الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

السينما في السُّودان - واقع أليم ماثل وأحلام بغد واعد

الزهراء جاد الله
واقع السينما السُّودانية الراهن، بكافّة اشكالاته، قلّص أحلام العاملين في القطاع السينمائي، لأقصى حد، لدرجة أنّهم يطالبون بإعادة دور العرض السينمائية فقط، كخطوة أولى في طريق طويل.
25.04.2024  |  الخرطوم، السودان
بقايا سينما الوطنية بحري، الواقعة في الخرطوم بحري، السودان، ثالث مارس، ٢٠١٣. (الصورة: محسن الفكي )
بقايا سينما الوطنية بحري، الواقعة في الخرطوم بحري، السودان، ثالث مارس، ٢٠١٣. (الصورة: محسن الفكي )

طيلة عقود طويلة، عاشت السينما في السُّودان فترة ركود طويلة. بيومنا الحاضر لا توجد دورعرض سينمائي بالبلاد، فقد توقفت هذه الدور منذ أوائل تعسينيات القرن الماضي.

بالرغم من عراقة التاريخ السينمائي ووجود إرث عظيم بالسابق، والذي ضاع في مهب رياح الإهمال والإتلاف، يمتلك السودان أرشيفا فقيرا وغير متاح.

ما يُثير الدهشة أنّ فترة الخمسينيات وحتى الثمانينيات كانت مختلفة تماما. وقتها كانت ثقافة المشاهدة السينمائية في أوجها كما أن صناعة الأفلام كانت تمضي بوتيرة نبأت بمستقبل مختلف عما آل إليه الحال.

الواقع الماثل يستحق البحث والاستقصاء. صار تاريخ السينما السودانية حكايات غابرة وتحولت دور العرض لخرائب وهياكل متهالكة.

حجر في بركة ساكنة

بهدف إثارة الأسئلة وتحريك راكد السكون، وعلى مدى يومين، أقامت جماعة الفيلم السُّوداني، ورشة تفاكرية بعنوان 'السينما والصحافة الثقافية’ يوم السبت ٢٣ يوليو\تموز ٢٠١٦، بمقرها في أمدرمان، شهدها حضور نوعي من السينمائيين والإعلاميين وغيرهم من المهتمين.

تمّ تقديم أوراق عمل من قبل السينمائي ابراهيم شداد، والصحفي الثقافي عيسى الحلو، والمحرر الثقافي عثمان شنقر. تلى ذلك عروض لأفلام ونقاش مفتوح شارك فيه الحضور بآراءهم ومقترحاتهم حول موضوع الورشة.

ابتدر شداد حديثه بتقديم نبذة عن تاريخ السينما قائلا: "في السودان بدأت السينما منذ الأربعينات، وقتها كان هناك ما يسمى بالسينما المتجولة؛ كانت فكرة بريطانية بتمويل من حكومتها بالسودان، والتي طافت حول السودان وقامت بعرض مجموعة متنوعة من الأفلام بمختلف المواضيع. تم انشاء ادارة الانتاج السينمائي في النصف الثاني من ١٩٤٩ والتي قامت بانتاج عدد من الأعمال الصغيرة".

تاريخ عريق مطموس

يوضح شدّاد ان عربات السينما المتجوِّلة تحولت لوسيلة نشر لرسائل الحكومات الوطنية لاحقا بعد الإستقلال، قبل اندثارها.

تطرق شدّاد الى بداية انتاج الفيلم السوداني مع مطلع الخمسينات، انشاء استوديو متكامل في فترة الستينات وتحدث عن ازدهار دور العرض في السبعينات والتي تم فيها انتاج اول فيلم روائي سوداني بعنوان "آمال وأحلام" والذي شكل بداية الأفلام الروائية بالسودان ومبادرة المانيا في تلك الفترة بتجديد الاجهزة وابتعاث فنيين للتدريب بالخارج وصولا الى تلاشي الاهتمام بالسينما في الثمانينات ونهايتها المأساوية لاحقا التي أدّت الى الوضع الحالي.

