الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

متاعب الزعماء – الرشق بالحجارة والألفاظ

مجاهد بشير
الزعماء والسياسيون السودانيون لم يسلموا كغيرهم من الرشق بالحجارة والألفاظ، لكن حظهم كان افضل من سواهم بسبب طابع التسامح لدى السودانيين.
25.04.2024
الزعماء ليسوا ببعيدين عن متناول حجارة الشعب او كلماتهم
الزعماء ليسوا ببعيدين عن متناول حجارة الشعب او كلماتهم

الزعماء والسياسيون السودانيون لم يسلموا كغيرهم من الرشق بالحجارة والألفاظ، لكن حظهم كان افضل من سواهم بسبب طابع التسامح لدى السودانيين.

في حادثة شاذة لكنها ليست نادرة في السياسة السودانية، تعرض مؤخراً السيد الصادق المهدي، أو موكب خروجه من إحدى صالات المطار على نحو أدق إلى استقبال بالغ الحرارة، حرارة من نوع مختلف، إذ هتف شاب بكلمات ضد الإمام أثناء هتاف بعض الأنصار تحية لقائدهم واحتفالاً بعودته إلى السودان من الخارج، ما حملهم على ملاحقة الفتى وضربه، وأكد أعضاء في حزب الأمة أن الشاب هتف بألفاظ نابية ضد الإمام، وفيما فسرت بعض المصادر هتاف الشاب في وجه الإمام وأنصاره بأنه (رأي شخصي) ومظهر من مظاهر التأييد للبشير، فسره آخرون بأنه إحدى الرسائل ثقيلة الظل التي اعتادت جهات بعينها أن تبعثها بين حين وآخر إلى السيد الصادق منذ الإطاحة به من رئاسة الوزراء.

فعلة الشاب، سواءاً كانت تعبيراً عفوياً كما قالت المصادر، أو رسالة ثقيلة الهضم، ليست الأولى من نوعها، فرغم أن حوادث الاعتداء والمضايقة شائعة ويروح ضحيتها كثيرون، لكنها تكتسب طابعاً مغايراً عندما يكون ضحيتها أو المستهدف فيها سياسياً بارزاً. ويحوى سجل ضحايا محاولات الاعتداء أو المضايقة اللفظية والمادية، والسلوكيات الشاذة الصادرة عن مختلين عقلياً، أسماء من العيار الثقيل، تبدأ من الزعيم إسماعيل الأزهري، مروراً بالرئيس نميري، ومحمود محمد طه والترابي، وانتهاء بالرئيس البشير.

محمد إبراهيم نقد، سكرتير الحزب الشيوعي، الذي يفترض أن يكون أحد ضحايا حوادث التعرض، بسبب طول تجربته السياسية والأفكار التي يطرحها الشيوعيون، وللمفارقة، يؤكد عدم تعرضه خلال حياته السياسية لمثل هذه المضايقات والرشق بالكلمات، ويضيف أن الصراع السياسي في السودان يركز على الجوانب الموضوعية وليس الجوانب الشخصية، ويضرب مثالاً بأن المحجوب وزروق كانا يتجادلان في البرلمان ثم يخرجان للغداء سوياً، ويؤرخ نقد لتصاعد الصراعات بثورة أكتوبر، بعدما اشتد الصراع حول القضايا السياسية الكبرى في السودان ومحيطه الإقليمي، ويؤكد نقد بأن البعض كان يقوم بدس أشخاص على قيادات أخرى للإساءة إليها في الندوات والأمكنة العامة، لكنه يضيف أن مثل هذه الظواهر اختفت في السنوات الأخيرة.

الهتافات والألفاظ التي تعرض بها الشاب للإمام، ليست محاولة التعدي الأولى التي تستهدف أحد آل المهدي الكبار، فبعد خروج الصادق في تهتدون وتكليفه للسيد أحمد المهدي بالصلاة من بعده في مسجد الهجرة، ألقى الأخير خطبة ناهض فيها الصادق وأيد الإنقاذ، فحاول شباب من الأنصار التعرض له داخل المسجد لولا تدخل الشيوخ لاحتواء الموقف، وفي الجمعة التالية منع جماعة من الأنصار أحمد المهدي من صعود منبر مسجد الهجرة، فأصر ومعه أبناؤه على الصعود، فصلي بالناس في داخل المسجد، وصلى الآخرون في باحته.

دواعي تلك الأفعال التي تستهدف القيادات السياسية، يرجعها البعض إلى أجواء التوتر والتنافس والخصومة، فيما لا يستبعد آخرون وقوف جهات ما وراء تلك الأفعال بغرض تشويه صورة الضحية والتقليل من شأنها، وتبدو معظم حالات المضايقة والتعدي اللفظي والمادي التي تعرض لها الشيخ حسن الترابي الزعيم التاريخي للإسلاميين نابعة من اشتداد التنافس السياسي أو الخصومة، ففي الديمقراطية الثالثة تعرضت له جماعة من الأنصار في ناحية المناقل، وهتفوا في وجهه: (نحن الأنصار نخوض النار)، فرد عليهم بطريقته المتحدية: (إنكم خائضوها دنيا وآخرة)، وفي ذات الحقبة امتدت احتكاكات الترابي مع الأنصار إلى الرهد، عندما زارها في الديمقراطية الثالثة خطيباً في إحدى ساحاتها، فتعرضت له جماعة وحصبته بالحجارة والكراسي.

