الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

مستقبل السودان: الحوار أم الحرب حوار مع الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني

آدم محمد أحمد
الخرطوم - منذ بداية أزمة هجليج، أصبحت ديناميات علاقة السودان وجنوب السودان تتأرجح بوضوح بين التهديد والحوار. حسبو محمد عبد الرحمن، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، يوضح موقف الحزب حول عدد من القضايا تربط البلدين.
25.04.2024

عقب الأحداث التي وقعت في هجليج والحديث عن بدء التفاوض مع دولة الجنوب، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية في دولة السودان، جلسنا مع الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني \"الحاكم\" حسبو محمد عبد الرحمن لاستنطاقه حول عدد من القضايا المرتبطة بعلاقات السودان وجنوب السودان.

 

الحوار والحرب

 

آدم محمد أحمد: الكثيرون ينظرون للحرب بأنها ذات تكلفة عالية في ظل ظروف مالية صعبة يمر بها السودان، لذلك يدعون المؤتمر الوطني باعتباره حزبا حاكما أن ينتهج الحوار بدلا من الحرب والتصعيد؟

 

حسبو محمد عبد الرحمن: هناك أسباب كتيرة جدا تجعل العلاقة بين الشمال والجنوب حتمية ولا يمكن أن تظل علاقة مواجهة، نحن متفقون على الهدف، لكن الجنوب يبدو أنه يتعرض إلى ضغوط وتحريض، على شاكلة أن الشمال يمكن أن ينهار إذا أوقف عنه البترول، لكن نحن مؤمنون بأن البترول لن يُحدث لنا انهياراً اقتصادياً، و(ربنا فتح لينا موارد كتيرة ما جات بالشطارة)، 

وأنا كنت أقول إن محمد علي باشا دخل السودان قبل مائة عام وكان واحدا من أسبابه البحث عن الذهب، لكن الذهب لم يخرج في فترة محمد علي بل خرج الآن من إرادة الله علينا، هذا غير الموارد الطبيعة الأخرى. 

 آ.م.أ: هل كان قرار توقيع الاتفاق الإطاري حول الحريّات الأربع مع الجنوب خاطئا؟ أو بمعنى أن المؤتمر الوطني «لم يحسبها صح» وأنّ الأصوات التي كانت رافضة بداخله كانت - إذا أخذنا في الاعتبار ما حدث في هجليج - على صواب؟

 ح.م.ع: دعني أبدأ بالعلاقة الإستراتيجية مع الجنوب، المفهوم الإستراتيجي لحزب المؤتمر الوطني منذ قيام الإنقاذ يؤمن بالحوار وأن القضايا الأساسية يتم حلها بالحوار والحرب شيء عارض. 

وعندما كان عمر الإنقاذ شهرين، أول شيء قامت به كان ”المؤتمر القومي للحوار السياسي“، بعدها بدأت الحوارات في إطار السلام. قضية الجنوب ليست جديدة وإنما قديمة قبل الاستقلال، وأعتقد خلال الحقب كلها، سواء أكان عبود أم المهدي أم نميري لم تكن هناك إرادة سياسية قوية لحل المشكلة مع الجنوب. المؤتمر الوطني، وبإرادة سياسية واعية، قال لا بد أن نرضى بحل المشكلة ولا بد أن نقدر إرادة أهل الجنوب، كيفما اتفقوا، لذلك ظللنا نتفاوض و(الحرب شغالة)، ولم نوقف التفاوض لأن الحرب في جيب من الجيوب في مكان ما.

وافقنا على نتيجة الاستفتاء التي كانت النسبة الأغلب فيها للانفصال، وحتى القيادات الموجودة معنا كانت تريد الانفصال. وبالتالي أعتقد أن مشكلة الجنوب عالميا من أطول الحروب المدنية التي تم حلها بالحوار، كان لدينا خياران الحرب وهي دمار وضياع للموارد، أو السلام وهو الأفضل لأنه الهدف الإستراتيجي بالنسبة لنا. 

الآن هناك قوى سياسية شمالية وجنوبية تريد أن تستغل وجود دولة الجنوب لتغير النظام في الخرطوم، لذلك حصلت تجمعات كاودا والجبهة الثورية وغيرها، ولكن رغم ذلك هدفنا وكما يقول المثل البلدي (القانص للفيل ما بتلفت للصبر). هدفنا الكبير لن تشغلنا عنه أي أهداف عارضة أو جانبية لذلك رفضنا الاستجابة للاستفزازات، لأن هناك أشخاصا لا يريدون الاستقرار ولهم تقديرات بأن النظام سيسقط.

