الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

السودان ‪-‬ عندما تُعدِم السلطات صحيفة

شوقي عبد العظيم
الخرطوم ‪-‬ في هذا الحوار يعطي رئيس تحرير صحيفة ’التيار‘ الممنوعة من الصدور عثمان ميرغني تفاصيل حول وقف الصحيفة.
25.04.2024
‎صحيفة التيار في الخرطوم، والتي تم إغلاقها من طرف جهاز الأمن منذ ستة أشهر. تم التقاط الصورة في اليوم الواحد والثمانين من إغلاق الصحيفة.
‎صحيفة التيار في الخرطوم، والتي تم إغلاقها من طرف جهاز الأمن منذ ستة أشهر. تم التقاط الصورة في اليوم الواحد والثمانين من إغلاق الصحيفة.

في حواره مع’ النيلان‘ قال رئيس تحرير صحيفة ’التيار‘ الممنوعة من الصدور عثمان ميرغني أن قرار منع الصحيفة من الصدور أبلغ له عبر الهاتف ولم يتسلم ورقة مكتوبة حتى اليوم (25 نوفمبر) تفيد ذلك، بيد أن من تحدث إليه قال له أن قرار الإيقاف صادر عن جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

وقال ميرغني أنه سيناضل لعودة صحيفته بكل الوسائل وأشار إلى أنه في طريقه إلى المحكمة الدستورية لمقاضات جهاز الأمن الوطني.


عثمان ميرغيني رئيس تحرير صحيفة التيار.
© عباس عزت
وأوضح أن السفير الأمريكي بالسودان زار مقر الصحيفة معلنا تضامنه معهم، وفي ذات الوقت أشار إلى أن الصحف لم تسانده بالقدر المطلوب وأورد الأسباب التي دفعتهم لعدم التضامن معه.

وعن الخسارة التي تكبدها جراء إيقاف الصحيفة أوضح أنه لم يعد قادر حتى على شراء الكهرباء إلا ما هو ضروري.

وصحيفة التيار هي آخر صحيفة أوقفتها السلطات الأمنية السودانية من الصدور. ويبقى السؤال لماذا أوقفت الصحيفة من وجهة نظر رئيس تحريرها؟ و هل من الممكن أن تفرج السلطات عنها مرة أخرى؟ إلى تفاصيل الحوار.


س: كم مضى على قرار منع صحيفة التيار من الصدور؟

ج: كان القرار في يوم الأثنين 12 يونيو 2012 ، أي تكاد تبلغ ستة أشهر وهي متوقفة عن الصدور. ولكن من المهم أن نشير هنا إلا أن هذه ليست هي المرة الأولى، سبق وأن مُنعت من الصدور في منتصف فبراير الماضي إلا  أن الإيقاف لم يطول في تلك المرة وأطلق سراحها بعد أسبوعين.

س: ما هي السلطات التي أصدرة القرار وكيف تم تبليغكم إياه؟


ج: من المؤكد أن الجهة التي منعت الصحيفة من الصدور هي جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وأبلغوني ذلك عبر اتصال هاتفي، حضروا إلى مقر الصحيفة وكنت في الخارج واتصل على أحدهم وقال أنه من جهاز الأمن وحضر ليبلغنا أن قرارا صدر من الأمن الوطني بتعليق صدور الصحيفة إلى أجل غير مسمى.

س: ما هو سبب مصادرة الصحيفة حسب الجهة التي أصدرت القرار؟


ج: في الحقيقة لم يذكروا سبب فقط صدر القرار دون إنذار أو محاكمة وحتى اليوم لم يفصحوا عن السبب.

س: وما هو السبب في تقديرك كرئيس تحرير وناشر للصحيفة؟

ج: من الواضح بالنسبة لنا أن السياسة التحريرية هي السبب في مصادرة الصحيفة.

