الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الصحافي طلحة جبريل: ما يحدث الآن في السودان هو سريالية سياسية

حسن فاروق
حوار مع الصحفي والمحلل السياسي طلحة جبريل حول مستقبل التحالف بين الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة بعد الاتفاق الذي توصلت اليه الاولى مع المؤتمر الوطني.
25.04.2024
© Reuters
© Reuters

معطيات اللحظة الراهنة تشير إلى أن مظاهرة الاثنين(7 ديسمبر) جاءت في الوقت الذي كان فيه مسؤولو الحركة والمؤتمر الوطني يقتربون من التوصل إلى اتفاق حول إجازة قوانين الاستفتاء لتقرير جنوب السودان والمشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الازرق واستفتاء ابيي، ومع ذلك تمت محاصرتها وتفريقها من قبل السلطات ما يعني أن الاتفاق الذي تم الإعلان عنه بالفعل يوم الأحد الماضي (13 ديسمبر) يبقى جزئيا، وهو ما دفع أحزاب التحالف الى القول بان "النضال السلمي سيستمر". جلسنا الى المحلل السياسي والصحافي بجريدة الشرق الاوسط طلحة جبريل للحديث عن الوضع الراهن في السودان فكان هذا الحوار.

 

في البداية نريد سؤالك عن التطورات الأخيرة التي حدثت في مظاهرة أمس (14 ديسمبر) المفترض أنها كانت سلمية وتم تفريقها بواسطة الشرطة. هل صحيح ما يتردد عن أن الحركة الشعبية تخلت عن حلفائها؟

 

ما حدث في مظاهرة الاثنين هو نفس ما حدث في مظاهرة الاثنين الذي سبقه. هناك شئ غير مفهوم في السياسة، فاذا كانت الحكومة مطمئنة إلى أن غالبية الناس معها لماذا تخشى مسيرة فيها حوالي 30 ، أو 40 الف شخص سلمية يقولون إنهم سيتقدمون بمذكرة للبرلمان. لم أفهم رد فعل الحكومة تجاه هذه المسيرة كما لم أفهم موقف المعارضة نفسه. الواضح أن الحركة الشعبية وصلت الى توافق مع المؤتمر الوطني ولم تضع في اعتبارها نهائياً الأشياء التي تقولها باقي الأحزاب المعارضة، فكيف تعتقد أحزاب المعارضة إلى الآن أن الحركة الشعبية معها. الحركة الشعبية لم تعد معها، الحركة الشعبية وصلت الي تفاهم علي ثلاثة نقاط أساسية بالنسبة لهم ولم تعد تتحدث عن الامور الاخري. المعارضة تريد أن تستخدم الحركة الشعبية كورقة والحركة الشعبية تريد أن تستخدم الأحزاب المعارضة كورقة، وعلي أي حال ما يحدث لا يدخل الا في مجال يمكن أن نسمية اللا معقول السياسي يعني هذه سريالية سياسية التي تحدث حالياً.

 

مسؤولو الحركة قالوا إن موقفهم لم يتغير بخصوص مطالب التحالف الديمقراطي، وأن ما حدث في الاتفاق الأخير مع الوطني ماهو إلا مرحلة أولى، كما أنه لا تزال هنالك قوانين معلقة مثل قانون الامن الوطني وقوانين التحول الديمقراطي.

 

أعتقد أن هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح لان معلوماتي تقول بان المفاوضات التي جرت بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وصلت الي إتفاق حول ما تريده الحركة الشعبية وهي ثلاثة نقاط فيما يتعلق بموضوع ابيي وما يتعلق بنسبة الاستفتاء الذي يجيز الانفصال وفيما يتعلق بموضوع المشاركة في السلطة، الحكومة أو حزب المؤتمر الوطني أو السلطة الحاكمة قدمت تنازلات في هذه النقاط الثلاثة وبالنسبة للامور الاخري لم تعد لها معني وأصبحت هامشية. وحينما تقول الحركة الشعبية بان القوانين لا يزال هنالك نقاش حولها وانها متمسكة بمواقفها فهذا مجرد عملية تبيض ماء الوجه. ويجب على أحزاب المعارضة أن تبحث عن أساليب اُخري وطرق اُخري حتي تستطيع أن تغير القوانين، لكن لا تعتمد على أن الحركة الشعبية ستفعل لها شي بعد التوافق الذي تم بين حزب المؤتمر والحركة الشعبية.

