الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تحقيق
السد الأبيض: حكاية طموحات مشاكل كبيرة

الزهراء جاد الله
أكمل السودان في 2017 مشروع سدي أعالي عطبرة وستيت، مما جعل البلاد أقرب إلى تحقيق هدفها بزيادة توليد الطاقة الكهرومائية من 1500 إلى 2000 ميغاوات بحلول 2020. تحكي سنوات التخطيط والبناء حكاية طموحات كبيرة ومشاكل كثيرة.
27.08.2021  |  الخرطوم، السودان
الطريق الذي يؤدي إلى كاراي، 21 فبراير 2013. اضطرت قرية كاراي إلى أن تفسح الطريق أمام سدي أعالي عطبرة وستيت. (الصورة: فليكر | مرثد صلاح الدين)
الطريق الذي يؤدي إلى كاراي، 21 فبراير 2013. اضطرت قرية كاراي إلى أن تفسح الطريق أمام سدي أعالي عطبرة وستيت. (الصورة: فليكر | مرثد صلاح الدين)

مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت سد مزدوج وبحيرة تخزين مشتركة. يهدف إلى تعزيز التنمية وتأمين إمدادات المياه. افتتحه الرئيس السابق عمر البشير في فبراير 2017، ليختتم عقوداً من المسح والتخطيط والبناء. بيد أن اكتماله كان إيذاناً ببدء مجموعة جديدة من التحديات في منطقة السد.

يقع المجمع عند نقطة التقاء نهري عطبرة وستيت شرق البلاد، على بعد 460 كيلومتراً من الخرطوم.

تعود فكرة إنشاء المجمع، الذي يقع في ولايتي كسلا والقضارف، إلى عام 1946، بعد سنوات قليلة من إنشاء سد خشم القربة (بعده بنحو 80 كيلومتراً)، المصمم لري مشروع حلفا الجديدة الزراعي. بقي المشروع طي النسيان لعقود حتى بدأت دراسات الجدوى في سبعينيات القرن العشرين واستكملت في الفترة 2007-2009.

بدأت أعمال البناء في عام 2011، بهدف تقليل الرواسب التي تؤثر على خشم القربة، وحل مشاكل المياه التاريخية في القضارف، وتعزيز التنمية في مجال إنتاج الأسماك والزراعة وتوليد الطاقة وغيرها.

ولكن عندما افتتح البشير المشروع رسمياً في عام 2017، لم يحتفل غالبية السكان لأن الآثار الجانبية للسد خففت من حماسهم الأولي.

 

الأثر البيئي

جاء في دراسة عن السد أعدها خريج جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا أبازار علي الذي قال: "من الواضح أن بناء سدّ على أي نهر سيخلف أثراً كبيراً على وادي النهر قبل السد، والذي سيُغمر عند ملء مستودع التخزين الجديد".

من الواضح أن بناء سدّ على أي نهر سيخلف أثراً كبيراً على وادي النهر."

وأضاف أن "ما هو أقل وضوحاً هو أن مجرى النهر بعد السد سيتضرر بشكل كبير أيضاً"، وإن تأثير السدود الكبيرة يتفاوت بتفاوت تصميمها، وتشكيلها الجيولوجي والمواد المستخدمة في بنائها، فضلاً عن "أنها تختلف من حيث تأثيرها على البيئة".

تذكر الدراسة عدة أثار محتملة للسدود على أحواضها، سواء قبل جسم السد أم بعده. فإضافة إلى غمر المنطقة بعد السد، فإن النظام البيئي لحوض النهر بعد السد يتأثر بتغير خصائص المياه وفقاً لتصميم السد وطرق التصريف. ولكنها تقول إن ثمة جهوداً تبذل لمعالجة هذه المسائل منذ الثمانينيات.

بالنسبة لمجمع سدي أعالي عطبرة وستيت، أجرت شركة سوغريا الفرنسية دراسة عن أثر السد لمصلحة وحدة تنفيذ السدود في السودان قبل البناء. تقدم الدراسة "خُطَّة عمل أولية لإعادة التوطين يتعين تفعيلها وتوضيحها بالتفصيل في مرحلة أخرى بعد إنجاز إحصاء رسمي للأشخاص والممتلكات التي ستتضرر، وحملة إعلام وتشاور مع السكان".

