الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

حزب المؤتمر الوطني والمستبعدون - من سيتعب من؟

مجاهد بشير
أغلق المؤتمر الوطني الباب في وجه ترشيحات بعض أعضائه، مفضلا آخرين عليهم. خطوة أغضبت المستبعدين وجعلتهم بعضهم يهدد بالانشقاق عن الحزب.

حبة بندول لا غير، قدمها المؤتمر الوطني لمن قد يصيبه الغبن من أبنائه كوصفة لتهدئة خواطرهم، بعدما لم يسعفهم الحظ ولا حسابات القيادة في الدخول إلى قائمة مرشحي الحزب لمناصب الولاة والدوائر التشريعية في الإنتخابات القادمة، وصفة بدت كرسالة لا تخلو من سخرية وقسوة، تفيد بأن الحزب لم يعلن عن الترشيحات إلا بعد تأكده من إغلاق أبواب إعادة النظر في تلك الترشيحات بإحكام كاف تستعصى معه إعادة فتحها أمام المحتجين، ودعوات التراجع عن أسماء وإبدالها بأسماء أخرى من بين صفوف المحتجين، والمغبونين، ولم يكتف د.نافع على نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني لشئون الحزب في مؤتمر صحفي خصص للترشيحات مطلع الأسبوع الماضي بوصفة تهدئة الخواطر وحدها، وأردفها فيما يشبه التهديد بالكشف عن الوصفة التي سيعالج بها الحزب التفلتات المتوقعة: (البتفلت حيتعب معانا).

الغبن، لفظة ترددت كثيراً في الآونة الأخيرة، وباتت تستخدم لتوصيف أحوال مجموعات عديدة وأفراد، وارتبطت الغبائن بالممارسة السياسية على وجه العموم، وعلى نحو خاص بالحركات التي رفعت السلاح ضد الدولة، غبن يقول هؤلاء إن مبرراته تكمن في التهميش السياسي والاقتصادي لمناطقهم، أما مبررات غبن الذين فاتهم قطار ترشيحات المؤتمر الوطني فهي رفض بعض الشخصيات التي تم ترشيحها، سواء لمناصب الولاة أو مقاعد البرلمان، ويسوق هؤلاء أسباباً عديدة لذلك تبدأ من عدم قبول القواعد لتلك الشخصيات، وإنتهاء بفشل تجارب بعض المرشحين السابقة في المناصب التي قدموا لها.

قيادات ترفض الترشيحات

غبن من خسروا جولة ترشيحات المؤتمر الوطني للإنتخابات، وبعض من لم يشارك في اللعبة أصلاً منذ البداية، عبر عن نفسه علناً من خلال التلويح بتقديم مرشحين منافسين لمرشحي الحزب، أو بالشروع عملياً في إجراءات الترشيح لدى المفوضية القومية للإنتخابات، وأنهت قلة من هؤلاء بالفعل إجراءات ترشيحها وقبضت شهادات الترشيح، ويندرج في الصنف الأخير حامد محمد على في البحر الأحمر، ود.حافظ عمر خالد منسوب الوطني الذي رشح نفسه مستقلاً لمنصب والي سنار، فيما دعا حمد أبو ريدة رئيس المجلس التشريعي بشمال كردفان صراحة لعدم التصويت لمرشح الحزب في الولاية د.فيصل إبراهيم حسن، ولوح بتسمية مرشح مستقل..اما محمد حامد موسى رئيس تشريعي كسلا فقد اعلن عزمه الترشح لمنصب الوالي ولكن الانباء افادت بتراجعه عن الخطوة بعد لقاءات مع نافذين في الوطني.

خيار مواجهة الحزب، بطرح مرشح آخر أو الوقوف في وجه مرشحه، لم يكن الخيار السديد بالنسبة لكثيرين ممن تقبلوا خروجهم من دائرة الترشيحات بهدوء، ومن بين هؤلاء عدة ولاة سابقين، كما كان الحال مع على محمود والي جنوب دارفور السابق الذي استقبل عبد الحميد موسى كاشا مرشح الحزب للولاية ودعا مؤيديه للتصويت له، وبرر محمود موقفه ذاك في حديث مع (الرأى العام) بقوله: (الحزب الذي إختارني والياً في الماضي هو ذات الحزب الذي يرشح كاشا الآن).

العلاقات الشخصية تحسم أسماء المرشحين

من المغبونين من اتخذ قرار الترشح خارج إطار الحزب منذ البداية، وكان يائساً من اختياره حتى قبل انعقاد مجالس الشورى لانتخاب قائمة قصيرة من المرشحين ترفع لقيادة الحزب في المركز لتختار من بينها من تراه مناسباً دون التقيد بموقعه في قائمة مجلس الشورى، أحد هؤلاء هو د.حافظ عمر خالد منسوب الوطني الذي أنهى إجراءات ترشحه لمنصب والي سنار منذ الثالث عشر من الشهر الجاري، ويقول إنه تخلى عن فكرة تقديم طلب ترشحه لمجلس الشورى قبل يومين من انعقاده لشعوره بأن الأمر برمته تحصيل حاصل، وأن أحمد عباس والي سنار سيكون مرشح الوطني في نهاية المطاف، وبدا الباعث على ذلك الشعور مبهما بعض الشيء في حديث خالد مع (الرأي العام): (كنت أعرف أن الوطنى سيختار أحمد عباس، وكنت أعرف أن العلاقات ستحسم قضية الترشيحات).

