الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

تجنيد الأطفال: باسم سيادة الدولة وكرامة الإنسان يتم اغتيال الطفولة

جمعة الفاضل
كدوقلي – تجنيد الأطفال ظاهرة معروفة ومنتشرة في إفريقيا يتم عرها انتهاك براءة الطفولة. وفي السودان، تبقى حقائق هذه الجرائم مجهولة، خصوصا أنها إذا تمت، تكون بسرية كاملة.
25.04.2024
لاجؤون في مخيم ييدا، 14 نوفمبر 2012.
لاجؤون في مخيم ييدا، 14 نوفمبر 2012.

لم تترك اتفاقية حقوق الطفل العالمية التي تحتوي على (54) مادة إضافة لبروتوكولين اختياريين، ووقعها قادة ورؤساء العالم عام 1989، أي مجالاً لأي انتهاك مهما صغر بحق من حقوق الطفل، وفصلت كافة الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في كل العالم دون تمييز بلون أو عرق أو مكان أو جنس.

وحسب تعريف المنظمة الدولية لحماية الطفولة اليونيسيف تعني هذه الحقوق حق الطفل في التطور والنمو، وحقه في الحماية من التأثيرات المضرة ومن سوء المعاملة والاستغلال، وحقه في المشاركة الكاملة في الأسرة والحياة الاجتماعية والثقافية.

”الجيش الشعبي لتحرير السودان سيكون خاليا من الأطفال بحلول نهاية العام الجاري [2010] لأن حرب الكرامة إنتهت وجاء وقت السلام“.
وليام دينق
ونادت المبادئ الأساسية للاتفاقية بتضافر الجهود العالمية من أجل المصلحة المثلى لأطفال العالم، ولخصتها في أربعة حقوق أساسية: الحق في الحياة، والحق في البقاء، والحق في النماء، وحق احترام رأى الطفل.

ونعلم أن العالم المتحضر قد حسم الحقوق الإنسانية وانتهى الأمر، بل وكتب المفكر فرانسيس فوكوياما نظريته ’نهاية التاريخ‘. ولكن يبدو أن فوكوياما نفسه سيفاجأ بفشل نظريته إذا ما تجول في هذه الناحية من العالم، ولربما اكتشف أن إخوة له يشاركونه في هذا العالم لم يبدأ التاريخ عندهم بعد.

ومن موزمبيق إلى سيراليون وافريقيا الوسطى مروراً ببورندي ورواندا وأوغندا، تتم عملية خطف الأطفال واستغلالهم بالزج بهم كجنود في الحروب. وذكرت ’منظمة حقوق الإنسان السويدية‘‪،‬ والتي تحظى بثقة النشطاء والعاملين في مجال وقف استخدام الأطفال كجنود، أن اكثر من 300 ألف طفل يقاتلون لحساب جيوش وطنية وجماعات ثورية في شتى أنحاء العالم، أغلبهم في افريقيا.

هذا بلا شك رقم مهول، ولا نعرف حتى الآن كم نصيب السودان من هذه الجريمة المتوحشة والعلنية في ذبح البراءة والطفولة.

ولكن وفي إقرار صريح ونادر إفريقياً، فقد سبق وأعلن الجيش الشعبي لتحرير السودان‪،‬ جيش جنوب السودان، تشكيل لجنة لإنهاء تجنيد الأطفال في عام 2010 وأعلن رسميا وقتها عن تسريح 22 ألف طفل من الذين تم استخدامهم كجنود في الجيش الشعبي وإدماجهم في الحياة المدنية.

وقال رئيس اللجنة حينها وليام دينق إن ”الجيش الشعبي لتحرير السودان سيكون خاليا من الأطفال بحلول نهاية العام الجاري [2010] لأن حرب الكرامة إنتهت وجاء وقت السلام“.

