن ناحية اخرى راى ان ليس هنالك عنف سياسى يستصحب الانتخابات. ولكنه عاد وقال ان هنالك جهات امنية ترمى الى تفكيك السودان وانهم امام تحدٍ كبير، وراى ان الانتخابات مدخل للتدخل الاجنبى، ولم يستبعد تدخل القوات المسلحة السودانية لتامين الانتخابات خاصة فى مناطق العمليات وفى حالات النزاعات المسلحة بين القبائل.

وتوقع اللواء حسب الله عمر الامين لمستشارية الامن القومى ان تثير بعض المجموعات في الحركة الشعبية عنفا خاصة في جنوبي السودان، وبعض الحركات المسلحة فى دارفور فى بعض مراكز الاقتراع فى دارفور وطالب بمضاعفة عدد قوات الشرطة لتامين الانتخابات، وحاجج قائلا ان الدفاع الشعبى ليس مليشيا بل قوة شبه نظامية ودعا الى ضمان أمن الدولة أولا ومن ثم التفكير فى الخدمات والتنمية والحريات.

اقرأ المقال في نسخته الأصلية في جريدة أجراس الحرية.

شهادات لأفراد قوات التأمين

ومن أجل الخروج من دائرة الاتهامات والنفي قررتُ محاولة الحديث مع بعض أفراد القوات المذكورة، والنتيجة كانت مذهلة. ذكر (ع) الذى يتبع لاحدى القوات النظامية العسكرية منذ اكثر من 21 عاما، ورفض ذكر اسمه لحساسية موقعه، ان قيادته طلبت منه التخلي طوعا عن بزته العسكرية لفترة الانتخابات فقط وارتداء بزة الشرطة لتامين الانتخابات، الا انه رفض بالرغم من الاغراءات المادية التى قدمت له، وتنازل لزميله الذى وزع الى منطقة الصحافة فى الخرطوم. وبرر رفضه الى ان هذه الخطوة متنافية مع الدستور والاتفاقية، وابان ان الذين وافقوا على هكذا طلب، تم تدريبهم بمعسكر خالد ابن الوليد شمالى امدرمان. وذكر أن هنالك مليشيات من الدفاع الشعبي تم الاستعانة بهم لهذا الامر.

وذكر(ا.ا) الذى كان يعمل سابقا في احد اقسام الشرطة وتم فصله من عمله لغيابه المتكرر، ذكر ان القوات التى ينتمى اليها اتصلت به للمشاركة فى تامين الانتخابات، مع رفع اجره ثلاثة اضعاف الاجر السابق. وذكر ان كل المفصولين اتم ارجاعهم بما يسمى باعادة خدمة ما عدا الذين ارتكبوا جرائم حدية تقتضى البقاء فى السجون لسنوات.

وذكر( س)الذي كان تابعا أيضا لأحد أقسام الشرطة ايضا، وبعد فصله طلب منه احد جنرالات الدفاع الشعبى ان ينضم اليهم لتامين حملة المؤتمر الوطنى الانتخابية فى الجنوب على ان يتقاضى على ذلك 300 جنيه فى اليوم الواحد لمدة 16 يوما، الا انه عدل عن موقفه بعد ان تدخل من يقنعه بان الوضع الامنى فى الجنوب مضطرب خاصة مع الانتخابات.

المفوضية تلزم الحياد

وسواء كان هؤلاء الأفراد أعضاء في مليشيات أم أفراد أمن رسميين، فإن الاستعانة بمليشيات الدفاع الشعبي لم يستبعدها اللواء حسب الله عمر الامين العام لمستشارية الامن القومى عند الحاجة إليه باعتبار أنها قوات شبه نظامية وفقا للدستور الانتقالى، الا انه نفى ان تكون اى جهة قد استعانت به للتامين الانتخابات الحالية. وفى المركز الصحفى للمفوضية ذكر ابوبكر وزيرى الذى كان يتحدث الى بعض الموظفين فى المركز انه رفض طلب من ادارة التوجيه المعنوى (التابع للدفاع الشعبى) بتخصيص 160 بطاقة صحفية لدخول الى مركز الاقتراع لمراقبة الانتخابات.

اما مسؤول التأمين فى المفوضية القومية للانتخابات عبدالله الحردلو فذكر بانهم كمفوضية غير معنيين باستعانة الشرطة بمليشيات او بغيرها وان دور المفوضية تنسيقي فقط، ساخرا من اتهامات المعارضة وموضحا أن دور المفوضية يقتصر فقط على التنسيق مع الشرطة فيما تترك تقدير الموقف لوزارة الداخلية فقط.

عدم الكفاءة والأهلية

وبخصوص أهلية وكفاءة قوات تامين الانتخابات والتدريب على مواجهة الطوارئ راى الخبير الامنى العميد معاش حسن بيومى ان القوات ليست مؤهلة لتامين الانتخابات وليست لديها خبرة فى ذلك وتوقع ان يقع عنف فى اعقاب اعلان النتيجة بين الناخبين والشرطة التى راى انها فشلت فى تامين مباراة الجزائر ومصر الشهيرة فى السودان، وذكر ان الكل فى حالة الاستعداد لمواجهة الطوارئ، بيومى الذى يقطن جارا للسفير السويدى فى السودان كشف ان جاره استعان باثين من افراد الشرطة لتامينه وقال انه الان بدا يشعر بالاطمئنان.

ولوحظ فى الفترة الاخيرة انتقال عدد كبير من المواطنين الى الولايات خارج الخرطوم خوفا من عنف متوقع يصاحب الانتخابات وعلى اثر ذلك توعدت الحكومة مطلقي الشائعات ومثيرى الرعب، ودعت البعثات الدبلوماسية رعاياها الى شراء وقود ومواد غذائية تحسبا لطوارئ قد تحدث فى الخرطوم .