الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

مشاركة ضعيفة للمعاقين في الانتخابات بسبب إهمال الأحزاب السودانية لهم

زينب محمد صالح
يقدر عدد المعاقين في السودان بنحو 4 مليون شخص، معظمهم سيجد صعوبة في المشاركة في الانتخابات الحالية بسبب إهمال الأحزاب لهم.
Photo by Malcolm Linton Liaison/Getty Images
Photo by Malcolm Linton Liaison/Getty Images

يوجد بالسودان نحو 4 مليون معاق، أغلبهم أصيب بإعاقته بسبب الحروب والنزعات التي طالت البلاد. لكن جميع الفصائل العسكرية التي تحولت الى احزاب سياسية، أو تلك التي فى طور التحول إلى أحزاب كحركة تحرير السودان - فصيل منى اركوى مناوى، او الأحزاب التي كانت لديها فصائل عسكرية ابان حربها ضد النظام في التسعينيات من القرن المنصرم فى الجبهة الشرقية، كل هذه التنظيمات لم تخصص نسبة محددة لمشاركة معاقيها بسبب الحرب في الانتخابات او حتى في الحياة السياسية داخل المنظومة نفسها، ما عدا الحركة الشعبية لتحرير السودان التي خصصت لهم نسبة 2% من عدد المرشحين للمناصب السياسية المختلفة. وقدمت الحركة على اثر ذلك مرشحين معاقين كحكام ولايات مثل بيتر نيوت قوك الذي قدمته مرشحا لمنصب حاكم لولاية أعالي النيل. أما المعاقين إعاقات طبيعية، كالصم والبكم والمكفوفين، فنصيبهم أقل من الاهتمام، حيث لم تُفرد لهم مساحة في برنامج الأحزاب السياسية لاحتياجاتهم الخاصة، ناهيك عن تخصيص كوته أو نسبة معينة من عدد المرشحين عن الأحزاب في الانتخابات، وذلك كما اكد القيادي بحركة القوى الجديدة (حق) حبيب العبيد.

قصور الدستور والقوانين

الدستور الانتقالي لعام 2005 سكت عن النص صراحة على حقهم في المشاركة السياسية فالمادة 45(1) التي تحدثت عن حقهم في التعليم والمشاركة الاجتماعية ألزمت الدولة كفالة كافة الحقوق الاجتماعية والحريات المنصوص عليها دون تقنينها، وتقول الأستاذة ناهد النائبة البرلمانية عن دوائر المؤتمر الوطني، وهى كفيفة منذ ميلادها: إن قانون الانتخابات أيضا لم يتحدث صراحة عن حقوقهم السياسية ماعدا نصه حول تسهيل العملية الانتخابية لذوى الاحتياجات الخاصة. ومن الملاحظ ان قانون الاحزاب لم يجد حاجة لتنظيم المشاركة السياسية للمعاقين، إذ ترك لكل حزب حرية تحديد نسبة مشاركة المعاقين في البرامج الحزبية، الأمر الذي قد يؤدي أحيانا إلى تراجع دور المعاقين ودخولهم دائرة النسيان. معظم مسؤولي الأحزاب والحركات التي استطلعناها حول موقفها من قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة كانوا يعربون عن دهشتهم في البدء من السؤال، وبعدها يؤكدون على أهمية هذه القضية في بلد به وفقا للإحصاءات الرسمية 4 مليون معاق اغلبهم أصيب بإعاقته بسبب الحرب في الجنوب ودارفور، لكن جهات أخرى ناشطة في المجتمع المدني أكدت مؤخرا ان العدد اكبر من ذلك بكثير كمنظمة ابرار لرعاية معاقي الحرب ومكافحة الألغام.

إلا أن الأستاذ بدر الدين الناشط الحقوقي والمعاق إعاقة حربية في الجنوب ابان عمله ضابطا في القوات المسلحة استحسن عدم نص قانون الانتخابات على نسبة معينة لمشاركة المعاقين، ويرى ان ذلك ميزة وليس عيبا في القانون إذ يعطي مساحة للأحزاب حتى يصيغوا برامجهم الحزبية كما يشاؤوا دون أن يفرض عليهم ذلك من اى جهة. الا ان الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوى الإعاقات كانت اكثر تركيزا وتفصيلا من الدساتير السودانية وقوانينها لحقوق المعاقين السياسية، ففي المادة29 من الاتفاقية التي نصت صراحة على ضرورة ضمان الدول الموقعة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين، وتتعهد بحماية حقهم في الاقتراع والتصويت والترشيح دون إرهاب.