بينما تقوم الدول المتطورة بحفظ إرثها، قامت السلطات بإتلاف جزء كبير من الإرشيف السينمائي بعد نسخه“
إبراهيم شداد

في حديثه عن أرشيف السينما السودانية، أشار شداد للإهمال في عملية التوثيق للسينما والبحث عنها: "بينما تقوم الدول المتطورة بحفظ إرثها، قامت السلطات بإتلاف جزء كبير من الإرشيف السينمائي بعد نسخه".

وردت هذه المعلومة أيضا في ورقة بعنوان 'تجربة مؤسسة الدولة للسينما في مجال استيراد وتوزيع الأفلام' المقدمة في الورشة من طرف جماعة الفيلم السوداني، أن لجنة تصفية المؤسسة قامت بحرق الوثائق والتخلص منها بدلا عن إيداعها بدار الوثائق أو أرشيف وزارة الثقافة أو أيِّ جهة أخرى ذات صلة بالموضوع.

مأساة مسكوت عنها

في الأثناء تمَّ عرض فيلم وثائقي يوثق ما حدث في دور العرض بمدينتي عطبرة وشندي، بولاية نهر النيل. أولى المشاهد نقلت الواقع الأليم لدور العرض هذه، والتي تحولت لأطلال.

حالها حال كل دور السينما بالسودان، فمنها ما صار ملجأ للمشردين والمتسولين، ومنها ما تم تحويله لاستخدامات أخرى، والبعض تم هدمه بالكامل. فلم يبق منها أثر لما كان يوما. 

سرد الفيلم تفاصيل انتزاع السلطات السينما الوطنية بمدينة عطبرة من مالكيها بطريقة ماكرة، وكل تفاصيل كفاحهم لإبقاء ذلك الإرث وتلك العادة الثقافية متقِّدة، الى أن خسروا معركة غير متكافئة القوى.

تبقت لديهم فقط سينما شندي التي تدهور حالها بشكل كبير. بالرغم عن ذلك فانهم يقومون بعرض الأفلام باستمرار ولو لم يكن هنالك من يشاهده. هذا تقليد، كما أوضحت سيدة من العائلة المالكة للسينما، "لن أتخلى عنه حتى آخر أنفاسي".

دور العرض في أماكن أخرى، مثل السينما الوطنية بأمدرمان، التي لم تغتصب بشكل مباشر، تم مكافحتها تدريجيا بالدمغات والضرائب الجائرة التي لم تترك لأصحابها والقائمين عليها حلا غير إغلاقها، لتلاقي مصيرها من الإهمال والتكسير حتى صارت تاريخا يحكى، وتحولت بقاياها لوصمة عار في أرجاء السودان.

السينما والثقافة

في الورقة التي قدمها الأستاذ عيسى الحلو، شرح أهمية السينما كوسيلة للثقافة والتنوير وذلك لإحتضانها للعديد من الفنون حيث أنها تقوم بتوظيف الموسيقى والصورة والسرد.

السينما لديها سحر خاص عجيب يعتمد على 'الاستيهام' حيث ينفصل المشاهد عن الواقع غارقا في الأحداث المعروضة، لذلك بعد انتهاء مدته يكون دائخا بين عالمين.“ 
عيسى الحلو

يقول الحلو: "السينما لديها سحر خاص عجيب يعتمد على 'الاستيهام' حيث ينفصل المشاهد عن الواقع غارقا في الأحداث المعروضة، لذلك بعد انتهاء مدته يكون دائخا بين عالمين. ولقوة تأثيرها تعتبر وسيلة فعّالة في تغيير المفاهيم ونشر الوعي ومقاومة الجهل".

وشجب الحلو ما يحدث في الساحة من انتاج أفلام قائمة تماما على الترفيه مما يخدر المشاهد عن واقعه وهمومه بدلا من دفعه الى التفكير فيها ومحاولة حل المعضلات التي تواجهه، مشيرا إلى "أفلام الشباك" التي تهدف الى الربح فقط متجاهلة توجيه رسائل هادفة.

الصحافة في السينما

في سياق الحديث عن العلاقة الوثيقة بين الصحافة والسينما استشهد المحرر الثقافي عثمان شنقر باقتباسات من كتاب 'الصحافة في السينما' لسونيا ديان هرزبون: "هنالك صفة أساسية مشتركة بين السينما والصحافة، وهي الحكي والسرد مع اختلاف طريقته في كلا النوعين، إلا أن البحث عن الحقيقة يحرك الاثنين في اغلب الاحيان. وكلاهما أيضا يسمح بتوجيه وتطويع السياسة والرأي العام". كما أشار إلى ما يسمى ب 'الفيلم الصحفي'، الذي كانت بدايته فيلم 'المواطن كين' في أوائل الأربعينات.

