الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

شمال السودان: رحلة البحث عن دستور جديد!

حسن بركية
الخرطوم ‪-‬ الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي: دستور 2005 الحالي هو أحد أسباب الكارثة التي تشهدها البلاد لأنه لم يعبر عن إرادة الشعب، بل كان يعبر عن إرادة ثنائية، أي إرادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني.
25.04.2024
ما مصير دستور السودان الانتقالي؟ التعديل ام الالغاء؟
ما مصير دستور السودان الانتقالي؟ التعديل ام الالغاء؟

ذهب الجنوب بما له وما عليه في قطار التسويات والمساومات،  ودخلت مكونات ما تبقى من السودان في حالة من الجدل حول مستقبل البلاد ما بعد الجنوب، وأطلت المخاوف من شعارات 'الجمهورية الثانية' التي يرفعها المؤتمر الوطني، ويحاول عبرها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

في المقابل بدأت العديد من الأحزاب المعارضة في وضع تصورات لتفكيك قبضة المؤتمر الوطني على السلطة. وشرعت قوى سياسية  محسوبة على جبهة المعارضة في وضع مشاريع دساتير للمرحلة القادمة مع الضغط على النظام الحاكم من أجل تغيير الدستور الحالي (2005) بالكامل. وترى قوى المعارضة أن التعديل لايلبي طموحات أهل السودان لأن المطلوب هو إلغاء الدستور الحالي بالكامل.


الصادق المهدي في حوال مع الصحفي حسن بركية. © حسن بركية

يرفض الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي "الدستور الحالي جملةً وتفصيلاً"، ويقول "لايعدل ولايرقع وبل يلغي تماماً، دستور 2005 الحالي هو أحد أسباب الكارثة التي تشهدها البلاد لأنه لم يعبر عن إرادة الشعب بل كان يعبر عن إرادة ثنائية أي إرادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني".

ويرى المهدي "أن الدستور القادم يجب أن يلبي  مصالح كل أهل المطالب الجهوية في إطار وحدة ماتبقى من السودان".

من جهته يطالب خلف الرشيد رئيس القضاء الأسبق بـ"وضع ضوابط ومبادئ عامة للدستور القادم ومنها التحول من النظام الرئاسي، لأن تركيز السلطات في يد واحدة هو خطأ جلب للسودان الكثير من المآسي". ويضيف الرشيد "من الأفيد العودة للنظام القديم الذي كان معمولا به في السودان وهو نظام مجلس السيادة بحيث يكون لكل اقليم أو جهة ممثل في هذا المجلس، الدستور القادم يجب أن يكون في قوالب جامدة تبنى على أفكار لايعرفها الناس وأن تكتب المواد بلغة بسيطة لا تعتمد المصطلحات حتى لاتثير الخلافات".

إلى ذلك يقول الدكتور محمود مصطفى المكي "على السودان أن يتبنى نظام الدولة الاجتماعية التي تكون مسؤولية السلطة فيها مسؤولية دستورية لجهة محاربة الفقر، والعمل على تجسير الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأن يكون لكل مجموعة الحق في العيش في إطار هويتها ودينها دون إملاء من أية جماعة أو مجموعة".

على صعيد آخر تكثر تساؤلات الشارع عن علاقة الدين بالدولة في الدستور القادم، فهناك من يطالب بفصل الدين عن الدولة في مقابل دعوات أخرى بالتشدد في تطبيق الشريعة الاسلامية بعد انفصال جنوب السودان الإفريقي المسيحي.

يجب "إيجاد معادلة جديدة لعلاقة الدين بالدولة و ذلك بالتوفيق بين الأصل والعصر بمعنى الابتعاد عن الدولة الدينية والدولة العلمانية والاتجاه نحو دولة مدنية".
الصادق المهدي

وفي هذا الإطار يطالب الصادق المهدي بـ"إيجاد معادلة جديدة لعلاقة الدين بالدولة و ذلك بالتوفيق بين الأصل والعصر بمعنى الابتعاد عن الدولة الدينية والدولة العلمانية والاتجاه نحو دولة مدنية لاتخرج الدين من الحياة وفي نفس الوقت لا تفرض التصورات الإسلامية الفوقية على المجتمع بسلطة الدولة".

