الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

المستثمرون في مواجهة المزارعين

استر موومبي
جوبا - المطورون يشترون مساحات كبيرة من الأرض في جنوب السودان تاركين السكان المحليين بلا أرض لزراعة المحاصيل الغذائية.
امرأة عمرها يناهز السبعين سنة، في مزرعتها الصغيرة، في مايين أبون، مقاطعة تويك، ولاية واراب، جنوب السودان، 13 مارس، 2013.
امرأة عمرها يناهز السبعين سنة، في مزرعتها الصغيرة، في مايين أبون، مقاطعة تويك، ولاية واراب، جنوب السودان، 13 مارس، 2013.

لم يعد جنوب السودان مجرد مجموعة مدن يملؤها الغبار والنعاس، فبعد سنتين من الاستقلال، قضم المطورون أراض زراعية مهمة حول المدن. ويقول المدافعون عن هذه العملية إن الأموال الجديدة ستنشط البنية التحتية والاقتصاد في البلد، في حين يحذر منتقدوها من النقص الشديد في الأغذية لأن الأبنية الجديدة ستحد من مساحة الأراضي الزراعية الضرورية للتوسع السكاني.

ويقدر تقرير معهد أوكلاند عن الأراضي في جنوب السودان والذي نشر في عام 2011 بأنه جرى السعي للحصول على 5,15 مليون هكتار من الأراضي أو تم وضع اليد عليها من قبل مستثمرين من القطاع الخاص في قطاع المشاريع الزراعية بين عامي 2007 و2010 من خلال صفقات لا تتسم بالشفافية مع مسؤولين حكوميين وقادة مجتمع.


فتاة بالقرب من مزرعة عائلتها في ولاية جونقلي، 14 سبتمبر، 2011. 
© النيلان | واكي سايمون فودو

وجرى تجاهل حقوق أصحاب الأراضي المحليين ما خلق مصدراً خطيراً للنزاع. وها هي الفنادق وشركات النفط والمصارف تملأ المساحات الحضرية القليلة التي كانت ستستخدم لزراعة الغذاء للسكان المحليين.

إن نقص الأراضي الزراعية يعني سوء التغذية، وارتفاع تكاليف الغذاء، وتزايد احتمالات نقص الأطفال في المدارس (لأن الأهل لم يعودا يكسبوا من الزراعة ما يكفي لتسديد رسوم التعليم). وقد حذرت الأمم المتحدة في شهر آذار/مارس من أن أكثر من أربعة ملايين شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي في جنوب السودان، مما يعني أن أربعة من كل عشرة مواطنين ليس لديهم ما يكفيهم من الطعام.

ويقدم معهد أوكلاند تفاصيل حول كيفية تجاهل السكان المحليين لصالح المسؤولين جرياً وراء الكسب السريع للأموال، ففي عام 2008 دخلت شركة العين للحياة البرية التي تعمل في السياحة واستثمارات الحماية، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، مع وزارة الحياة البرية في جنوب السودان التي كانت موجودة يومئذ في اتفاق استئجار مدته 30 سنة.

وقيل إن ذلك كان بناء على تعليمات من مكتب الرئيس. وشمل الاتفاق 16,800 كيلومتر مربع (6,180 ميل مربع) من هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الموجودة ضمن حديقة بوما الوطنية التي وافقت شركة العين على تطويرها وإدارتها من أجل السياحة والحفاظ على البيئة.

وتم الاتفاق على تقسيم الإيرادات بواقع 70 في المائة للشركة و30 في المائة لحكومة جنوب السودان. وقد أضر المشروع نحو 15 ألف شخص من سكان أنواك ومورلي وجي وكاتشيبو، وجرى إعادة توطينهم في موقع يبعد أربع ساعات بالسيارة.

”على الرغم من سير مشاريعنا مع المزارعين بشكل جيد حالياً، إلا أنه ما لم يتم تخصيص أراض زراعية كافية فستمنى مشاريعنا بالفشل“
محمد نور إسلام
لم يأخذ أحد رأي السكان المحليين بشأن خطة التطوير هذه، كما لم يحترم المشروع وعوده بتأمين الوظائف والمنشآت التعليمية والمراكز الصحية ومهابط الطائرات وحفر الآبار وتأمين المساكن والطرقات والقرية النموذجية. هذا المثال ليس فريداً.