نحن نؤمن بأن الله يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء. نوايانا تجاه الجنوب إيجابية بأن نؤسس لعلاقات تبادل للمصالح، بحكم الجوار والتاريخ والجغرافيا، لذلك إذا وجدت أية ميزة أو استثناءات تمنح للجنوب فيجب منحها لأننا نريد أن نبني معها علاقة جيدة وإستراتيجية.

قضيتنا ليست قصيرة أو مربوطة بمصلحة أو استغلال للآخر، مصالحنا مع الجنوب حتمية لأن الجنوب يعتبر من أهم الدول بالنسبة لنا مقارنة مع دول الجوار الأخرى، وأعتقد أن الجنوب نفسه حقق غاية ما يريده؛ الانفصال بالسلام وليس بالحرب. بالتالي أرى أن المنهج الذي استخدمه الجنوب لتحقيق هدفه الإستراتيجي، يجب أن يستخدمه الآن، ويوقف دعم حركات دارفور وفك الارتباط ويتفق معنا على حدود آمنة ومستقرّة.

آ.م.أ: ذكرت في سياق حديثك أن هناك جهات تحرض الجنوب وتدفعه إلى الحرب، ما تلك الجهات؟

ح.م.ع: دول غربية، منها إسرائيل، وحتى في الداخل هنا أحزاب المعارضة التي تتحدث عن إسقاط النظام تعمل على تحقيق أجندة الجنوب.

آ.م.أ: لكن إذا كان الحوار هو قاعدة العلاقات بين السودان وجنوب السودان، فإلى ماذا تعزو الاعتداء على منطقة هجليج في ظلّ بداية حوار بين الشمال والجنوب وصفها الكثيرون بالجيدة؟

 

ح.م.ع: أعزوها إلى أن الجنوب دولة وليدة وليست لها مؤسسات راشدة، ولا يعقل أن سلفاكير عندما تحدث عن احتلال هجليج، لم يكن ذلك واردا في خطابه الذي كان يتحدث عنه، لكن نحن رغم ذلك أهدافنا الإستراتيجية لن تثنينا عنها الأشياء العارضة لأن ما حدث في هجليج عارض مهما كلف. 

في تقديري الشخصي أن الجنوب لديه رغبة في إخراج الحركات المتمردة شمالا، بعد أن أحدثت لهم إزعاجا، لأن تلك الحركات لديها اتفاق مع الجنوب لإسقاط النظام في الخرطوم لكن الهدف لم يتحقق والنظام لم يسقط، وهم لن يستطيعوا أن يخترقوا الحدود مهما كان وإن حدث لن يستطيعوا البقاء فيها طويلا لأن الجيش السوداني طوال عمره لم ينهزم، لكن رغم ذلك الآن وفدنا التفاوضي في أديس أبابا، لأننا الدولة الكبيرة، ولدينا تجربة، وتعرضنا للكثير من الكمائن والهجوم والاختراقات ولكن لم نوقف السلام والبحث عنه.

الترتيبات الأمنية والحركات المسلحة

آ.م.أ: على ذكر الترتيبات الأمنية، من المعروف أن هناك حركات متمردة على طول الشريط الحدودي تقريبا بين الشمال والجنوب، والطرفان يتحدثان عن اتفاق أمني، فهل المدخل لذلك يتم عبر التفاوض مع الحركات المسلحة تلك؟

ح.م.ع: المكتب القيادي للمؤتمر الوطني عندما وافق على الاتفاقيات كان الشرط هو معالجة القضية الأمنية لأنه دون معالجتها لا يمكن تنفيذ ما نتفق عليه حتى في قضية البترول، لذلك الرؤية التي ذهب بها وفدنا إلى أديس تأتي من باب أن الأمن أولويّة؛ لذلك نطوي ملف الأمن بفك الارتباط مع الفرقة 10 التابعة للحركة الشعبية في الجبال والنيل الأزرق، وعدم تقديم دعم للجبهة الثورية، ورغم التجاوزات التي حصلت في هجليج هذا يدل على أننا حريصون على السلام، ولن تشغلنا الأجندة الأخرى التي يستغلها الجنوب لضربنا وعمل مخابرات وغيرها.

