اعتادت الأمهات المصريات سابقاً على إعادة تدوير النفايات والمخلفات، وخاصة إبان الحربين العالميتين. فالحرب لم تترك للسكان المدنيين سوى القليل من الموارد المادية، ولذا اضطر معظم الأسر إلى إعادة تدوير نفاياتها.
وعلى الرغم من مضي وقت طويل على الحروب، يكسب جيل جديد رزقه من إعادة التدوير والتوعية بإعادة التدوير لحماية البيئة.
من هؤلاء بسمة، وهي ربة منزل في الثامنة والعشرين من عمرها. لم تدرس الفن أبداً، ولكنها راقبت كيف تعيد والدتها استخدام المواد المرمية. فسارت على خطاها وهي تجمع أي شيء تستطيع تزيينه. تقول بسمة: "عندما أنهيت عملي الأول، شعرت بأنني أستطيع فعل شيء مهم. وهذا يسعدني، ولدي الشجاعة لتعليم طفلي كيفية صناعة أشياء قبل رميها في القمامة".
على مدى سنوات، أصبحت النفايات، التي كانت تمثل مشكلة للمجتمع المصري المعاصر، محل تركيز العديد من المستثمرين الذين انتبهوا إلى الأهمية الاقتصادية والبيئية لإعادة التدوير وتحويل النفايات إلى مواد أولية تستخدم في صناعات عديدة، بل ويجري تصديرها أيضاً. ويقدر حجم النفايات في مصر بنحو 22 مليون طن سنوياً يجري تصريف أو إعادة تدوير أقل من 20 بالمئة منها بصورة ملائمة.
تنتج القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) والاسكندرية نصف إجمالي النفايات البلدية الصلبة في البلاد تقريباً.
تحمل نور عطية، 44 عاماً، إطاراً جدارياً صنعته من ورق أعيد تدويره. عملت في صغرها مع والدها، وهو جامع نفايات. وكانت واحدة من عدد كبير من عمال النظافة، أو "الزبّالين" باللهجة المصرية. تقول نور: "لم أواصل تعليمي لأنني اضطررت إلى مساعدة والدي. وأتمنى حالياً أن يذهب أطفالي إلى المدرسة. وذلك هو الفرق بين جيلين: نحن نفكر أكثر بمستقبل أبنائنا".
يفتقر معظم "الزبّالين" إلى الحصول على التعليم الرسمي. وحتى وقت قريب، لم تكن المدارس سمة لمستوطنات النفايات، وحتى الأطفال الصغار كانوا يعملون مع آبائهم إما في فرز النفايات أو في جمعها من الحاويات.
تاريخياً، كان الزبّالون مزارعين من أسيوط في صعيد مصر هاجروا إلى القاهرة في أربعينيات القرن العشرين هرباً من سوء المحاصيل. وطلب الواحية، وهم أناس قدموا من صحراء مصر الغربية، من "الزبّالين" الانضمام إليهم في تجارة جمع النفايات في القاهرة، ونجحوا في إيجاد فرصة لأنفسهم.
منذ أربعينيات القرن العشرين، ترعرعت مئات من النساء في مجتمع "الزبّالين" وساعدن عائلاتهن في جمع النفايات.
على مدى 20 عاماً، عملت جمعية حماية البيئة مع "زبّالي" مصر. وهم يديرون ورشات تدعم وتعلم النساء كيفية إعادة تدوير مختلف المواد.
تعمل هنية عبيد، 36 عاماً، في صناعة السجاد في جمعية حماية البيئة من خلال إعادة تدوير بقايا الأنسجة. وتقول: "عملت هنا عشرين عاماً وأتمنى أن أرتاح قليلاً لأن عملي صعب جداً. رغم ذلك، أنا أحب الجزء الذي أرتب فيه ألواناً مختلفة من الأنسجة".
لدى سنية ساليبس، 55 عاماً، أربعة أطفال. وعملت في إعادة التدوير أكثر من عشرين عاماً. تقول: "أصنع منتجات يدوية من مواد أعيد تدويرها. فمثلاً، استخدم أغطية المشروبات الغازية في صناعة أحزمة وحقائب".
اليوم، يعلّم المركز أكثر من 250 شابة كيفية فرز وتصميم وقص وحياكة وخياطة وكوي وإعادة تصنيع هذه الأنسجة على شكل لحف وأغطية أسرة وبسط وحقائب ومواد أخرى يمكن تسويقها. وبعد أن تنهي النساء عملهن في الورشة، يمكنهن العمل من المنزل.
بدأت أسماء فاروق مع زوجها أعمالاً عائلية في مجال إعادة التدوير داخل صالة جزازي. تقول أسماء: "عندما عمل زوجي محمد في مرسى علم، شاهد كماً هائلاً من نفايات القوارير الزجاجية. في تلك الفترة، أراد ترتيب ورشات للبدو، ولكنه لم يستطع. وفي بداية مشروعنا، ساورت عائلتنا مخاوف بشأن نجاحه لأننا تركنا وظائفنا. ولكن لدينا حالياً ثلاث ورشات كل منها يعمل بأسلوب مختلف".