الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

دعاوى تزوير الانتخابات .. هل يعيد التاريخ نفسه؟!

ماهر أبو جوخ
تعيد الاتهامات المتعلقة بتزوير الانتخابات الراهنة إلى الأذهان ذكرى تزوير انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في عام 1993م، والتي كانت ميدان المواجهة السياسية بين حكومة الانقاذ وخصومها في المعارضة. في حالة انتخابات…
إلى أي مدى تتشابه الانتخابات الراهنة مع انتخابات اتحاد الطلبة في جامعة الخرطوم عام 1993؟
إلى أي مدى تتشابه الانتخابات الراهنة مع انتخابات اتحاد الطلبة في جامعة الخرطوم عام 1993؟

الانتخابات العامة التي اجريت في الاسبوع الثاني من الشهر الجارى اثارت ردود فعل عنيفة رافضة ومعترضة على نتائجها الاولية التي اظهرت فوز اكثر من 95% من مرشحي المؤتمر الوطني وحلفائه الذين أفرغت لهم بعض الدوائر في انتخابات جميع المستويات، وكانت المفاجأة الكبرى أن جميع مرشحي المؤتمر الوطني للقوائم النسوية والحزبية على المستويين القومي والولائي حققوا فوزاً كاسحاً بنيلهم جميع مقاعد القوائم!!

تلك النتائج تركت علامات استفهام كبيرة حول مصداقيتها ودقتها فالبعض اعتبارها نتائج حقيقية بناء على مشاركة المؤتمر الوطني بشكل فاعل في عمليات تسجيل الناخبين بالسجل الانتخابي وبذلك يكون هو الحزب الاكثر استعداداً وبالتالي مقدرته في تحديد وزنه بشكل دقيق.

وبرزت وجهة نظر اخرى اعتبرت النتائج الاولية اظهرت بجلاء عمليات تزوير لعملية الانتخابات والتي تحدثت عنها القوي السياسية المعارضة قبل بداية الانتخابات لعل ابرزها ما اورده رئيس حزب الامة الاصلاح والتجديد حينما اماط اللثام عن العديد من الجوانب من بينها تشككه في اجراءات طباعة بطاقات الاقتراع داخل السودان والتي اعتبرها المدخل لعملية التزوير، ووجود عناصر مشتركة ومتداخلة في لجنة التسجيل بالمفوضية وحزب المؤتمر الوطني، وبالتالي اعتبر الفاضل جميع المشاهد وقتها "بمثابة تمهيد لمشاهد التزوير التي ستتم في العملية الانتخابية".

وصول الدليل

يستحق الاسبوع الماضي ان يطلق عليه اسبوع (اليوتيوب) نظراً للمقاطع التي بثت في هذا الموقع المخصص لتحميل ومشاهدة مقاطع الفيديو على شبكة الانترنت، والتي اظهرت عددا من الاشخاص يرتدون زي شرق السودان وكان بعضهم يرتدي الملابس المخصصة لموظفي الانتخابات التابعين لمفوضية الانتخابات وهم يقومون بإعادة تعبئة صناديق الاقتراع. وعلى الفور سارعت المفوضية القومية للانتخابات لاعتبار تلك المشاهد عبارة عن مسرحية جيدة الاخراج، ورفضت التحقيق في الامر.

تاكيد الواقعة

ولكن بعد مرور (24) ساعة من بث المقاطع جاءت المفاجأة التي لم تتوقعها المفوضية مطلقاً حينما عقد الشخص الذي صور المقطع مؤتمراً صحفياً بمدينة بورتسودان –ويدعى مصطفي طاهر عثمان بارواي- وروى فيها كيفية تصويره لعملية التزوير عبر جهاز هاتفه الجوال من ماركة (نوكيا 6020) بدون أن يشعر به المزورون وقام لاحقاً ببث تلك المقاطع على موقع اليوتيوب.

وأكد بارواي أن المزورين يتبعون للمفوضية وهم رئيس لجنة مركز الإقتراع عبدالسلام محمد علي، وحسين أوهاج ومصطفي عيسى أوكير وكانوا يقومون بالتزوير لصالح مرشحي الوطني، مشيراً إلى أن عملية التزوير بلغت اشدها في ثالث ايام الاقتراع لاحساس المزورين بقرب انتهاء موعد الاقتراع، مبيناً أنه تعرض للتهديد في حي الوحدة من قبل منسوبين للمؤتمر الوطني ومن قبل أهل وذوي المزورين.

