الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

وحدة السودان – أسئلة في الوقت بدل الضائع

آدم محمد أحمد
بينما يعتبر الكثيرون انفصال الجنوب مسألة مفروغ منها والاستفتاء مجرد تحصيل حاصل، تبقى هناك الأصوات التي لا تمل ولا تكل في دعوتها للوحدة. لكن: ما مدى واقعية التمسك بوحدة السودان – وما يفصل بيننا وبين ذلك اليوم الفيصل…
25.04.2024
مالك عقار، حاكم ولاية النيل الأزرق ونائب رئيس الحركة الشعبية
مالك عقار، حاكم ولاية النيل الأزرق ونائب رئيس الحركة الشعبية

 

وحده لا يزال يغرد بأنغام أصبحت بائدة على رفقاء دربه... وحده حاكم ولاية النيل الأزرق الفريق مالك عقار يتحدث عن إمكانية الوحدة في زمن يمكن وصفه ببدل الضائع على أقل تقدير. عقار هو الرجل الوحيد داخل كيان الحركة الشعبية الذي يحمل صفة الوحدوي دون منازع ويجاهر بها دون فتور أو يأس. حتى أنه قال في حوار مع \"فضائية الشروق\" أن الوحدة في الزمن المتبقي ممكنة لكن ليس بالاستفتاء وإنما عبر \"عزيمة القادة\"، وأطلق الرجل على ما يشهده السودان الآن لقب \"حرب العزائم\"...

 

ربما لم يقتنع حتى أكثر الناس تفاؤلا بما قاله عقار، كما أن مجرد الإشارة لإمكانية الوحدة في هذا التوقيت تعتبر بمثابة ضرب من الخيال وطموحا غير مسنود بالواقع... حتى رئيس الجمهورية المشير عمر البشير توقع مؤخرا حدوث انفصال وفقا لمجريات الواقع... غير أن لعقار حجته التي يؤمن بها لتعزيز ما يراه إذ يقول ما معناه أن القائد طالما اختير من قبل الشعب لإدارة شئونه فمن الواجب توجيه الناس إلى ما هو الأصلح لهم، إنطلاقا من أن إرادة الشعب عمياء ولا تختار الأفضل بالضرورة إذا ما تركت هكذا دون توجيه. ويضرب عقار مثلا بالرسل الذين أرسلهم الله لتوجيه الخلق للمنفعة، ومن وجهة نظره فإن الوحدة هي المنفعة التي يجب أن يوجه إليها شعب الجنوب...

 

وقد يبدو كلام عقار بديهيا للبعض ومقنعا، خاصة بالنظر إلى انعدام الثقافة السياسية في الكثير من مناطق الجنوب، لا سيما النائية منها، مما قد يخلق انطباعا بأن عبارة واحدة يتفوه بها قيادي مؤثر كرئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير بإمكانها أن تطيح بقناعات الانفصال التي تبدو الآن راجحة وغالبة وتحولها نحو خيار الوحدة في الاستفتاء القادم.

 

بيد أن المحلل السياسي د.إبراهيم ميرغني يري عكس ذلك تماما، قائلا: \"الذين يقررون ويحددون في النهاية الوحدة أو الانفصال هم المواطنون الجنوبيون\"، أي أن القضية أصبحت الآن مرهونة بالاستفتاء وليس للقادة دور في الأمر.

 

وبغض النظر عما إذا كان الانفصال – إذا جاء – سيأتي معبرا عن إرادة شعب الجنوب أم فقط عن طموحات نخبة منه، يبقى السؤال مفتوحا حول إمكانية التدخل، سواء بتلك \"العزيمة\" التي دعى إليها مالك عقار أم بأي وسيلة أخرى، لقلب الأوضاع في الجنوب رأسا على عقب واللحاق بقطار الوحدة بعد أن سلم الجميع بأن الانفصال آت لا محالة. ومن هي تلك الجهة التي يفترض أن تتدخل بالمزيد من الإرادة السياسية لتحويل مجرى الأمور؟ هل هي الحركة الشعبية، أم المؤتمر الوطني؟

 

من المعروف أن قادة الجنوب، بمن فيهم الداعين للوحدة منهم، لم يكفوا عن مطالبة المؤتمر الوطني بالمزيد من التنازلات لجعلها أكثر جذبا لجمهور الجنوبيين. ومنهم نائب الأمين العام للحركة ياسر عرمان الذي قال إن على الرئيس عمل معالجات دستورية لدعم الوحدة... قاصدا بها التشريعات التي ترى الحركة أنها ضد رغبات وحريات الجنوبيين الغير مسلمين، كقانون النظام العام، حتى أن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك وطالب بإلغاء الشريعة بالشمال وفصلها عن الحكم أي بمعني علمنة الدولة.

 

وبالفعل نجد أن علاقة الدين بالدولة من الهواجس الأساسية التي تجمع بين صناع القرار في الجنوب في مواجهتهم مع الشمال. فعندما اجتمع السلاطين والزعماء الجنوبيين الذين ينتمون للوطني مع مسئول الاستفتاء بالحزب وزير الصناعة د.عوض احمد الجاز، للحديث والنقاش حول الاستفتاء ومتطلباته، كان تركيزهم على المضايقات التي يقابلونها من قبل السلطات، خاصة فيما يتعلق بتطبيق قانون النظام العام على غير المسلمين. ورغم أن الجاز طمأنهم آنذاك بان من يمارس شرابه داخل منزله لا يطاله القانون، إلا أن تلك الصراحة كشفت عن أزمة حتما تقابل رغبة الوطني في إقناع هؤلاء بدعم الوحدة.

 

كذلك قال رئيس مجلس السلاطين دينق مشام في حوار (بالأهرام اليوم): نحن مع الانفصال لكن لو كانت الحكومة تريد وحدة فلا بد من أن تعالج موضوع \"المريسة\" وتلغي المظالم وتعيد إلينا هيبتنا ومحاكمنا ولو حدثت معالجة يمكن أن تحدث الوحدة. ومن وجهة نظر مشام أن طريقة المعالجة تتم بان ولاية الخرطوم إذا وجدت جنوبية تصنع \"المريسة\" لا تحاكمها فقط تخبر السلاطين ليتم ترحيلها إلي مكانها...

 

الخلاصة أن قادة الجنوب، ولنقل نسبة كبرت أو صغرت من شعبه، يعتبر تمسك المؤتمر الوطني بنظام الشريعة بمثابة \"نقص في العزيمة\" في التعامل مع قضية الوحدة الوطنية. وهي اتهامات يرفضها الوطني بشدة، ويعيد الكرة إلى ملعب الحركة الشعبية، عندما يقول مثلا على لسان القيادي فيه اللواء حسب الله عمر أن أي شخص ليس له حق التصويت والاقتراع في هذه الفترة لا يستطيع أن يؤثر في الوحدة من عدمها، أي أن الكلام عن إرادة أو تنازلات من قبل الشمال ليس له جدوى على حد تعبيره.

 

وهكذا نجد أن طرفي عملية السلام – باستثناء مالك عقار، الوحدوي حتى النخاع -  أصبحا يتعاملان مع انفصال الجنوب كمسألة مفروغ منها، وأن ما يحسبه البعض وقتا بدلا للضائع في اللعبة السياسية قد انتهى بالفعل. أما المطالبة بالمزيد من \"العزيمة السياسية\" في التعامل مع قضية الوحدة،  فلا تعدو كونها بكاء على اللبن المسكوب.