الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

من وقائع عملية تسجيل الناخبين - حكاية مركز الدروشاب شمال الدائرة 25 الخرطوم

ماهر أبو جوخ
شهد مركز الدروشاب لتسجيل الناخبين حدوث بعض الممارسات الخاطئة كتغيير موعد ومكان التسجيل دون الإعلان عن ذلك.

تتسم العملية الانتخابية بالحساسية الشديدة التي تستدعي توخي الشفافية والنزاهة في كل مراحلها، فأي شك قد يعتري مسارها يمكن أن يلف نتائجها بغيوم قاتمة من الظنون والهواجس، مما قد يفضي في خاتمة المطاف إلى جرف العملية الانتخابية عن مسارها فتتحول من وسيلة للتداول السلمي للسلطة إلى سبب رئيسي لتفاقم الصراعات والخلافات السياسية.

وتعتبر مرحلة التسجيل في السجل الانتخابي من اهم مراحل الانتخابات باعتبارها ستحدد بشكل دقيق الأشخاص الذين يحق لهم المشاركة والتصويت. لكننا نجد أن الشكاوى من وجود بعض الممارسات الخاطئة تكررت منذ بداية عملية التسجيل الانتخابي في الاول من نوفبمر الجاري، على سبيل المثال شهدت بعض مراكز التسجيل وجود منسوبين لحزب المؤتمر الوطني وقيامهم بأخذ بطاقات التسجيل الخاصة بالمواطنين بعد اكمالهم لتسجيلهم وغيرها من الممارسات، إلا أن ما شهده مركز الدروشاب شمال بالدائرة 25 ولاية الخرطوم كان اكثر تلك الامور عجبا ..!!

بداية الحكاية

تشير التقديرات إلى أن منطقة الدروشاب شمال تعتبر مركز ثقل انتخابيا كبيرا بدائرة الدروشاب لانتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، ويقدر عدد الاشخاص الذين يحق لهم التصويت فيها بأكثر من 3 آلاف ناخب، ويضيف رئيس اللجنة الشعبية بالدروشاب شمال بخيت دفع الله لـ(السوداني) أن عدد السكان في المنزل الواحد فيها قد يصل لـ(15) شخصا.

عملية تسجيل الناخبين بدأت مطلع الشهر الجاري وتستمر لمدة شهر وفق جدول زمني يحدد موعد التسجيل في كل مركز، وحدد الجدول الزمني للتسجيل الذي اصدرته المفوضية القومية للانتخابات واللجنة العليا للانتخابات بولاية الخرطوم التسجيل بمنطقة الدروشاب شمال خلال الفترة من 12-19 نوفمبر ولمدة (8) ايام.

وبدأت الرواية الخاصة بمركز تسجيل الدروشاب شمال في الاول من نوفمبر الجاري تزامنا مع انطلاق عملية التسجيل. وطبقاً لاحد الرواة لـ(السوداني) -الذي اشترط حجب اسمه وموقعه الوظيفي- فقد طلب احد المسؤولين المحليين الاجتماع بقيادات منطقة الدروشاب شمال وابلغهم خلال ذلك اللقاء أنه حدث خطأ مطبعي حيث ضمت منطقة الدروشاب شمال للتسجيل ضمن مركز نادي الكفاح بالدروشاب جنوب، ووقتها حدثت مشادة بين هذا المسؤول وتلك القيادات والذين رفضوا بدورهم ترحيل المواطنين للتسجيل في نادي الكفاح واعلن ذلك المسؤول المحلى عزمهم على حل تلك الاشكالية بما يضمن حقوق مواطني الدورشاب شمال.

هذه الرواية عززها لنا بشكل ثان رئيس اللجنة الشعبية بالدروشاب شمال بخيت دفع الله والذي قال لـ(السوداني) انهم ابلغوا في اول ايام التسجيل بتحديد مركز نادي الكفاح لتسجيل مواطني الدروشاب شمال واضاف:"دخلنا معهم في محاججة ورفضنا ذهاب مواطنينا وترحيلهم حتى نادي الكفاح الذي يقع في الدروشاب جنوب".

وللواقعة بقية

ويضيف مصدرنا الذي طلب حجب اسمه ووظيفته، أن ذات المسؤول المحلى ابلغهم في اليوم التالي – أي في الثاني من نوفمبر الحالى- بمعالجة مشكلة مركز التسجيل لمواطني الدروشاب شمال باعتماد مدرسة الصباح كمركز للتسجيل، ويضيف هنا بخيت دفع الله بأن ذلك المركز عمل لمدة 3 ايام(من الثاني حتى الرابع من نوفمبر الجاري) وبدأ عمله في فترات متراوحة ما بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحاً واغلق ابوابه في الساعة الرابعة عصراً، مشيراً لقيام كل من منسق اللجان الشعبية وممثل حزب المؤتمر الوطني بالطواف على المركز خلال فترة عمله، لكن مصدرنا الذي طلب حجب اسمه ذكر لنا انهم قبل انتهاء التسجيل اكتشفوا أن التسجيل لمواطني الدروشاب شمال كان من المقرر أن يبدأ في الثاني عشر من نوفمبر، وأن الرواية التي ذكرت لهم بالخطأ المطبعي "كانت امرا غير حقيقي وتطرح العديد من علامات الاستفهام حول دوافعها ومبرراتها".

