الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

قضية جبال النوبة: رحلة البحث عن السلام الغائب

حسن بركية
الخرطوم ‪-‬ المناقشات بين المؤتمر الوطني وقيادات الحزب القومي بالخارج ماهي إلاّ حلقة في مسلسل المحاولات الفارغة التي تدعي الرغبة في تحقيق السلام في جبال النوبة، بينما تستمر معاناة سكان المنطقة التي لا تنتهي.
25.04.2024
امرأتان نوبيتان تنظر في مصحة معسكر ييدا للاجئين أن يكشف طبيب على طفلها.
امرأتان نوبيتان تنظر في مصحة معسكر ييدا للاجئين أن يكشف طبيب على طفلها.

لسنوات متطاولة ظلت منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان في ”ثورة“ وتمرد على الحكومات المركزية المتعاقبة في الخرطوم. 

برتكول نيفاشا حول المناطق الثلاث (جبال النوبة – النيل الأزرق – أبيي) عزز حالة الإنقسام في المنطقة.

طيلة الفترة الإنتقالية كان الإنقسام قائماً والصراع متواصلاً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وعلى الأقل، نظرياً كان التقسيم يفرض وجوده: القبائل العربية مع المؤتمر الوطني والنوبة مع الحركة الشعبية رغم وجود بعض الإستثناءات.


مالك عقار © تومو كريزنار

وكانت منطقة جبال النوبة طيلة فترة الحرب مسرحاً لتصفية الحسابات بين الحكومة والحركة الشعبية فهم، في نظر الحكومة، مع التمرد ولذلك تعرضوا لكل أشكال العنف والتصفيات الجسدية. ومن جانب آخر كانوا عظم الجيش الشعبي وأبرز ضحايا الحرب. 

وقضت الحرب على الأخضر واليابس في المنطقة.

وبعد نيفاشا، لم تحظ المنطقة بنصيب وافر من التنمية يتناسب مع حجم التضحيات والخراب الذي لحق بها.  

حرب جديدة ‪-‬ قديمة

 منذ إلغاء اتفاق أديس أبابا الإطاري بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال في يونيو من العام الماضي، دخلت منطقة جبال النوبة مرة أخرى في دائرة الحرب. 

وأحدث الصراع خسائرا لا تقدر بثمن وبدا واضحاً أن الرهان على الحرب رهان خاسر، خاصة أن قيادات بارزة في المؤتمر الوطني ظلت تدق طبول الحرب وراهنت على القضاء على الحركة الشعبية – قطاع الشمال عسكرياً.

والآن رغم مرور 12 شهر علي بداية الحرب، لاتزال المعارك مشتعلة وذهبت الرؤى التي كانت تصور لقادة الحزب السوداني الحاكم أن الحرب هناك ستكون نزهة تنتهي بالقضاء على الحركة الشعبية إلى سلة المهملات.

الحرب دخلت عامها الأول دون الوصول لنتائج حاسمة والقرار الأممي 2046 نفض الغبار عن أتفاق عقار – نافع واعترف بالحركة الشعبية – قطاع شمال. 

وكان حضور عقار وعرمان لأديس أبابا تدشيناً دولياً لوضعية الحركة الشعبية – قطاع الشمال. ودفع تطاول أمد الحرب كل الأطراف المحلية والدولية لإعادة النظر في موضوع الحرب في جبال النوبة.

خيارات المؤتمر‪:‬ تحيز واضح

عاد المؤتمر الوطني مرة أخرى لذات الخيارات المجربة – التفاوض مع بعض القيادات المنسلخة لإضعاف الحزب الرئيسي، نقلا عن التجارب مع لام أكول ورياك مشار ولكن المحصلة كانت صفرا كبيرا.

”جئنا إستجابة لنداء الوطن وليس رغبة في المشاركة“
محمد
أبوعنجة أبو راس

وفي إطار الخيار الجديد – القديم، إستقبل المؤتمر الوطنيقبل أسبوعين قيادات الحزب القومي بالخارج. ضم الوفد ثلاثة من قيادات النوبة بالخارج منهم محمد أبوعنجة أبو راس الذي قال في تصريحات صحفية فور وصوله: ”جئنا إستجابة لنداء الوطن وليس رغبة في المشاركة.“

وهنا تطرح العديد من الأسئلة نفسها: ماهي الإستجابة لنداء الوطن؟ ولماذا الآن؟ وماهي آليات الوفد لتحقيق الأهداف التي ذكرت وعلى رأسها إيقاف الحرب وإقامة حوار نوبي – نوبي؟ خاصة أن الوفد جاء عبر بوابة أحد طرفي الصراع: الحزب الحاكم.

