الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تحليل - قانون رد العدوان في السودان ومستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب

ماهر أبو جوخ
الخرطوم - مشروع قانون رد العدوان وصل لمرحلة عرضه الثاني، وتلقى خلالها عددا من الملاحظات التي يمكن ان تؤجل اجازته، خصوصا في ظل علاقات السودان وجنوب السودان اللذان سيعودان لطاولة المفاوضات غدا.
25.04.2024
البرلمان السوداني.
البرلمان السوداني.

قدمت لجنة الامن والدفاع البرلمانية مشروع قانون ’'رد العدوان ومحاسبة المعتدين على أمن وسلامة السودان لسنة 2012' في مرحلة عرضه الثاني - السمات العامة - بجلسة المجلس الوطني التي عقدت في الثامن من مايو 2012.

وكان من المتوقع أن يمر مشروع القانون بنجاح ودون صعوبات، إلا أن الملاحظات التي أبداها عدد من الأطراف حول بعض نصوصه وصياغته الاجمالية جعلت البعض يتنبأ بإمكانية تأثير تلك الملاحظات على قوة الدفع التي حظى بها مشروع القانون حتى الآن.

من جهة أخرى، التطورات المصاحبة للعلاقة بين الخرطوم وجوبا مؤخراً وتوجههما نحو استئناف التفاوض بينهما ربما تأثر على سرعة اجازة القانون.

الخيارات الثلاثة

نبه رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم الطاهر النواب لوجود ثلاث خيارات اولها التصويت على عدم جدوى مشروع القانون وبالتالي الغائه، وثانيها تأجيل عرضه حتى الدورة البرلمانية القادمة بناء على طلب احد اعضاء لجنة الامن والدفاع أو اجازته توطئة لعرضه في مرحلة القراءة الثالثة، حيث صوت غالبية النواب لمصلحة الخيار الثالث.

مصدر القانون

يعتبر التقرير البرلماني الذي اعدته لجنة الامن والدفاع بالمجلس الوطني وقدمه رئيسها د. كمال عبيد حول بيان وزارة الدفاع الوطني حول منطقة هجليج الارضية التي صيغ على اساسها مشروع القانون الذي قدمته لجنة الأمن والدفاع.

ووصف ذلك التقرير البرلماني حكومة الجنوب بأنها "معاديةوطالب بضمن توصياته بتعليق اي حوار معها عدا حوار كف العدوان المشروط
بفك الارتباط بين الجيش الشعبي الجنوبي والفرقتين التاسعة والعاشرة بولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وطرد حركات التمرد التي تأويها
حكومة الجنوب.

ولعل ذات الجزئيات وردت بشكل او بآخر ضمن نصوص ومحتويات مشروع القانون.

الأوراق الستة

احتوى مشروع قانون 'رد العدوان ومحاسبة المعتدين على أمن وسلامة السودان لسنة 2012' الذي تمت طباعتها في ست صفحات على ثلاثة
فصول

ورغم عموم النص لكن بدا وكأن نصوصه مرتبطة بملف الصراع مع الجنوب. 

محمد بشارة دوسة © إعلام رئاسة مجلس الوزراء السوداني

احتوى مشروع قانون 'رد العدوان ومحاسبة المعتدين على أمن وسلامة السودان لسنة 2012' الذي تمت طباعتها في ست صفحات على ثلاثة فصول. ورغم عموم النص لكن بدا وكأن نصوصه مرتبطة بملف الصراع مع الجنوب

وعرف مشروع القانون 'العدوان' بأنه "استعمال القوة المسلحة ضد السودان او الحصار على المواني والسواحل السودانية او الهجوم على القوات المسلحة او ارسال عصابات وجماعات مسلحة تقوم بأعمال القوة المسلحة".

وحددت المادة الرابعة منه التدابير اللازمة لرد الإعتبار وأن يتم تحديد منطقة العدوان منطقة عمليات وأن يكون الرد العسكري فوري بجانب الإمتناع عن إجراء أي حوار أو تفاوض مع حكومة الدولة المعتدية وتحمليها المسؤولية الكاملة عما ترتكبه قواتها من عدوان. 