تبين الدراسة أن الإطار القانوني السوداني "يتضمن قانون صحة البيئة لعام 1975 الذي ينص على أحكام تفصيلية لحماية المياه والهواء من التلوث ويسند إلى مجالس الولايات مسؤوليات إدارية محددة في الحفاظ على البيئة عمومًا". ولكنه لا يتضمن فصلاً عن الأثر البيئي.

وبخصوص الأثر البيئي للسد، يقول محمد عبد الكريم، أحد سكان المنطقة وناشط في مجال الآثار المحلية للسد: "لقد أثر السد على المنطقة بأشكال عدة؛ حتى معايير ومقاييس السلامة لم تُتبع خلال بنائه".

وأشار عبد الكريم إلى حدوث تغيرات كالفيضانات، واختلافات في مدة هطول الأمطار وكمياتها، وزيادة الحشرات التي تهدد المحاصيل وبذلك تؤثر على الزراعة.

يقول البروفيسور حسين سليمان، وهو خبير بيئي شارك في دراسة التقييم البيئي التي أجرتها شركة سوغريا، إن منطقة حوض النهر بعد السد تحتوي على غطاء نباتي طبيعي متنوع لم تقض عليه الزراعة كما في أماكن أخرى في ولاية القضارف.

وقال أيضاً: "لم تشهد المنطقة نشاطاً زراعياً، وكان الرعي محدوداً مما يعني أن معظم تنوعها النباتي لم يمس - حيث لا تزال توجد بعض أنواع النباتات المنقرضة هناك. لقد ضاع كل ما هو تحت الماء الآن. وكان من المفيد حفظ بعض العينات على الأقل. وقد اقترحت أن تقوم السلطات بإنشاء حديقة اصطناعية والاحتفاظ بعينات من المنطقة لإنقاذها، لكنني لا أعتقد أنها فعلت ذلك".

وعن البيئة المائية، قال إنه لا بد أن يكون قد حدث تغير كبير: "لا يمكننا تأكيد ذلك على وجه اليقين، لكن أسماك المياه الضحلة لا يمكنها العيش. كما غير السد ظروف بعض الحيوانات البرية التي هجرت المنطقة. وأثر أيضاً على الأشجار المثمرة والحدائق والزراعة الموسمية التي غرقت بالكامل، وأثر على الناس في نواح كثيرة. كما تضرر الرعي نتيجة فقدان مراع طبيعية".

وقال سليمان: "لا أعتقد أن الحكومة اتبعت توصيات الدراسات التي أجرتها سوغريا أثناء بناء السد".

وسبق لوزير الصحة السابق أن صرح بأن الحمامات لم تكن مناسبة لأن عمق الحفر لا يتجاوز 160 سنتيمتراً. لكن وحدة تنفيذ السدود تجاهلت ذلك، مما أدى إلى مشكلات كارثية".

وقالت مناهل إدريس من المجلس الأعلى للبيئة بولاية القضارف: "يتخلص الناس عادة من نفايات حماماتهم كل ثلاثة أشهر في المزارع لأن القادة المحليون قالوا إن ذلك يساعد في تسميد التربة - وقد خلف ذلك المزيد من مشكلات التلوث".

وأضافت إدريس: "شكلنا لجنة لمعالجة هذه المشاكل وتقدمنا بشكوى إلى والي القضارف قبل نحو خمس سنوات. تسبب ذلك في خلاف وكتبت عنه الصحف، ولكن بعد مدّة وجيزة أوقف الأمن القومي العملية وطلب منا الكف عن متابعتها. وتعتزم سامية محمد، الأمين العام للمجلس في القضارف، مواصلة المعركة".

 

إعادة التوطين

بعد مرحلة الدراسة والتصميم في عام 2010، باشرت وحدة تنفيذ السدود إعادة توطين السكان الذين يعيشون بالقرب من موقع السد. كان لديها خُطَّة أولية لإعادة التوطين أعدتها شركة سوغريا عام 2009، وأوصت بوجوب اتباع سياسات البنك الدَّوْليّ قدر الإمكان في أعمال إعادة التوطين القسري، والسكان الأصليين والممتلكات الثقافية.

