الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الأحزاب السودانية بين العلمانية وتبني الشريعة الإسلامية

آدم محمد أحمد
الخرطوم ‪-‬ أثارت تصريحات نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس السوداني د. نافع علي نافع حول بعد المعارضة عن الشريعة الاسلامية عددا من اتساؤلات حول سبب هذه التصريحات وصحتها.
25.04.2024
لا يزال الدستور الانتقالي لسنة 2005 هو الدستور المعمول به في السودان. يعد وضع دستور جديد دائم أولية تدعو للمناقشة، خصوصا في ما يخص أساس الدستور: العلمانية أم الشريعة الاسلامية.
لا يزال الدستور الانتقالي لسنة 2005 هو الدستور المعمول به في السودان. يعد وضع دستور جديد دائم أولية تدعو للمناقشة، خصوصا في ما يخص أساس الدستور: العلمانية أم الشريعة الاسلامية.

المنصة التي أطلق منها نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس السوداني د. نافع علي نافع تصريحاته التي نعت فيها المعارضة بالبعد عن الشريعة الإسلامية، تستدعي منه اختيار تلك العبارات بحسب مراقبين لكونه يخاطب مجتمعا صوفيا يتخذ من الدين منهجا في نظرته للحياة بمفهومها البسيط.


نافع علي نافع، نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس السوداني عمر البشير.
ولكن هذه التصريحات ربما فتحت باباً آخر يسوق الناس إلى الحديث عن جدلية ما عرف بعلاقة الدين والدولة.

فالرجل قال أمام حشد من جموع للطرق الصوفية بولاية شمال كردفان يوم 10 نوفمبرأن ”قضية الحكومة والمعارضة تكمن في أن الأخيرة لا تريد الشريعة وتسعى إلى إقامة دولة علمانية“، بل تعهد بتقديم كل المستندات التي تؤكد ما ذهب إليه، ودعاهم إلى مناظرة علنية بهذا الخصوص.

ورغم أن الجدل حول إسلامية الحكم من عدمه ظل موجودا في مضمار الملعب السياسي السوداني، إلا أن سياق المقارنة البسيطة بين مضمون وتوقيت تصريحات نافع وطبيعة تركيبة ما يعرف بقوى الإجماع الوطني المعارض يرسم في ذهن المتابع نوعاً من الدهشة.

الأحزاب التي يعنيها الرجل واحكمها بعبارة ”بلا استثناء“ تنطلق جلها من قاعدة إسلامية أولها المؤتمر الشعبي، أكثر الأحزاب خصومة مع الوطني الآن، ثم حزبا الأمة القومي والاتحادي الأصل وباقي فرعهما وهي أحزاب يصفها البعض بأنها طائفية لعلاقتها بطائفتي ’الأنصار والختمية‘.

ويبدو أن هذا ما جعل الكثير من قيادات الأحزاب تلك تكتفي في تعليقها على ما أثاره نافع بعبارة واحدة وضعت في قالب استفهامي على شاكلة: هل طبق المؤتمر الوطني الشريعة أو كان يحكم بها خلال سنوات حكمه؟

ولكن مثلما أن المهمة في تثبيت أو نفي إجابة هذا السؤال تحتاج إلى براهين وأدلة بعيدا عن التأثيرات السياسية، فان الحديث عن علمانية الأحزاب أو إسلاميتها يحتاج أيضا إلى عصف ذهني قد يأخذ بعض الوقت، أو هكذا أراد أن يقول القيادي بالحركة الإسلامية بروفيسور عبد الرحيم علي عندما أشار إلى أن الأحزاب ليس كلها سواء ومسألة علمانية الأحزاب من عدمها مسألة تقبل الكثير من التفسير.

وأضاف عبد الرحيم علي: ”لذلك هذا النوع من الأسئلة يحتاج إلى شرح وأي كلام مختصر عنه قد يضر بالمعنى.“

بيد أن المؤشرات العامة بحسب متابعين تدفع في اتجاه أن تصريحات نافع تلك ربما جاءت في سياق الحالة السياسية التي تحيط بالوضع السوداني الراهن والتي جعلته في خانة ’الانتقالية‘ وما تشهده الساحة من شد وجذب بين مكوناتها المختلفة.


بروفيسور صلاح الدين الدومة.
© النيلان | حسن بركية

وفي هذا لا يمكن إغفال الحراك حول الدستور، باعتباره حديث المجالس السياسية الآن، سيما وان المهمة القادمة التي تواجه الدولة السودانية هي كيفية وضع دستور دائم.

وإذا أخذنا في الاعتبار الصراع الذي يدور الآن بين ما عرف بالتيارات الإسلامية المتطرفة والتيارات المعتدلة، فيمكن وصف ما أدلى به نافع بأنه مزايدة قصد منها الرجل الكسب السياسي.

