الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

حوار \ مفاوضات حول الأنهار
العمل مع صديق بدل العمل مع خَصْم

رحاب عبد المحسن
تبدو المفاوضات حول نهر النيل ومحاولة الوصول لاتفاق عادل لتقاسم النهر "مهمة مستحيلة". ولكن هل تساعد الدروس المستفادة من حوض نهر كولورادو في التغلب على هذا المأزق؟
13.06.2022  |  القاهرة، مصر
الدكتور كيفن ويلر. (الصورة:  أكسفورد، ECI)
الدكتور كيفن ويلر. (الصورة: أكسفورد، ECI)

أصبحت الإدارة التعاونية المستدامة للمياه العابرة للحدود وما يتصل بها من موارد حاجة شديدة الإلحاح. أدّى تغير المناخ، زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني، الخطط الطموحة لاستخدام المزيد من المياه، فضلا عن تطوير مشروعات الطاقة الكهرومائية على طول نهر النيل إلى زيادة الضغط على الموارد المائية.

وإزاء هذا الوضع، تحدثت رحاب عبد المحسن من النيلان مع الدكتور المهندس كيفين ويلر، زميل بمعهد التغيير البيئي ومدير استشارات في مجال توازن المياه، وهو أيضا أحد من عملوا بشكل مكثف على الإشكاليات التي تحيط بنهر كولورادو، بما في ذلك تسهيل نجاح المفاوضات بين الولايات المتحدة والمكسيك سنة 2012.

منذ عام 2012، قام الدكتور ويلر بمدّ خبرته لحوض نهر النيل عن طريق استكشاف مسارات التنمية التعاونية بين الدول المشاطئة لنهر النيل: مصر والسودان وإثيوبيا.

النيلان: د. ويلر، لقد حضرت العديد من جولات المفاوضات الرسمية لتقاسم المياه. أليس الأمر مملاً بعض الشيء؟

كيفن ويلر: خلال المفاوضات على نهر كولورادو، قضينا الكثير من الوقت في المفاوضات الرسمية. لكننا أيضا قضينا الكثير من الوقت للذهاب للعشاء معًا، السفر، البقاء في الفنادق معا، الذَّهاب ورؤية سدود مختلفة في أجزاء مختلفة من النهر، والقيام بالكثير من المحادثات غير الرسمية.

النيلان: جيد جداً، لا يبدو الأمر رتيباً حسبما وصفت. هل يمكنكم شرح الخلفية التاريخية التي أدت إلى توقيع اتفاقية نهر كولورادو بين الولايات المتحدة والمكسيك؟

كيفن ويلر: يمر الجزء الأكبر من مياه نهر كولورادو عبر الولايات المتحدة، في حين أن المكسيك لديها جزء صغير من النهر في النهاية قبل وصول النهر للمحيط. قامت الولايات المتحدة بتحويل أغلب المياه، فيما تبقى للمكسيك حوالي 1.5 مليون فدان (فدان القدم هو فدان من الأرض مغطى بقدم واحدة من الماء) من أصل ما يقرب من 16 مليون فدان قدم، فبالرغم من ضاءلتها نسبيا إلا أنهم يعتمدون على هذه الحصة بشدة.

في عام 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، كانت هناك حاجة ماسة إلى إقامة علاقات طيبة بالدول المجاورة. لهذا، وقعت الولايات المتحدة والمكسيك على أول معاهدة بينهما، التي خصصت كمية سنوية تبلغ 1.5 مليون فدان من المياه من نهر كولورادو إلى المكسيك.

كان هناك تاريخ طويل من التعاون."

قبل معاهدة 1944، لم يكن هناك أي صراع. لقد كان هناك تاريخ طويل من التعاون. ولكن كانت هناك حاجة واضحة للحد من استخدام مياه النهر خلال أوقات الجفاف. يعني الأمر لم يكن صراعا بقدر ما كان إدراكا بأن هناك مشكلات ستبرز في المستقبل القريب.

النيلان: إذا الولايات المتحدة تستهلك مياه أكثر بكثير من المكسيك؟

كيفن ويلر: نعم، لأن معظم حوض النهر يقع في الولايات المتحدة، لذا، فإنهم يستخدمون الغالبية العظمى من المياه. تخصص المعاهدة 7.5 مليون فدان من الماء سنويا للولايات الأمريكية الموجودة على النهر بما في ذلك كولورادو، وايومنغ، يوتا ونيو مكسيكو، و 7.5 مليون فدان أخرى سنويا للولايات الموجودة أدنى النهر وهي نيفادا، أريزونا وكاليفورنيا.

