الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

اتفاق مناوي والمهدي في الميزان السياسي

آدم محمد أحمد
الخرطوم - التوقيع على اتفاق بين حزب الأمة القومي وحركة تحرير السودان أثار الجدل حول المستقبل السياسي للسودان.
25.04.2024
الصادق المهدي،  زعيم حزب الأمة القومي (يمين) ومني اركو مناوي، زعيم حركة تحرير السودان (يسار).
الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي (يمين) ومني اركو مناوي، زعيم حركة تحرير السودان (يسار).

في منتصف أغسطس الجاري، وقع حزب الأمة القومي، أكبر الأحزاب السودانية المعارضة بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، السيد الصادق المهدي، اتفاقاً مع حركة تحرير السودان بقيادة كبير مساعدي رئيس الجمهورية السابق، مني اركو مناوي - وهي حركة مسلحة تقاتل الحكومة السودانية في دارفور.

الاتفاق أثار حراكاً في البلاد وألقى حجراً في البركة السياسية السودانية التي نعمت بالسكون منذ بداية شهر رمضان، على الأقل على مستوى العاصمة الخرطوم.

يرى مراقبون سياسيون أن الاتفاق كان مفاجئا من حيث التوقيت، حيث أن الأوضاع السياسية الداخلية لا تحتمل مجرد الاتصال بالحركات المسلحة ناهيك عن توقيع اتفاق معها، وذلك بفعل سياسة القمع التي اتخذتها الحكومة السودانية منذ انفصال الجنوب وما صاحبها من توترات بين البلدين.

عبد الله مرسال، الناطق باسم حركة تحرير السودان. 
© النيلان | آدم محمد أحمد

هذا الواقع وضع خطوات السياسيين المخالفين للنظام ضمن خانة ”التآمر والتخابر“ سيما تلك الخطوات التي تتخذ طريقاً يهدف إلى تهدئة الغليان السياسي ومن بينها بالطبع ما قام به حزب الأمة.

الاتفاق بين حزب الأمة وحركة مناوي نص على مبادئ عامة عبر نقاط ثلاث رئيسية دعت إلى ”ضرورة تبنِّي نظام حكم فيدرالي لا مركزي وإتاحة الحريات العامة والشخصية، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حُرَّة ونزِيهة وشفافة وفقاً للمعايير والرقابة الدوليين، وحُرِّية الصحافة، وتمكين المرأة السودانية وتأكيد حقوقها وواجباتها عبر ميثاق نسوي كما وصف الاتفاق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بأنهما ولايتان ذات خصوصية“.

ولكن على الرغم من تلك المعاني التي قد لا يختلف حولها اثنان يعملان بالسياسية، إلا انه ومثلما هو متوقع لم يرض الاتفاق الحزب الحاكم، الذي رفضه جملة وتفصيلاً ولم يكتف بذلك وإنما وجه تحذيرا شديد اللهجة لحزب الأمة وطالبه بالتراجع الفوري عن تبني الاتفاق.

قال  المؤتمر الوطني أنه هذا الاتفاق وقع مع حركة إرهابية، فرئيس القطاع السياسي بالحزب الوطني ونائب رئيس الجمهورية الحاج ادم يوسف قال إن ”مستقبل علاقة حزبه وحزب الأمة مرهونة بتحديد الحزب موقفه من المذكرة بصورة واضحة“، وهدد الحاج بتحريك قواعد المؤتمر الوطني في دارفور ضد المذكرة والتصدي لمحتوياتها سياسياً.

لم يأبه حزب الأمة كثيراً للانتقادات التي صوبت للاتفاق واعتبر أن موقفه جاء تنفيذاً لفكرته التي طرحها سابقا،عقد مؤتمر السلام والذي يتطلب، وفقا للحزب، حراكاً يشمل الاتصال بكل فعاليات المجتمع السوداني من أحزاب سياسية، منظمات المجتمع المدني والحركات المسلحة.

رئيس الحزب الصادق المهدي دافع عن الاتفاق وقال في تصريح لقناة ’الشروق الفضائية‘ إن الحكومة نفسها كانت قد وقعت اتفاقاً مع حركة جيش تحرير السودان جناح مناوي، في إشارة إلى اتفاق أبوجا الذي فشل في تحقيق السلام بدارفور، حيث وصف المهدي اتفاق أبوجا ”بغير الناضج“، معدداً بذلك المسوغات التي تجعل من حزبه قائداً وقادراً على التفاهم والاتفاق مع من يريد.

بينما اعتبر مسؤول الإعلام بلجنة مبادرة حزب الأمة القومي للسلام حسن إمام رفض المؤتمر الوطني لمبادرة حزبه تعني رفضه لعملية السلام بأكملها، وأكد امتلاك حزبه لخيارات كثيرة سيفصح عنها في حينها.