وبينت المادة الخامسة الاجراءات المترتبة على الدولة المعتدية والمتمثلة في "منع عبور او تصدير اي بضائع وسلع لتلك الدولة، مصادرة كافة ممتلكاتها الموجودة على الاراضي السودانية والآليات المملوكة للجهات او الهيئات او الاشخاص التابعين للدولة المعتدية والتي حددها مشروع القانون بـ 'الممتلكات، العقارات، المنقولات، لشركات، الحسابات المصرفية، الاستثمارات، الطائرات، السفن، الجرارات وغيرها'، سحب اي استثمارات للسودان بالدولة المعتدية، تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وأخيرا تقييد حركة الدبلوماسيين التابعين لتلك الدولة المعتدية".

وأخيرا، حددت المادة السابعة من القانون الشروط الـستة الخاصة بإجراء أي مفاوضات مع الدولة المعتدية.

قيود وعقوبات

يمنح مشروع القانون الحكومة، في اطار رد العدوان، سلطة اعتبار المنطقة التي تعرضت للعدوان منطقة عمليات عسكرية تخضع لقانون القوات المسلحة وإمكانية اعلانها حالة الطوارئ فيها.

نص المشروع على ايقاع عقوبة الاعدام والسجن المؤبد لكل من يدان بجرائم تتعلق بتقديم مساعدات او تعامل في اموال او بضائع يمكن استخدامها عسكريا.

لكن المشروع وضع قيود عليها عند اعتزامها إجراء أي حوار أو تفاوض مع حكومة الدولة المعتدية أو اي ممثل لها باي آلية، الا بعد الانسحاب التام لقواتها المسلحة أو القوات المساندة لها من الاراضي السودانية مع تجريد القوات المساندة لها من سلاحها وإزالة تلك الدولة المعتدية لكافة آثار عدوانها. 

كما نص المشروع على ايقاع عقوبة الاعدام والسجن المؤبد لكل من يدان بجرائم تتعلق بتقديم مساعدات او تعامل في اموال او بضائع يمكن استخدامها عسكريا او كتموين لاي قوات أو وحدات تابعة للدولة المعتدية أو متعاونة معها، والحكم بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة مالية لم يتم تحديدها لكل من يدان بجريمة الخيانة العظمى، بجانب مصادرة البضائع ووسائل النقل التي تم ضبطها.

شروط التفاوض

وحددت المادة السابعة من مسودة القانون ستة شروط لشروع الحكومة في التفاوض مع اي دولة معتدية والتي تتلخص في: "ايقاف كل الاعمال العدائية والعسكرية والسياسية والاعلامية تجاه السودان، فك الارتباط مع اي مجموعات ارهابية مسلحة تعمل ضد البلاد بجانب طرد من يتبع لها واغلاق مقارها وتجريدها من السلاح، فك الارتباط السياسي مع اي منظمات سياسية او مجموعات معادية للسودان باراضي الدولة المعتدية او داخل السودان، ازالة اي عبارات ماسة بسيادة السودان اذا وردت في مسميات مؤسسات سياسية او عسكرية داخل الدولة المعتدية او تتبع لها في اي مكان، الاعتذار دوليا وقاريا عن الافعال والاعتداءات التي ارتكبتها الدولة المعتدية في حق السودان وارضه ومواطنيه، واخيراً التعويض عن الخسائر التي وقعت بسبب العدوان". 

إجازة القانون بشكله الحالي عموماً والمادة السابعة على وجه الخصوص قد يجعل الموقف الحكومي الراهن بقبول التفاوض متأخراً بخطوة عن التطورات الجارية، نظراً لوضع القانون لشروط سابقة لبدء أي تفاوض او حوار مع الدولة المعتدية، والتمسك بتلك الاشتراطات قد تظهر الخرطوم بمثابة المعرقل لمسار التفاوض امام المجتمعين الدولي والاقليمي.

ملاحظات العدل

رغم أن وزير العدل محمد بشارة دوسة استهل في مداخلته امام جلسة المجلس الوطني بقوله أن "القانون يعبر عن رغبة الشعب في الرد على الاعتداء"، لكنه اشار لعدد من الملاحظات الموضوعية المرتبطة به، على رأسها وجود نصوصاً كثيرة موجودة في قوانين اخرى بجانب تضمينه لعقوبات لم يحسب لها حساباً دقيقاً وتضاربه مع العديد من القوانين الاخرى.

