محجوب شريف - ’عفصور الحنين‘ داخل ألكاتراز
يعتبر الشاعر السوداني الراحل محجوب شريف في أوساط كثير من السودانيين بمثابة ظاهرة إنسانية أقرب إلي عالم الخيال والأساطير، نظراً لمواقفه الإنسانية وصموده الأسطوري في مواجهة كل أنواع الظلم ومعتقلات الأنظمة الشمولية المتعاقبة في السودان.
وسكن شريف في وجدان كل السودانيين وكل الشعوب المحبة للسلام والحرية كرمز من رموز الشعر والكفاح والإنسانية. ولقب بالكثير من الألقاب منها ’شاعر الصمود’ و’شاعر الشعب’ و’القديس النبيل’.
وكتب للوطن وللجمال وللمحبوبة و للحرية وللنضال وشكل مع الفنان السوداني الأبرز الراحل محمد وردي ثنائية غنائية ووطنية، شكلت وجدان السودانيين في مقاومة الظلم والبحث عن الحرية والعدالة والمساواة. ويرى كثير من النقاد أن قصائد شريف الوطنية التي تغني بها الفنان محمد وردي أسهمت في تشكيل خارطة الغناء الوطني السوداني.
"لم يسلم محجوب من أذى الأجهزة الأمنية“
وظل شريف يتنقل من معتقل إلي أخر من الخرطوم إلى بورتسودان في أقصي الشرق ودارفور في أقصي الغرب. يقول الصحفي السودان المتخصص في التوثيق لرموز اليسار السوداني خالد فتحي: "لم يسلم محجوب من أذى الأجهزة الأمنية، إذ كثيراً ما تعرَّض للملاحقة والتعذيب النفسي، وتضييق وسائل الرزق وسبل كسب العيش الشريف و ظل واقفا في وجه الريح كالسيف وحده، لا يبغي جزاءً ولا شكوراً“.
وتميز محجوب شريف كشاعر إنساني وضع بصمته في خارطة الشعر وأثرى الساحة الثقافية والفنية في السودان بأعمال فنية ووطنية كبيرة ومؤثرة.
ولمحجوب شريف الكثير من المواقف الصلبة منها صموده في مواجهة المرض اللعين الذي ألم من طول ليالي المعتقلات وهو داء التليف الرئوي.
ورغم كل أهوال المرض ظل شريف صامداً ويواجه المرض بالضحك والسخرية والأعمال الإنسانية ويقول الصحفي السوداني محمد عبد الماجد في مقال منشور: ”محجوب جعل من المرض صديقاً، تعايش معه، ودخل في حوار أراد عبره أن يكسب المرض ألفة المعايشة والمؤانسة “.
”الراحل كان لا يثنيه وجوده داخل القضبان من أشعاره وكتاباته وإبداء رأيه“
في حوار جمعني بابنة الشاعر الراحل، مي محجوب شريف، ورفاق المعتقل، الأستاذ عبد الله موسى من مؤتمر البجا والحزب الشيوعي وعماد دهب، اللذان رافقاه في معتقله بمدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر تحدث عبد الله موسي عن ما عانوه في المعتقلات كسجناء سياسيين، حيث كانت معاملتهم تختلف قليلا عن الآخرين باعتبارهم سجناء الرأي في عهد حكومتي الرئيس الأسبق جعفر نميري والإنقاذ الحالية.
حكى الأستاذ عماد دهب إن "الراحل كان لا يثنيه وجوده داخل القضبان من أشعاره وكتاباته وإبداء رأيه. وأكثر القصائد شهرة كتبها وهو داخل المعتقلات. كتب لابنتيه مي ومريم وكتب للوطن وللحرية“.
عن إحدى طرائفه داخل السجن حكى عبد الله موسى قائلا: ”كان هناك أحد المسجونين المحكوم عليه بالإعدام مساقا إلى حبل المشنقة ليلاقي قدره. كان هزيل الشكل ناحل القوى وكان ذلك في زمن الإفطار في السجن. فلما رآه الراحل حزينا ونحيلا حمل إليه طعامه قائلا: ’إليك بعض الطعام حتى لا تموت وأنت جوعان‘. وكان الطعام معداً بالفاصولياء. ولكن ذلك السجين رفض الأكل قائلا: ’تصيبني[الفاصولياء] بحرقة المعدة‘“.
”كتب لابنتيه مي ومريم وكتب للوطن وللحرية“ ولد محجوب شريف بقرية المسلمية، ولاية الجزيرة، سنة 1948 وتوفي في أبريل من العام الجاري بعد إصابته بمرض التليف الرئوي الذي لازمه منذ العام 2004. تلقى تدريبه في معهد مريدي للمعلمين في الخرطوم وتدرج حتى أصبح مشرفا تربويا.
وخلال مسيرته التعليمية فصل عدة مرات تعسفياً نسبة لآرائه الواضحة حول سياسات الحكومات. منحته ’جامعة الأحفاد’ الدكتوراة الفخرية في القانون عام 2012 وعمل كسكرتير لشعراء الأغنية السودانية وعضوا ً باتحاد الكتاب وتنفيذيا ببعض المراكز الثقافية السودانية .
تم اختيار شريف ضمن أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم، وتم عرض أعماله بمتحف سجن ألكتراز الأمريكي، في معرض قام به المعتقل آي واي واي ناشط حقوق الإنسان الصيني تحت الإقامة الجبرية، للتعريف والتشريف بعدد من المغنين والخطباء والموسيقيين والكتاب والشعراء المختارين بعناية من عدة دول، من أولئك الذين يمثل إبداعهم قمة الحرية والكفاح، رغم تعرضهم للاعتقال حيث أبدعوا وهم في محابسهم.
إلى جانب شريف في هذا المعرض، نجد كل من بافل هاس، مارتن لوثر كنج، فكتور خارا، وآخرين. كما تم اختيار شريف من قبل مؤسسات حقوق الإنسان وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية ضمن 12 شخصية نضالية حول العالم من خلال مشاركته بالقصيدة الشهيرة التي كتبها من داخل المتعقل السياسي ’عصفور الحنين’.
