الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

العتباني يطلق النيران في أكثر من اتجاه

ماهر أبو جوخ
وجه مستشار رئيس الجمهورية ورئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني د.غازي صلاح الدين العتباني انتقادات شديدة لحزبه وللحركة الشعبية خلال لقاء تليفزيوني معه.
25.04.2024
اطلق العتباني النيران في كافة الاتجاهات خلال اللقاء التليفزيوني معه
اطلق العتباني النيران في كافة الاتجاهات خلال اللقاء التليفزيوني معه

اثار مستشار رئيس الجمهورية ورئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني بالهيئة التشريعية القومية ومسؤول ملف دارفور بالحكومة وعضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني د.غازي صلاح الدين العتباني هواءً ساخنا للغاية خلال لقاء تلفزيوني بث مساء يوم الاحد الماضي(3 يناير).
وتطرق العتباني خلال برنامج (حتى تكتمل الصورة) الذي يقدمه الزميل الطاهر حسن التوم بقناة (النيل الأزرق) لعدد من قضايا الساعة ابرزها موقفه من قانون استفتاء جنوب السودان وأبيي والمشورة الشعبية لمواطني ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ووجه انتقادات شديدة وغير مسبوقة لرؤى الحركة الشعبية الفكرية والبرامجية المتمثلة في مشروع السودان الجديد.
لكن من أبرز القضايا التي اشار لها العتباني في تلك الحلقة تأكيده بأنه غاب عن جلسة الهيئة التشريعية القومية التي اعادت النظر في قانون الاستفتاء بعد إجازته وانسحاب نواب الحركة الشعبية من الجلسة، فرغم أنه نفي (غضبه) لأنه لا يؤمن بالغضب أو الحرد في السياسة ولكنه أكد تعمده الغياب بقوله: "ولكن من حق الإنسان أن يسجل موقفاً دون أن يوصف بأنه غاضب، وهذا ما حدث".


إلتزام بالمؤسسية


وبعيداً عن الدفوعات والمرافعات ذات المنطق السياسي والقانوني التي قدمها الرجل فيما يتصل برؤيته حول القضايا الخلافية بقانون الاستفتاء فقد وظف معطىً جديدا والمتمثل في تمسكه بالمؤسسية بتصويره للذين اعادوا القانون بعد اجازته للنقاش بالخروج عن مؤسسية الحزب حينما قال:"التعديل الذي أدخلناه نحن على المادتين 27 و67 كان تعديلاً أقره المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، وليس لدي علم أن المكتب القيادي اجتمع مرة أخرى لينقض ما أبرمه سابقاً ولذلك أعتبر نفسي ملتزماً تماماً بما أقره المكتب القيادي والمؤسسة" ثم اردف في جزئية اخرى من الحوار:" أنا مسنود بقرار مكتب قيادي وأعتقد أن الموقف الصحيح هو ما أقوله أنا"، وتفسير هذه المقولة يشير إلى أن رفضه لتعديل قانون الاستفتاء بعد إجازته ليس خروجاً عن الأطر التنظيمية والمؤسسية وقرر الدفع بهذا الاتهام عنه وإلصاقه لاولئك الذين تولوا إعادة القانون لمنضدة البرلمان، وهم اشخاص لم يسمهم الرجل لكن الأمر الواضح أنه يقصد ويشير من خلال حديثه في تلك الحلقة لشخصيات نافذة وكبيرة بالحزب.


وصفة حرب


ووجه العتباني انتقادت شديدة لقانون الاستفتاء الذي اجيز سيما المادة (67) التي نصت في مسودة مجلس الوزراء على انخراط الشريكين في مباحثات للاتفاق على عدد من القضايا –وعلى رأسها الحدود والجنسية والعملة والاتفاقات الدولية والديون وغيرها- قبل أن تعدل باشتراط الاتفاق على تلك القضايا قبل إقامة الاستفتاء ولكن الهيئة التشريعية القومية عند مناقشتها للقانون في المرة الثانية لغت التعديل وأبقت على النص الاول للمادة وهو ما دفعه للقول بأنه"يمكن ان يجرى الإستفتاء ويصوت الجنوبيون للإنفصال ولا نكون قد فرغنا من قضية الحدود ولا الجنسية ولا الاتفاقيات الدولية وهذا وصفة حرب". واستدل بالنزاع بين اثيوبيا وارتريا حول بضعة كيلومترات لا موارد فيها التي تسببت في اندلاع حربين بين البلدين بالمقارنة بحدود الشمال والجنوب التى تمتد لمئات الأميال.