الحركة تنصف بسبب طبيعتها "العسكرية"

للحركة الشعبية نصيب الأسد في مشاركة معاقيها فى العملية السياسية، فلديها وزيران معاقان هما وزير التعليم العالي بيتر نيوت قوك الذي لديه إعاقة في رجله اليمنى المقطوعة فى الحرب، ووزير الشؤون الإنسانية هارون لونق الذي لديه إعاقة في يده اليسرى. وفى البرلمان المنتهية دورته يوجد أربعة معاقين هم نائب ونائبة من نواب المؤتمر الوطني ونائب من الحركة الشعبية وآخر من كتلة سلام دارفور. وللحركة الشعبية أيضا نواب معاقين في مجلس الولايات. ويرى مسؤول التعبئة بالمؤتمر الوطني الأستاذ حاج ماجد سوار أن نسبة المعاقين وتمثيلهم في البرلمان غير كافي، ووعد ان يكون هناك تمييز إيجابي في قوائم المؤتمر الوطني الحزبية دون ان يكون هناك توجيه للكليات الشورية بالقيام بتميز إيجابي للمعاقين. جدير بالذكر أن الكليات الشورية هي القواعد الحزبية للمؤتمر الوطني.

ويرجع البعض تركيز الحركة الشعبية على معاقيها في الحرب ومشاركتهم السياسية إلى طبيعتها العسكرية أصلا، وان الطابع العسكري يطغى على السياسي فيها ومن هنا يأتي إحساسهم بالمعاقين وبكل المتأثرين بالحرب بشكل يفوق باقي الأحزاب، هذا ما اكده قائد قوات جيش الأمة السابق وعضو المكتب السياسي الحالي المكى مصطفى، اما الدكتور محمد يوسف احمد المصطفى أستاذ علم الاجتماع يرى أن عدم اهتمام الأحزاب السياسية الأخرى بمعاقيها سواء أكانوا في الحرب او ذو إعاقات طبيعية غير مدهش بالنسبة له، لإنه يتماشى مع عجزها المستمر في القيام بواجبها السياسي.

الأستاذ ناجى دهب أمير المجاهدين سابقا ونائب امين الشؤون الخارجية فى حزب المؤتمر الشعبي غير مقتنع بأهمية نظام الكوته، وذلك لأن مصابي الحرب من وجهة نظره هم طلاب آخرة وليسوا طلاب دنيا. وقال ان اهتمام الحركة الشعبية بمعاقيها هو اهتمام مؤقت، وفي حالة انفصال جنوب السودان فإن الحركة ستتخلى عن تخصيص الكوته للمعاقين وستخلق مؤسسات قومية لرعاية المعاقين. من جانبه أكد امين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني الدكتور ابراهيم غندور أن حزبه لم يخصص اى نسبة للمعاقين فى الحزب سواء اكانوا معاقى حرب او معاقى اعاقات طبيعية، واكد انه يتم التعامل مع الجميع دون تمييز فى الحزب ماعدا المرأة التي خصصت لها نسبة 25% فى المشاركة الحزبية والانتخابية والمجالس التشريعية كتمييز إيجابي.

معظم الأحزاب تهمل المقعدين

موقع المفوضية القومية للانتخابات

إلا أن الأستاذ حاج ماجد سوار مسؤول التعبئة في حزب المؤتمر الوطني اكد على تخصيص كوته في الانتخابات القادمة وان الحزب افرد لهم في برنامجه الحزبي مكانا وخاطب احتياجاتهم الخاصة. وأضاف تعليقا على فوز النائب البرلماني الكفيف رجب محمد رجب الذي فاز في انتخابات الكلية الشورية للمؤتمر الوطني بمنطقة الحصاحيصا محرزا 113 صوتا في حين حصل أقرب منافسه شقيق الرئيس البشير على 60 صوتا فقط قائلا:"كل أعضاء الحزب سواء كانوا معوقين أو غير معوقين لهم الحق في شغل مناصب في كل مستويات الحزب، لا يوجد في كل نظمنا ولوائحنا ما يمنع الفئات الخاصة او النساء من التمثيل والمشاركة، وسيراعي الحزب التمييز الايجابى للمعاقين عند اكتمال الترشيحات". معروف أن النائب رجب محمد رجب نجح في انتخابات دائرته لتقديمه الكثير من الخدمات لمنطقته من خلال علاقاته مع أمير امارة الشارقة الذي استثمر الكثير في بناء مستشفيات ومساجد وسفلتة طرق.