النيلان: أنت نشرت العديد من البحوث حول نهر النيل والمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان. ما هي الاختلافات في الوضع التفاوضي بين نهري النيل وكولورادو؟

كيفن ويلر: الأمور المتشابهة: كلاهما أنهار تخدم أهداف متعددة، كما تذهب الحصة الأكبر من المياه في كليهما للري؛ كلهما يتمتعان ببنية أساسية واسعة النطاق لتوليد الطاقة الكهرومائية؛ يقع على كلا النهرين مدن كبرى وبلديات ضخمة تحوي مستخدمين كثر يعتمدون على النهر.

هناك تشابه آخر مثير للاهتمام: بالرغم من وقوع المكسيك أسفل النهر مثل كاليفورنيا، لكن المناطق التي تقع أسفل النهر تطورت في وقت مبكر جداً مقارنة بالمناطق التي تقع في أعالي النهر عند جبال كولورادو. و هذا مشابه لمناطق النيل، حيث المناطق الواقعة أسفل النهر أيضا تطورت في وقت مبكر جدا عن مناطق المنبع. على سبيل المثال، في بعض النواحي، ولاية كاليفورنيا أكثر مساواة مع مصر وولاية كولورادو – التي أنا منها - أكثر مساواة مع إثيوبيا.

كلا النهرين مستهلك تماما."

من العناصر المشتركة أيضا أن كلا النهرين صغير، يحوي كل منهما كمية من المياه أقل من أن تكفي أعداد الناس. كلا النهرين مستهلك تماما. بالمقارنة مع الأمازون أو نهر المسيسيبي، كولورادو والنيل نهران صغيران جدا من حيث الحجم السنوي. كما يمكنك مقارنة أريزونا بالصحاري في مصر والسودان والمناطق القاحلة التي تمر بها.

 أما ما يخصّ الاختلافات الرئيسية، فهي واضحة. وفي حالة نهر كولورادو، كانت هناك ترتيبات مؤسساتية منذ عام 1922، أي لحوالي 100 سنة. وكان ذلك أول اتفاق بين الدول المتجاورة يحدد بعض القواعد الأساسية.
وقد تطور الاتفاق في ما نسميه "قانون النهر" على مدى السنوات المئة الماضية، ليشمل مجموعة كاملة من القواعد والأنظمة المختلفة والقوانين والمعاهدات والمواثيق والأحكام القضائية التي تضبط العَلاقة بين البلدين. بينما على النيل، ففي الوقت الذي كان هناك العديد من مشروعات التنمية، لم يكن هناك أي - أو القليل جداً – من الاتفاقيات التعاونية حتى الآن.

النيلان: لقد ذكرت تاريخ اتفاقيات ومعاهدات نهر كولورادو، وكنت عضوا في فريق التفاوض. ما هي الاختلافات الرئيسية في عمليات التفاوض؟

كيفن ويلر: في حالة نهر كولورادو أحد الجوانب الرئيسية أنه كان هناك التزام قوي بمشاركة البيانات والمعلومات من البداية. ورغم أن الولايات المتحدة كانت تملك الغالبية العظمى من البيانات وتملك أجهزة القياس والسدود على أرضها، فإن البلاد أدركت أنها تحتاج إلى تزويد المكسيك بالقدرة على الوصول إلى كل المعلومات التي تمتلكها الولايات المتحدة حتى يتسنى لها التفاوض بنزاهة وعدل.

الشفافية بين الدول جانب رئيسي."

على سبيل المثال، كنا نأخذ فريق التفاوض المكسيكي في جولات على النهر في الولايات المتحدة حتى يتسنى لهم أن يفهموا كيف تعمل السدود ويروا كل شيء في حين ما تزال المفاوضات في غاية الصعوبة. لذا فالشفافية بين الدول كانت جانبا رئيسيا تم وضعه كمبدأ منذ البداية.

في حالة النيل، ما تزال مشاركة البيانات أمرًا لا يمكن للبلدان الاتفاق عليه بشكل كامل حتى الآن، مع أنّ وجود أفكار حول كيفية القيام بذلك، إلا أنها لم تصل إلى هذا الحد حتى الآن.

فضلا عن ذلك فالمفاوضات بين الولايات المتحدة والمكسيك مبنية على أكتاف العديد من الاتفاقيات السابقة. على سبيل المثال، في عام 2012، كان هناك اتفاق يعرف باسم "محضر 319"، مما يعني أنه كان هناك 319 تعديلاً تم إجراؤه قبل ذلك التاريخ.