هذا في نظر دوسة يستوجب دراسة مشروع القانون عبر لجنة فنية لتجويده ومراجعة صياغته. 

"القانون يعبر عن رغبة الشعب في الرد على الاعتداء" 
محمد بشارة دوسة

وأضاف الوزير أن نصوص مشروع القانون تحتوي على مؤشرات سياسية واخرى امنية وقانونية والتي يمكن وضعها في دائرة الموجهات اكثر من كونها مواد قانونية. 

طبقاً لذلك فمن المتوقع أن تشهد النقاشات البرلمانية التي ستسبق مرحلة القراءة الثالثة مراجعة كافة النصوص الواردة بالقانون لاستيعاب الملاحظات المقدمة من الجهاز التنفيذي عموماً ووزارة العدل على وجه الخصوص، حسبما ذكره رئيس لجنة الامن والدفاع د.كمال عبيد خلال تقديمه لمشروع القانون في مرحلة العرض الثاني امام نواب البرلمان. 

تحقظ المعارضة البرلمانية 

وكانت المعارضة البرلمانية المكونة من نواب حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه د.حسن الترابي – المكونة من ثلاثة نواب من جملة نواب المجلس الوطني ال 351 نائب - قد أبدت تحفظها على مشروع القانون عند تقديمه من قبل لجنة الامن والدفاع في جلسة عقدها البرلمان في الرابع والعشرين من أبريل \\ نيسان 2012. 

واعتبر اسماعيل حسن القانون "بأنه عبارة عن كارثة ومتعجل، وفصل على دولة الجنوب... وسيدخل البلاد في العديد من المشاكل مع جيرانه..."

واعتبر زعيم المعارضة ورئيس الكتلة البرلمانية لنواب الشعبي اسماعيل حسن القانون "بأنه عبارة عن كارثة، ومتعجل وفصل على دولة الجنوب ... وسيدخل البلاد في العديد من المشاكل مع جيرانه الذين يحتلون أراضيه وعلى رأسهما مصر التي تحتل حلايب وأثيوبيا التي تحتل اراضي الفشقة"، مبيناً أن رد العدوان لا يحتاج لتشريع وهو حق مشروع“. 

واشار حسن لوجود الكثير من بنود القانون التي تدعو لمصادرة ممتلكات من يتعاملون في التبادل التجاري في تلك الحدود، وهو أمر سيتضرر منه السكان الذين لديهم تداخل قبلي بعدد من الدول ذات الحدود المشتركة مع السودان عموماً ومع جنوب السودان على وجه الخصوص. 

الزبير على الخط

 اثارت الملاحظات التي ابداها رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني الزبير احمد الحسن – وهو وزير سابق للمالية والنفط – على القانون انتباه المراقبين، باعتباره من القيادات النافذة والمؤثرة في الكبينية القيادية بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، كما انه احد اعضاء فريق التفاوض السوداني في المفاوضات الاقتصادية مع دولة الجنوب.

الزبير أحمد الحسن © عباس عزت

صحيح أن الحسن اشار لعدد من الجوانب الايجابية التي تطرق لها مشروع القانون والمتمثلة في منع الاستيراد والتصدير والاستثمار مع الدولة العدو بجانب منع السودانيين  المقيمين في الخارج من التعامل مع العدو، لكنه اعتبر في ذات الوقت المواد الواردة فيه بانها "تحصيل حاصل ... وكثير مما ذكر فيه لا يحتاج إلى قانون وإنما لقرار سياسي"، مضيفاً أن "الشكلة ما دايرا ليها قانون" – وهي عبارة باللغة العامية السودانية معناها ’خوض الصراع لا يحتاج لسن قانون’.  

عند التمعن في محتوى تعليقات الحسن، نجدها ورغم عدم اختلافها مع جزئيات واردة ضمن سياق مواد القانون لكنه عملياً يعمل من أجل تقليل الالتزامات المترتبة عليه بتحويل الجانب الاكبر من نصوصه لـ"قرار سياسي" لأن ذلك يجعلها اكثر مرونة مقارنة بالنص القانوني.

