Media in Cooperation and Transition
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

Our other projects
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
عربي

The church and the mosque: places of worship or propaganda?

Mugahid Bashir
Should we be discussing the elections in our places of worship?
25.04.2024
© فيت حسن  سجال حول دور المساجد والكنائس في الحياة السياسية
© فيت حسن سجال حول دور المساجد والكنائس في الحياة السياسية

في عهد الإنقاذ الأول كانت بعض المساجد المشهورة رأس الرمح في خطابها السياسي الذي نعت بالمتشدد، وألصق به البعض بسرعة صفة (الهوس الديني)، فالإسلاميين الذين وفدوا حديثاً إلى الحكم حينها كانت تملؤهم طموحات العودة الى عهد الخلافة الراشد، وتأسيس دولة دينية شبيهة بدولة المدينة التي كانت تدار شوؤنها من المسجد، وبلغ الدور السياسي والأمني للمساجد مداه مع تصاعد سخونة المعارك الحربية في الجنوب، فتصاعدت معها حدة الخطاب التعبوي الحربي فوق المنابر، وتكثف النشاط الشبابي الدعوي والتنظيمي في باحات المساجد.


كان ذلك في المرحلة التي يحب الإنقاذيون تسميتها بالثورية، أما في مرحلتهم هذه، التي توصف بمرحلة الشرعية الدستورية، فقد خفت صوت السياسة في المساجد وإن لم يكن قد إنقطع تماماً، على خلفية إنخفاض حدة خطاب الدولة الصدامي وتحوله إلى خطاب هجين، ينحو إلى الليونة حيناً، ويستدعي ماضي التشدد عند الحاجة، فبعد بروز الأصوات الأخرى التي قفزت إلى داخل مسرح العاصمة السياسي بعد إتفاقية نيفاشا، تغير المشهد قليلاً داخل المساجد، إذ خفف الأئمة من غلواء هجومهم على معارضي الحكومة، بل إمتدت ألسنة بعضهم لتتناول جوانب من مثالب الحكومة وأوجه قصورها بقليل من القسوة والوضوح، وضوح وجد سنده في تراث مناصحة ومواجهة السلطان لدى فقهاء أقدمين، في المقابل هيأ مناخ الإنفتاح لحركة من كانوا في السابق يبتلعون خطب الإئمة على مضض، إذ بات بعض هؤلاء يجدون الجرأة للوقوف ومباغتة من يقف فوق المنبر يتلو خطبة سياسية بالنصح، والإنتقاد، وحتى الشتائم.


المجادلة داخل المساجد، وتبادل العبارات الحادة، دفع بالكثيرين في الآونة الأخيرة لرفع أصواتهم مطالبين بإخراج السياسة من دور العبادة، وإبعاد المواقف السياسية عن الخطب الدينية، لكي يصفو المسجد للدين والتعبد، ولا تعكر صفائه أجندة سياسية لهذا الإمام أو ذاك المصلي ، فيكون المسجد باباً للدخول إلى إجماع الناس وليس نافذة للخروج منه، خاصة مع إقتراب الإنتخابات، وتحولت هذه الأصوات إلى ترتيبات عملية عندما أقدمت إدارة العقيدة والدعوة في حكومة ولاية نهر النيل بحظر كل أنواع الدعاية والترويج السياسي على منابر المساجد، في المقابل يرى بعض الإسلاميين أن المسجد منبر ديني يدلي بدلوه في جميع أمور المسلمين، ولا يجوز لأحد رفض دوره ناهيك عن حظره.

إدارة العقيدة والدعوة في حكومة ولاية نهر النيل تحظر كل أنواع الدعاية والترويج السياسي على منابر المساجد


دعوات فصل المسجد عن الادوار السياسة، رغم أنها تستند إلى منطق إبعاد المنابر عن دواعي إثارة الخلاف وتفرق الكلمة، أي الحفاظ على وحدة صف المسلمين، لكنها تصطدم بذات المنطق الديني الذي تصطدم به دعوات العلمانية، فمؤيدو دور المسجد في الحياة العامة بما فيها السياسة يؤكدون على ذلك بإعتباره حقاً مكفولاً للمسجد، بل يبلغون به حد الواجب الديني. وجهة النظر الفقهية السائدة في العلاقة بين المنابر والسياسة يمثلها يوسف القرضاوي رجل الدين البارز، ويرى القرضاوي وفقاً لموقعه الإلكتروني أن السياسة في خطب المساجد أمر لا يمنع على إطلاقه ولا يجوز على إطلاقه، يمنع الخطاب السياسي الذي تذكر فيه أسماء محددة وتفاصيل جزئية على وجه الطعن والتشهير والتجريح والمهاترة والتعصب الحزبي، مما لا ينبغي تعريض المنبر لمثله، في المقابل يرى الرجل أن مهمة المسجد السياسية هي التعرض لكل ما يخالف الشريعة، وإن كان سياسة الحكومة.