”الاتفاق لن يحقق أي اختراق على صعيد معالجة قضايا البلاد نظرا لان النظام الحاكم معروف بنقض العهود والمواثيق“
صلاح الدومة
تاريخياً، حزب الأمة القومي معروف بمبادراته السياسية و توقيع تفاهمات مع كل الأطراف السياسية منذ أن كان معارضا بالخارج في بواكير انقلاب حكومة الإنقاذ. بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل، وقع حزب الأمة مذكرات تفاهم مع كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني نفسه، وحركة العدل والمساواة وأخيرا حركة مناوي.

مراقبون ينظرون لكل تلك الاتفاقيات من زاوية أن حزب الأمة يهدف من وراءها إلى تحقيق كسباً سياسياً واستخدامها كتكتيك للحفاظ على مسافة واحدة بينه وكل الأطراف سواء المعارضة بالداخل أو تلك التي تحمل السلاح، ويذهب المراقبون إلى أن الخطوة ربما جاءت لتهدئة خواطر الحركات المسلحة بعد أن أطلق زعيم الحزب تصريحات خلال الأشهر الماضية هاجم فيها مسلك الحركات المسلح لتغير النظام- وهذه الصفة تميز بها المهدي الذي يقول البعض بأنه ”يفلق ويداوي“ في آن واحد.

ولكن رغم ذلك الاتفاقيات لم يحالفها الحظ من التنفيذ ودائما تظل وثائق تحفظ في الإدراج، وهو وضع لا ينفصل كثيرا عن حالة السياسة في السودان.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور صلاح الدومة، رغم انه استبعد ”أن يمضي الاتفاق إلى سياق التكتيك لفرض أجندة وضغوط على النظام“ إلا انه في ذات الوقت يعتقد أن ”الاتفاق لن يحقق أي اختراق على صعيد معالجة قضايا البلاد نظرا لان النظام الحاكم معروف بنقض العهود والمواثيق“.


نائب الرئيس السوداني والمسئول السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاج آدم. © وكالة السودان للأنباء
كما أن الاتفاق أثار قلق بعض الحركات والفصائل الدارفورية التي وقعت سلام مع حكومة السودان، فالمتحدث باسم  تحالف حركات دارفور بالداخل هاشم عثمان قال ”أن حزب الأمة يسعى بالاتفاق إلى محاباة المتمردين، وتمرير أجندة تنظيمية خاصة به عبر متمردي دارفور” وأضاف ” فصائل تحالف الجبة الثورية لن تستفيد من حزب الأمة ولن يقدم لها إضافة إيجابية على أي مستوى لأنه فقد البوصلة السياسية“.

في إطار آخر، استنكرت حركة مناوي التي وقعت الاتفاق مع حزب الأمة على لسان الناطق الرسمي باسمها عبد الله مرسال، الهجمة التي وصفتها ”بالشرسة“ على الاتفاق واعتبر مرسال ”أن تهديد المؤتمر الوطني يعني جنوحه نحو أسلوب التصفية لكل من يخالفه الرأي“، وقال إن مذكرة التفاهم بين الحركة والأمة ”تأتي كخطوة ضرورية في الاتجاه الصحيح للاتفاق حول بعض الثوابت الوطنية الهامة فيما يتعلق بكيفية توطيد العلاقة بين القوى المسلحة وقوى التغيير السلمي في تطوير التنسيق لإسقاط النظام وإحداث التغيير المنشود“.

يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وتزامن ذلك مع احتياجات العيد وما صاحب ذلك من غلاء فاحش للأسعار، لم يترك للمواطن العادي عقلاً ولا بال لمتابعة أحداث السياسية.

المواطن علي العوض، رجل في خمسينات عمره، بدا غير مستعد لسماع سؤالي له فقال وهو على عجل من أمره: ”الأيام دي نحن ما شغالين بالسياسة فقط، نبحث عن التزامات العيد وكسوة الأبناء في ظل ارتفاع الأسعار بصورة جنونية“.

عجلة العوض جعلتني أشيح بوجهي عنه موجها سؤالي حول اتفاق حزب الأمة وحركة مناوي إلى مواطن آخر يقف بجانبه يدعى إسماعيل عمر، لكن إسماعيل لم يكن أفضل حالا من سابقه فاكتفى بالقول ”البلد دي يا أخي ما محتاجه لاتفاقيات وإنما تحتاج إلى قرار سياسي يعيد للسودان استقراره“.

حينها أدركت أن المواطن مشغولا جدا هذه الأيام بمعايشه ولا دخل له بالسياسة.