التاريخ يعيد نفسه؟

ولعل هذه الواقعة المرتبطة بالاتهام بتزوير انتخابات 2010م تتشابه مع واقعة تزوير انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في عام 1993م والتي جاءت بعد عدة سنوات من تجميد الاتحاد حيث كانت الجامعة في ذلك الوقت تعد ميدان المواجهة السياسية العلني بين حكومة الانقاذ وخصومها في المعارضة، وكانت الارهاصات العامة تشير لفوز القوى المعارضة بجميع مقاعد الاتحاد على خلفية رفض غالبية الطلاب بالجامعة في استفتاء عام للمقترحات التي ساندها التنظيم الطلابي المؤيد للحكومة بالجامعة.

ورغم حراسة منسوبي القوى السياسة المعارضة للعملية الانتخابية في جميع مراحلها، بما في ذلك حراسة صناديق الاقتراع، واشارت الارقام الاولية لتقدم قائمتها في معظم المراكز، إلا أن النتيجة النهائية جاءت مخيبة للامال ومفاجئة حينما تمكن مؤيدو الحكومة من الفوز بمقاعد الاتحاد، واُرجعت النتيجة التي قلبت الموازين لصالح انصار الحكومة إلى صناديق مراكز كلية الاداب التي تعتبر معقلا رئيسيا وكبيرا للمعارضة التي منيت بهزيمة قاسية فيه، وبدأت وقتها حالة من الشكوك تعتري عملية الانتخابات خاصة في ظل وجود عدد من الملاحظات الغريبة اولها التصويت على بطاقات اقتراع المركز بلون مختلف عن لون الاقلام المستخدمة، وثانيها عدم حصول احدى القوائم على اي صوت رغم تصويت احد مرشحيها لصالحها في تلك المراكز.

تقديم تبريرات

ولجأ الطلاب المؤيدون للحكومة وقتها لتقديم تبريرات غير منطقية للملاحظات التي اثيرت في العملية الانتخابية إذ قال بعضهم أن الملائكة صوتت لصالح قائمتهم ورغماً عن تلك التبريرات غير المقنعة لمؤيدي المعارضة فإنهم كانوا عاجزين تماماً عن الوصول لأي دليل مادي يؤكد واقعة التزوير تلك رغماً عن قناعتهم التامة وتيقنهم الكامل من وجود عملية تزوير صاحبت تلك الانتخابات.

انكشاف المستور

وفي احد الايام يعلن احد ابرز كوادر التنظيم الطلابي للحكومة –الصحفي الحالي- عمار محمد آدم عن اقامة منبر نقاش والذي بات يعد من اهم المنابر السياسية بتاريخ الجامعة نظراً لاماطته اللثام فيه حول الكيفية التي تمت بها تزوير الانتخابات.

الفكرة التي نفذت بها عملية التزوير اعتمدت في المقام الاول على التمويه واستخدام الخداع البصري وتم تغطيتها في مرحلتها الأولى بعمليات الصيانة التي اجريت على دار الاتحاد حيث تم تشييد فاصل خشبي يحتوي على باب سري ومطلي بذات لون الجدران في الغرفة التي ستوضع فيها صناديق الاقتراع، مما يعني امكانية الدخول للغرفة التي توضع بها صناديق الاقتراع عبر منفذ سري عن طريق غرفة مجاورة.

وركز منسوبو المعارضة في حراستهم للصناديق على المداخل المرئية للغرفة دون أن يفطنوا للجانب الملاصق للغرفة الثانية التي ضمت في جوفها الصناديق البديلة، وتمت عملية التبديل في اخر ايام الاقتراع وقبل ساعات من بداية الفرز الذي تقرر بدايته صباحاً.

وتم تغطية عملية دخول وخروج المجموعة التي تولت عملية سحب الصناديق الاصلية واحلال المعدلة في مكانها بقيام مؤيدي تنظيم الحكومة بحشد لمنسوبيهم والتمويه بابتدار اعمال عنف، الامر الذي جعل التركيز منصباً على الهجوم المتوقع من المقدمة في حين كانت العملية الاساسية تتم خلف الخطوط باستبدال الصناديق، وبعد انجاز المهمة تم سحب الكتائب الخاصة بمؤيدي الحكومة بعد تنفيذ الهدف الرئيسي.

