الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الشائعات بالوفاة تلاحق قيادات سياسية سودانية

آدم محمد أحمد
الخرطوم ‪-‬ تعد الإشاعات من ضمن التكتيكات المستعملة في السياسة. ولكن عند انعدام المعلومة اليقينة، يقع المواطن في فخ الاشاعة، ويصعب التفريق بين ما هو مصطنع مما هو حقيقي.
25.04.2024
الرئيس السوداني عمر البشير عند وصوله من المملكة العربية السعودية في 14 نوفمبر، والتي أثارت رحلته لها عددا من الشائعات.
الرئيس السوداني عمر البشير عند وصوله من المملكة العربية السعودية في 14 نوفمبر، والتي أثارت رحلته لها عددا من الشائعات.

في عمق إحدى الليالي الدافئة لشهر مايو الماضي، واليوم كان في روزنامة الأسبوع الأربعاء، خرج القيادي بالمؤتمر الوطني بروفيسور إبراهيم غندور ضاحكاً من احد اجتماعات المكتب القيادي لحزبه التي استمرت حتى الساعات الأولى من الصباح.

غندور كان يداعب شاشة تلفونه الجوال غالي الثمن، وهو يقول لنفر من الصحفيين كانوا يرابطون في المركز في انتظار التصريحات‪:‬ ”وردتني الآن رسالة في التلفون تشير إلى وجود إشاعة عن إصابة الرئيس بوعكة صحية نقل على إثرها للمستشفى“، وأضاف‪:‬ ”اكتبوا أن الاجتماع تم برئاسة البشير دحضاً للشائعة.“

حينها كان الرئيس البشير خارجاً لتوه من الاجتماع برفقة قيادات المكتب القيادي. الواقعة كانت تجسد مفهوم الشائعة بامتياز لكوننا حضور على تفاصيلها، لكنها لم تكن الأولى والأخيرة.

فالشائعات التي تنسج بخيال خصب كانت تلف حبالها حول الرئيس وبعض قيادات الدولة وزعماء المعارضة منذ وقت بعيد. وشهدت الساحة السياسية خلال الفترة المنصرمة الكثير منها.

تناقلت المواقع الاسفيرية معلومة أن الرئيس البشير نقل إلى العناية المركزة بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالعاصمة السعودية الرياض. وكانت المعلومة مصدرها موقع صحيفة ’الراكوبة‘ الإلكترونية وهي صحيفة يميزها العداء السافر والمعارضة الشرسة للنظام. حيث أوردت الخبر الأتي ”أكد مصدر موثوق للراكوبة بأن الرئيس السوداني عمر البشير المتواجد منذ مساء الأمس في الجناح الملكي ’RD‘ بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالعاصمة السعودية الرياض، قد تم نقله منذ قليل الى قسم العناية المركزة بسبب معاناته الصحية.“

تزامنت تلك الشائعة مع أخرى بثت أيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة زعيم المؤتمر الشعبي د.حسن عبدالله الترابي. رد عليها الرجل بابتسامة وفقاً للصحف.

ويبدو أن الترابي من أكثر الشخصيات عرضة للشائعات. ففي مارس الماضي انطلقت شائعة بوفاته أيضاً بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العام الثاني لحزبه بولاية الخرطوم، مما دعا الرجل الى الرد أثناء مخاطبته الجلسة بقوله ”انهم أشاعوا أنني بلغت من الكبر ما دعاني للمرض، وأشاعوا بأني متٌّ وتوافد الناس على المنزل بالهتاف والنحيب.“

ويقول القيادي بالمؤتمر الشعبي ابوبكر عبد الرزاق ان ”الشائعة المتصلة بدكتور الترابي تمثل أماني وأحلام لمروجيها لأنهم يظنون ان الأعمار بأيديهم وليس بيد الله.“

ويشير أبو بكر بأنهم تعاملوا مع الشائعة بوضع طبيعي من خلال تجاوزها والصبر على كثافة الاتصالات التي وردت من البعض مستفسرين عن صحة المعلومة.

وأضاف‪:‬ ”لكن لن نتركها تؤثر علينا بالقدر الذي يجعلنا أن نضيع طاقتنا لمحاربتها.“

ويوضح أبو بكر قائلاً‪:‬ ”الشائعة هي أداة من أدوات العمل السياسي والاستخباري تهدف لتحديد غايات محددة وقد تكون نبيلة ريثما يتشكل رأي عام إيجابي يدلي بتأثيرات صالحة لخير الناس او لأي مجموعة محددة، وقد تهدف الى خلق جو عام لتسجيل نقاط سياسية او أمنية في مرمى الطرف الآخر.“  

وأشار أن الشائعة تتطلب من المتضرر توظيف طاقاته في الجانب الإيجابي للرد عليها بنفيها و بالتالي يصرف طاقته في جرح الشائعة لكنها بالطبع ستحدث بعض الأثر.

ويضيف‪:‬ ”أحياناً قد لا يستطيع الشخص أن ينفي عن نفسه التهمة على كل المستويات على الرغم من كذبها.“

عطفاً على ما ذكر نجد أن الأسابيع الماضية منذ العدوان الاسرائيلي على مصنع اليرموك حفلت بالكثير من الشائعات المختلفة والمتقاطعة.

وكانت حادثة ’اليرموك‘ نفسها مثلت نقطة لمدار شائعي طافت حوله الأذهان قبل أن تقطع الحكومة الشك باليقين، وتؤكد ما ذهب اليه شهود العيان بان الانفجار نتيجة لقصف بطائرات.

