الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تعليق
التقرير حول السدود عن بعد

رحاب عبد المحسن
الكتابة عن السدود في حوض النيل مهمة صعبة، ولا سيما إذا لم يكن المرء قد شاهد أياً منها في حياته.
24.08.2021  |  القاهرة، مصر
مصور صحفي من مصر أمام سد سنار في السودان، 21 فبراير 2020.  (الصورة: © النيلان | دومنيك لينرت)
مصور صحفي من مصر أمام سد سنار في السودان، 21 فبراير 2020. (الصورة: © النيلان | دومنيك لينرت)

في ورشة تدريب عن السدود أقيمت في الخرطوم، السودان، سأل المدرب الصحفيين المشاركين إن سبق لهم أن زاروا سداً. والمدهش أن قلة فقط رفعوا أيديهم، مما جعلني أتساءل هل يمكن لصحفي أن يكتب عن السدود دون أن يرى أياً منها؟

طبعاً من الأفضل دائماً زيارة موقع السد، لكن الإجابة التي قفزت إلى ذهني كانت: نعم، يمكنك أن تكتب عن شيء لم تسبق لك زيارته، طالما أن الصحفيين الذين يغطون أخبار السدود يأخذون ما يكفي من الوقت للاطلاع على كيفية عملها، وأشكالها، وأنواعها المختلفة. ويسهل غوغل ويوتيوب والقنوات المشابهة إجراء مثل هذا البحث.

وهكذا أصبحت شخصياً الصحفية المسؤولة عن تغطية أخبار السدود، بدءاً من دراسة قضايا السدود في أفريقيا والشرق الأوسط.

لقد وجدت أن السدود أكثر من مجرد كتل خرسانية: إنها هياكل ذات تأثير معقد على النظام البيئي المحيط. تساعد السدود في تنظيم تدفق المياه، الوقاية من الفيضانات، الحفاظ على المحاصيل، وتخفف أيضاً من تدفق الرواسب. لكن إزالة الغطاء النباتي الطبيعي والتسرب من الخزانات أو السدود الجديدة قد يعني ارتفاع منسوب المياه الجوفية ويحمل معه الأملاح المخزنة إلى السطح فيضر المحاصيل.

تعلمت أن للسدود إيجابيات وسلبيات. فبينما تبنى بعض السدود الكبيرة لتخزين المياه لتلبية الاحتياجات الطارئة، فقد تكون المياه المفقودة بسبب التبخر أكثر من المتوقع. وبالمثل، إنتاج الطاقة الكهرومائية يعني توفير الكهرباء للمنازل، لكنه يعني أيضاً تدمير منازل أخرى إذ يجبر كثيرون على التخلي عن منازلهم بسبب مشروع السد.

إن حضور فعاليات متعلقة بهذا الموضوع واللقاء مع المختصين في إدارة المياه وخبراء السدود أمر حيوي لصحفية مثلي، لأنه يمكنني من الاستماع إليهم وهم يناقشون الموضوع، وطرح أسئلة عليهم، وهذا يساعدني في إعداد مقالة أرسلها إلى رئيس التحرير.

لكن ماذا لو أتيحت هذه الفرصة الذهبية وكان الصحفي غير مستعد لها؟ دعوني أخبركم بقصة: في عام 2018، حضرت أسبوع المياه العالمي في ستوكهولم، وكنت في قاعة الصحفيين عندما سمعت أن وزير المياه العراقي يشارك في الفعالية. أبلغت رئيس التحرير واتفقنا أن أجري معه مقابلة.

فجأة، رأيت الوزير يمر من أمامي. ذهبت إليه وطلبت منه إجراء مقابلة، فوافق. ولأني كنت مستعدة، تمكنت من طرح مشكلات محلية حقيقية كالسد الكهرمائي الضخم الذي بنته تركيا على نهر دجلة، ومخاطر نقص مياه النهر في العراق، إلى جانب تأثير ذلك على ملوحة التربة التي هي إحدى أهم المشكلات التي تواجه البلاد، مما يعرض الأمن الغذائي للخطر.