واحدة من المشكلات العويصة التي لم نجد لها حلا حتى الآن هي فقر الصحافة الثقافية من أي مساهمات أو كتابات عن السينما عموما والسودانية خاصة"
عثمان شنقر

تحدث شنقر عن تجربته الصحافة الثقافية منذ منتصف التسعينات، مشيرا الى عدم وجود حراك ثقافي حينها مما حدا بالمهتمين بالأمر لمحاولة خلق أنشطة أقيم بعضها داخل مباني الصحف نفسها، من ندوات، نقاشات، قراءات لكتب وغيرها. 

ولم يخلُ ذلك من عقبات على حد قوله مثل "عدم تفهم ادارات التحرير لأهمية دور المحرر الثقافي، عدم دراية المحرر نفسه بواجبه المهني ومقاطعة معظم المبدعين للصحف في بداية التسعينات. لكن واحدة من المشكلات العويصة التي لم نجد لها حلا حتى الآن هي فقر الصحافة الثقافية من أي مساهمات أو كتابات عن السينما عموما والسودانية خاصة". 

واختتم حديثه بمقترحات للمساهمة في عودة السينما: "المطالبة بتخصيص مساحات للسينما في الصحافة، إنشاء مواقع إلكترونية متخصصة في الشأن السينمائي وإقامة الدورات التدريبية لتطوير مهارات الكتابة عن السينما باحتراف".

خطوات وئيدة لهدف سامي

كشفت جماعة الفيلم السوداني، والتي هي مبادرة من قبل سينمائيين أنشأت في أبريل ١٨٩٨، في مؤتمر صحفي تلى الورشة عن مشاريعها الراهنة والمستقبلية والتي تصب في عدد من المحاور الأساسية: إعادة ثقافة المشاهدة السينمائية عن طريق تقديم عروض منتظمة، الاحتفال بأحداث مثل 'أيام الفيلم الأفريقي' التي يتم فيها التعريف بالسينما الإفريقية وتقديم عروض عنها، الإنتاج السينمائي وصنع أفلام سودانية وإنشاء مركز للتدريب.

بالإضافة الى ذلك تعمل جماعة الفيلم السوداني على مشروع شبكة السينما المتجولة بالإشتراك مع النادي السوداني للسينما، فرقة كردفان للتنمية الثقافية-الأبيض وفرقة نسائم المسرحية-كسلا، بالتعاون مع بعثة الإتحاد الأوروبي في السودان.

تخطط كذلك الجماعة لإصدار أربع نسخ من مجلة 'سينما' تحمل نفس اسم مجلة كانت تصدر في السبعينات. من المتوقع صدور العدد الأول من المجلة في أغسطس، والذي سيكون عن المشاهدة السينمائية، أما العدد الثاني فيزمعون إصداره في الثاني عشر من أكتوبر، تزامنا مع الاحتفال بيوم السينما الإفريقية، بالإضافة الى نشر عدد من الكتب المختصة بهذا المجال. 

جيل محروم

لم يسبق لمعظم الشباب السوداني اليوم حضور عرض سينمائي بهذه البلاد، ولم يشاهدوا فيلما سودانيا مطلقا.

ظهرت في الأعوام السابقة بعض محاولات خجولة من مجموعات شبابية معظمهم هواة لم يدرسوا السينما أو صنع الأفلام والذين حاولوا تغيير هذا الواقع.

بعيدا عن تقييم المنتج الحالي فهي خطوات جيدة تبشر بمستقبل أقل ظلاما لو انها لقت حظها من التدريب الإحترافي والمنهجية.

عودة السينما اليوم مسئولية تقع على عاتقنا جميعا. فهي حق مشروع لكل مواطن بكل بلدان العالم، كثقافة تنويرية، عادة اجتماعية تحقق العديد من المنافع و فن لا يجب منع شخص من التمتع بجمالياته. 

جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.