آ.م.أ: فك الارتباط بالنسبة للفرقة التاسعة والعاشرة مفهوم باعتبار أن القضية محكومة ببروتوكول لم ينفذ، لكن ماذا بشأن حركات دارفور وهل فك الارتباط وحده سيحل مشكلة الأمن في الحدود؟

ح.م.ع: الجنوب الآن يدعم حركات دارفور بالسلاح، وعندما هجم الجيش الشعبي على هجليج كانت معهم حركة العدل والمساواة، لذلك لابد أن يوقف الجنوب دعمه وإغلاق معسكرات التدريب التي فتحها في أراضيه لتلك الحركات، ونحن من جانبنا ندعو حركات دارفور للسلام والباب مفتوح، والدوحة واحدة من ميزاتها أن الانضمام إليها مفتوح، صحيح هناك بعض البنود لن تفتح، ولكن رسالتنا للحركات لا خيار غير السلام.

آ.م.أ: وماذا بشان عقار والحلو باعتبار أن لهما قضية سياسية؟

 ح.م.ع: هذه قضيتنا الآن، أن يفك هؤلاء ارتباطهم مع الجنوب، وبالتالي هم بعد فك الارتباط لا يساوون شيئا، لأنهم يستمدون قوتهم من دعم الجنوب لهم لوجستيا وعسكريا.

آ.م.أ: هل يعني ذلك أن الحكومة بعد فك الارتباط، تستطيع أن تقضي عليهم عسكريا؟

ح.م.ع: المهم (كيفما يكون)، والجنوب يمكن أن يطردهم من أراضيه أو يجردهم من السلاح و(يقعدوا معاه) ليس لدينا مانع في ذلك، لكن أن يستضيفهم ويمولهم ويدفع لهم المرتبات فهذا غير مقبول بالنسبة لنا.

الحوار الحزبي و خلافة البشير

آ.م.أ: لكن الأحزاب السياسية المعارضة تقول إن المؤتمر الوطني غير جاد في عملية الدستور ويطرح القضية للاستهلاك السياسي؟

ح.م.ع: كيف ما جاد؟!  المؤتمر الوطني ديدنه الحوار، والآن طارح شراكة مع الأحزاب رغم أنه فاز في الانتخابات بأغلبية، لكنه فتح باب المشاركة، والآن الحمد لله معنا عدد كبير من الأحزاب، منها المشارك في الحكومة، ومنها من اتفقنا معه على الثوابت الوطنية بالإضافة إلى المشاركة في وضع الدستور الدائم، وبالتالي المؤتمر الوطني يؤمن بالحوار، ولا يريد أن ينفرد بالسلطة لوحده، وحتى للذين لا يريدون أن يشاركوا معنا نحن ندعوهم إلى معارضة راشدة.

آ.م.أ: مثلا منذ أن طرح الرئيس فكرة تكوين لجنة قومية للدستور لم يحدث أي حراك يدعم الفكرة أو ينزلها أرض الواقع؟

ح.م.ع: الآن يوجد حوار مع القوى السياسية يعمل على تجميع الآراء حول الدستور، وقريبا ستصدر الآلية الوطنية للدستور.

آ.م.أ: ما هي الآلية لتجميع هذه الآراء؟

ح.م.ع: استمعنا لمجلس أحزاب حكومة الوحدة الوطنية، وهيئة التنظيمات السياسية، ولابد أن نستمع لكل الأحزاب، لذلك عندما تقوم اللجنة ستكون هي الآلية الرسمية التي تجمع الآراء، وقد ينضم إليها ناس خبرات قانونية ومتخصصون في القانون الدستوري ليست لهم علاقة بالأحزاب.

آ.م.أ: لكن أحزاب المعارضة تقول إن المؤتمر الوطني يحصر مشاوراته حول الدستور في الأحزاب المشاركة في الحكومة فقط؟

ح.م.ع: ألم يكن الحزب الاتحادي الأصل الذي شارك وتحاور معنا حزبا كبيرا؟

 آ.م.أ: الحزب الشيوعي والشعبي والأمة القومي؟

 ح.م.ع: لم نمنع أحد وتحدثنا مع الأمة وغيره إلا من أبى.

آ.م.أ: ما هو ردهم؟

ح.م.ع: الرأي النهائي يتبلور عندما تقوم اللجنة القومية وهي المعنية بتجميع الآراء.