احتمال نشوء طائفة "بدون" جديدة


لكنه اعتبر أخطر القضايا التي يمكنها أن تنفجر في حال اجراء الاستفتاء دون الاتفاق المسبق على تلك القضايا وفي ظل اصرار الحركة الشعبية على تمييز الجنوبيين بالشمال هو عدم الاعتراف بهم كمواطنين في الدولة الجديدة وأضاف:"وسيكون وضعاً خطيراً جداً إن لا تحسم قضية الجنسية، فإما أن ينتمي الجنوبيون الموجودون في الشمال إلى الدولة الناشئة في الجنوب، أو أن ينتمون إلى الشمال وتجادل بأنهم ولدوا فيه، ولديك الشمالييون الموجودون في جنوب السودان، هل يتبعون للدولة القائمة في الشمال أم الجنوب، يجب حسم هذه القضية وإلا نشأت قضية مثل قضية البدون بين الكويت والعراق، كتلة بشرية معروفة لكن ليس لها حقوق مدونة أو جنسية أو تبعية، هذه قضية خطيرة للمواطن الجنوبي".


حسن نية

 

اقرأ الموضوع على موقع صحيفة السوداني هنا

واعاد حديث العتباني حول اتفاق السلام الشامل وتحفظه على توقيع برتكول ابيي بقوله إن "الموافقة عليه – ويقصد بروتكول ابيي ـ نشأ من نية حسنة من قبل المفاوض الحكومي"، أعاد ذكريات سنوات خلت ابان قيادته للوفد الحكومي المفاوض خلال مباحثات الايقاد منذ يونيو 2002م وحتى يوليو 2003م حينما رفض الوفد الحكومي بقيادته المسودة التي طرحتها وساطة الايقاد المشهورة بـ"وثيقة ناكورو" وما قيل عن عدم رضائه بمسار ونتائج المفاوضات التي تمت في نيفاشا بقيادة النائب الاول لرئيس الجمهورية – وقتها - علي عثمان محمد طه والتي عبر عنها خلال انتخابات الامين العام للحركة الإسلامية في عام 2004م التي تنافس فيها مع طه بشكل محتدم. تلك الانتقادات دفعت القيادي بالحركة الشعبية ونائب رئيس المجلس الوطني اتيم قرنق في تصريحات نشرتها صحف امس بـ"معادة اتفاق السلام"، وتوقعه في ذات الوقت أن يترشح ضمن صفوف منبر السلام العادل.
واشار العتباني إلي أن بروتكول أبيي اقترحه الامريكان واعادوا فتح قضية المنطقة وتحولت من قضية بشر لحدود وقال:"عندما تحولت القضية إلى قضية أرض تحولت إلى بقية القضايا في العالم، يصعب التوافق عليها، وكان ذلك تحولاً مؤسفاً، أن تتحول القضية إلى قضية أرض ويستوحش الناس وانقسم المجتمع في أبيي بين دينكا ومسيرية، والقانون الذي أعتمد على النصوص الواردة في بروتوكول أبيي لا يذكر المسيرية كما يذكر الدينكا لكنه يعطيهم الحق من خلال وجودهم كمجموعات سودانية في التصويت كما نص للسودانيين الآخرين، والسبب الذي دفع هؤلاء للاحتجاج هو إحساسهم أن هذا النص المبهم قد يستغل عند التفسير النهائي، وقضية تفسير من هو المستحق للتصويت في أبيي أجلت للمفوضية ولم تحسم، فالتخوف مصدره ان هذا النص يمكن أن يفسر بشكل يضر بحقوق المسيرية".
واعتبر أن المشكلة في قضية أبيي "أن هناك مجموعة سكانية سواء أكانت المسيرية أم الدينكا تتخوف من أن يكون الاتفاق النهائي من ضياع حقوقها وهنا يدخل الشيطان، ويبدأ التحميل العاطفي وسوء الظن، ولذلك ينبغي أن نتحسب تشريعياً وقانونياً ولم يكن ذلك متاحاً في المفاوضات التي جرت في إجازة القانون لذلك لجأ الطرفان إلى إجازة القانون كما هو" حسب قوله.


