الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

العنف الأسري: وباء متفش في جنوب السودان

يوبو آنيت
جوبا - يضمن دستور جنوب السودان حقوقاً متساوية للرجال والنساء. لكن الدراسات تشير إلى أن امرأة من كل ثلاث نساء في جنوب السودان تعرضت للضرب أو غيره من أشكال سوء المعاملة. وغالباً ما يكون مرتكب الجريمة أحد أفراد أسرة…
25.04.2024
نساء في مدينة ياي تناقشن موضوع العنف الأسري (2005\\11\\19).
نساء في مدينة ياي تناقشن موضوع العنف الأسري (2005\\11\\19).

قبل نحو أربعة أسابيع، طُردت أم مع طفلها الرضيع، البالغ من العمر أسبوعين، من منزلهما تحت تهديد السلاح. وقعت هذه الحادثة في وقت مبكر من المساء في حي مونا، إحدى المناطق السكنية في جوبا.

”طردني زوجي من المنزل مع أطفالي“

ووفقاً للمرأة، قام رجلان مسلحان غير نظاميان، استأجرهما زوجها، بضربها بالسياط لحظة خروجها من المنزل. وقالت: \"طردني زوجي من المنزل مع أطفالي لأنه تزوج امرأة جديدة. هذه عادته، كلما تزوج من جديد، يطرد زوجته القديمة\".

هذه القصة المحزنة ليست استثناء في جنوب السودان، والإدراك بأن المرأة عانت من وطأة أمراض المجتمع ليس شيئاً جديداً. فهناك المقولة الشهيرة لزعيم النضال من أجل الحرية في جنوب السودان، الراحل الدكتور جون قرنق، الذي وصف المرأة السودانية الجنوبية بأنها \"مهمّشة المهمّشين\".

لجأت المرأة مع رضيعها وطفليها الآخرين إلى مأوى قريب من منزلهم القديم. وسارع أهل الخير لنجدتهم وإحضار ممتلكاتهم التي ألقيت خارج المنزل أيضاً.

وغادر زوجها، وهو موظف حكومي، مع الرجلين المسلحين تاركاً وراءه زوجته وأولاده.

وقال شاهد عيان إن الأسلحة أخافت الجيران الذين أرادوا إنقاذ المرأة من الرجلين المسلحين اللذين كانا يضربانها، \"أردناه (أي الزوج) أن يهدأ حتى يتسنى لنا التحدث مع كل منهما\".

”شكوت حالي لوالديَّ لكنهما لم يستطيعا مساعدتي“

وقالت المرأة إنها متزوجة منذ سبع سنوات، وقد عانت في زواجها من نواحٍ كثيرة. وأضافت: \"شكوت حالي لوالديَّ لكنهما لم يستطيعا مساعدتي. وعندما لجأت إلى قسم شرطة مونوكي، نصحوني بتسوية المشاكل مع الأقارب\".

تقول ليليان رزق، الرئيسة والمديرة التنفيذية لشبكة تمكين المرأة في جنوب السودان: \"من المؤسف أن لا يوجد في دولة جنوب السودان قوانين أسرة تحمي المرأة، إذ تحال النساء دائماً إلى المحاكم العرفية المنحازة بشكل طبيعي ضدهن\" عندما يتعلق الأمر بالعنف الأسري.

واعتبر مواطن مهتم سلوك الزوج انتهاكاً لحقوق الإنسان، وحث الرجال على التصرف بطريقة إنسانية مع زوجاتهم وأطفالهم. \"يفترض بنا نحن الرجال حماية النساء وليس الإساءة لهن وتخويفهن عندما يقلن شيئاً. لماذا يقحم المسلحون أنفسهم في المسائل العائلية\"، تساءل هذا المواطن.

يقول المتحدث باسم شرطة جنوب السودان، اللواء بيار مادينق بيار، إن للمرأة حق قانوني في أن تُعامل باحترام وأن تصان كرامتها. ولهذا السبب أنشأت الشرطة قسماً للتحقيق في القضايا المتعلقة بالجرائم ضد المرأة.

وبسبب تورط مسلحين في هذا الشأن الأسري، يقول المتحدث: \"سيتم إجراء تحقيق لتحديد هوية الجناة\"، ورفع قضية ضدهم لاحقا. \"نحن كشرطة ليس لنا الحق في الاساءة للمدنيين، بل واجبنا حمايتهم واحترامهم\". ودعا اللواء النسوة أيضاً إلى المطالبة بحقوقهن عبر الوسائل القانونية في حال وقوع أي عدوان ضدهن.

لم تفلح الجهود الرامية إلى مقابلة الزوج للحصول منه على تصريح بشأن هذه المسألة، لأنه أقفل السمّاعة فور سماعه بموضوع المقابلة.

لقد أجبرت المرأة من قبل والديها على هذا الزواج عندما كان عمرها 25 سنة. وهي اليوم تحث الآباء على عدم الوقوف في وجه خيارات أولادهم وتفضيل سعادة بناتهم على المهر.

”صحيح أنهم قد يملكون المال، لكنهم لا يملكون الحُب“

كما تنصح الفتيات الصغيرات بعدم الزواج من رجال طلقوا نساءهم من قبل. وقالت المرأة ودموعها تنهمر على خديها: \"لقد ثبت لي أن هؤلاء الرجال أخلاقهم سيئة ويتخلون عن شريكتهم الأولى. صحيح أنهم قد يملكون المال، لكنهم لا يملكون الحُب\". 

ولا تزال بعض المجتمعات في جنوب السودان تنظر إلى الفتيات كسلعة لتحقيق المكاسب. فبعض الآباء يختارون الزوج على أساس ثروته. والمهور المرتفعة من رؤوس ماشية أو مبالغ طائلة دفعت الآباء للتجارة ببناتهم من أجل المال.

تقول لونا جيمس إليا، المديرة التنفيذية لمنظمة \"صوت من أجل التغيير\"، وهي منظمة مجتمع مدني مناصرة لحقوق المرأة في جنوب السودان، إن هناك حاجة لتوعية الآباء والأمهات بحقوق أبنائهم.

يجب على الآباء احترام اختيار بناتهم عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات دائمة مثل الزواج. وتنبّه إليا إلى ضرورة إشراك الزعماء التقليديين وقادة المجتمع. وقالت: \"نحن لا نسعى إلى المواجهة بل نريد عقد حوارات معهم وإطلاعهم على القوانين من أجل تغيير المجتمع، لأنه حتى القوانين الموجودة حالياً لا تطبق على الإطلاق\".

وإضافة لما سبق، تطالب إليا بوجوب تنحي الزوج الذي الذي رمى بعائلته الى الشارع من منصبه الرسمي، لأن تصرفه العنيف يثبت أنه غير قادر على تحمل المسؤوليات التي التزم بها.

يدين دوكو شامبليان أليسون، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، هذه المأساة قائلاً إنه \"يجب التحقيق فيها وإحالتها إلى المحكمة ومعاقبة الزوج إذا ثبتت إدانته\".

لكن في انتظار دوران عجلة العدالة، يبقى المستقبل القريب للمرأة في جنوب السودان قاتماً. وفي ظل غياب دعم مالي ملموس، يبقى الأمل الوحيد للأم هو أن يسمع زوجها نداءها ويضطلع جزئياً على الأقل بمسؤوليته في رعاية أولاده الذين سببت لهم هذه المأساة بالتأكيد جرحاً لا يندمل.