آ.م.أ: بالنسبة للمؤتمر الوطني د.أمين حسن عمر قال إن هناك تيارات تتصارع لخلافة البشير؟

ح.م.ع: هذه أراء شخصية، طبعا واحدة من مميزات المؤتمر الوطني أنه حزب كبير لديه عضوية كبيرة ومفكرون كبار، وهو لا يحجر الآراء الفردية ولا اجتهاداتهم الفردية، ومثل هذه اجتهادات أفراد سواء مصطفى أو أمين مع تقديرنا لهما، لكن في النهاية الرأي للمؤسسة وما تتوصل إليه المؤسسات هو الملزم، والوطني ليس مثل الأحزب الكاريزمية الفردية التي يكون الرأي فيها لشخص واحد.

الانتخابات ومستقبل السودان

آ.م.أ: هناك اتجاه إسلامي طرح وثيقة للدستور، وضع فيها الإسلام شرطا للترشح لرئاسة الجمهورية، ما هو رأي المؤتمر الوطني حول هذه الوثيقة؟

ح.م.ع: حتى الآن لم تظهر أي حاجة وكل ما يقال في إطار التحليل والرأي، نحن بالنسبة لنا الشيء الملزم هو ما يتفق عليه أهل السودان ويجيزه البرلمان ويعرض على الشعب في استفتاء، لكن أنا في تقديري الآن غالبية أهل السودان مسلمون وإذا نحن نتكلم عن شورى، وديمقراطية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فهم الأغلبية، لكن حقوق الآخرين محفوظة، والمؤتمر الوطني جامع لكل أهل السودان بكل اختلافهم.

آ.م.أ: في موضوع الانتخابات د.مصطفى عثمان قال إن المؤتمر الوطني يوافق على إجراء انتخابات مبكرة بتوافق مع القوى السياسية؟

ح.م.ع: مصطفى في رأيه وضع شرطا، وقال لو اقتضى الأمر في الحوار السياسي وتوافقنا مع القوى السياسية وهذا التوافق أدى إلى أن تعجل الانتخابات يمكن أن تعجل، لكن كلام مصطفى هو رأي شخصي وليس رأي الحزب، لأن الموضوع لم يطرح بقرار من المكتب القيادي، أو القطاع السياسي، والمؤتمر الوطني كمؤسسة لم يناقش قرار تعجيل الانتخابات ولا يمكن أن نضع العربة قبل الحصان.

آ.م.أ: لكن حتى كمجرد فكرة هل نوقش موضوع الانتخابات في داخل مؤسسات الحزب؟

 ح.م.ع: لا لم يناقش.

آ.م.أ: الاتجاه يقول إن مجرد طرح قضية الانتخابات في هذا التوقيت يشير إلى أن المؤتمر الوطني شعر بالخطر نتيجة للضغوط سواء الداخلية بشأن الأزمة الاقتصادية والحرب في مناطق الحدود، أو الخارجية في العلاقة مع العالم الخارجي، لذلك يريد أن يجد مخرجا؟

ح.م.ع: المؤتمر الوطني لم يتعرض إلى أي ضغوط والآن في أحسن أحواله ومتماسك تنظيميا وهيكليا ومبادر مع القوى السياسية وعلاقته الخارجية متقدمة جدا مع كل دول الجوار، إذا كان زمان لدينا مشكلة مع ليبيا الآن علاقتنا جيدة مع النظام الجديد، وليست لنا مشكلة مع إثيوبيا ولا إريتريا ولا مصر، وحتى دولة الجنوب التي تبادرنا العداء الآن لدينا معها حوار.

آ.م.أ: إذا وافقت القوى السياسية على إجراء الانتخابات المبكرة هل يمكن أن تكون هي الحل لمشكلة السودان الحالية خاصة وأن هناك أحزابا كثيرة تطالب بانتخابات مبكرة؟

ح.م.ع: الانتخابات من غير اتفاق ليست حلا ومع الاتفاق ليست حلا، الحل هو في الدستور، ويجب أن نتفق على دستور دائم، وعلى ضوئه نضع الإجراءات.

آ.م.أ: هل يعني ذلك بالنسبة للمؤتمر الوطني الآن الاتفاق حول الدستور هو أولوية من الانتخابات؟

 ح.م.ع: نعم لأن الدستور هو الوثيقة التي تضع الحلول المستدامة للقضايا.