تشمل هذه السياسات مسائل بينها أهلية الحصول على إعانات وأدوات تخطيط إعادة التوطين القسري.

تقر خُطَّة إعادة التوطين المذكورة بآثار السد على المنطقة، مثل خسائر الأراضي السكنية، ومساحات القرى، والمباني، والبنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، والخدمات (الصحة، والمدارس، والأسواق)، فضلاً على خسارة الدخل الزراعي وغير الزراعي.

إضافة إلى ذلك، يؤثر موقع البناء والمخيمات أيضاً على المنطقة، مثلاً عبر زيادة حركة المرور، وتعطل الحياة الاجتماعية، وخسارة الإنتاج الزراعي نتيجة انتقال المزارعين وعائلاتهم، وخسارة الإنتاج السمكي، وتغييرات في وسائل النقل العام.

تقول الدراسة: "في هذه المرحلة من خُطَّة العمل الأولية لإعادة التوطين، بُذلت جهود لتقليص تهجير السكان وإفراغ القرى، ولإعادة التوطين بالقرب من القرى الحالية، وتقليص حيازة الأراضي اللازمة في الأراضي الزراعية البعلية الفعلية، مع إعطاء الأولوية لإعادة توطين سكان القرى في الأراضي البور وسهول السافانا غير المتضررة في جوار الأراضي الزراعية البعلية في القرى".

طُلب من عضو في الإدارة السابقة لوحدة تنفيذ السدود تقديم تفاصيل عن عملية النقل والتعويض والتعليق عليها، لكنه رفض.

كما غمر السد مواقع تاريخية عدّة كان يمكن إنقاذها، بموجب ترتيب بين وحدة تنفيذ السدود ومتحف السودان القومي من عام 2013.

 

The White Dam: a tale of big ambitions and big problems

السد الأبيض

قال عبد الرحمن عوض السيد، أحد السكان المعاد توطينهم: "يطلقون على مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت اسم "السد الأبيض" لأنه لم يشهد أي صراعات أو احتجاجات من السكان المحليين عند بنائه، على عكس السدود الأخرى في البلاد".

يطلقون على مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت اسم "السد الأبيض."

أنشئ نحو 13 بلدة جديدة؛ ثمانية مجمعات في القضارف وثلاثة في كسلا. عندما جاء المسؤولون، رحب السكان المحليون بالمزايا الإجمالية للسد. لقد استوطنوا المنطقة منذ مئات السنين وكان لديهم منازل ومزارع ومواشٍ وخدمات.

لدى عوض السيد، مثل مواطنين كثر، شكاوى بشأن إعادة التوطين، تفيد بأن السلطات خدعتهم بالانتقال دون تقديم بدائل. يقول: "بناء السد أخرج الناس من منازلهم ومن حياتهم، وتغيرت جغرافية المنطقة برمتها. نُقل الناس إلى المجمعات الجديدة وراحوا ينتظرون الخدمات، والمنازل والمرافق جيدة الإنشاء التي وعدوا بها؛ لقد توقعوا وجود شبكات ماء وكهرباء وبنية تحتية لائقة وخدمات أساسية أخرى. وبدلاً من ذلك، صدمتهم رداءة المباني والنقص في كل شيء تقريباً".

وأوضح عوض أن المنزل العادي يفترض، وفق الموازنة المعتمدة، أن يكلف أكثر من 200,000 جنيه سوداني (نحو 3,000 يورو). "ولكن عندما انتقلنا إلى هنا في عام 2012، وجدنا أن أياً من المنازل لم يكلف حتما أكثر من 20,000 – 30,000 جنيه. وكانت جودتها سيئة جداً. وكانت شركات إعادة التوطين فاسدة للغاية".

وأيضاً في إطار إعادة التوطين، وُعدت كل أسرة بمشروع صغير لمساعدتها في كسب العيش. يقول عوض: "تضمنت الخطط تقديم آلات ومعدات زراعية، ولكن لم يستلم أحد شيئاً".