St Matthew's Church Khartoum
كنيسة القديس ماثيو في الخرطوم


المسجد، كان بالفعل مركز الحياة الإسلامية في البداية، لكن ظهور الطوائف الإسلامية والمذاهب والشعوبية أتت بالخلافات السياسية إلى خطب المنابر كما يقول د.صالح التوم أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم، وأصبحت كل طائفة تحاول تمرير أجندتها من خلال المنابر، وبلغ ذلك بأحد خلفاء الأمويين تقديم خطبة العيد على الصلاة، بعدما لاحظ مغادرة أنصار آل البيت عقب صلاة العيد مباشرة كي لا يسمعوا خطابه، وكانت السنة جرت على تأخير الخطبة وتقديم الصلاة، ويرى التوم بأن السياسة قد تدخل في الخطبة، لكنه يضيف أن الخطبة يجب أن تكون إرشادية دعوية، تكتفي بدعوة الناس لإختيار الأصلح دون إشارة لجهة أو رجل بعينه، ودون الخوض في تفاصيل خلافية. إن كان البعض يدعو لتجنب القضايا الخلافية في الخطب فهناك من يدعو صراحة لتناولها، ويقول يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي أنه لا مانع من تناول المسجد قضايا السياسة الكلية والجزئية، كالصحة والتعليم والحكم بما يتفق مع الدين، على ألا يخلط ذلك بالترويج والدعاية لجهة سياسية ما، ويمضي الكودة إلى أن الخلاف الذي يمكن أن يثور جراء التعرض للقضايا السياسية في الخطب ليس المشكلة، بل المشكلة عنده في عدم معرفة الناس للرأي الشرعي في الخلاف، ويضيف أن على الدعاة أن يعلموا الناس أدب الخلاف، ومناقشة الإمام بعد الصلاة بالحسني.
ليس المسجد وحده الذي طالته مؤخراً دعوات الإبتعاد عن السياسة، لكن الكنيسة أيضاً طالتها دعوات شبيهة، فقد حافظ سلفاكير زعيم الحركة الشعبية على تقليد ناشيء بإطلاق تصريحات سياسية من داخل الكنائس في جوبا وغيرها من مناطق الجنوب، فيما أثار ملصق منسوب لمؤتمر المطارنة الكاثوليك يدعو للإنفصال، وزع قبل قرابة العام، حديثاً كثيراً حول دور الكنيسة وعلاقتها بالسياسة، وقضية الوحدة والإنفصال، حينها قال الأب مارتن ساترلينو السكرتير الخاص للكاردينال (أعلى سلطة دينية كاثوليكية في السودان) في حديث مع (الرأي العام) أن الكنيسة لم تتخذ موقفاً بعد من قضية الوحدة والإنفصال، وأضاف أن ما يصدر عن المؤسسات الدينية في السودان يتم تلقيه بحساسية في الشارع، ما يجعل كل ما يصدر عنها محسوباً وحساساً. الكنيسة، بحكم طبيعتها الجديدة في تاريخ المسيحية الحديث، لم تعتد الإدلاء بالكثير في قضايا السياسة، بخلاف المسجد الذي ظل متشابكاً مع مناحي حياة المسلمين في عدة عصور، ومضى د.صفوت فانوس المحلل السياسي المتابع للشئون المسيحية في حديث سابق مع (الرأي العام) إلى أن الكنيسة بكافة طوائفها ومسمياتها تسعي جاهدة لتجنب الوقوع في المزج بين الدين والسياسة، خاصة وأن هذه التهمة توجه كثيراً للجماعات الإسلامية، لكنه أضاف أن الكنيسة سيكون لها دور أساسي في الإستفتاء لكونه قضية كبري ستقسم الجنوبيين بين خياري الوحدة والإنفصال، ما يجعل الكنيسة نفسها عرضة لإنقسام مماثل.


 كلاهما، المسجد والكنيسة، لم يصدر عنهما حتى الآن موقف سياسي واضح إزاء الإنتخابات، بيد أن الكنيسة السودانية بمختلف أذرعها ومسمياتها إلتزمت صمتاً أكبر إزاء الصراعات السياسية الجنوبية، مثل صراع لام أكول مع سلفاكير، والصراعات القومية الأكبر، في المقابل يبدو أن أئمة بعض المساجد والقليل من الهيئات الإسلامية شبه الرسمية  قرروا عدم البقاء بعيداً عن الإنتخابات، والإصرار على القيام بدور ما، يحثون الناس كي يصوتوا للقوي الأمين....وليس للعلمانيين...والشيوعين....!!