من جهته يقول يوسف تكنة وزير التعاون الدولي الأسبق "منذ استقلال السودان عام 1956 ظلت قضية الدستور وكيف يحكم السودان إحدى القضايا الكبرى التي اختلف عليها السودانيون. وخلق الاستعمار الانجليزي خدمة مدنية مركزية التوجه والرؤى والمصالح ودخلت في صدامات مع أقاليم السودان النائية". ويضيف تكنة "المطلوب الآن رؤية دستورية جديدة لهياكل الدولة والسلطة في اطار حكم لامركزي يحترم التعددية والعدالة والمشاركة في الشأن الوطني في اطار وحدة السودان".

"لايختلف أحد على أن أكبر مشكلة واجهت السودان هي عدم الإدارة الجيدة للتنوع والتعدد في السودان".
بلقيس بدري

وتحذر الدكتورة بلقيس بدري من مغبة وضع دستور لايحترم التنوع والتعدد الموجود في المجتمع السوداني وتقول "لايختلف أحد على أن أكبر مشكلة واجهت السودان هي عدم الإدارة الجيدة للتنوع والتعدد في السودان مما نتج عنه انفصال كامل لجزء كبير وهام من الوطن (الجنوب) ولتجاوز حالة عدم الإدارة الجيدة للتنوع".

وتقترح بدري وقبل صناعة الدستور القادم "في المحور الدستوري والقانوني، أن تمنح المجموعات  من معتنقي الثقافات واللغات الديانات الأخرى حقوق دستورية منصوصة في الدستور، وفي محور ثاني إعادة كتابة التاريخ السوداني في المناهج التعليمية والإعلام والوثائق بحيث يحفظ لكل المجموعات السكانية إرثها التاريخي وحقها في الإفتخار بذلك، ومحور مرتبط بالمشاركة العادلة والمتوازنة لكل المجموعات في السلطة والتعبير عن المكونات الثقافية لكل المجموعات السودانية في أجهزة الإعلام الرسمية".

وتشدد نعمات كوكو، وهي من مركز دراسات الجندر للبحوث والدراسات بالخرطوم،  على "ضرورة ردم الفجوة النوعية بين الرجال والنساء في الدستور القادم وإزالة الغبن والتهميش التاريخي للمرأة السودانية".

وتقول أن "المرأة السودانية تعتبر واحدة من القوى الاجتماعية التي عانت من التهميش مرتين- مرة بحسبانها ضمن المناطق الأقل نمواً، ومرة أخرى بسبب التمييز النوعي".

"المرأة السودانية تعتبر واحدة من القوى الاجتماعية التي عانت من التهميش مرتين- مرة بحسبانها ضمن المناطق الأقل نمواً، ومرة أخرى بسبب التمييز النوعي". نعمات كوكو

وتضيف نعمات كوكو أنه "لابد من إحداث تغييرات جوهرية عبر الدستور القادم تخترق هذا الواقع المتدني وعليه يصبح من الضرورة ترتيب الأوضاع الدستورية لتأسيس المزيد من مساحات الديموقراطية والعمل على استدامة السلام".

ويعتقد المحامي علي قيلوب القيادي بحزب الأمة القومي "أن الدستور القادم  يجب أن يعبر عن مصالح وطموحات كل السودانيين وذلك بإزالة القوانين المقيدة للحريات مثل قانوني الشرطة والقوات المسلحة والأمن، والحد من الحصانات الممنوحة لأفراد القوات النظامية، والإلتزام بمعايير الكفاءة بديلاً عن الولاء والمحاباة والمحسوبية في تعيين القضاة والقائمين على تنفيذ القانون من شرطة وسجون وأمن وطني".

وتشهد مجالس الخرطوم ومنتدياتها جدلا متواصلاً حول شكل ونوع الدستور القادم والأوضاع المتوقعة لسودان ما بعد الجنوب في ظل اشتعال الصراعات في أكثر من مكان بشمال السودان (جبال النوبة ودارفور).

القوى السياسية المعارضة تسعى إلى إلغاء دستور 2005 الحالي وحزب المؤتمر الوطني الحاكم يعمل على إطالة عمر الدستور الذي يحمي مكتسبات عصر اتفاقية نيفاشا التي أصبحت خالصة له بعد ذهاب شريكه فيها أي الحركة الشعبية. فلمن ستكون الكلمة الفصل؟