الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

هل تنجح نداءات البرلمانيين الفرنسيين في إيقاف انفصال الجنوب؟

آدم محمد أحمد
دعا برلمانيان فرنسيان إلى العمل على تجنيب السودان مخاطر الانفصال. دعوة قد تكون إشارة لحسن النوايا لكنها تأتي في الوقت الضائع كما يرى بعض السياسيين السودانيين.
25.04.2024
© Reuters
© Reuters

تمثل الدعوة التي أصدرها برلمانيان فرنسيان من أجل ضرورة العمل على تجنيب السودان مخاطر التجزء والانفصال، سواء أكانت دعوة جدية أم لا، تمثل تحولا كبيرا ونقلة نوعية في سياسة فرنسا تجاه السودان، والتي عُرفت في السابق بالتوتر، سيما في الآونة الأخيرة جراء التصرفات الفرنسية تجاه ملف السودان والمحكمة الجنائية الدولية، والذي مثل حجر عثرة بين البلدين وجعل علاقة باريس تتسم بالتشدد.


الدعوة المذكورة ورد ذكرها في بيان نُشر في موقع الجمعية الفرنسية(البرلمان الفرنسي)، حيث أوضح البيان أن لجنة الشؤون الخارجية الفرنسية أعلنت تسلمها تقريرا رُفع إليها من النائبين سيرج جانكين (اشتراكي)، وباتريك لابون (يميني)، جاء فيه أن الاستحقاقات في الأشهر المقبلة بجنوب السودان "قد تكون مناسبة لتطورات دراماتيكية". وحث البرلمانيان الفرنسيان دولتهما والاتحاد الأوروبي على اتخاذ مبادرة لعقد مؤتمر دولي في أقرب وقت ممكن من أجل تحديد الطريق الواجب إتباعه، والجهود الواجب تكريسها للمحافظة على وحدة السودان، ووصفا الوحدة بأنها أمر لا بد منه من أجل الاستقرار في إفريقيا.


ورغم أن الدعوة بشكلها الحالي تظل في إطار المبادرة الحسنة حتى تتم الاستجابة لها من قبل الحكومة الفرنسية، ومن بعد البرلمان الأوروبي، إلا أن المراقب لطبيعة العلاقات بين باريس والخرطوم بصفة عامة  يمكنه أن يقرأ شيئا ما بين السطور حتى وإن كانت الكتابة "بالحبر السري"، إذ أن مجرد إشارات للإبقاء على السودان موحدا من قبل أصوات في "أوروبا" هي موقف لا يمكن تجاوزه هكذا. ووفقا للقيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق "إذا استجاب البرلمان الأوروبي وتبني دعوة العضوين الفرنسيين تجاه وحدة السودان فسيعد أمرا يعبر عن حسن النوايا، لكنه سيكون قد جاء متأخرا وإن كان جزءا من تنفيذ بنود دستور السودان الانتقالي"، وكان من الأجدى بالبرلمانيين الأوروبيين بصفة عامة- والحديث لأتيم- إذا كانوا حريصين على وحدة السودان أن يضغطوا على الدول المانحة والتي تشكل دول أوروبا الأغلبية منها بدفع 4.5 مليار دولار التي تبرعت بها في مؤتمر أوسلو لتنمية الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل، وهو أمر أكثر تأثيرا من المؤتمر الدولي المدعو، لجهة أن المنح من خلالها ستكون التنمية الحقيقية في الجنوب مما يدعم خيار الوحدة بشكل أقوى. ويضيف أتيم  "أو من الواجب في أحسن الفروض أن يدعم الأوربيون حلحلة قضايا السودان الخارجية مع الغرب نتيجة للعلاقات القوية التي تتمتع بها أوروبا حتى يتجنب السودان الذهاب إلى لاهاي كما حدث، وبالتالي دعم تنفيذ اتفاقية السلام بصورة قوية".


والناظر لمضمون الدعوة على ضوء أهمية منطقة البحيرات بالنسبة لفرنسا كمناطق نفوذ سياسي وإستراتيجي، يخلص إلى نتيجة مفادها أن الخوف من زيادة بؤر جديدة للصراع في المنطقة، وهو الدافع الأساسي لمثل هذه التحركات سيما أن البرلمانات في أوروبا تجاوز عملها المشاكل الداخلية إلى محيط العالم الخارجي والإقليمي، وأصبحت تعبر عن رؤية قارية، وبحسب أتيم قرنق "فإن الأوربيين بدأوا يعتقدون بصورة جازمة أن أهل الجنوب سينحازون إلى الانفصال في العام 2011 مما يجعل السودان بعدها ليس موحدا"، ويقول أتيم "من هذا المنطق جاءت الدعوة لمنع حدوث انفصال الجنوب، يضاف إلى ذلك أن فرنسا من الطبيعي أن تكون لها معرفة جيدة بالدول المجاورة للسودان والتي تشهد اضطرابا في داخلها كتشاد والكنغو وهي دول ذات نفوذ فرنسي، وانفصال الجنوب قد يزيد من اضطرابها".


لكن فرنسا ليست هي الدولة الرائدة والمؤثرة على المشهد العالمي تجاه السودان. حقيقة يتردد صداه لدي المراقب بمجرد أن يتنامى إلى ذهنه الحراك الفرنسي على مشارف السودان، وهنا يقول المحلل السياسي بروفيسور حسن الساعوري "فرنسا ليست مناسبة لتحقيق الهدف المقصود رغم ما لديها من أعمال قديمة باعتبارها صاحبة الشأن، لكن ليست هنالك علاقات جيدة أو تعاون سياسي مع السودان يمكن أن تستخدمه في الإطار الصحيح كالاستثمارات أو المصالح الأخرى". غير أن الساعوري يعتبر ما صدر من دعوات برلمانية فرنسية مؤشرا جيدا ومفاجأة كبيرة ونقلة نوعية أن يتكلم الفرنسيون عن ضرورة إنقاذ السودان من الانفصال باعتبار أن فرنسا كانت في الفترة الأخيرة تعتبر من الدول المعادية للنظام في الخرطوم وتدخلت في أحيان كثيرة في الاتجاه السلبي. ويضيف الساعوري "كان يمكن أن تأتي الدعوة من بريطانيا لما تتمتع به من علاقات تاريخية مع الجنوب أو أمريكا صاحبة المصلحة الكبرى". ويلفت إلى أن تأخر مثل هذه الدعوات من أوروبا بالتحديد رغم ما لها من دور في رعاية الاتفاقية هو لأن الأوربيين تشكل لديهم اعتقاد بأن الجنوب سيتحول إلى منطقة نزاع وحرب أهلية كما يحدث الآن، وهذا العامل هو الذي دفع ببعض الدول أن تتجه لإنقاذ الجنوبيين من أنفسهم، حسب قوله.


لكن يبقى السؤال هو مدى استجابة الرئيس الفرنسي ساركوزي لهذه الدعوة البرلمانية، لما عُرف عن الرجل من تشدد تجاه السودان وميوله الواضحة ناحية المواقف الأمريكية والبريطانية. ألا يظل الأمر في سياق العبارة "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي" لاعتبارات أن الفترة المتبقية غير كافية؟ لكن الشرخ الذي حدث أكبر من أن يعالجه مؤتمر دولي، بحسب أتيم الذي قال: "إلا إذا افتكر الأوروبيون أن الشهور المتبقية كافية لجعل الجنوبيين يصوتون ناحية الوحدة، إذا كان ذلك لم يتشكل في أذهانهم منذ خمس سنوات مضت".