هجوم كاسح


ووجه العتباني انتقادات شديدة لمشروع السودان الجديد الذي تطرحه الحركة الشعبية ووصفه بأنه"مشروع إقصائي تجريمي لتاريخ الشمال، بما فيه كل القوى الشمالية التي شاركت في مؤتمر جوبا، والاطروحات كلها تجريم، هي قطيعة بين مستقبل السودان وتاريخه، ومشروع السودان الجديد" واعتبره "منبت وأن كل ما تم في الأربعينات على يد مؤتمر الخريجين والخمسينيات والستينيات من الحركة السياسية، كان مجرد مؤامرة ضد الجنوب، وينادى بنصرة المهمشين بينما نرى أن تحالفهم في مؤتمر جوبا كان مع أقطاب السودان القديم، فإذا كنت تدعو للسودان الجديد ما الذي يدفعك للتحالف مع أقطاب السودان القديم، والذين يمثلون السودان القديم بأقوى ما يمثله المؤتمر الوطني"؟، واستدل بمقوله لرئيس الحركة السابق د.جون قرنق عقب توقيع اتفاق السلام بقوله:" نحن لم نحقق مشروع السودان الجديد والمؤتمر الوطني لم يحقق مشروعه الحضاري كما طرحه، لكننا توصلنا إلى شيء بين الاثنين" ولذلك اعتبر أن الموقف الاخلاقي عدم محاكمة المؤتمر الوطني لأنه لم يلتزم بالسودان الجديد.


اتجاه صوب الانفصال


واشار لتحول جوهر مشروع الحركة الشعبية نحو الانفصال عقب تهاوي مشروع السودان الجديد رغم أن اتفاق السلام الشامل يلزمهما بالعمل من اجل الوحدة وأضاف: "لكن الحركة تثبت كل يوم أنها أصبحت في جوهر مشروعها حركة إنفصالية، وسبب ذلك تراجع اطروحة السودان الجديد، رغم التصايح بهذه الدعوة أحياناً في الندوات العامة، ولكن لم تصبح أطروحة مركزية بالنسبة للجنوبيين" وذكر:"وأقول للحركة كيما تقنعونا بالسودان الجديد أقنعونا أولاً بجنوب السودان الجديد، عندما نرى مسلك الحركة في جنوب السودان، ولذلك أصبحت أطروحة الحركة هي الانفصال، وكان واضحاً من دفاع الحركة عن بعض بنود قانون استفتاء جنوب السودان أنها إنفصالية"، واتهمها بالمناورة واستخدام المبادئ المعلنة لتحقيق عكسها فهي تتحدث عن الوحدة الجاذبة وتسعي للانفصال في الحقيقة وتنادي بالتحول الديمقراطي وتفعل غير ذلك في الجنوب.
واضاف أن المحرك الحقيقي للحركة الشعبية وتمسكها بالمادة (27-3) من قانون الاستتفاء التي تميز بين الجنوبيين المولودين بالجنوب وخارجه في التصويت –قبل إجراء تعديلات عليها- برغبتها في تأمين التصويت من اجل الانفصال بسبب "وجود وهم بأن الجنوبيين الموجودين في الشمال هم أكثر وحدوية".


ما جدوى الصيغة؟


واشار غازي لوجود تساؤلات شخصية له كشخص يفكر وليس من موقف حزبي، ما جدوى الصيغة القائمة الآن؟! حيث قامت إتفاقية السلام على فرضيتين، أن تحقق الوحدة والسلام، فإذا انتهت إلى أنها لم تحقق الوحدة ولم تحقق السلام فما الفائدة منها؟، وهو ما دفع احد قيادات الحركة الشعبية –حسب قوله- للاحتجاج على ما ذكره وأعتبره تنصلاً من قبل المؤتمر الوطني، فقلت له أنني حر في طرح آرائي لكن هذا سؤال يطرحه الشعب واعتبر أن قدرة الحركة الشعبية على التلوين ظاهرة لا بد من دراستها،
وفسر تداعى القوى السياسية تجاه الحركة بالسلوك الغريزي وأنه اضطرت له ولم يكن سلوكاً مبدئياً حسب قوله، معتبراً أن واجب المؤتمر الوطني إقامة كيان واسع يشمل تلك القوى السياسية ولا يستثني حتى الحركة الشعبية، مشيراً لوجود فوضى فكرية، أو "حوار طرشان" وغياب المقاصد النهائية وعدم وضوح المسائل لدى كل القوى السياسية، معتبراً التحدي هو التوصل لوصف مشترك لمعنى الوفاق والاصطفاف سوياً. واضاف:"هل القضية هي قسمة كعكة السلطة، وأنت تعلم أنها كعكة لم يبق منها في هذه المرحلة إلا فتات وسيلتهم في الأيام القادمة لأننا بصدد انتخابات بعد أربعة أشهر؟".

إذاً فقد اطلق العتباني النار خلال تلك المقابلة التلفزيونية على عدة جهات في الوقت نفسه، طالت حزبه وشريك الحكم الحركة الشعبية والقوى السياسية الشمالية ورغم أن الرجل اختتم حديثه يومها بأنه متفائل لكن عبارات الرجل لا تظهر ذلك.