الصدمة والذهول

ادى كشف تلك الحقائق لاحداث حالة من الصدمة والذهول الكبيرين وسط طلاب الجامعة الذين خرجوا في مظاهرات طلابية، أما على مستوى التنظيم الطلابي المؤيد للحكومة فقد كان وقعها كبيراً حيث اهتزت صورته لدى الطلاب بشكل غير مسبوق، وتم اتخاذ العديد من الاجراءات كان ابرزها تغيير اسم التنظيم الطلابي لمنسوبي الحكومة بالجامعة من (حركة الطلاب الاسلاميين الوطنيين) –والذي عاد لاحقاً عقب المفاصلة بين تياري الحكومة في عام 2000م- إلى (الحركة الاسلامية الطلابية) في محاولة للفصل بين التجربتين والتبرؤ من واقعة التزوير وعدم تحمل اوزارها.

تكتيك "تستبدلون"

وشهدت انتخابات 2010م العديد من المواقف التي تعتبرها القوى المعارضة مؤشراً على استبدال الصناديق كعدم حصول بعض المرشحين على اصوات رغم قيامهم شخصياً أو وكلائهم بالتصويت لهم لعل ابرزها ما اورده مرشح حزب المؤتمر الشعبي لانتخابات رئاسة الجمهورية عبدالله دينق نيال في عدم حصوله على أي صوت في المركز الذي صوت فيه هو واكثر من عشرة اشخاص من افراد اسرته، بالاضافة لما اورده مرشح الحزب الاتحادي المسجل د. معتصم العطا لمنصب والي النيل الابيض بأن بعض مراكز الاقتراع بالولاية كانت عدد اوراق الاقتراع فيها غير متطابقة مع العدد الكلي للمصوتين وفتح عدد من الصناديق وتغيير اقفالها ووجود اوراق تم الاقتراع عليها باللون الاخضر رغماً عن استخدام الناخبين لاقلام باللون الاسود عند الاقتراع.

وسارع الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. الترابي يوم السبت الماضي عقب انتهاء عملية الاقتراع وبداية الفرز للقول في مؤتمره الصحفي بأن بعض الإسلاميين بالنظام وأمنيين ابلغوه بأن حزب المؤتمر الوطني اعد العدة لاكمال تزوير الانتخابات عبر تبديل صناديق الاقتراع، ودلل على ذلك بأن حزبه لم تحصل قائمتهم التي جاء على رأسها سوى على 2% وهي نسبة اقل من العتبة التي نص عليها القانون والتي تبلغ 4% وقال يومها للصحفيين: "محدثكم لم ينل سوى 2% فقط من الاصوات"، ولعل الرجل يحظى بالذكاء الكافى ليستوعب مغزى الرسالة جيداً والتي تهدف لاظاهره كحزب بلا جماهير.

رابط المقال بموقع صحيفة (السوداني)

اباليس التزوير

اما مرشح حزب التحالف الوطني السوداني ورئيس المجلس المركزي للحزب العميد متقاعد عبدالعزيز خالد فاشار إلى أن حجم التجاوزات التي شهدتها الانتخابات فاقت كل التوقعات، مضيفاً أنهم تابعوها باعتبارهم "شاهد شاف كل حاجة"، مبيناً أن المؤتمر الوطني فاز في جل الدوائر وفاز بكل المقاعد المخصصة للتمثيل النسبي، مبيناً أن عملية التزوير التي شهدتها الانتخابات "لا يمكن أن يقوم بها بهذا الشكل حتى ابليس".

اختفاء الجماهير

وتبقى الغصة الاكبر هي من نصيب الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل الذي شارك في الانتخابات العامة وهو يتوقع فوزه بعدد من مناصب الولاة سيما ولايتي شمال كردفان التي كان يردد مواطنوها تعبيراً عن دعمهم لمرشح الحزب الحاج ميرغني عبدالرحمن بقولها "الميرغني جا الله ادا" وولاية سنار التي هتف مؤيدو مرشح الحزب التوم هجو "اصوات بالكوم والينا التوم"، ورغم ارهاصات فوز الحزب بهاتين الولايتين بالاضافة لتزايد حظوظ مرشحيه في كل من ولايتي نهر النيل وكسلا بالاضافة لعدد من المقاعد في الدوائر الجغرافية القومية والولائية ووجود موطئ قدم لمرشحي ومرشحات الحزب بالقوائم الحزبية والنسوية القومية والولائية، ولكن جاءت المفاجأة الكبرى بخسارة الحزب وضرب معاقله التاريخية في ولاية نهر النيل ونيل مرشحيه حوالي 5% من اجمالي اصوات ولاية كسلا التي تعد بمثابة المعقل التاريخي للحزب والطريقة الختمية.