وفي هذا الأمر تسهيل لمهمة المفاوض السوداني بشكل خاص حينما يتم تقليل القيود المفروضة عليه نظراً لتحلي القرار السياسي بالمرونة وقابليته للتعديل واعادة التشكيل في حال بروز اي تطورات سياسية عموماً. أما في حالة التفاوض في ظل نصوص قانون رد العدوان، فإن المفاوض الحكومي سيجد نفسه مكبلاً ويتحرك في مساحة ضيقة ومحصورة للغاية بسبب نصوص القانون الملزمة وهو ما قد يقود المفاوضات للانهيار والفشل. 

تغير المناخ

لكن بغض النظر عن الملاحظات التي جاءت من أطراف مختلفة والتي يمكن أن تؤثر على مشروع هذا القانون، فمسار تطور العلاقات بين السودان وجنوب السودان ستؤثر عليه، سيما أن نصوص القانون -- وإن لم تحدد دولة الجنوب بالاسم -- فهي مصممة بالكامل لتتوافق وتتوائم مع الجار الجنوبي.

بالاضافة الى ذلك، فتوقيت عرض المشروع وتقديمه من قبل لجنة الامن والدفاع في الرابع والعشرين من ابريل 2012 متوافق مع الفترة التي شهدت التصعيد العسكري العنيف بين البلدين وقتالهما حول منطقة هجليج النفطية، أي  قبل صدور قرار مجلس الامن الدولي الذي دعا البلدين للعودة لطاولة المفاوضات والشروع في حل القضايا الخلافية بينهما سلميا خلال مهلة زمنية تصل لثلاثة أشهر.

نجد أن المناخ السياسي الراهن بين الخرطوم وجوبا عقب قراري مجلس السلم والامن الإفريقي في ابريل 2012 والقرار 2046 الصادر عن مجلس الامن الدولي أوائل مايو 2012، واللذان نصا على دخول السودان وجنوب السودان في مفاوضات حول القضايا الرئيسية الاربعة (الحدود، مواطني البلدين في كل دولة، النفط وأبيي)، قد خلق مناخا مغايرا أهدأ نسبيا، مقارنة مع الفترة الزمنية التي طرح فيها مشروع القانون عندما كانت العمليات العسكرية والحربية على اشدها بين البلدين، عقب استيلاء الجنوب على منطقة هجليج.

تخوف من سيناريو

التخوف الأساسي للعديد من المراقبين على وضع اشترطات أو قيود تسبق اجراء اي محادثات مع حكومة الجنوب، سيما في ظل المعطيات الاقليمية والدولية السائدة حالياً نابع من كونها ستمهد الطريق امام سيناريو تتمكن من خلاله الاطراف الاقليمية والدولية الراغبة في فرض حلول في ما يتصل بالقضايا العالقة بين الشمال والجنوب، والتي لن تتوانى في استغلال هذه السانحة لتمرير تلك الحلول واعطائها شرعية دولية من مجلس الامن.

تدهور الاوضاع بين البلدين سيقود للاسراع في تمرير قانون الإعتداء واجازته 

في حال حدوث مثل هذا السيناريو فإن حلفاء السودان على المستوي الاقليمي والدولي عموماً والصين وروسيا على وجه الخصوص، سيجدون انفسهم في ظل وضع ضعيف للغاية في مواجهة التبريرات التي ستقدمها تلك الاطراف المناهضة للحكومة السودانية لتأكيد واثبات عدم جديتها في المفاوضات مع الجنوب، وتحميلها مسؤولية عرقلة المباحثات من خلال شروطها الموضوعة لبداية التفاوض.

ويبدو أن الاوضاع السياسية المستقبلية وتطوراتها في مقبل الايام خاصة مسار المباحثات والمفاوضات بين السودان وجنوب السودان ستكون أبرز العوامل المستقبلية التي ستؤثر على الخطوات القادمة واللاحقة على اجازة قانون 'رد العدوان'.

وبكل تأكيد، فإن تدهور الاوضاع بين البلدين سيقود للاسراع في تمرير قانون الإعتداء واجازته، أما في حال سارت المباحثات والمفاوضات بينهما على طريق سوي، فإن مشروع القانون سيتحول لأحد ذكريات الصراع وربما يطويه النسيان!

احتوى مشروع قانون 'رد العدوان ومحاسبة المعتدين على أمن وسلامة السودان لسنة 2012' الذي تمت طباعتها في ست صفحات على ثلاثة فصول. ورغم عموم النص لكن بدا وكأن نصوصه مرتبطة بملف الصراع مع الجنوب