أعرب مواطنون كثر من 11 مجمع سكني جديد عن شكاويهم. فالمجمعات تفتقر إلى الموظفين والمرافق كالمدارس والمراكز الصحية. ثم أن بعض المباني تحتاج إلى إصلاح.

بناء السد أخرج الناس من منازلهم ومن حياتهم."

في المجمع العاشر، الذي يقطنه 4,500 أسرة، لا يوجد مثلاً سوى مركز صحي واحد. ورغم وجود ثلاث مدارس ابتدائية ومدرستين ثانويتين، لا يوجد طاقم لتدريس القسم العلمي. ويقول الأهالي إن الفصول مكتظة، وتعاني من نقص في الكتب والمواد الضرورية الأخرى.

يقول مروان عبد الله، أحد أطباء المركز الصحي في البلدة، إن المركز يفتقر إلى الأسرة والأجهزة الطبية. "نعاني من نقص شديد في الموظفين، ومشكلتنا الأكبر هي المياه، وهذه مشكلة عامة في المنطقة. لدينا طبيبان عامان وأربع ممرضات وطبيب نسائية.

"أنا طبيب عام وأفحص جميع المرضى. أما الذين يحتاجون إلى اختصاصي، فيجب نقلهم إلى مستشفيات أكثر تجهيزاً، لكن لا توجد سيارة إسعاف أو سيارة عادية. لدينا معدات للأشعة وطب الأسنان، لكننا لا نستخدمها لعدم وجود أخصائيين. ولا يوجد في المختبر سوى المعدات الأساسية. وهناك صيدلية مع مساعد، لكن الإمدادات عادة لا تدوم أكثر من أسبوع".

يفتقر بعض السكان أيضاً إلى الكهرباء، ولا تتوفر مياه نظيفة في معظمها. وثمة خلل في خط الأنابيب ويحتاج إلى إصلاحات. وقال مهندس من شركة المياه: "كل خريف يشرب الناس مباشرة من البحيرة أو من مصادر المياه الضحلة الأخرى ويواجهون مضاعفات صحية كارثية وأمراضاً تنقلها المياه".

لم يجر إعادة توطين بعض الأشخاص حتى الآن، وهم يعانون أيضاً. ويقول سكان الحي الشرقي إن المياه تغمر منازلهم كل خريف.

 تقول عائشة عوض إحدى سكان الحي: "نعاني من الفيضانات وسوء الوضع البيئي، ويموت الكثير من أطفالنا غرقاً أثناء موسم الأمطار، وتُسبِّب الحشرات أمراضاً عديدة. يجب نقلنا كغيرنا. لقد جعل السد حياة النساء والأمهات صعبة للغاية".

قال علي آدم، الذي يقيم في الحي الشرقي ولديه إعاقة، إن المياه تصل إلى باب منزله في موسم الأمطار. "أطفالي معرضون باستمرار لخطر الغرق. والأمور صعبة لي بوصفي معوقاً. عندما بدأوا بإعادة توطين الناس، ذهبت إلى السلطات لمناقشة تعويضي عن الأرض المفقودة. وفي كل مرة أذهب، يقولون لي أن أنتظر".

وآدم ليس وحده. فجميع الأراضي التي شُيدت عليها البلدات الإحدى عشر الجديدة يملكها أشخاص يطالبون ببديل عنها أو بتعويضات أو حلول منصفة.

 تنصح سياسة البنك الدَّوْليّ بشأن إعادة التوطين بضرورة إبلاغ الأشخاص المهجرين بحقوقهم وخياراتهم الممكنة. ويجب منحهم خيارات وتوفير بدائل مجدية فنياً واقتصادياً لإعادة توطينهم.

إلا أن عبد الكريم يقول لقد استُبعد المواطنون إلى حد بعيد من عملية صنع القرار: "استخدمت السلطات سكان المنطقة لتحقيق أجندتها، مستغلة قلة وعيهم. كما استغلت الزعماء المحليين الذين كانوا في الغالب موالين للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني."