وتعهد وقتها رئيس أركان جيش جنوب السودان جيمس هوث خلال احتفال بإنشاء وحدة خاصة لحماية الطفولة، تعهد بإنهاء تجنيد الأطفال، بينما أعلنت وفي نفس التوقيت منظمة اليونيسيف بأن 900 طفل ما زالوا يستخدمون كجنود في الجيش الشعبي.

”إننا نحارب من اجل أطفالنا، من اجل ان ينعموا بالحرية في بلدهم، ومستقبلنا هو أولادنا، ولا يمكننا تجنيد أطفال من جديد لأننا لسنا في حرب“.
جيمس هوث

إذن وبالنتيجة فان الجيش الشعبي سبق وإستخدم الأطفال في حروبه من أجل الكرامة. هذا شيء يصعب فهمه، وقد قال لي ناشط يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية ساخراً : ”كيف تأتي الكرامة الإنسانية عن طريق ذبح الأطفال؟“

بلا شك أن هذا السؤال مشروع وبديهي ومحزن، ربما يكون هو السبب الذي جعل قائد الأركان جيمس هوث يقول في حديثه بنفس الاحتفالية: ”إننا نحارب من اجل أطفالنا، من اجل ان ينعموا بالحرية في بلدهم، ومستقبلنا هو أولادنا، ولا يمكننا تجنيد أطفال من جديد لأننا لسنا في حرب“.

والملاحظ في حديث الجنرال جيمس هوث انه وبرغم ما يحمله من فضيلة الاعتراف والإقرار بالخطأ والاعتذار عنه، فإنه ختم جملته بـ ”لا يمكننا تجنيد أطفال من جديد لأننا لسنا في حرب“.
 
إذن وقد إنطلقت الآن الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق والتي يقود جيش المقاومة فيها – عبد العزيز الحلو ومالك عقار – رفقاء جيمس هوث بالجيش الشعبي لتحرير السودان سابقاً قبل ان يتحولوا للجيش الشعبي – شمال بعد الانفصال، إذن هل تبرر الحرب لهم تجنيد الأطفال كما ذكر رفيقهم السابق؟ أم انها زلة من زلات اللسان التي يقع فيها القادة؟

عند زيارة مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة السيدة آن ريتشارد لمعسكر ‪’‬ييدا‘ للاجئين نهاية إكتوبر الماضي قالت انها دعت الجيش الشعبي لتحرير السودان - قطاع الشمال، إلى التوقف عن تجنيد مقاتلين من المعسكر الذي يعيش فيه حوالي 70 ألف لاجئ سوداني.

”طلبنا منهم ألا يستخدموا المعسكر‪،‬ والذي هو مركزاً للجوء والهروب من الحرب، كمركز للراحة والاسترخاء أو للتجنيد، وطلبنا منهم بشكل خاص ألا يأخذوا الأطفال للعمل كجنود على الجانب الآخر من الحدود.“
آن ريتشارد
وقالت السيدة ريتشارد في تصريحات صحفية: ”طلبنا منهم ألا يستخدموا المعسكر‪،‬ والذي هو مركزاً للجوء والهروب من الحرب، كمركز للراحة والاسترخاء أو للتجنيد، وطلبنا منهم بشكل خاص ألا يأخذوا الأطفال للعمل كجنود على الجانب الآخر من الحدود.“

والسؤال الذي يطرح نفسه ترى ما الذي جعل مسؤولة كبيرة بحجم آن ريتشارد في ان تطلب من الجيش الشعبي - قطاع الشمال عدم إستغلال المعسكر وتجنيد الأطفال لو لم تكن ترتكز على معلومات عن عمليات تجنيد للأطفال تجري بمعسكر ‪’‬ييدا‘ والذي يقع في ولاية الوحدة بجنوب السودان ويبعد حوالي 20 كيلومتر من ولاية جنوب كردفان‪،‬ حيث الحرب الدائرة بين الجيش السوداني الحكومي وقوات الجيش الشعبي .

المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بالشمال السيد ارنو نقوتو نفى الأمر قائلاً ان حركته ليس لها وجود بمعسكر اللاجئين، وصرح رسمياً بالقول: ”انحنا دايريين نأكد أن ما قالته المسؤولة الأمريكية ليس صحيحاً ولا يوجد أي دليل يثبت ان الجيش الشعبي يجند الأطفال.“

ونفى نقوتو أي مسؤولية لحركته بما يجري داخل المعسكر قائلاً: ”نحن موجودين في داخل جبال النوبة وموجودين في السودان وبالتالي نحن ما عندنا مسئوليه ولا عندنا أي إدارة للمعسكر“.

”انحنا دايريين نأكد أن ما قالته المسؤولة الأمريكية ليس صحيحاً ولا يوجد أي دليل يثبت ان الجيش الشعبي يجند الأطفال.“
ارنو نقوتو
حكومة الخرطوم بدورها لم تترك هذه الفرصة تمر دون أن تسجل هدفاً في مرمى غريمها اللدود، حيث ذكرت وقتها الأمينة العامة للمجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني قمر هباني لقناة ’الجزيرة‘ ان حالات اختطاف للأطفال تتم من قبل قوات الحركة الشعبية شمال، وأشارت إلى ارتفاع عدد الأطفال المخطوفين لأكثر من 900 طفل حتى الآن، وذهبت أكثر من ذلك قائلة: ”لدينا لائحة بأسماء الأطفال المختطفين“.

ولكن رمضان كوكو - ناشط من أبناء النوبة ويعمل في أحدى منظمات الإغاثة الإنسانية بالمعسكر – والذي تحدث إلينا في سياق آخر عن استغلال جنسي للفتيات بالمعسكر يتم بواسطة أفراد غير منظمين، نفى تماماً رؤيته أو سماعه لأي مظهر من مظاهر تجنيد الأطفال طوال فترة عمله وزياراته المتكررة للمعسكر، ولكنه قال: ”حتى لو وجد فان مثل هذه الأمور الخطيرة تتم بسرية تامة“، وصمت برهة ثم قال بعد تفكير: ”هذه ربما كذبة من الكذبات الكثيرة للمؤتمر الوطني الحاكم في الشمال“. وعندما ذكرت له بأن الأمر شهدت به مسؤولة أمريكية مرموقة أبدى تنازله واستغرابه قائلاً: ”الحرب ما مضمونة“.

”حتى لو وجد فان مثل هذه الأمور الخطيرة تتم بسرية تامة“ رمضان كوكوبينما أظهر رمضان تشككه في الأمر، قال ضابط في الجيش الشعبي شمال يعمل في إدارة الشؤون الإنسانية وفضل الإشارة إليه بالحروف الأولى من اسمه ’أ. ز.‘ إن الجيش الشعبي لا يفتقد للرجال حتى يلجأ للأطفال، واصفاً الأمر بخطة من حكومة الخرطوم لإحراج الحركة الشعبية أمام المجتمع الدولي.

وأضاف ’أ. ز.‘ أن حكومة الخرطوم تستغل الأطفال في الحرب والسلم قائلاً: ”حتى في انتخابات عمر البشير الأخيرة تم استخدام الأطفال للتصويت من أجل فوزه“.

واضاف هؤلاء حرقوا الأطفال في دارفور والآن بجبال النوبة، وتساءل هل من يحرق الأطفال يتورع عن تجنيدهم؟ واتهم ’أ. ز.‘ حكومة الخرطوم بتعذيب الأطفال مستدلاً بمقاطع نشرت على ’اليوتيوب‘ تظهر صبي صغير السن من جبال النوبة متهم بالتعاون مع الحركة الشعبية يجلس في عربة وسط جنود من الجيش الحكومي، يتبول على نفسه من الخوف وسط ضحك الجنود الحكوميين والسخرية منه ووصفهم له بالحيوان وبأوصاف عنصرية أخرى غير لائقة.