سوء نية؟

وينظر عدد من مواطني الدروشاب الذين تحدثت معهم شمال لقضية مركز التسجيل وما تلاها بعين من الشكوك وافتراض سوء النية، ويعتبرون الامر محاولة مكشوفة لإضعاف المشاركة السياسية للمنطقة وتقليل تأثيرها الانتخابي، ومضي آخرون لاكثر من ذلك حينما اشاروا أن هذه القضية هي امتداد لصراع نشب بين صفوف حزب المؤتمر الوطني بالمحلية ابان مؤتمره العام الاخير بين ممثلي الدروشاب شمال وعدد من المناطق الاخرى، ووقتها تم التكتل ضد مرشحي الدروشاب شمال – الذين كانت كتلتهم الاكبر من بين بقية الاطراف- من قبل عدة اطراف انتهت بخسارة ممثلي الدروشاب شمال.

واجاب مصدرنا الذي فضل حجب اسمه على تساؤلانا إذا ما كان يعتقد أن ما تم في عملية التسجيل الاخيرة يمكن ان تكون ناتجة عن سوء نية أم انه امر غير مقصود، حيث قال بلغة منفعلة:"هذا امر مقصود ومتعمد، هذا المسؤول المحلي لديه اشكاليات سابقة مع سكان المنطقة".

(دغمسة) ساكت

واتفق مصدرنا ورئيس اللجنة الشعبية بالدروشاب شمال بخيت دفع الله على تضرر مواطني المنطقة من اجراءات التسجيل التي تمت بالمركز وحصرها في (3) ايام، فمصدرنا اشار إلى أن هذا الضرر يظهر بصورة واضحة في أن جملة المسجلين لم يتجاوز 1100 شخص – اوضح دفع الله أن العدد الكلى المسجل 1030 شخص- من بين اكثر من 3 آلاف شخص، مبيناً أن الكثافة السكانية العالية للمنطقة جعلت مفوضية الانتخابات تمنحها 8 ايام للتسجيل، أما دفع الله فوصف تسجيل المواطنين في (3) ايام فقط بـ(الدغمسة)، مبيناً أن مثل ذلك المسلك يفضي لإضعاف مشاركة المواطنين في العملية السياسية ويؤثر على مطالبتهم في التنمية، مشيراً إلى أنها بعدد سكانها وما تمثله تعد مركز ثقل انتخابيا بالدائرة قادر على التأثير على النتائج النهائية للانتخابات كما أن مواطنيها يتسمون بالتفاعل والحيوية في الاقبال والمشاركة على جميع الانشطة مما يعطي المنطقة حيوية وفاعلية.

الطريق إلى اللجنة العليا

في احيان كثيرة نجد أن الصحافة والصحفيين وبحكم مراقبتهم للاحداث في اوقات عديدة ينتقلون لقلب الحدث، وهذا بالضبط ما حدث لي حينما وجدت نفسي احمل طعناً بصفتي صحفيا مراقبا ومواطنا مقيما بالدروشاب شمال حول اجراءات التسجيل الذي اتخذته لجنة التسجيل بالدائرة لدى اللجنة العليا لانتخابات ولاية الخرطوم.

البحث عن مقر اللجنة العليا امر غير يسير، قادتني خطاي اولاً لمقر اطلق عليه (المركز الاعلامي للانتخابات) جوار الزميلة صحيفة (الوطن) على امل الحصول على اجابة على استفساري حول مقر اللجنة العليا، لكني فوجئت بأن المقر في طور التأثيث.

وبعد سؤال لعدد من ممثلي القوى السياسية حول مقر اللجنة العليا، ابلغوني بأنها موجودة في المقر السابق للجنة الانتخابات القومية التي كان يرأسها مولانا عبد المنعم النحاس التي اشرفت على انتخابات 1996- 2000م الرئاسية والبرلمانية والتي تقع جنوب المحكمة الدستورية، تلك اللجنة حُلت وآلت اصولها وممتلكاتها للمفوضية القومية للانتخابات التي تم تكوينها وفق اتفاق السلام الشامل.

البطاقة الصحفية ساعدت في الولوج لمقر اللجنة العليا، لكن العامل الأكثر حسما هو فرد الشرطة الموجود بالاستقبال الذي سمح لنا بالدخول فور معرفته بهويتنا الصحفية. ربما يبدو البعض مستغرباً من ايراد هذه الجزئية لكنه سيكون مفهوماً اذا ما ربط باعتياد الصحفيين على استقبالهم من قبل استقبال الجهات الرسمية والخاصة بطريقة (فظة) حتى بات الاصل هو سوء المعاملة وليس حسنها.