 

قال كل من باقان ونافع بعد الاتفاق الأخير إن مواد الاتفاق سوف يتم نشرها و الجلوس مع كل القوي السياسية للمشورة حولها. هل هذا تحصيل حاصل في رأيك؟

 

الحركة الشعبية أبلغت أحزاب المعارضة بانها توصلت الي ثلاثة اتفاقات في ثلاثة نقاط، وان هذا كافي في الوقت الحاضر علي الاقل من أجل الانتقال الي مرحلة أخرى. الجانب الحكومي أو حزب المؤتمر الوطني يقول بانه قد منح أو أعطى للحركة الشعبية كل ما تطالب به، وأي كلام أخر هو للاستهلاك. تم التوافق إذن بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية علي نقاط أساسية والحركة الشعبية أبلغت "حلفائها”. لا اعتقد أن الامر فيه حلف بين الحركة وأحزاب المعارضة بقدر ما هو استغلال كل طرف للاخر، والمسألة الان أصبحت واضحة جداً، انا لم أفهم لماذا مسيرة الاثنين الماضي؟! تم الاتفاق وانتهت القصة. وكما قلت فإن من التصريحات المثيرة للسخرية أن أحد قادة الحركة الشعبية يقول إنهم نظموا مسيرة من أجل التعبير لتأييدنا فهذا كلام لا أساس له من الصحة وانا اعتقد ان ما يقال من تصريحات لا يطابق الحقيقة، الحقيقة تم الاتفاق، والحقيقة أن احزاب المعارضة اصبحت خارج هذا الاتفاق، والحقيقة ان الحركة الشعبية ارادت ان تستغل ورقة ما يسمي بتحالف جوبا لتحقيق أجندتها الخاصة، والحقيقة ان احزاب المعارضة ارادت ان تستخدم ورقة الحركة الشعبية للضغط علي الحكومة. الامور أصبحت واضحة لا داعي للكذب علي الناس. المطالب التي طرحتها احزاب المعارضة اعتبرها عادلة جداً لكن التكتيكات والاساليب التي تستعمل بصراحة أساليب مضللة، هذا رايي.

 

محمد المعتصم حاكم المسئول بالحركة الشعبية قال ان مسيرة يوم الاثنين تتعلق بحقوق المعارضة وحقوق الاتفاق الذي بين الحركة والمعارضة وان الاتفاق ما زال ساريا. ما هو موقف الحركة الفعلي الآن من أحزاب المعارضة؟

 

 

حدث تفاوض والحركة الشعبية ابلغت رؤساء الأحزاب في اجتماع تم في منزل الدكتور حسن الترابي بنتائج الاجتماع، وبعده تم اجتماع أخر موسع وابلغ الرؤساء في البداية بالنتائج وتم اجتماع أخر موسع في الساعة السابعة لنفس اليوم 24 ساعة قبل قيام المسيرة في منزل الصادق المهدي وهذه معلومات مؤكدة. وهنالك اجتماع أخر لمناقشة موضوع المسيرة وكانت المعلومات المتوفرة آنذاك بأنه سيتم تعليق المسيرة لكن فوجئت ان المسيرة تحركت من مقر حركة تحرير السودان لأركو مني مناوي، وفوجئت لرد فعل السلطات اتجاه هذه العملية يعني من الواضح ان هناك ارتباك، والحركة الشعبية تغير في مواقفها الأمر الذي يعكس تباين في وجهات النظر داخل الحركة الشعبية وبين قياداتها. نحن لا نتكلم عن جسم حزب منضبط تنظيمياً، فأنت تسمع تصريح عن سلفا كير يختلف عن باقان أو دينق ألور أو أي شخص، وأعتقد أن المؤتمر الوطني هذه المرة وما يسمى بمجلس الرئاسة حرصوا ان يضموا عدد من الشخصيات من الحركة الشعبية الى هذه المباحثات حتى لا يخرج سلفا كير بقرار ثم يأتي أحد قادة الحركة الشعبية ويقول نحن لسنا موافقين على هذا القرار. وأظن حسب ماقيل لي أن باقان أمون كُلف بأن يذهب هو للتلفزيون ويعلن عن الاتفاق واعتقد هذا ما حدث .