لذلك أصبح الاطلاع على جدول أعمال أي مؤتمر قبل حضوره، واختيار الجلسات المهمة وبعض المشاركين يتصدر قائمة مهامي قبل أي المؤتمر. أجمع معلومات عن المتحدثين والمنظمات عبر الإنترنت كي أعرف المزيد عن عملهم وأتعلم بعض المصطلحات المتعلقة بالسدود كالتخزين الميت، وطبقات المياه الجوفية، والتبخر والنتح، وغيرها.

أحاول دوماً أن أبقى على اطلاع على الموضوعات المتعلقة بالسدود، وخصوصاً سد النهضة الأثيوبي الكبير وقضايا النيل عموماً. وهذا يعني اتخاذ خطوات أخرى، مثل إعداد تنبيه غوغل بكلمات رئيسية ومتابعة كل الأطراف المعنية على وسائل التواصل الاجتماعي. تساعدني هذه الخطوات كثيراً في إيجاد أفكار للمواد التي أنوي عرضها على رئيس التحرير.

وطوال سنوات عملي صحفية متخصصة في السدود، تعلمت التركيز على الجوانب المتعلقة بالإنسان. وعند إجراء مقابلة أو كتابة مقالة، أركز دوماً على سؤال: ما تأثير موضوعي على البشر؟

أخيراً، لإقناع رئيس التحرير، علي أن أثبت له أن قصتي ستجذب القارئ، وتطرح مواضيع تهمه.

وبوصفي صحفية تعيش على ضفاف النيل، من الصعب مقاومة إغراء الكتابة عن النزاعات. وفي اللحظة التي تكتب فيها كصحفي عن "الحرب" أو "الدم" أو "موت النيل" تتصاعد النبضات، لكن يجب أن نتذكر أن تاريخ البشرية لم يشهد قط حرباً بين الدول بسبب المياه.

أحاول، في قصصي، الإجابة على أسئلة مثل: ما حلول هذه المشكلة؟ هل فاتني أو تجاهلت أي وجهة نظر؟ وإذا كانت القصة عن السدود المتتالية على نهر دولي، أحاول الحصول على وجهات نظر مختلفة من جميع البلدان المتشاطئة.

في عام 2013، كتبت قصتي الأولى عن السدود، وكانت مقالة طويلة ركزت على تشييد سد النهضة الأثيوبي الكبير وآثاره على مصر والسودان. قابلت خبيرين من مصر لكل منهما وجهة نظر علمية مختلفة، ورغم عدم تواصلي مع أي صحفيين أو خبراء أثيوبيين آنذاك، تمكنت من إيجاد اثنين على وسائل التواصل الاجتماعي، لكل منهما وجهة نظره الخاصة.

والعبر الرئيسة التي استخلصتها من تلك القصة: العمل الجماعي مهم جداً عند تغطية أحداث عابرة للحدود، وينبغي إعطاء الأولوية لصوت العلم دائماً.

أخيراً، قبل إرسال مادتي أتحقق من كل شيء فيها، من دقة المعلومات إلى أسماء المؤسسات والمصادر والأرقام. كما أحرص على إعطاء وجهات النظر المختلفة نفس المساحة والاهتمام. أعيد قراءة القصة لمعرفة إن كانت هناك مصطلحات بحاجة إلى توضيح أو أسئلة تحتاج إلى إجابة.

قد تكون تغطية موضوع المياه ضحلة تقتصر على إيراد بيانات صحفية معروفة عن طريق النسخ واللصق، وقد يجعلها اهتمام الصحفي بالتفاصيل أكثر عمقاً فيساهم في زيادة الوعي، بل أحياناً، يمكنه كذلك المساعدة على كشف الفساد .

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
لا يسير القارب قدما إذا جذّف كل على هواه
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.