احتكاكات الشيخ الترابي مع الأنصار استمرت حتى الإنقاذ التي كان عرابها، فبعد عودة السيد الصادق من القاهرة قبل حوالي عقد من الزمن، أقام الأنصار احتفالاً بعودته، فأتى الترابي مشاركاً يريد أن يدخل إلى صدر المجلس، فزاحمه بعض الأنصار بخشونة حتى سقطت عمامته.

أشهر حالات التعدي على زعيم سوداني بالطبع، كانت حادثة ضرب الترابي في كندا، ودخل الشيخ بعدها إلى المستشفى في غيبوبة قدر له - على عكس رغبة بعض خصومه- أن يفيق منها ويعود ليواصل نشاطه.

الرئيس جعفر نميري، رغم ما امتلكه من كاريزما طاغية، لم يسلم من محاولات التعدي، ففي زيارته الشهيرة للنيل الأبيض على ظهر الباخرة، دخل النميري إلى إحدى القرى ليخاطب أهلها، ويقول صحافي رافق نميري على ظهر الباخرة ان رجلاً في القرية يرجح أنه من الأنصار رفع سيفه وركض نحو نميري وهو يهتف (الله أكبر)، قبل أن يتم القبض عليه، وتبدو تلك الحادثة على علاقة مباشرة بحالة الاحتقان التي وسمت علاقة نميري في أول عهده بالقوى الإسلامية عموماً، والأنصار وحزب الأمة على نحو أخص.

تلك الحقبة، ارتبطت أيضاً بحوادث أخرى، إحداها، ليست حادثة تعدٍ في واقع الأمر، لكنها سلوك غير طبيعي وغير معتاد بدر من صاحبه في لحظة حرجة، إذ تشير بعض الروايات إلى أن الأستاذ محمد صالح عمر أمسك بجلباب الإمام الهادي هاتفاً: (الزول دا ما يمشي)، في إشارة إلى العقيد أبو الدهب الذي بعثه نميري إلى أبا فاكتشف الاستعدادات العسكرية للقوى الإسلامية في المنطقة، وقبض عليه الأنصار واقتادوه للإمام، وعندما أطلق الإمام الهادي سراحه عاد وأخبر النميري، وبدأ القصف الجوي والأرضي على الجزيرة في اليوم التالي.

أحد أبرز ضحايا التعدي اللفظي، والمادي، كان الأستاذ محمود محمد طه الذي أثارت آراؤه الدينية وتوجهاته الفكرية والسياسية جدلاً واسعاً وحاداً، وجد صداه في ردود فعل لفظية عنيفة لازمت ندواته ومحاضراته، بلغت مداها في الأبيض عندما حصبه البعض بالحجارة أثناء إحدى ندواته.

حادثة من ذاك القبيل، شهدتها إحدى قرى القضارف في الستينيات، ويقول الصحافي محمد سعيد محمد الحسن إن أحد الأشخاص حاول التعرض للزعيم إسماعيل الأزهري بآلة حادة، وتم القبض عليه، لكن الأزهري طلب إطلاق سراحه، وعدم إثارة القضية إعلامياً تجنباً للتوتر. ويشير الأستاذ محمد سعيد إلى حادثة أخرى تعرض فيها الأنصار بالسلاح لموكب اللواء محمد نجيب الذي زار السودان بعد انتخابات 1953م، ووقع ضحايا، وحاول الإنجليز توتير الأجواء عندما طلبوا من الأزهري الذي كان رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية حينها القبض على قيادات الأنصار وحزب الأمة، فرفض الأزهري وأصر على أن تمضى القضية في إطارها القانوني، ليُسجن المشاركون ويطلق سراحهم لاحقاً، ويرى محمد سعيد أن النزعة العدوانية غير شائعة عند السودانيين، وأنهم يواجهون العنف غالباً بتسامح مهما كانت نوعية التجاوز في التعامل أو رد الفعل، ويدلل على ذلك بأن الرئيس نميري قضى أيامه الأخيرة آمناً في الخرطوم رغم المآخذ والإعدامات العديدة التي لازمت عهده.

الرئيس البشير نفسه، حاول رجل غير متزن عقلياً أن يشق طريقه إليه داخل قاعة الصداقة في يناير الماضي، وفيما تضاربت الروايات حول حقيقة ما حدث، أكدت مصادر مسئولة أن الرجل حاول الوصول إلى البشير ليسلمه مذكرة تتعلق بمظلمة يتصور الرجل أنها لحقت به.

الزعماء السودانيون على أية حال، يبدو حظهم أفضل من سواهم ، فبينما يقتصر نصيب الزعماء في السودان من تعبيرات الغضب المنفلتة على الرشق بالألفاظ، أو التلويح بسلاح أبيض، أو القذف بحجارة لم يكتب لأحدها أن يصيب هدفه، تعرض زعماء أجانب لحالات اعتداء وصفت بالمخزية، كما هو حال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي قذفه صحافي عراقي بفردتي حذائه أمام عدسات الكاميرات، ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي حطم رجل إيطالي أنفه بعدما باغته بضربة قوية.