 

عقب الاتفاق ظهر المتشددون ليتحدثوا للاعلام، أقصد "باقان ونافع". ما معنى ذلك؟

 

الغرض اظهار انه اتفاق جميع الأطراف، وكما قلت اتت الصقور والحمائم، المتشددين والمعتدلين، حتى يقولوا بأن الأمر انتهى. وما يقال حاليا فيه نوع من العبث السياسي مثل ان يخرج باقان امون ليقول ان مسيرة يوم الاثنين من اجل تاييد الاتفاق، ويخرج مسئول أخر ويقول لا هذا حق المعارضة في التعبير عن رأيها، هذا عبث حقيقي .

 

هل يمكن للمعارضة ان تأخذ خطا منفردا بحيث تتحرر من وجود الحركة الشعبية وتقود مسيرة لتحقيق مطالبها بعيدا عن الحركة، خصوصا وان المسيرة الأخيرة شهدت اعتقال الكثير من قادة الأحزاب؟

 

اعتقد انه وقع شرخ داخل مؤتمر جوبا وهو ما كان متوقعا، وانا شخصياً توقعته. المعارضة نفسها يجب أن تتأمل في تركيبتها، ففيها حزب الأمة والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي يضاف اليهم الحركة التابعة لمني مناوي وهذا ما اسميه مسرح اللامعقول السياسي السوداني. شخص يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية(مناوي) ويتحالف مع احزاب المعارضة! ويبقى السؤال هل يمكن لحزب الأمة والحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي ومناوي ان يخوضوا نشاطا سياسيا لوحدهم بغض النظر عن موقف الحركة الشعبية؟ اعتقد ان هذه الفرضية كانت مطروحة قبل مؤتمر جوبا، وبالنسبة لي هي مجرد تجميع تحت راية ليس لها أي دلالة لأن لكل أجندته، وحينما اتفقت الحركة الشعبية مع حزب المؤتمر الوطني اتضح ان اجندة الحركة مختلفة تماماً. الآن هل الأحزاب الأخرى بدون الحركة الشعبية تستطيع أن تتحرك؟ هنالك ثلاث قضايا أساسية يجب أن نضعها في الاعتبار، القضية الأولى هي أن أي عمل سياسي يحتاج الى تنظيم وهناك ترهل تنظيمي لأحزاب المعارضة، القضية الثانية لا بد من إمكانيات مالية، والقضية الثالثة هي اجهزة الإعلام ونحن نعلم ان الأحزاب ليس لديها اعلام لا مقروء ولا مسموع ولا مرئي. لكن علينا أن ننتبه أن هناك أغلبية صامتة ربما بعيدة عن أحزاب المعارضة من الناحية التنظيمية وليست مع المؤتمر الوطني، واذا حصل تحرك أو ضغوط فمن المتوقع تماما أن يأتي من هذه الأغلبية الصامتة التي لم تعبر عن موقفها الى الآن. والشعب السوداني شعب حيوي جدا ومن الصعب ان تضحك عليه، وأنا في تحليلي أن هذه الأغلبية الصامتة لم تقل كلمتها، والدليل على ذلك الناس تتفرج سواء على قرارات الحكومة والمؤتمر الوطني أو تحركات المعارضة. لا أتنبأ ولكن اعتقد انه لابد أن يأتي وقت يكون فيه لهذه الأغلبية الصامتة موقفها.