لقد أجريت عملية إحصاء للمواطنين وممتلكاتهم قبل إعادة التوطين، ولكن يعُتقد بأنها عانت من بعض العيوب. يقول عبد الكريم: "القادة المحليون - وهم من حزب المؤتمر الوطني – هم الذين اختار الأشخاص. كانوا منحازين جداً وتحكموا في القوائم والتعويضات".

قامت وحدة تنفيذ السدود بمعظم أعمالها في الخفاء. حتى إن عملية تقديم عروض تتعلق بتصاريح البنية التحتية لم تكن شفافة.

"ما حدث لم يكن إنسانياً، وحصل ظلم كبير. إننا نطالب بإجراء تحقيق ومساءلة الحكومة والشركات المعنية (11 شركة) التي نفذت المشروع في غياب المنافسة أو التشاور مع السكان، وبمباركة الحكومة".

في غياب أي رد من السلطات، شكل المواطنون تجمع مهجري سدي عطبرة وستيت. وفي عام 2015، شكل التجمع مع مهجري سد مروي وبالتعاون مع اللجنة الشبابية لمناهضة سد كجبار نقابة ومبادرة تحت اسم "هذه الأرض لنا". وعملت النقابة والمبادرة على توحيد الجهود ووضع مسودة للحق في تحقيق علني.

ما حدث لم يكن إنسانياً."

وأطلق التجمع حملات توعية، وأجرى دراسات، وكتب مقالات عن المناطق المتضررة من السدود. بعد الثورة قرروا توسيع التحالف، وبات الآن يضم أكثر من 48 هيئة مناصرة.

هناك أمانات مختلفة داخل التحالف تعالج مسائل تتجاوز مشاكل السدود، كالاستيلاء على الأراضي، والقضايا البيئية المتعلقة بالتعدين والمسائل المتعلقة بالنزاعات الحدودية.

يقول عبد الكريم: "نعتقد أن الحل لجميع المشاكل في السودان هو حكومة مدنية عادلة تحقق التنمية المستدامة وتستثمر في الموارد البشرية".

 

الأثر الاقتصادي

تذكر دراسة سوريا أن سياسات البنك الدَّوْليّ لا تنصح بإعادة التوطين القسري ما لم يكن ضرورياً، وترى أنها ينبغي أن تأخذ شكل برامج للتنمية المستدامة مع موارد استثمارية كافية. ولا شك أن المشروع تلقى أموالاً، لكن النشطاء والسكان المحليين يسألون ماذا حل بها. ويتساءل عوض السيد: "أين ذهبت هذه الأموال؟"

تنص خطة إعادة التوطين الأولية على "ضرورة مساعدة المهجرين في تحسين أحوالهم المعيشية ومستويات معيشتهم أو استعادتها على الأقل".

نعتقد أن الحل لجميع المشاكل في السودان هو حكومة مدنية عادلة تحقق التنمية المستدامة وتستثمر في الموارد البشرية."

لكن عوض السيد قال إن السكان المحليين يعتمدون على أقاربهم في المدن للحصول على الدعم بعد أن فقدوا استقرارهم المالي.

يقول المدرس مرتضى أحمد إن العبّارة كانت جزءاً من خطط النقل بعد بناء السدود. بيد أن مسؤولي حزب المؤتمر الوطني استولوا عليها، وحملوا الناس مبالغ مالية غير معقولة لقاء استخدامها وعبور النهر مع محاصيلهم.

 دفع ذلك الكثير من الناس إلى التوقف عن زراعة المحاصيل وترك أراضيهم. "قبل نقل القرى، كان لدينا أسواق. والآن لا يوجد لدينا سوق رسمي، لكن الناس أنشؤوا سوقاً محلياً بأنفسهم، ومع ذلك لا تزال السلطات تأخذ منهم الضرائب والرسوم".

وقال المدرس عبد الرحمن فقي إن سلطات إعادة التوطين سألت الناس عن مصادر دخلهم ووظائفهم ومنازلهم، التي كان يفترض الاستعاضة عنها لاحقاً. وأضاف أن السلطات لم تعوض الأشخاص إلا بشهادات الزواج، بغض النظر عما كانوا يملكونه قبل إعادة توطينهم: "لقد خدعوا الناس".