كل تصريحات قادة الوفد فيها هجوم على الطرف الآخر (الحركة الشعبية – الحلو). فكيف يمكن أن تقوم بمبادرة والتحيز لفئة واضح؟ 

الدكتور صديق تاور، الأستاذ بجامعة الخرطوم والقيادي بحزب البعث العربي، يقول أن الوفد الذي وصل قادماً من الولايات المتحدة الأمريكية من أبناء جبال النوبة يتكئ على رصيد لايستهان به ولهم وزن وأرضية جماهيرية.

يقول تاور أن ”الوفد جاء تلبية لدعوة فردية ولكن هناك صعوبات سوف تواجه مبادرة الوفد لأنه على قطيعة مع أحد أطراف الصراع (جماعة الحلو) الحركة الشعبية – قطاع الجبال“. 

بعيداً عن رؤية تاور، هناك مشاكل أخرى تواجه مبادرة الوفد وأولها هي البوابة التي دخل بها الوفد والتصريحات المنسوبة لأعضاء الوفد، وهي معظمها مهادنة للوطني وفيها نقد لاذع وإتهامات للحركة الشعبية –قطاع الشمال ولعبد العزيز الحلو بصورة شخصية تُصعب مهمة القيام بمبادرة لحل المشكلة.

المؤتمر وصناعة الاحزاب

وعاد المؤتمر الوطني لسيرته الأولى المتمثلة في صناعة أحزاب بلا قواعد وقيادات بلا تأثير والتفاوض معهم. وهنا تحضرني مقولة إينشتاين عن الغباء: ”فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع إنتظار نتائج مختلفة.‘‘ 

على سبيل المثال، عمد المؤتمر الوطني على صناعة حزب الحركة الشعبية – جناح السلام.

”ليس صحيحاً أن الناس فترت من الحرب وأنا أتحدث معك الآن وفي داخل غرفتي هذه كلاشنكوف“
دانيال كودي

وقال رئيسه الفريق دانيال كودي في أكثر من مناسبة أن بحوزته مبادرة من أجل إيقاف الحرب. ولكن في نفس الوقت هو على خلاف وقطيعة مع الحركة الشعبية وظل يهاجم قادة الحزب باستمرار. 

ووقع دانيال كودي في تناقضات كبيرة. دانيال كودي قال في حوار مع صحيفة الرأي العام في يونيو من العام قبل الماضي -- وكان وقتها في الحركة الشعبية -- أنه ”حال حدوث الانفصال فنحن لدينا الخيارات كافة متاحة بالنسبة لنا ولكن بإرادة شعبية، وأمامنا أن نكون في الجنوب أو الشمال أو أن نكوّن دولة أو صيغة نرتضي عليها بدون حرب، وليس صحيحاً أن الناس فترت من الحرب وأنا أتحدث معك الآن وفي داخل غرفتي هذه كلاشنكوف“.

الآن دانيال كودي ضد الحرب ومع السلام وضد رفاق الأمس.

موقف الوفد الزائر

“هذه القيادات كانت مؤثرة في الماضي“، هكذا بدأ مكي علي بلايل، رئيس حزب العدالة وأحد قيادات منطقة جبال النوبة، حديثه للنيلان حول الوفد الزائر. وأضاف بلايل أن وفد قيادات النوبة القادم من الخارج ضم قيادات هو ”على صلة مباشرة بهم ولكن تصريحاتهم تقول أنهم مع السلام وضد الحرب. صحيح هم ليسوا على صلة بقادة الحركة الشعبية ولكن هناك من يرغب في الحوار من القيادات الاخرى في الحركة الشعبية“.

”تصريحاتهم (قيادات النوبة الآتية من الخارج) تقول أنهم مع السلام وضد الحرب“
صديق تاور

يقول صديق تاور أن عبد العزيز الحلو مسيطر على الحركة الشعبية – قطاع النوبة ولكن هناك من له رغبة في الحوار من أبناء الجبال في الحركة الشعبية. ويضيف تاور أن مشكلة وفد أبناء النوبة الزائر تكمن في الحوار مع الحركة الشعبية والتجربة تقول أن المؤتمر الوطني دائماً يعمل علي تجيير كل المبادرات لصالحه وهو الآن يحاول تسخير هذه الزيارة إعلامياً.

ويري مكي علي بلايل أن زيارة الوفد كانت ستحقق نتائج أفضل لو جاء الوفد بطريقة مستقلة ويضيف بلايل قضية جبال النوبة ذات أبعاد تنموية ومظالم اقتصادية ولذلك ليس مهماً التوقف عند المصطلحات (جنوب كردفان أم جبال النوبة). ولكن تاور كان أكثر وضوحاً في هذه الجزئية وقال – هي مشكلة جبال النوبة في شكلها العام لأن الحرب دائرة في جغرافية جبال النوبة ولكن المشكلة تعني كل مكونات المنطقة السكانية والقبلية.

وتظل قضية جبال النوبة مشتعلة وأنهار من الدماء والدموع تسيل بحثاً عن مرافئ الحلول بين الخرطوم وكاودا وجوبا وأديس أبابا.