تلك المعطيات دفعت رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني للتعبير بشكل غاضب في التصريحات الصحفية التي اطلقها بمطار الخرطوم مغادراً البلاد حينما تسأل عن الحشود الجماهيرية التي استقلبته بولاية كسلا واين اختفت "فهل ابتلعهم نهر القاش؟ وحتى إذا كان الامر كذلك فهذا ليس ميقات فيضان القاش" حسب قوله.

الاهانة الثانية

ولعل مشهد الميرغني وهو يلوح مودعاً مناصريه غاضباً تتشابه بشكل كبير مع مشهده وهو يغادر البلاد في اوائل تسعينيات القرن الماضي بعد انقلاب الإنقاذ، فوقتها كان غاضباً من الطريقة التي عومل بها من قبل قادة الانقلاب الذين زجوا به حبيساً مع قيادات القوي السياسية، كاول مرة يعتقل فيه مرشد الطريقة الختمية بالسودان سياسياً وهو في حد ذاته حدث تاريخي إذ لم يسبق اعتقال مرشد الطريقة الختمية سياسياً منذ بداية القرن التاسع عشر. ولكن الاهانة الثانية التي وجهت للميرغني وحزبه في الانتخابات اشد مرارة من الأولى باعتبارها تتجاوز الجانب الشخصي وتم توجيهها هذه المرة لكل منسوبي الحزب ومؤيدي الطريقة الختمية.

حتى المسجل

ولعل الجدل حول نتيجة الانتخابات لم يقتصر على الاحزاب التي تصنف ضمن دائرة المعارضة بل انتقل لتلك المصنفة بانها احزاب حليفة لحزب المؤتمر الوطني، فالحزب الاتحادي المسجل بات فعلياً بسبب تلك الانتخابات منقسماً بين مجموعة قيادات الحزب التي فازت في الانتخابات بعد سحب المؤتمر الوطني لمرشحيه في دوائرهم وبين مرشحيه الذين خاضوها في دوائر تنافسوا فيها مع المؤتمر الوطني.

فالشق الاول من الحزب الذي يمثل المرشحين الذين فازوا بمساندة المؤتمر الوطني بقيادة الامين العام د. جلال الدقير يقر في بيان اصدره مدير المكتب الاعلامي للحزب محمد الشيخ محمود بوجود سلبيات واخفاقات صاحبت العملية الانتخابية لكنه يعتبرها في ذات الوقت قد فتحت الباب امام نمط من التعامل السياسي يستحيل التراجع عنه أو إغلاقه، وهو ما يفهم منه تأييد ضمني لكل ما تمخض عن تلك الانتخابات.

اما الشق الثاني بقيادة نائب الامين العام المستقل صديق الهندي فاعتبر أن الانتخابات ونتائجها تعد بمثابة انقلاب تم باستخدام صناديق الاقتراع وانها اغلقت الطريق امام مسيرة التحول الديمقراطي وافرزت شمولية وديكتاتورية، وقدموا يومها العديد من الادلة والاسانيد التي تعزز موقفهم الرافض للاعتراف بنتائج تلك الانتخابات وكل ما يتمخض عنها وعلى راسها تشكيل الحكومة القادمة.

... إذاً ففي ظل دعاوى واتهامات تزوير الانتخابات العامة وما تعتبره القوى المعارضة والمشككة في نتائجها، وبانكشاف جزء من تفاصيل ذلك التزوير، فإنها قد تعتبر أن التاريخ قد يعيد نفسه ويكرر تجربة كشف تزوير انتخابات اتحاد الخرطوم في عام 1993م، ولكنها تبقى في انتظار عمار اخر يميط لها اللثام عن ما تصر وتعتبره عمليات تزوير تمت لانتخابات 2010م...