كذلك، تم وضع معاهدة عام 1944 بحيث يمكن تكييفها وتعديلها باستمرار على أساس الوضع القائم. وفي كل مرة يلزم فيها تعديل شيء صغير، يضاف محضر جديد إلى المعاهدة.

لذا، فلم يكن هذا اتفاقا لمرة واحدة، ولكن كان بمثابة عَلاقة دائمة التطور بين البلدين. وفي المقابل، فإن دول النيل التي تفاعلت لفترة طويلة لم تطور بعد أي معاهدة أو اتفاق من المستوى الأول فيما عدى إعلان المبادئ.

النيلان: وما هي العناصر المشتركة في كلا المفاوضات؟

كيفن ويلر: المشترك هو أن كلاهما مفاوضات صعبة للغاية. في الحالتين، يخشى الطرفان تقديم تنازلات أكثر مما ينبغي. كلاهما يتطلب الكثير من النقاشات التقنية والقانونية والسياسية من جميع الجوانب. وفي كلا المفاوضات، كانت الأطراف تجتمع بشكل منتظم.

بالنسبة لكولورادو، كنا نلتقي شهريا على أحد جانبي الحدود ثم على الجانب الآخر. كنا دائما نلتقي قريبا جداً من الحدود. لم تكن الاجتماعات في واشنطن العاصمة أو في مكسيكو سيتي، لكنها كانت اجتماعات في البلدات الصغيرة قرب النهر وقرب الحدود. فشعر المفاوضين أنهم قريبين من بلدانهم باستمرار.

النيلان: هل يمكنك أن تصف لنا كيف تجري المفاوضات حول الأنهار؟

كيفن ويلر: في حالة نهر كولورادو، جرى تقسيم المتفاوضين إلى فرق فرعية، حيث يعمل فريق على الجانب الهيرولوجي والهندسي، وفريق آخر على القضايا القانونية، وفريق آخر على قضايا المُلوحة، وفريق آخر على القضايا البيئية. كما كانت هناك لجان فرعية مكلفة بإنجاز مهام محددة. ومن ثم، بعدها تعود كل الفرق بتقاريرها إلى المفاوضات الرئيسية.

من الصعب جدًا أن تتقدم المفاوضات عندما يكون لديك غرفة ضخمة مليئة بأشخاص رسميين."

الفرق الفرعية تتشكل من أعضاء من المكسيك وأعضاء من الولايات المتحدة الذين كانوا متخصصين في هذا المجال، بحيث يمكنهم المساعدة في تطوير الأفكار والحلول والعودة بالمخرجات إلى الهيئة الرئيسية من المفاوضين لتقديم تقاريرهم والأفكار التي توصلت إليها المجموعة الفرعية. وهذا من شأنه أن يسمح ببعض الانفصال والتقدم دون وجود الجميع في الغرفة في نفس الوقت. فمن الصعب جدًا أن تتقدم المفاوضات عندما يكون لديك غرفة ضخمة مليئة بأشخاص رسميين.

النيلان: كيف يمكنك كمهندس أن تتفاوض مع شخص ذو خلفية سياسية أو قانونية؟ هل كان من الصعب التحدث إلى خبراء ذوي خلفيات مختلفة ومنظور مختلف؟

كيفن ويلر: من الضروري أن تكون لدينا جميع وجهات النظر المختلفة، لذا نقوم بعقد اجتماعات مع فريق الولايات المتحدة فقط قبل بضعة أيام في محاولة وضع خطة متماسكة. بعد ذلك نجتمع مع الفريق المكسيكي، ونقوم بتقسيم أنفسنا إلى مجموعات مختلفة. بعدها نشارك البيانات وننظر إلى مختلف الأفكار والآثار. فمثلا قام المحامون بتقديم الكثير من الأفكار الإبداعية لإيجاد حلول محتملة عديدة.

ما تعلمته، وما كان مهما لتطوير عملية تفاوض قوية هو أن الأهداف يتم تحقيقها على مدى المفاوضات. كثيرا ما ترى النقاشات السياسية تحدث شللاً للجوانب التقنية، فيما من المفترض أن تتماشى النقاشات حول كل الجوانب يدا في يد.