الفيديو على ’اليوتيوب‘ الذي أشار له الضابط آ.ز. على هذا الرابط. وقال موظف إغاثة غربي طلب عدم نشر اسمه يتعاون مع منظمات إغاثة كثيرة منها مجلس النرويج للاجئين – وهي وكالة إغاثة تعمل في مساعدة اللاجئين حول العالم طردتها الحكومة السودانية عام 2006 من العمل بشمال السودان وخاصة دارفور، إن أمر تجنيد الأطفال في إفريقيا موجود، وهناك أرقام وإحصائيات كثيرة ووثائق تثبت ذلك، ولكن الأمر في السودان يبدو معقداً أكثر، ”فلا أنكر عدم حدوثه، فالجيش الشعبي له تاريخ في تجنيد الأطفال، حدث ذلك هنا هنا في حروب سابقة، ولكنني لا أستطيع أن أقدم لك في هذا الوقت حيثيات كاملة للأمر نسبة لأن هناك مشكلة كبيرة تكمن في الوصول للحقيقة“.

وذكر أن حكومة الخرطوم لا تسمح بدخول منظمات الإغاثة، وحتى المنظمات التي تقبل العمل بشروط الحكومة من أجل إنقاذ حياة البشر، فإنها أيضاً لا تعطيها الإذن للوصول لمناطق الكوارث والمناطق المتأثرة بالنزوح لمساعدة المتأثرين.

وفي نفس الوقت يتم تبادل الاتهامات من الجانبين – الحكومة والحركة الشعبية – ويريد كل طرف من هذه المنظمات التي طردت أو منعت من الدخول أن تشهد له في اتهامه ضد الطرف الآخر، وأضاف ان الوصول لرقم محدد هنا أو هناك في الوقت الراهن يعد أمراً صعباً.

وحكى لي واقعة حدثت بين وزارة الخارجية السودانية وممثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة اليونيسيف بالخرطوم، وذلك عندما وقعت اليونيسيف اتفاقية مع حركة العدل والمساواة الدارفورية في مدينة جنيف بسويسرا عام ‪.‬2007

وتقضي الاتفاقية بحماية الأطفال في أماكن النزاعات وعدم استغلالهم أو تجنيدهم، وبدلاً من ان ترحب حكومة الخرطوم بهذه الخطوة المتقدمة في حماية الأطفال، استدعت وزارة الخارجية السودانية ممثل اليونيسيف المقيم بالخرطوم وهددته بالطرد وأبلغته احتجاج حكومة السودان الرسمي ورفضها للاتفاقية التي وقعت مع حركة العدل والمساواة. وكل هذا الأمر تم بدعوى سيادة الدولة ، لأن حكومة الخرطوم ترى أن حركة العدل والمساواة حركة متمردة يجب عدم التعامل معها ، وهكذا وجدت اليونيسيف نفسها في سعيها لحماية أطفال السودان من التجنيد القسري متهمة بإنتهاك السيادة وتهمة الاعتراف بحركة متمردة تعمل لزعزعة الدولة!

وقال ان منظمات الإغاثة يفترض بها أن تعنى بإنقاذ حياة الإنسان أياً كان وضع الإنسان ومكانه، ولا تعنى بمصطلح ’سيادة‘ الدول الفضفاض، والذي تأتي وتستغله نفس هذه الدول في قمعها لشعبها - على حد قوله.

هكذا إذن بين التذرع بسيادة الدولة من ناحية واتهامات من هناك ونكران من هنا، يبقى على أطفال السودان ألا يحلموا بعالم سعيد، وعلى الحالمين معرفة حقيقة الانتهاكات التي تتم للأطفال شمالاً وجنوباً، وعليهم الانتظار، إنتظار الكثير من الغموض والكثير من الضحايا، خاصة وأن تقارير المنظمات العاملة تؤكد بان النزوح والاحتياجات الإنسانية ستستمر في الزيادة بشكل كبير نتيجة لتضاءل فرص السلام في الوقت الحالي وعدم الاستقرار والصراعات الناتجة عنه.