س: أشرح لنا أكثر ماذا تعني بالسياسة التحريرية؟

ج: الصحيفة مؤخرا إعتمدت سياسة  كشف الفساد في مؤسسات الدولة، وطرح القضايا التي تتعلق بحياة المواطن وهمومه. السلطات صبرت على هذه السياسة في أول الأمر، ولكن عدد من الصحف بدأت تقلد طريقة ’التيار‘ في كشف قضايا الفساد وتناول قضايا الشارع، لذا رأت من الأفضل إغلاق الصحيفة لإسكات صوتها وتخويف الآخرين، وقبل القرار كنا أثرنا قضية فساد وتجاوزات في المؤسسة الوطنية للأقطان وجدت صدى واسع من القراء.

س: هل إيقاف الصحيفة في المرة الإولى التي أشرت إليها وكان لمدة إسبوعين كان بسبب كشف فساد أيضاً؟


ج: كان بسبب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وكنا قد نشرنا مقالات لمدير جامعة الخرطوم السابق مصطفى إدريس يعلق فيها على حوار تلفزيوني مع الرئيس البشير تطرق فيه إلى ممتلكاته الخاصة الأمر الذي إعتبرته السلطات الأمنية إستهدافا للرئيس.

س: ما هي الخطوات التي قمتم بها لإستعادة الصحيفة وإستإناف صدورها؟

ج: أول الأمر بدأنا في الحوار مع السلطات ونافذين في الحزب والحكومة وحتى ذلك الوقت، كنا متأكدين من أن القرار تم بالخطأ وبمجرد الحوار يمكن أن يطلق سراح الصحيفة. ولكن مع مرور الوقت تأكد أن ظننا غير صحيح، لذا نحن اليوم سنتوجه إلى القضاء وتحديدا إلى المحكمة الدستورية وسنطالب بإعادتها للصدور وتعويضنا عن ما حدث.

س: حال لم ينصفكم القضاء أو لم يتفهم موقفكم؟

ج: لا أريد أن اكشف خطتنا في النضال لأجل إستعادة حقنا، ولكن رأينا أن نبدأ بالحوار والحوار لم يأت بفائدة. الآن سنتوجه للمحكمة الدستورية، وسننتقل للخطة س ، وستكون مدهشة للجميع.

س: أكشف لنا شيء من ملامح الخطة المدهشة؟

ج: لا ، لا أستطيع وستندهش أنت أيضاً في الأيام المقبلة.

س: كم عدد العاملين في الصحيفة لحظة توقيفها؟

ج: كان عددهم مائة ، صحفيين وإداريين على السواء.

س: هل تم تسريحهم جميعا اليوم؟

ج: نعم، عدا ثلاثة هم سكرتير التحرير ومدير التحرير ورئيس التحرير. وقرار التسريح كان قرارا صعباً، وبالذات الصحفيين فجميعهم تدرب على سياسة الصحيفة التحريرية وأتقنها، لذا خلال الأربعة أشهر الأولى درجنا على دفع الرواتب للصحفيين والعاملين كاملة، ثم لم تعد لدينا موارد. إجتمعنا بهم وأبلغناهم إلى أن الصحيفة مجبرة على التصفية واتصلنا بمكتب العمل وبحسب المادة (50) تم تسريح جميع العاملين ودفعنا لهم استحقاق التأمين الاجتماعي. جميع العاملين تفهموا الظرف حتى أن بعضهم تقدم باستقالته لتسريع الإجراءات وتعهد البعض بالعودة للصحيفة حال عاودة (التيار) الصدور.

س: ما هو حجم الخسارة جراء قرار منع التيار من الصدور؟

ج: أستطيع أن أقول لك أن الخسارة حتى اليوم تفوق الأربعة مليار جنيه، أي ما يعادل نصف مليون دولار تقريباً، والخسارة لا تزال مستمرة. علينا إلتزامات مادية شهرية ويومية ونحن ننتظر أن يصدر قرار يسمح لنا بالصدور مرة أخرى. والخسارة الكبرى تتعلق بالقراء الذين أرتبطوا بالتيار وهم على اتصال دائم يستفسرون عن موعد صدور الصحيفة.