اطلع على موقع المفوضية العليا للانتخابات للمزيد من المعلومات

 

الترشيحات تعالج إحتقانات الماضي

الترشيحات نفسها عالجت أمور مغبونين سابقين، وعلى رأس هذا الصنف كرم الله عباس رئيس المجلس التشريعي الأسبق بالقضارف، ومرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي فيها، الذي لم يجد حرجاً في التلميح بإمكانية تقدمه للمنافسة على المنصب مستقلاً إذا تجاوزته الترشيحات، فيما يتحدث البعض عن قضايا سابقة للترشيحات مثل بدر الدين طه والي الخرطوم السابق الذي يقول إن أبواب رفاقه السابقين في الوطني أصبحت مغلقة في وجهه حتى أنه لم يستطع أن يلتقى منهم أحداً رغم وقوفه المتكرر بالأبواب.

القبيلة في السياسة

مبررات المعترضين على ترشيحات الحزب وحساباتهم تبدو على علاقة بحسابات قبلية أكبر، فالاعتراض على د.فيصل إبراهيم حسن في شمال كردفان تقوده قبيلة بعينها، فيما يقول د.حافظ إنه يعول على أهله في الولاية، في إشارة إلى قبيلته التي يقول البعض إنها تمثل قرابة الـ (ستين بالمائة) من سكان الولاية، أما الصراع الأبرز حتى الآن بين محمد طاهر إيلا والي البحر الأحمر ومرشح الوطني فيها، وبين حامد محمد على القيادي بالوطني الذي أنشا تياراً أسماه (تواصل) فيربط عديدون بينه وبين التنافس القبلي، خاصة وأن حامد سبق أن كان وكيلاًٍ لناظر قبيلته.

ينفي حامد أن يكون التسيب وعدم احترام المؤسسية الحزبية وراء خروجه عن طاعة الحزب، ويرجع التمرد الذي يقوده داخل الحزب في الولاية إلى عدم تدخل المركز لفض نزاعهم مع إيلا بطريقة مرضية على الرغم من المذكرة التي رفعوها بتغييره، ويتهم إيلا بأنه لا يمارس المؤسسية ويقوم بتنمية غير متوازنة في بورتسودان، كأن يقيم كورنيشاً لمجرد أن يصطحب إليه ضيوفه، ويرصف الطرق الداخلية الصغيرة في وقت تبقي فيه مناطق الإنتاج في الولاية بدون طرق ممهدة تربطها مع عاصمة الولاية والطريق القومي، ويخلع حامد على نفسه لقب (ممثل المهمشين)، ويضيف في حديثه مع (الرأي العام) أنه يقود حتى الآن تياراً داخل الحزب في الولاية لكنه سيحدد لحظة الخروج إذا لم يستجب المركز لمطالب القواعد ويقول: (إذا لم يفعلوا ذلك فلهم دينهم ولي دين).

بعض المغبونين يتمتعون بتأييد لا بأس به في مناطقهم، وربما كان ذلك في ذهن د.نافع وهو يعلن أن الحزب لن ينكسر أمام المغبونين وإن قاده ذلك الموقف للخسارة، في إشارة لإمكانية تأثير بعض المحتجين الأقوياء على نتائج الحزب في مناطقهم، لكنه حذر هؤلاء بأن المتفلت (سيتعب)، وبالنسبة لحامد على سبيل المثال فإن متاعبه بدأت مع إغلاق دار تيار (تواصل)، وقد لا تنتهي قريباً، ويرى البعض أن فقدان الدعم المؤسسي بأشكاله المالية والتنظيمية والإعلامية الذي كان يوفره الوطني لهؤلاء سيؤثر على أدائهم ومستوى شعبيتهم في حال نزولهم للانتخابات مستقلين عن الحزب الأم.

المحتجين...خطر على الحزب الحاكم؟

خطورة المغبونين لها جانب آخر، يتمثل في لجوئهم للأحزاب المعارضة، أو اندفاع الأخيرة لاستغلال أوضاع ما بعد الترشيحات داخل المؤتمر الوطني واستقطاب من تستطيع استقطابه من هذه القيادات الولائية والمناطقية، سواء عبر الانضمام أو التحالف كما يقول د.أسامة زين العابدين المحلل السياسي، فإمكانية التنسيق مع الأحزاب المعارضة من داخل الوطنى أو خارجه تتضاعف في أوقات الخلاف، والغبن.

إرضاء الجميع هدف صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلاً، وربما كان ذلك ما دفع الوطني لإغلاق الباب أمام الاحتجاجات، فسماع هؤلاء وتحقيق مطالبهم يعني ضجيج آخرين بالشكوى، والعكس، كما أن الحزب اختار مرشحيه باستصحاب القوائم التي رفعتها مجالس الشورى، وبدرجة أكبر وفقاً لحسابات القيادة الخاصة، ما يجعل التنازل عن الترشيحات أمراً مستبعد الحدوث.

مقرب من أحد الولاة السابقين الذين تجاوزتهم الترشيحات على قوتهم، يهمس بأن الوالي السابق أظهر قبوله بالترشيحات طمعاً في تسوية أوضاعه بشكل أو آخر من خلال إيجاد موضع قدم له في المركز، وخوفاً من (التعب) مع الحزب إذا أشهر تمرده، وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية للصامتين، سواء أكانت خوفاً أو طمعاً، أو مزيجاً من هذا وذاك، إلا أن الصمت، والقبول، في انتظار فرصة أخرى داخل الحزب، ربما كان أفضل من إعلان التمرد وخوض الانتخابات بعيداً عن الوطني، وعلى الرغم من أن بعض المغبونين يتوقع أن يكتسح الانتخابات ويسقط مرشح المؤتمر الوطني سواء في مناصب الولاة أو دوائر المجالس التشريعية، إلا أن ذلك يبقى في خانة التكهنات، حتى ينقشع ضباب الانتخابات وتظهر النتائج، وتتضح الصورة تماماً: من أتعب من...؟!!