مبنى اللجنة العليا هو من الطراز المعماري القديم، ويلحظ الداخل إلى الفناء الداخلي عددا من الشباب والشابات جالسين امام كراسٍ مكتبية جديدة موضوعة في الفناء الخارجي امام احد المكاتب، والواضح أن تلك الكراسي التي يتروح عددها بين (30-50) كرسيا مخصصة لقاعة أو معمل حاسوب او ما أشبه ذلك.

 

داخل احد المكاتب وجدنا عددا من الاشخاص يتبادلون الحديث اتضح لنا لاحقاً انهم ممثلون لاحزاب سياسية، وتصادف اثناء جلوسنا حضور عدد آخر من ممثلي الاحزاب، وطلبنا مقابلة اي من مسؤولي اللجنة العليا لمناقشتهم حول عدد من الملاحظات حول اجراءات التسجيل بمراكز الخرطوم.

العجب العجاب

بعد اقل من نصف ساعة، طلب منا شخص الدخول لمكتب داخلي وعرفنا بنفسه بأنه عضو اللجنة العليا للانتخابات ومسؤول الاعلام فيها ابراهيم الباشا، والذي استمع للملاحظات التي اوردناها حول شكاوى التسجيل، لكن القضية الابرز التي نالت اهتمامه كان ما اثرناه حول التسجيل بمركز الدروشاب شمال.

وحينما ابلغ كبير ضباط الانتخابات – الذي كان يجلس على طاولة بالقرب منا- نفى كبير الضباط عمل أي مركز بمنطقة الدروشاب شمال خلال الفترة من 2-4 نوفمبر ووقتها اكدنا له توفر الشهود على حدوث هذا الأمر، واستلم الباشا منا تلك الملاحظات حول اجراءات التسجيل بالدروشاب شمال، مشيراً لعدم امكانية استلامها كطعن باعتبارها لم تصدر من الجهة المعنية، وتم تسليم تلك الملاحظات لكبير ضباط الانتخابات بولاية الخرطوم الذي قرر فتح تحقيق حول هذه الواقعة.

وقائع والتماسات

تمثلت الوقائع التي قدمتها إلى اللجنة العليا في قيام اللجنة الاولي بالدائرة 25 الدروشاب بتقديم ميقات التسجيل بمركز الدروشاب شمال وفترته لتمتد من الثاني وحتى الرابع من نوفمبر 2009م بمدرسة الصباح الثانوية مخالفةً لما ورد في الانموذج رقم (4) الخاص بمراكز وتواريخ تسجيل الناخبين بولاية الخرطوم المنشور بموقع المفوضية القومية للانتخابات، والذي حدد ميقات التسجيل في المركز بالفترة من 12-19 نوفمبر، الأمر الذي يعني انتقاصا من حق المواطنين في اكمال تسجيلهم والتي حددت بـ8 ايام،كما أن اختصاره لـ3 ايام فقط حرم الكثير من سكان المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية من اكمال تسجيلهم، واستقطع 5 ايام من الفترة المخصصة لاكمال التسجيل دون وجه حق، الأمر الذي ترتب عليه حرمان جزء كبير من مواطني المنطقة من التمتع بحقهم الدستوري في التسجيل وبالتالي حرمانهم من حقهم في المشاركة في الانتخابات العامة القادمة.

والتمستُ من خلال عرضي للوقائع معالجة هذا الامر وحفظ حقوق مواطني مركز الدروشاب شمال وتحقيق الشفافية في عملية التسجيل بإلغاء كل اجراءات التسجيل التي تمت بمركز الصباح خلال الفترة المطعون فيها باعتبارها قامت على اسس غير صحيحة في الاجراءات، وإعادة تسجيل مواطني حي الدروشاب شمال وفق المواقيت المشار إليها في الجدول الزمني للتسجيل لمدة 8 ايام، مع مد ايام التسجيل لتعويض الفترة التي لم يعمل فيها المركز، وفتح تحقيق قضائي وإداري لمعرفة الملابسات المتصلة بالتسجيل بالمركز وتمليك نتائجه للرأي العام ولأجهزة الإعلام.

وحينما سألنا رئيس اللجنة الشعبية بالدروشاب شمال بخيت دفع الله عن الفوائد التي ستجنيها المنطقة في حال اصدار اللجنة العليا لقرار لصالح فتح المركز بالمنطقة رد بقوله:"صحيح أن بعض المواطنين بدأوا يسجلون في اماكن بعيدة، لكن الأمر الأساسي هو أنه سيكون رد الاعتبار وحفظ الحق القانوني والدستوري لمواطني المنطقة الذين يشعرون الآن بأن حقوقهم هضمت على عينك يا تاجر وهو أمر لن يقبلوه بأي حال من الاحوال".

... ولحين البت النهائي وظهور نتيجة التحقيق حول واقعة التسجيل بمركز الدروشاب شمال من قبل اللجنة العليا بولاية الخرطوم، فإن حواجبنا ستظل مرتفعة بسبب الاندهاش مما حدث في تسجيل هذا المركز في منطقة تبعد اقل من ساعة بالسيارة للقصر الجمهوري وسنظل مذهولين من أن هذه الواقعة كان مسرحها دائرة بولاية الخرطوم ..!!