النيلان: ذكرت الشفافية ومشاركة البيانات. هل تعتبر مسؤولية كل الأطراف أم أن هذا العبء يقع على عاتق أحد البلدان المشاطئة أكثر من الأخرى؟

كيفن ويلر: من أجل إبداء حسن النية، أعتقد أن هناك مِيزة كبيرة لجميع البلدان أن يتم مشاركة المعلومات على قدم المساواة، سواء كانت تلك المعلومات من دول المنبع أو في المصب.

لكن من الواضح أن البيانات الصادرة من دول المنبع تؤثر بالتأكيد على دول المصب، فيما قد لا تؤثر البيانات الواردة من دول المصب بشكل مباشر على الأطراف في المنبع. ومع ذلك، فإنه إجراء لحسن النية يظهر أن الأطراف النهائية مستعدة للقيام بذلك وأن على الجميع أن يتمتعوا بنفس المستوى من الشفافية.

لذا فقد يكون هناك بعض عدم التكافئ في هذا النوع من المنفعة التقنية لتبادل البيانات. مع ذلك، من منظور إبداء حسن النوايا، فمن المهم جدا أن يكون لديك جميع المعلومات المفيدة على الطاولة حتى يفهم الناس أنه لا أحد يخفي المعلومات وبذلك يجرى بناء الثقة. في حالة نهر كولورادو، كانت هناك رغبة كبيرة لدى الولايات المتحدة في أن تكون شفافة قدر الإمكان مع المكسيك حتى يتسنى لنا أن نعمل مع صديق وليس مع خصم.

النيلان: هل هناك دروس مستفادة من حالة نهر كولورادو تنطبق على الحالة الثلاثية لإثيوبيا ومصر والسودان؟

كيفن ويلر: أحد الدروس الكبيرة التي تعلمناها في نهر كولورادو هو أننا لا نستطيع حل كل شيء في آن واحد. هناك تعاون تدريجي قائم على الوصول لخطوة يمكن تكرارها في المستقبل. والمستوى الأساسي هو الاتفاق على اتفاق واحد والالتزام بتبادل البيانات وسلامة السدود. ومن ثم الالتزام بإدارة السدود خلال أوقات الفيضانات، ومن ثم في أوقات الجفاف.

لا يجب القيام بكل هذه الأجزاء في نفس الوقت، بل يمكن القيام بها في أوقات مختلفة، حيث إننا نبني الثقة ونتعود على العمل معا عبر الزمن. أتفهم بالتأكيد رغبة المشاركين في أن يكون هناك اتفاق شامل واحد، لكن هذا ليس سائما ضروري – ما هو ضروري هو الرغبة في مواصلة بناء الثقة مع مرور الوقت.

النيلان: نشكرك على مشاركتك كل خبراتك التفاوضية القيمة جداً معنا. وبما أنك باحث مخضرم، أود أن أطرح سؤالاً لاذعاً في النهاية: هل من الممكن أن يكون للباحثين دور في خلق الكثير من الارتباك بسبب السيناريوهات العديدة المختلفة التي يقترحونها في دراساتهم؟ أليس هذا حاجزا خلال المفاوضات، وكيف يمكن معالجة ذلك؟

لا نستطيع حل كل شيء في آن واحد."

كيفن ويلر: وقد يكون ذلك بالفعل تحدياً هائلا ومشكلة كبيرة. الكثير من ذلك يأتي من الحصول على مُدخلات مختلفة واستخدام نماذج وأدوات مختلفة. لذا إذا كان لديك مُدخلات مختلفة، سيكون لديك مخرجات مختلفة. ولهذا السبب فإن أحد الجهود الكبرى في مفاوضات الولايات المتحدة والمكسيك كان يتلخص في ضمان استخدام الجميع لنفس المُدخلات. ولهذا السبب يشكل تبادل البيانات أهمية بالغة.

بدأنا في المفاوضات بتشكيل فهم مشترك لكمية المياه المتوفرة وكميتها الموجودة حالياً في النهر. حيث يجب أن يجرى فهم هذه الأرقام للجميع، وبدء النقاش انطلاقاً من نفس المعلومات الأولية.

النيلان: هل لديك أي أفكار أخيرة تود مشاركتها؟

كيفن ويلر: نعلم جميعا مدى صعوبة حل المشاكل الكبيرة. هناك العديد من الطرق التي يمكننا أن نختار من خلالها حل المشكلة. أعتقد أن إيجاد حل شامل واحد أمر نادر جداً. ولكن على الأقل يمكننا أن نضع حجر الأساس الأول للبناء عليه مع مرور الوقت وتطوير العمليات التي تحدد كيفية استمرار البناء مستقبلا.