وبعدها وعقب مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير، راجت المعلومات وتضاربت في اتجاهات مختلفة حتى أعلنت الحكومة عبر مصدر امني عن حدوث محاولة ’تخريبية‘ أكدها وزير الأعلام د. أحمد بلال عثمان صبيحة اليوم التالي في مؤتمر صحفي، وأشار الى أن المحاولة بدأت في وقت مبكر وان الترويج لمرض الرئيس كان ضمن المخطط تمهيداً للمحاولة.

الشائعة كما تم تعريفها في بحث على موقع منتدى الأنثروبولوجيين والاجتماعيين العرب، هي ”الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتناقلها الناس دون تأكد من صحتها وقد يضيفون إليها بعض التفاصيل الجديدة وقد يتحمسون لما يرونه ويدافعون عنه بحيث لا يدعون السامع يتشكك في صدق ما يقولون.“

وبحسب ما ورد في نفس البحث، ”أن الشائعة ظاهرة نفسية لها دلالة ولها معني ولها دوافع خاصة، وان الشخص الذي يروج للاشاعة يهدف أحياناً لبث القلق والرعب في نفوس أفراد المجتمع رغبة في تحقيق أهدافه أو أحلامه وهي تكون بمثابة التنفيس عن هذه المشاعر.“

نجاحها يرتبط بموضوعها ومتصل بجانب الحساسية الشديدة أو حادث هام أو أمر من الأمور الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية.

ومقارنة بسيطة بين الأجواء التي حدثت فيها الشائعات وبين مضمون هذه التعريفات نجد أن الأمر صحيح الى حد ما.

فالحديث عن مرض الرئيس قد سبق المحاولة ’التخريبية‘ بأيام وذلك أثناء سفره الى السعودية حيث تحدث الناس عن مفارقته للحياة.

وأوردت بعض المواقع على النت أنباء عن تسليم الرئيس سلطاته إلى نائبه الأول في اجتماع كان وزير الدفاع غائبا عنه لأسباب غير معلومة بحسب الخبر الذي نشره موقع ’أفريقيا اليوم‘. وكان حينها وزير الدفاع في جوبا في مهمة قيادته للمفاوضات مع حكومة الجنوب، مما اضطر الحكومة الى الرد عبر تنظيم لقاء للرئيس مع الجالية السودانية بالسعودية.

وقد نسب للسكرتير الصحفي عماد سيد أحمد حينها قول: ”أبلغت الرئيس بذلك لكنه قال: ’أصحاب الإشاعات أدخلوني المستشفى وأخرجوني منها وعرسوا لي كمان‘.“

ورغم أن الشائعة أمر واقع وتعتبر جزءاً من فنون الحرب النفسية، إلا أن طريقة تعامل الجهات المختصة معها أحيانا يعطيها صبغة الانتشار والتأثير.

على غرار ’إذا لم تملأ الفراغ بالحقائق ، سيملأه الآخرون بأنصاف الحقائق‘.

وبحسب مراقبين أن طريقة الحكومة ممثلة في وزير الإعلام بشأن المحاولة مثلت أرضية لنمو الشائعات وتفرقها، لكونه لم يعط معلومات مشبعة لحاجة الإعلام.

واكتفى بحديث مقتضب لزوم التأكيد، حيث ذكر اسمين فقط من جملة ثلاثة عشر اسماً متهماً في المحاولة.

وان كان الوزير برر ذلك بان ما ذكره هو المناسب في ذلك الوقت لحساسية الواقعة، لكنه بحسب مختصين لا يتحمل مسئولية تبعات ما يحاك حول القضية بعدها.

وكانت من ضمن الإفرازات اللاحقة، ظهور شائعة بضلوع القيادي بالحركة الإسلامية د. غازي صلاح الدين في المحاولة وإخضاعه للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية.

وقال بعضهم إن الرجل دفع باستقالته للوطني وغادر البلاد إلى لندن للاستقرار فيها بلا عودة.

حتى خرج الرجل ليكذب ذلك كله، ثم تلتها شائعة عن إطلاق سراح المتهمين في المحاولة سيما ’ود إبراهيم‘، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

بينما نفى المؤتمر الوطني تلك الأنباء واعتبرها محض شائعة الغرض منها الاصطياد في الماء العكر.

ويقول الخبير الأمني اللواء معاش حسن بيومي ”إن الشائعة من أهم أعمال الحرب النفسية وهي تنمو في الغموض ويمكن ان تخرج من أي شخص.“

ويضيف‪:‬ ”الشائعة تنتشر في ظل وجود أجهزة اتصالات ووسائل للتواصل عبر الشبكات ولكن في ذات الوقت يمكنها أن تنتهي بسرعة بفضل تلك الأجهزة.“  

وينوه بيومي إلى انه بعد ضرب اليرموك، انتشرت الشائعة والسبب في ذلك البيانات التي تخرجها الحكومة وهي بيانات ضعيفة وشحيحة المعلومة. ويضيف‪:‬ ”يجب على الحكومة أعطاء وتمليك كافة المعلومات للرأي العام حتى لا يترك فراغ يملأ بالشائعات.“

بينما يقول أستاذ العلوم السياسية د. محمد نوري الأمين أن ”الغرض من الشائعة لا يخرج هذا من احد احتمالين أما لأحداث فوضى عارمة أو تمهيداً لخطوة مقبلة كما تم في أعقاب المحاولة التخريبية.“

ويضيف ”لكن الشائعات هذه الأيام هي رسائل للحزب الحاكم بان السيل قد بلغ الزبى وعليهم إدراك ما يجري.“