س: هل هذه الخسارة المادية لها تأثير على حياة عثمان ميرغني الخاصة؟


ج: بكل تأكيد، لم نعد حتى قادرين على شراء كهرباء كافية ونستعمل ما هو ضروري، ومكيف الهواء الذي يعمل الآن سأطفئه بمجرد خروجك من مكتبي وقمت بتشغيله لاستقبلك في جو مهيء.

س: وماذا عن إنعكاسات الأزمة على الحياة الخاصة البيت والأولاد؟


ج: نعم، هي أيضا مؤثرة وبشكل كبير، ونعيش حالة تقشف شديدة، ولكن لا نشتكي من هذا التقشف، وهو جزء من نضالنا وكفاحنا من أجل الوطن ومن أجل حرية المهنة وحرية التعبير. حتى أطفالي ينظرون إلى الأمر من هذه الزاوية وأنا أناقشهم باستمرار في هذه المسألة حتى يتفهموا الأمر والآن هم متفهمين بأننا نصبر لأجل مصلحة وطن.

س: ماذا كان موقف الصحف الأخرى من توقيف الصحيفة؟ وهل تضامن رؤساء التحرير والناشرين معك؟


ج: في البداية كان هنالك تعاطف، ومع مرور الوقت إختلف الأمر وبات بعضهم يتحاشى التعامل معنا ومع أخبار ’التيار‘، عندما ندعوهم لمؤتمر صحفي أو نرسل لهم خبر عن الصحيفة بعض الصحف تتجاهله ولا تتعامل معه، حتى أن عدد من رؤساء التحرير قطع صلته بنا‪،‬ فهم لا يزورون مقر الصحيفة ولا يتحدثون معي عبر الهاتف. مؤكد لهم عذر في ذلك فهم يخافون من نفس مصير ’التيار‘، فيمكن لجهات الأمنية رصدهم ومعاقبتهم بإغلاق صحفهم أو مصادرتها أو حرمانهم من الإعلان ومضايقتهم بأساليب مختلفة.

س: ماذا عن اتحاد الصحفيين كجهة نقابية تدافع عن المهنة؟

ج: اتحاد الصحفيين اكتفى ببيان طالب خلاله السلطات بالسماح للصحيفة بالصدور، وقام بوقفة إحتجاجية لدى مجلس الصحافة، وكان من المتوقع أن يكون له دور أكبر.

س: هل وجد ميرغني أي دعم من منظمات الجمتمع المدني أو منظمات حقوقية من داخل أو خارج السودان؟


ج: إن كنت تعني بالدعم المناصرة فهنالك جهات كثيرة تهتم بحرية التعبير اتصلت على الصحيفة وحققت في توقف ’التيار‘ ومنعها من الصدور‪.‬ وكذلك الإعلام والخارجي ووكالات الأنباء ساهمت في تعريف العالم بما حدث‪.‬ ومن المؤكد من أصدر القرار أضر كثيرا بسمعة السودان‪.‬

اليوم السودان الدولة رقم (170) في حرية التعبير من بين (179) دولة حتى أن دولة جنوب السودان تحتل المرتبة (111) وهي في مرتبة متقدمة على السودان. إلا أن التضامن المباشر كان من السفير الأمريكي الذي زار مقر الصحيفة كشكل من أشكال التضامن والمناصرة‪.‬

س: هل لا يزال عثمان ميرغني يرى أن هنالك أمل في عودة التيار بعد ستة أشهر من مصادرتها؟

ج: أنا على يقين قاطع أن ’التيار‘ ستعود للصدور مرة أخرى، وهي مسألة وقت، وسأسعى في هذا الطريق إلى النهاية ولن أستسلم أبدا‪،‬ وأنا مستعد لدفع أي ثمن وأي فاتورة في سبيل إستعادة الصحيفة وإستعادة حقنا في التعبير، ولن أتوقف حتى أصاب بأذى مباشر: أن يصادر حقي الشخصي في الحرية بالسجن أو أذى جسماني يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة.