الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الانتخابات القادمة: الشباب عنصر الحسم

ماهر أبو جوخ
تشير التقديرات إلي أن الفئة العمرية التي ستشارك في اول انتخابات تعددية بالبلاد تقدر بحوالي تسعة ونصف مليون نسمة والتي تعادل (59.9%) من اجمالي الناخبين المسجلين، مما يجعلها الفئة الأكثر تأثيرا في الانتخابات.
الشباب سيحسمون الانتخابات القادمة
الشباب سيحسمون الانتخابات القادمة

بعد غياب يقارب الربع قرن من الزمان تشهد البلاد خلال الفترة من الحادي عشر من ابريل القادم وحني الثالث عشر من ذات الشهر الانتخابات العامة لانتخاب مستويين بالشمال وهما القومي (الذي يشمل انتخابات رئيس الجمهورية ونواب المجلس الوطني) والولائي (الذي يشمل انتخاب والي الولاية ونواب المجلس التشريعي الولائي)، وثلاث مستويات بالجنوب بانتخاب المستويين القومي والولائي بالاضافة لمستوي جنوب السودان لانتخاب (رئيس حكومة الجنوب ونواب المجلس التشريعي لجنوب السودان).

ونجد أن بروتكول قسمة السلطة اشار في الفقرة (1-8-3) على اكتمال الانتخابات العامة بكل مستويات الحكم بنهاية السنة الثالثة من نهاية الفترة الانتقالية ومنحت الفقرة (1-8-4) من ذات البرتوكول طرفي الاتفاقية –وهما حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان- الحق في الاجتماع قبل نهاية تلك الفترة بستة أشهر للنظر في مدى ملاءمة ذلك التاريخ، في ما اوضحت المادة (2-2-3-3) أن الانتخابات الحرة والعادلة سيحدد تاريخها الشريكين الموقعين على الاتفاقية بعد التشاور مع لجنة الانتخابات، لكن الفقرة (2-3-7) من ذات البرتكول ذكرت نصاً أن الانتخابات القومية يخضع تحديد موعدها لموافقة الشريكين واشترطت الفقرة (4-4-3) من البرتكول على عقد انتخابات المجلس الوطني في ذات اليوم لتنظيم الانتخابات الولائية.

وجاء الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 2005م في الباب الخامس عشر (الإحصاء والانتخابات) وفي الفصل الثاني (الانتخابات) في المادة (216) الخاصة بمواعيد الانتخابات بأن (تُجرى انتخابات عامة على كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الانتقالية) في ما اشترطت المادة (218) الخاصة بـ(شرط التقدم للانتخابات) بأنه (على كل شخص يرشح نفسه للانتخاب أن يحترم اتفاقية السلام الشامل ويلتزم بها وينفذها).

وحدد قانون الانتخابات القومية لسنة 2008م في نص المادة (21) شروط أهلية الناخب والتي حددت توفر أربع شروط مجتمعة وهي أن يكون ( سودانياً ، بالغاً من العمر ثمانية عشرة عاماً، مقيداً في السجل الإنتخابي، سليم العقل) وبموجب هذا النص فإن أي مواطن سوداني بلغ الثامنة عشر من عمره سيكون اهلاً للتصويت والمشاركة في الانتخابات العامة القادمة.

التصويت لـ(21)

تمثلت الشروط الخاصة بأهلية الناخب في اول انتخابات برلمانية تعددية نظمت بالسودان في عام 1953م بأن يكون الناخب بانتخابات مجلس النواب (سودانياً، ذكراً، يبلغ من العمر احدى وعشرين عاماً، مقيماً في دائرته بصورة عادية لا تقل عن ستة أشهر وسليم العقل) أما في دوائر الخريجين فاسقط شريطي الاقامة والذكورة مما اتاح للنساء التصويت في انتخابات الخريجين، وفي ما يتصل شروط الناخب لمجلس الشيوخ فقد حددت اللجنة المشرفة على الانتخابات عدد من الشروط وكان ابرزها اشترط أن يكون الناخب في شمال السودان قد بلغ الـ(25) عاماً أما في الجنوب فقد نصت على بلوغه لسن الـ(21) وشهدت الانتخابات التعددية الثانية في عام 1958م تنظيمها بذات الشروط الخاصة بتلك التي سبقتها.

تدشين الـ(18)

وعقب ثورة اكتوبر 1964م شهد الوعاء الانتخابي توسعاً كبيراً عقب سن قانون انتخابات الجمعية التأسيسية لسنة 1965م والذي خفض سن الناخب من احد وعشرين عاماً لـ(18) عاماً بالاضافة لمشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات العامة ونصت المادة الخامسة من قانون الانتخابات لسنة 1965م بأن شروط الأهلية للناخب تتمثل في (الهوية السودانية، أن يكون عمره 18 عاماً كحد ادني، توفر السلامة العقلية، الاقامة في الدائرة مدة لا تقل عن ستة أشهر) وتبعاً لذلك فقد ارتفع عدد الناخبين المسجلين إلي (1971065) ناخباً من جملة تقديرات العدد الكلي لسكان السودان والبالغ (9420391) نسمة يمثلون (20.9%).

واسهمت المشاركة السياسية لتلك الشريحة الجديدة في انتخابات 1965م بالاضافة للتحولات السياسية التي افضت لبروز الحركات المطلبية الاقليمية –التي كان يقودها الشباب بشكل رئيسي- في ظهور عدد من الكيانات الإقليمية المطلبية وتمثيلها لأول مرة بمجلس النواب وهي (اتحاد ابناء جبال النوبة، مؤتمر البجا) وصعود القوي الحديثة المتمثلة في جبهة الميثاق الإسلامي والحزب الشيوعي السوداني.

أما في الانتخابات التعددية الرابعة التي نظمت في عام 1968م فقد ارتفع عدد المسجلين إلي (3051118) من جملة (11372406) والتي تمثل وقتها (26.8%) ومن الضرورة الإشارة هنا أن الزيادة الكمية مرتبطة بزيادة عدد السكان لكنه في ذات الوقت تشير لتنامي وتزايد الاعمار الشابة في الاعداد المسجلة في الانتخابات، وشهدت تلك الانتخابات تراجعاً للاحزاب الإقليمية ولكنها في ذات الوقت مكنت القوي الحديثة وتحديداً مرشحي جبهة الميثاق والحزب الشيوعي من الفوز في دوائر جغرافية، أما في انتخابات 1986م فقد بلغ عدد المسجلين (5.978) مليون ناخب.

تخفيض سن المشاركة

وحدد المرسوم المؤقت لقانون الانتخابات العامة لسنة 1995م الذي نظمت بموجب احكامه انتخابات ابريل 1996م في فصله الرابع ومادته التاسعة شروط أهلية الناخب والمتمثلة في أن يكون (سودانياً، بالغ العمر ثمانية عشر سنة في تاريخ قفل سجل الناخبين، سليم العقل ومقيماً بالدائرة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر في وقت قفل سجل الناخبين).

إلا أن قانون الانتخابات لسنة 1998م الذي نظمت احكامه انتخابات رئاسة الجمهورية ونواب المجلس الوطني ولاحقاً نواب المجالس التشريعية خفض العمر من 18) عاماً لـ(17) عاماً إذ نصت المادة العاشرة منه أن شروط أهلية الناخب تتمثل في أن يكون (سودانياً، بالغاً من العمر سبع عشرة سنة وسليم العقل).

الفئة العمرية التي ستشارك في اول انتخابات تعددية بالبلاد تبلغ حوالي (9454109) نسمة والتي تمثل لوحدها (59.9%)

اصحاب الاغلبية

واظهرت النتائج الاساسية ذات الاولوية للتعداد السكاني الخامس التي اصدرها الجهاز المركزي للاحصاء في الحادي والعشرين من مايو 2008م حول التوزيع الإقليمي لسكان السودان بين الشمال والجنوب أن جملة سكان السودان (39154490) نسمة يبلغ عدد الاشخاص بين الفئات العمرية من (0-16) سنة (18462359) نسمة أما الذين يتجاوزن الـ17 سنة فيبلغ عددهم (2069213) نسمة منهم (16479090) نسمة بولايات البلاد الشمالية و(4213041) نسمة بولايات البلاد الجنوبية.

وبإجراء عملية حسابية بسيطة فإن الاشخاص الذين شاركوا في اخر انتخابات تعددية بالبلاد في ابريل 1986م والذين كانوا وقتها في الثامنة عشر من اعمارهم باتوا حالياً في الـ(42) من عمرهم بعد مرور 24 عاماً من تلك الانتخابات، إذاً فالفئة التي تتراوح اعمارها بين (41-18) سيشاركون لأول مرة في حياتهم في انتخابات تعددية بمشاركة جل القوي السياسية لأنه يستوجب الاشارة هنا بأن انتخابات 1996-2000م اقيمت وسط مقاطعة القوي السياسية التاريخية المعارضة لحكومة الانقاذ.

واظهرت النتائج الاساسية الخاصة بتوزيع سكان السودان حسب العمر أن جملة سكان السودان (39154490) نسمة واظهرت تلك الاحصائيات أن الفئة التي ستشارك في الانتخابات لأول مرة يتروح عددها (12970306) والذين يمثلون حوالي (33.1%) من اجمالي سكان السودان، أما الشريحة العمرية من (0-17) عام فيبلغ عددها تقريباً (19860139) نسمة والذين يمثلون بدورهم (50.7%) من جملة سكان البلاد، وهو ما يجعل اصحاب الفئات العمرية ما بين (صفر-41) سنة والبالغ عددهم (32830445) يمثلون (83.8%) من جملة سكان البلاد.

وتظهر هذه الاحصائية أن الجيل الذي سبق له المشاركة في انتخابات تعددية والتي كانت اخرها في عام 1986م يقدر تعداده في السودان بحوالي (6324045) نسمة والذين يمثلون (16.2%) من اجمالي سكان البلاد.

محاولة مقاربة

وعند تنزيل تلك الارقام على الارقام الخاصة بالتسجيل بالسجل الانتخابي خلال الفترة من اول نوفمبر وحتي السابع من ديسمبر 2009م والذي بلغ اجمالي المسجلين فيه داخل السودان (15778154) ناخباً ومع إفتراض أن كل الاشخاص الذين تقع اعمارهم من سن الـ(42) فما فوق سجلوا انفسهم في السجل الانتخابي –ونتعاطي مع هذا الأمر كإفتراض بسبب غياب المعلومات الخاصة عن الفئات العمرية التي سجلت بالسجل الانتخابي- فسنخلص إلي أن الفئة العمرية التي ستشارك في اول انتخابات تعددية بالبلاد تبلغ حوالي (9454109) نسمة والتي تمثل لوحدها (59.9%) من اجمالي الناخبين المتوقع مشاركتهم في الانتخابات العامة القادمة الأمر الذي سيجلعها العنصر الحاسم في الانتخابات العامة القادمة، باعتبارها العامل المرجح والحاسم فيها.

وسائل الاستمالة

وتتباين الاراء حيال الاتجاه الغالب وخيار الجيل المشارك في اول انتخابات تعددية بالبلاد بين وجهتي نظر تفترض الاولي أن وجود حوالي (4) مليون منهم فتحوا اعينهم بعد قيام الانقاذ في 30 يونيو 1989م سيجعلهم اميل للارتباط بحزب المؤتمر الوطني الحاكم بوصفه الجهة التي شكلت وعيهم وارتبطت قياداته في اذهانهم على عكس قيادات القوي السياسية التاريخية الذين امضوا جل تلك السنوات العشرين في المنافي وخارج البلاد، الأمر الذي سيحسم خيارات هذا الجيل بشكل مباشر لصالح حزب المؤتمر الوطني وقياداته.

ولكن توجد وجهة نظرة اخرى تفترض أن هذا الجيل يعاني من العديد من المصاعب والضغوط الاجتماعية وابرزها قضايا العطالة والبطالة وارتفاع نسب العنوسة وسط الشباب والشابات ويبدو شبه محبط ومنهك جراء الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة عليه وهو ما سيجعل هذا الجيل يميل لصالح التغيير الذي ترفع شعارته القوي المعارضة للمؤتمر الوطني –بالشمال على وجه التحديد- ودعاويه الخاصة بالاصلاح الاقتصادي وينجذب لوعود إعادة تقديم الخدمات التعليمية والصحية المجانية.

ولكن مع هذا وذاك قد تبرز عوامل اخرى قد تؤثر على خيارات الناخبين الذين يشاركون في اول انتخابات تعددية من بينها العوامل الاسرية أو الجهوية أو العرقية والتي قد تحدد مسبقاً خيارات ورغبات واتجاهات الشاب المصوت في الانتخابات القادمة ويجعلها المحدد الأول لخياره الانتخابي.

وبعيداً عن مقدار الصوب أو الخطأ لتلك التحليلات فسيبقي التحدي الاساسي الذي سيجابه الاحزاب السياسية ومرشحيها هو تقديم خطاب سياسي وخدمي قادر على ملامسة احتياجات ومطالب وأمال وتطلعات هذا الجيل ويجذبهم للمشاركة في الانتخابات القادمة بوصفها وسيلة لتغيير حياتهم نحو الافضل ويعزز مشاركتهم في القرارات والقضايا التي تمس مستقبل حياتهم في مقبل الايام، لأن هذا الجيل دون غيره بات يملك كلمة السر للفوز بالانتخابات القادمة وهو فرس الرهان الرئيسي فيها لجميع الاطراف المتنافسة.

تقديم الوعود الخدمية

ويستهل استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين د.اسامة زين العابدين لـ(الخرطوم الجديدة) تعليقه على الموضوع بالإشارة لمقارنة مصغرة والتي تتمثل في انتخابات الاتحاد بالجامعة التي لا يتجاوز عدد المشاركين فيها الـ(5) الف طالب والذين يكونون اصحاب انتماءات سياسية أو مرتبطين بالعمل السياسي، ويضيف أن التركيبة العمرية لفئة الشباب تعتبر هي النسبة الاعلى بين سكان الشباب، ولكنه نبه إلي أن نموذج الجامعات بوجود نسبة بسيطة من الشباب قامت بتسجيل نفسها في الخرطوم والمدن هو السائد والمتمثلين في اصحاب الانتماءات السياسية الذين حددوا مسبقاً الجهة التي سيصوتون لها، أما في الريف فالأمر مختلف باعتبار أنه يشهد حراك أكثر من الخرطوم والمدن حيث يتأثر الشباب في الارياف في عملية التصويت واختيارهم على مجموعة مؤثرات قد تكون اسرية أو طائفية أو قبلية أو صلة القرابة مع الشخص المنتخب وسيقل تأثير الانتماء السياسي عليهم.

واشار زين العابدين لوجود وعي بالمطالب والحقوق في الارياف وسيكون تصويتهم للذي يقدم الوعود الخدمية ويعتقد أن الشباب في الارياف سيكونون اميل لاختيار مرشحي المؤتمر الوطني على اعتبار انهم طرحوا العديد من الوعود لانتخابية والخدمية كما أنهم الممسكين حالياً بالسلطة مما يمنحهم ميزة تطبيق وتحقيق وعودهم الانتخابية، منوهاً لصفوية ونقاء الشباب باعتبارهم سيصوتوا في الانتخابات القادمة دون أن يكون الاساس لتصويتهم دفع الاموال لهم.

نشر هذا المقال في العدد رقم (81) من مجلة (الخرطوم الجديدة) الصادر في فبراير 2010م.

خيارات التصويت

وحول مقدار التأثير المتوقع في خيارات الشباب عند التصويت في الانتخابات القادمة بين وجود بعضهم وتشكيل وعيهم خلال سنوات الانقاذ الماضية واحتمال تشكيلهم لموقف مناوئ للمؤتمر الوطني ومرشحيه بسبب الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بالشباب على رأسها قضايا الفقر والبطالة يقول زين العابدين أن اولئك الشباب الذين تفتح وعيهم وترعرع بعضهم طوال سنوات حكمه خلال فترة حكم الانقاذ فباتوا يعرفون عنها الكثير سواء كان سلباً أو ايجاباً وأردف:"ولكن رغم ذلك فإن تلك الاجيال لا تعرف الاحزاب السياسية الاخرى وتجهلها والتي ظلت بعيدة عن الساحة السياسية ولم تستهوي الشباب"، مشيراً لوجود ثلاث مشاكل اساسية تعاني منها الاحزاب أولها (الازمة التنظيمية) جراء عدم مقدرته على الوصول لكل الناس فردياً أو جماعياً واستيعابهم وثانيها (ازمتها المالية) مما حرمها من ممارسة انشطتها سواء كانت التواصل مع الناس العاديين أو تنظيم فعاليتها المختلفة مبيناً أن المال هو عصب الحياة وبالتالي فإن غيابه يؤثر سلباً عليها وعلى قدراتها أما ثالثها فهي (الأزمة الإعلامية) فهي لا تستطيع أن تعرف عن نفسها وأطروحتها، مضيفاً أن الناخب الشاب في الارياف بشكل اكبر سيرتبط تصويته لصالح مرشح معين حسب إطار المجموعة الواقع تحت تأثيرها سواء كانت جهوية أو اسرية أو قبلية.

واشار زين العابدين إلي أن الشاب الناخب سيكون خياره وصوته لمن يعرف ولن يصوت لمن لا يعرف واضاف:"ولذلك فإنني اعتقد انه إذا ازلنا كل المؤثرات فإن خيارات اولئك الشباب ستكون إما أن يعطوا الانقاذ أو لا، لكن في حال بروز مؤثرات القرابة أو القبيلة أو غيرها فوقتها ستؤثر تلك المؤثرات على اتجاهاتهم وخيارتهم الانتخابية".

 

وحتي إعلان نتائج الانتخابات بالبلاد فإن الأمر الواضح للعيان أن الطرف الذي سيكسبها هو الذي سيستطيع أن يستيمل ويقنع اكبر قدر من شريحة الناخبين الذين يشاركون للمرة الاولي بالتصويت لصالحه ولبرامجه.