"الأراضي التي تُقام فيها مشروعات الإسكان ملك لأشخاص آخرين. لدي مستندات قانونية بقطعتي أرض. ذهبنا إلى المحكمة وحصلنا على أوامر باستعادة ممتلكاتنا التي احتلها فاسدون موالون للنظام السابق. انقضت أربع سنوات ولم نتمكن من تنفيذ تلك الأوامر. لقد فقد زهاء 700 عائلة في الحي الشرقي حقوقها. وهي تواجه مستقبلاً غامضا".

يقول موسى تيم موسى، أحد سكان الحي الشرقي أيضاً، إن السلطات أيضاً اضطهدت الذين حاولوا التعبير عن رأيهم جهاراً: "عندما حدث التهجير، جاؤوا مع قوات الأمن، واعتقلوا كل من تذمر من بيننا. وعندما ذهبنا إلى مزارعنا، قابلونا بعدائية وطردونا. إننا نلوم لجنتنا المحلية التي خدعتنا. أنا متزوج ولم أحصل على تعويض، بينما حصل أطفالهم الذين لا تتجاوز أعمارهم ستة أعوام على منازل. نطالب بمحاسبة اللجنة، ويمكننا إثبات ذلك". وأضاف أن المحاباة من قبل القادة المحليين هي سبب خسارتهم.

 

الإدارة الجديدة

بعد الثورة، تغيرت إدارة وحدة تنفيذ السدود. وتحدث المهندس أحمد صديق إلى النيلان في أبريل 2020 بعد مدّة وجيزة من تعيينه مديراً جديداً للسدود والخزانات في الوحدة.

وأوضح أن معظم المعلومات عن إعادة التوطين تعود إلى لجنة إعادة التوطين، مضيفاً أنه لا يمكنه التعليق على المشروعات السابقة لأنه جديد في منصبه.

وعن المشاكل البيئية والمخاطر الصحية على حياة السكان، وموقع مشروع الإسكان والطبيعة الزراعية للأراضي التي أعيد توطينهم فيها، يقول صديق إنه تجرى لكل خزان دراسات مسبقة تحدد منطقة إعادة التوطين.

وقال: "عندما أنشئ مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت، لم يتبع الناس التعليمات ولم يلتزموا بها".

 

الدروس المستفادة

يقول آدم بابكر، وهو أستاذ في جامعة القضارف شارك في دراسة الأثر الاجتماعي، إنه كان بالإمكان تفادي مشاكل السد لو التزموا بتوصيات دراسات شركة سوغريا.

وقال: "يبدو أن الوحدة أجرت الدراسات لتتمكن من الحصول على الأموال فقط"، وأن المجتمع الذي فقد مزارعه وسبل عيشه كان يجب أن يعوض على نحو أوفى.

إنها قضية سياسية."

وأضاف: "كان من الممكن أيضاً تجنب المشاكل الصحية الناجمة عن دورات المياه في موسم الأمطار عن طريق بناء المنازل وفقاً لمعايير جيدة. لقد عرفت السلطات أن سكان المنطقة بسطاء ومسالمون، لذا أساءت معاملتهم. إنها قضية سياسية".

وإلى جانب الخسائر والظلم بحق السكان، فإن بعض قضاياهم الحالية ملحة. يقول آدم: "يعاني السكان في جميع البلدات الإحدى عشر حالياً من نقص المياه حيث تعتمد محطات المياه على الكهرباء والبنزين. فلماذا لم يستخدموا الكهرباء التي ينتجها السد لحل مشاكل المياه".

وأضاف أنه يتعين على السلطات أن تتحرك لمنع اشتباكات محتملة بين سكان من خلفيات مختلفة يكافحون من أجل البقاء بموارد محدودة.

وعلى الرغم من مواصلة الكثيرين المطالبة بالعدالة، فإنهم لم يتلقوا رداً واضحاً من الحكومة الجديدة.

[أُعدت هذه الدراسة بمنحة إضافية من "IHE Delft و InfoNile"، هولندا]
هذا التقرير يقع ضمن ملف:
لا يسير القارب قدما إذا جذّف كل على هواه
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.