الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

شمال السودان: وميض نار تحت الرماد

حسن بركية
الخرطوم - الصراع حول الأرض متعدد الجوانب في شمالي السودان. في ظل تصادم مصالح المستثمرين الأجانب والحكومة مع المواطنين، يبدو تصاعد النزاعات مرجحاً في المستقبل.
مزارع في دنقلا، مدينة تقع في الاقليم النوبي السوداني، 2011.
مزارع في دنقلا، مدينة تقع في الاقليم النوبي السوداني، 2011.

منذ زمن بعيد استقر أهل الولاية الشمالية في السودان على ضفتي نهر النيل، وكانت للأرض منزلة كبيرة في حياتهم. إلا أن التنافس حول ملكية الأرض ومصالح المستثمرين الأجانب تجعل ذلك الرابط التاريخي بين الإنسان والأرض في الشمالية مهدداً بالاندثار.

”أصبحت القاعدة ”أن تملك خير من أن تكسب“ والتي بمقتضاها يعتمد وجود الإنسان ومكانته على امتلاك الأرض، بغض النظر عن منتوجها“
أبو مدين الطيب البشير
الدكتور أبو مدين الطيب البشير، أستاذ القانون بعدد من الجامعات السودانية، يقول إن سبب النزاعات حول الأرض هو تنافس عدد كبير من الأشخاص حول موارد محدودة. عدد ملاك الأرض يرتفع مع كل جيل جديد، حتى أصبحت ملكية الفدان الواحد تؤول لأكثر من أسرة.

”أصبحت القاعدة ”أن تملك خير من أن تكسب“ والتي بمقتضاها يعتمد وجود الإنسان ومكانته على امتلاك الأرض، بغض النظر عن منتوجها“، يقول البشير.

وظلت مناطق كثيرة في الشمالية تعاني من النزاعات حول ملكية الأرض خاصة في أقصى الشمال النوبي وفي تلك المناطق التي تعرضت إلى نكبة تهجير النوبيين في ستينيات القرن الماضي نتيجة لبناء السد العالي.


مدينة وادي حلفا التي تقع في أقصى شمال السودان، 10 يناير،  2010.
© النيلان | نوسة سيد أحمد

وفقدت أكثر من 50 ألف أسرة نوبية أراضيها بعد أن غمرتها مياه السد، وتم تهجير السكان إلى حلفا الجديدة في شرق السودان، بينما هاجر آخرون إلى مصر والسعودية.

النزاع حول ملكية الأرض تفاقم بعد القرار الجمهوري لسنة 2005 الخاص بانتزاع أراضي الولاية الشمالية لصالح وحدة تنفيذ السدود. قوبل القرار برفض قاطع من كيانات ومنظمات ولاية الشمالية وسكانها.

وبلغ الرفض قمته في منطقة القولد بمحلية دنقلا، حيث تصدت الهيئة الشعبية، المكلفة انتخاباً من مواطني المنطقة لمتابعة ومعالجة تداعيات وآثار القرار الجمهوري، لوحدة تنفيذ السدود، التي قامت بإعطاء شركة خاصة يملكها رجل أعمال عربي مساحة تقدر بأكثر من 100 ألف فدان في منطقة القولد، في حزيران/يونيو2011.

والخطر لا يزال قائماً، فهناك عدد من الشركات المحلية والأجنبية من المملكة العربية السعودية وتركيا والصين غمرت المنطقة بمشاريعها. قالت مصادر مطلعة في مدينة دنقلا، عاصمة الولاية الشمالية، إن شركة الزوايا للطرق والجسور، المنفذة لطريق دنقلا– أرقين الذي يربط السودان بمصر، قد استحوذت على مساحات كبيرة من الأرض، بعرض 1 كلم شرق وغرب الطريق، الذي يبلغ طوله حوالي 450 كلم.

إلا أن الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الاستثمار، يؤكد أن الحكومة وضعت ترتيبات لإزالة أية نزاعات حول الأراضي بشأن الاستثمار دون إحداث ضرر لأية جهة. ”سوف نعمل على وضع  تصور مشترك بين المركز (العاصمة) والولايات لمعالجة قضايا النزاع  حول ملكية الأرض“، حسبما ذكر إسماعيل في تصريحات صحفية بالخرطوم في حزيران/يونيو الماضي.

TheNilesLand#

لكن العديد من المهتمين لا ينظرون إلى هذه الوعود بعين الثقة، فقد قالت سعاد إبراهيم أحمد، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني والقيادية النوبية المعروفة في تصريح لصحيفة الجريدة ”إن بيع مساحات واسعة وكبيرة من أراضي الولاية  إن الشمالية، دون تمحيص ودون الحفاظ على الحقوق المكتسبة لمواطني الولاية والأجيال القادمة، جريمة تستحق العقاب، ولا يمكن أن يكون الحل أن يفقد مواطنو الشمالية وأجيالهم القادمة حقوقهم المتمثلة في توفير المياه اللازمة لري أراضيهم الزراعية“.

فكري أبو القاسم، الكاتب الصحفي المتخصص في قضايا المنطقة النوبية، ينتقد مزاعم ونوايا الحكومة بقوة، حيث يقول إن دعاوي التنمية التي تحاول الحكومة نزع الأراضي بسببها هي دعاوي كاذبة، وتكون المحصلة هي نفي المواطن صاحب الأرض وتهميشه ونزع أرضه من أجل المال.