والأمر المقلق هو سرعة بيع الأراضي في بلد أخذ يعتمد على الأغذية المستوردة مرتفعة الثمن، فندرة الأراضي الزراعية يعني زيادة الاعتماد على الدول الأخرى. ويشير تقرير تصدره وزارة التجارة قريباً واطلعت عليه ’النيلان‘ إلى أن مستوردات الغذاء من شرق إفريقيا خاصة بلغت 83 في المائة في عام 2013 حتى تاريخه.

في الوقت نفسه، تتناقض خطى التطوير السريعة مع الجهود الرسمية وجهود المنظمات غير الحكومية من أجل تحسين الزراعة. وقد تحدث محمد نور إسلام، مدير الزراعة في المنظمة غير الحكومية ’براك BRAC‘ البنغلاديشية، عن المخاوف من تعثر جهود منظمته في مساعدة المزارعين المحليين نتيجة محدودية توفر الأراضي، فقال: ”على الرغم من سير مشاريعنا مع المزارعين بشكل جيد حالياً، إلا أنه ما لم يتم تخصيص أراض زراعية كافية فستمنى مشاريعنا بالفشل“.

وأضاف أن تطوير الأراضي غير الزراعية يمكن أن يعرض للخطر استثمارات ’براك‘ البالغة 450 ألف يورو في مدينة ياي في ولاية وسط الاستوائية، ويامبيو عاصمة الاستوائية الغربية، لدعم 24 ألف مزارع طوال السنوات الثلاث المقبلة.

في هذه الأثناء، تحاول وزارة الزراعة زيادة القروض للمزارعين رغم أن الأدلة أثبتت أن تأمين الأراضي أكثر أهمية. ويأمل نائب مدير التخطيط، ميتشايا غاموندي، أن يتمكن المزارعون من الحصول على قروض زراعية، ويقول موضحاً: ”إننا بانتظار بعض الأموال، وعند توفرها سنحولها من خلال المصرف الزراعي بحيث يحصل المزارعون على القروض“.

”في آخر الأمر يتم تأجير الأراضي وليس بيعها، حيت تعود هذه الأراضي ذاتها إلى الحكومة، ويظل السكان المحلليون يستفيدون من بنيتها التحتية“
موظف في الأمم المتحدة
إلا أن البعض يؤكد بأن تخصيص الأراضي للمستثمرين يكسب البلد إيرادات ويطور البنية التحتية. وشرح ذلك موظف في الأمم المتحدة فضل عدم الكشف عن هويته فقال: ”في آخر الأمر يتم تأجير الأراضي وليس بيعها، حيت تعود هذه الأراضي ذاتها إلى الحكومة، ويظل السكان المحلليون يستفيدون من بنيتها التحتية.“

تغطي الألغام الأرضية والمستنقعات الكثير من الأراضي الزراعية في جنوب السودان وتفتقر الحكومة إلى الأموال لإزالة هذه الألغام. وقد تحدث توم كيدهوغوا، المحلل الاقتصادي الأوغندي، قائلاً إنه سيتم خلال ذلك تأجير الأراضي بهدف التطوير، مبيناً أنه خيار أكثر ربحاً من تركها فارغة.

إلا أن آخرين يدعون إلى اتباع مزيج يشمل دعم المزارعين والمستثمرين، فطالب التنمية الريفية في جامعة جوبا، إسحق ميتا، وضع و إدارة مزرعة في قريته موروبو هدفا له. يقول إسحق: ”سوف أعود إلى موروبو (ولاية وسط الاستوائية)، قريتي الخصبة فور تخرجي من الكلية لتحقيق أفضل ما أستطيعه فيها، لكن علينا أن نتشارك مع المستثمرين بالأرض، لأننا في جنوب السودان لا نحتاج إلى الزراعة فقط. هناك أشياء أخرى مهمة أيضا“.