وهنا يتساءل أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور صلاح الدين الدومة عن سر إطلاق نافع لهذا الكلام في هذا التوقيت. ويجيب الدومة على هذا التساؤل بقوله: ”اعتقد أن الإجابة هي أن نظام الإنقاذ طيلة فترة حكمه يستخدم مصطلح العلمانية كفزاعة وخيال مآتم لكي يرعب به الرأي العام السوداني حتى يظل المواطن البسيط يعتقد بان هذه الأحزاب هي ضد الشريعة ولولا نظام الإنقاذ لن يعبد الله في الأرض وإنهم الوحيدون يعملون لحماية الدين. ولكن الناس لم تعد تصدق هذا لأنها أصبحت واعية، وبدت أكثر واقعية“.

هذا ويعتبر عضو البرلمان عن المؤتمر الشعبي د. إسماعيل حسين تصريحات نافع بأنها مزايدات سياسية قصد الوطني عبرها دغدغة مشاعر ووجدان الناس المتدينين وصرف الأنظار عن عجزه في حماية البلد وفشله في إدارة الدولة، وأضاف: ”لما يطرح مثل هذا الموضوع والحديث الآن يدور حول هذا النظام الذي يصادر الحريات ويكبل حق الناس في التعبير.“

ويقول عضو هيئة تحالف المعارضة محمد ضياء الدين هناك أزمة في التوحد حول تعاريف المصطلحات وبالتالي كل طرف يحاول مهاجمة الآخر من خلال المصطلحات، كما يقول القيادي بالحزب الاتحادي الأصل د. علي السيد إن د. نافع قصد التحدث بلغة تثير مشاعر الجماهير، بالتالي أي كلام يقال عن هذا هو محاولة ساذجة لكسب الناس.


حسن الترابي.
© Khaled - Here

ولكن بعيدا عن الجدل العلمي وحتمية وجفاف النصوص، فإن الواقع السياسي بالنسبة لتحالف المعارضة ربما جعل من أحكام نافع تلك صحيحة إلى حد ما بناء على المعطيات، سيما أن الحراك بين أحزاب المعارضة كشف عن تباينات بينها فيما يتعلق بتحديد الإطار العام للمفاهيم السياسية.

وهنا فإن بعض التحليلات تذهب في اتجاه القول بأنه مثلما يدعم هذا الأمر وجهة نظر الوطني ولو من باب أن الجدل يؤكد وجود خلاف حول أمر ما، إلا انه يدعم أيضا فرضية أن المعارضة ربما لم تتفق جلها على إسقاط الشريعة من رؤيتها، من واقع أنها اتفقت على حد أدني تجتمع حوله الآن ضد نظام الإنقاذ التي أقرت إسقاطه بالقوة، حيث ترجمت ذلك في ’وثيقة البديل الديمقراطي‘ و’الإعلان الدستوري‘ التي أشارت بوضوح إلى أن الدولة يجب أن تكون ديمقراطية.

وفي هذا يجب الأخذ في الاعتبار تصريحات بعض قيادات المعارضة أولها زعيم المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي التي اقر فيها ”بحدوث خلاف بين أحزاب التحالف حول مدنية الدولة، قبل الاتفاق على تجاوزها إلى حين إجراء انتخابات، ليطرح وقتها كل طرف رؤيته ويتحدد شكل النظام عن طريق الاستفتاء“. وأشار الترابي في مقابلة سابقة مع ’سودان تربيون‘ إلى أن حزبه ”يتمسك بإقامة دولة إسلامية في السودان“.

وهنا يقول بروفيسور الدومة: ”في اعتقادي الأحزاب ليست ضد الشريعة لكنها ترى أن الشريعة ليست هي المصدر الوحيد للتشريع في الدولة“. 

بينما يقول محمد ضياء الدين نحن نرفض الدولة التي تقحم الدين في تفاصيل العمل السياسي، ويضيف: ”اتفقنا على انه عندما يأتي الوقت المناسب الذي تتوفر فيه الحريات والعمل السياسي، لكل حزب الحق في طرح رؤيته بالطريقة التي يريد.“

وزاد ضياء الدين بقوله: ”إذا كانت الشريعة التي يتحدث عنها نافع هي على نمط ما يقوم به الوطني من نموذج فنحن ضد الشريعة.“

ويتفق مع رأي ضياء الدين د. علي السيد الذي يقول إن الوطني دائما ما يطلق وصف العلمانية على كل من يرفض مشروع الحركة الإسلامية لإدارة البلاد، مضيفا: ”هذا صحيح لأننا نرفض الإسلام الذي يتمسك به الوطني ونصر على أن الإسلام لديه مبادئ عامة ولا يوجد حكم إسلامي مقرر في الكتاب والسنة، ونعتقد أن هذا استغلال للدين الإسلامي عبر ما نسميه الإسلام السياسي“.

وينوه السيد إلى أن المؤتمر الوطني يريد للمعارضة ان تغرق في هذه المفاهيم الآن، التي ليس لها أصل في علم السياسة ولكن الأحزاب واعية ولا يمكن أن تنجر وراء ما يريده الحزب الحاكم.