تضارب مواقف المؤتمر الوطني تجاه قضايا المعاقين وضرورة مشاركتهم الانتخابية والحزبية حملتُها الى الاستاذة ناهد النائبة البرلمانية عن دوائر المؤتمر الوطنى التى رات ان البروفيس غندور لم يكن موفقا في نفيه ذلك وتمتمت قائلة:"ما كان لغندور قول ذلك لم يجيد التصرف معك". من ناحيته اكد أيضا مسؤول المنظمات في الحزب الدكتور قطبى المهدى ان المؤتمر الوطنى ليست له علاقة بأي من معاقي الحرب وان المسؤول عنهم هو الدفاع الشعبى والقوات المسلحة السودانية.

اما حركة تحرير السودان جناح منى اركو مناوى فقد اكد ناطقها الرسمي ذو النون سليمان تسمية الحركة مجموعة من المرشحين المعاقين في الانتخابات القادمة وذلك تقديرا لنضالاتهم التي قدموها على حد تعبيره، الا انه استدرك قائلا ان مشاركة الحركة فى الانتخابات لم تحسم بعد لاعتبارات كثيرة منها ملاحظاتهم على عملية التعداد السكاني والوضع المتأزم فى دارفور وعدم إكمال عملية السلام فيها وصعوبة مشاركة النازحين في المعسكرات في عملية الاقتراع والتصويت وعملية التحول الديمقراطى التى لم تكتمل بعد.

الفصائل العسكرية الاخرى التى تحزبت كالتحالف الوطني السوداني لم تخصص للمعاقين كوته ولم تعتزم تقديم ايا من المرشحين المعاقين في الانتخابات القادمة هذا ما اكده رئيس التحالف السابق عبد العزيز خالد ومرشحها لانتخابات رئاسة الجمهورية رغم إقراره بأهمية مشاركتهم الانتخابية والسياسية.

الموقف لم يختلف في الأحزاب الأخرى التي كانت لديها فصائل عسكرية وكانت تقاتل ضد النظام فى الجبهة الشرقية كحزب الامة القومى بجيشه (جيش الامة للتحرير) الذى تم تسريحه من دون ان يعاد دمجه او دفع تعويضات له بعد اتفاق الحزب مع النظام بجيبوتى فى العام 2001م، وأوضح قائد قوات جيش الامة السابق وعضو المكتب السياسي الحالي المكى مصطفى أن ليس هنالك تمييزا ايجابيا للمعاقين فى الحزب وانما لدي المقاتلين السابقين تمثيل في المكتب السياسي للحزب باسم سيوف النصر ونفى ان يكون للحزب اية نية فى تقديم مرشحين معاقين فى الانتخابات القادمة.

المفوضية وتغييب المعلومة

معظم محاولاتي للحصول على معلومات من المفوضية القومية للانتخابات حول كيفية تصويت المعاقين باءت بالفشل، حيث تحجج المسؤولون بالانشغال، مسؤول التصويت فى المفوضية البروفيسور مختار الاصم والمسؤول عن المراقبين السفير عبد الدائم اعتذرا عن الحديث حول الموضوع الا بعد انتهاء عملية الاقتراع فى ابريل المقبل. وبعد ثلاثة ايام من البحث عن مسؤول فى المفوضية عثرتُ على خبير في اللجنة الفنية لشؤون الانتخابات وهو متعاون مع المفوضية تستعين به للاستفادة من خبرته، وأوضح ان المفوضية وضعت ترتيبات لذوي الحاجات الخاصة في ورشة عمل ضمت خبراء من الامم المتحدة اجريت لمناقشة هذه الترتيبات خاصة بعد الشكاوى التي وصلتهم من بعض المراكز حول صعوبة التسجيل لذوى الحاجات الخاصة من دون أن يفصح عن شكل هذه الترتيبات.

القبول الاجتماعى للمرشحين

وعن القبول الاجتماعي للمرشحين المعاقين في الانتخابات اكد الدكتور محمد يوسف ان المجتمع ليست لديه مشكلة في قبول المعاق والتصويت له في الانتخابات اذا رآه شخصا مفيدا ويقدم له حاجاته ضاربا المثل بالنائب رجب محمد رجب الذي حاز على أعلى الأصوات في الكلية الشورية للمؤتمر الوطني في الحصاحيصا ليكون مرشح الدائرة فى الانتخابات القادمة. وابان الدكتور يوسف أن النائب رجب نجح بعد تقديمه خدمات كثيرة لاهل المنطقة بعد تعاطف امير الشارقة واصبح مقبولا في أوساط جماهير المؤتمر الوطني. الا انه الدكتور يوسف شكك في إمكانية فوزه لإعلانه انتمائه للوطني، حيث لا يتمتع المؤتمر الوطني بشعبية كبيرة في تلك الدائرة. الا ان الدكتور يوسف اكد على ان القبول الاجتماعي للأشخاص لا يتاتى الا بدرجة نفعه فى المجتمع غض النظر عن جنسه او لونه او نوعه معاق او سليم.