 

هناك تكتيكات خاصة بالانتخابات بين أحزاب التحالف خاصة المتعلقة بالاجماع على مرشح التحالف للرئاسة. هل ممكن أن تنهار بعد الاتفاق المذكور؟

 

من خلال لقاءاتي مع قادة أحزاب سياسية ومعارضين استبعد تماما فكرة مرشح واحد في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني. الحركة الشعبية تطمع لأن يكون هذا المرشح من الحركة الشعبية، وهناك آخر يقول لماذا لا يكون احد المسلمين الموجودين في الحركة الشعبية والبعض يقول لماذا لا يكون مالك عقار؟ في وسط الأحزاب هناك من يقول لماذا لا توجد شخصية سودانية مستقلة؟ هل ستجد المعارضة هذا البرادعي السوداني؟ الله أعلم. قد تحدث هذه المصادفة في أخر لحظة لكن المرجح أن كل حزب من أحزاب المعارضة سيرشح مرشح لرئاسة الجمهورية، وهي تراهن بان لا يحصل مرشح المؤتمر الوطني في الدورة الأولى أكثر من 50% واعتقد أنها وجهة نظر حزب الأمة وبالتالي سيتأهل أعلى مرشح من أحزاب المعارضة إلى الدورة الثانية. اذن نحن الآن أمام ثلاثة سيناريوهات، السناريو الأول ان يختار مسلم من الحركة الشعبية تتفق عليه الأحزاب، السيناريو الثاني البحث عن برادعي ثاني سوداني، السيناريو الثالث الدخول بعدد من المرشحين في مواجهة مرشح حزب المؤتمر الوطني.

 

كيف ترى مستقبل الحركة السياسية السودانية في الفترة القادمة؟

 

هنالك اتفاقية دولية ولسنا نحن من يقرر فيها بل المجتمع الدولي الذي سيقرر فيها، والاتفاقية تنص على ضرورة تنظيم انتخابات الآن. حزب المؤتمر الوطني مطمئن واعتقد أن هناك مؤشرات تقول أنه سيكتسح هذه الانتخابات بتكتيكات مختلفة وأساليب مختلفة. والمسألة التالية هناك استفتاء وهذا الاستفتاء سيؤدي الى قيام دولة في الجنوب، وهذا مثار دهشتي لأنه لم يحدث في تاريخ الاستفتاءات في العالم ان ادى استفتاء تقرير مصير الى الوحدة هو دائماً يؤدي الى الانفصال، فعلينا الان في الشمال ان نفكر ما بعد الاستفتاء. ونحن للأسف نظرنا قريب جدا، علينا ان نفكر ما بعد الاستفتاء، كيف يكون شكل العلاقة بين الدولتين، ما مدى تأثيرنا نحن على دولة الجنوب وما مدى تأثير دولة الجنوب على الشمال، وماهو مصير الشمالين في الجنوب ومصير الجنوبين في الشمال. وبعد ذلك هل سنتجه الى قيام دولة مؤسسات ديمقراطية، وانا شخصيا أعتقد انه الحل الوحيد أمام السودان بأن يتحول الى دولة مؤسسات ديمقراطية فيها اربعة سلطات واضحة – سلطة تنفيذية وسلطة قضائية وسلطة تشريعية وفيها اعلام مستقل ومحايد، وأن توجد مساحة بينه وبين كل القوى السياسية الموجودة، واذا حاولنا أن نطلق أحكام قيمة فهي ليست صورة تدعو للتفاؤل للأسف، ولست متفائل بأن الأمور ستكون زاهية ووردية. نحن نركب قطار ولا نعرف كيف هو حال السكة التي تنتظر هذا القطار.

 

القرار في النهاية ليس في ايدينا. أهذا ما تريد قوله؟

 

القرار ليس في يدنا لأنه قرار تدخل فيه اعتبارات اقليمية ودولية ونتمنى أن لا نجد هذا القطار في وادي والسكة في وادي، تتطاحن عرباته بعضها فوق بعض وهذا وضع مقلق ومتعب ومزعج ومحزن.