الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

بعد فك الارتباط مع الجنوب: البرلمان والبحث عن أدوار مفقودة

38 مقعدا من إجمالي 350، هذا كل ما يتبقى للمعارضة في برلمان الخرطوم الجديد بعد اسقاط عضوية نواب الجنوب. فهل يتحقق الكابوس الذي تنبأ به الكثير من المراقبين والنشطاء السياسيين – العودة لهيمنة الحزب الواحد المطلقة؟
25.04.2024

في إحدى مساءات الخرطوم الهادئة...كانت الصراحة المطلقة هي السمة التي طغت على تلك الجلسة المغلقة... الأنفاس تخرج ساخنة من الصدور... من يستمع إلى مستوى النقاش يجزم بأن من بين الحضور أعضاء من معارضة محنكة تبحث عن ثغرة لمحاكمة الحكومة... لكن خصوصية المكان تهزم تلك الفكرة، لأن المكان هنا هو المركز العام للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم... حيث مجموعة من أعضاء البرلمان اجتمعوا للتفاكر حول دور البرلمان كجهاز تشريعي ورقابي في المرحلة المقبلة.

الاجتماع – والذي اتيحت لنا الفرصة حصريا لحضوره ورصد مضامينه - كان أشبه بجلسة غير رسمية للمجلس الوطني، فقد خلف إسقاط عضوية نواب الجنوب ذلك الأخير بأغلبية ساحقة لنواب الحزب الحاكم (312 عضو من جملة 350 متبقين بعد فك الارتباط مع الجنوب.) ورغم أن النقاش في تلك الجلسة اشتمل على مواضيع عدة؛ إلا أن الدور المنتظر من النواب في البرلمان كان هو الأوفر حظا من التداول.

بعض المراقبون يرى أن البرلمان بشكله الحالي يعيد إلى الأذهان برلمان الإنقاذ في أيامه الأولى... فلا مجال لممارسة الرقابة ومحاسبة الجهاز التنفيذي للدولة؛ لجهة من يحاسب من؟ في ظل أغلبية ميكانيكية مطلقة يتمتع بها حزب واحد، وهو ذاته يتربع في مفاصل الجهاز التنفيذي للدولة.

النائبة الوحيدة المتبقية للمعارضة داخل البرلمان من حزب المؤتمر الشعبي الأستاذة هويدا تبدي قدراً من التشاؤم فيمل يتعلق بدور البرلمان في الفترة المقبلة، إذ تقول في حديث لـ"الأخبار": "إن المجلس سيكون برلمان الحزب الواحد، وأي تعديلات دستورية أو قانونية سيقوم بها المؤتمر الوطني لوحده، ونحن رأينا سيمثل قلة لا تؤثر في ظل غلبة واضحة للوطني." وهنا ترى هويدا أن المتضرر الوحيد هو المواطن؛ بالإضافة إلى ذلك فإن الفترة ستشهد انعدام للحريات والأصوات المخالفة. وأضافت هويدا: "حتى خطاب الرئيس الأخير أغفل موضوع الحريات لذلك لا شخص يمكنه الحديث بحرية."

غير أن المتابع لمداولات أعضاء البرلمان عن المؤتمر الوطني في الاجتماع المغلق المشار إليه آنفا، يجد لدى الحزب الحاكم رغبة واضحة في استباق مثل هذه الاتهامات وإعطاء صورة عن البرلمان وكأنه يقوم بدوره بحرية وشفافية، ويمارس مهمته بنزاهة وقدر من المسئولية، لا سيما في كلمة رئيس البرلمان الأستاذ احمد إبراهيم الطاهر في الاجتماع ذاته إذ يقول الرجل: إن المرحلة الجديدة مختلفة، والمعارضة غير متوفرة، لذلك مطلوب منا القيام بدور الحكومة والمعارضة على حد سواء، ويفصّل أكثر: "القيام بدور الحكومة يكمن في أننا جئنا إلى الحكم بانتخابات، والقيام بدور المعارضة يكمن في التبصير على كل المشاكل، والمحاولة بأن نكون عيناً نافذة ولا نجامل فيما نراه خطأ؛ لأن أي أخطاء أو فشل سنكون مسؤولين عنها." ويستطرد الطاهر فيقول هذه المسألة عسيرة بالنسبة لنا؛ وفيها مهددات كبيرة، من ضمنها أن نوجه سهامنا على بعضنا البعض، ونختلف في مكاسب الدنيا ومصالحها، لكنه يستدرك: "لكن يجب أن نكون على أعلى مستوى في الترفع عن الصغائر ونعطي أنفسنا قدوة حسنة، ولابد أن نفتح النوافذ لغيرنا من الملل حتى نكون سندا في مشروع بناء السودان."

لمزيد من المعلومات إقرأ : مؤشرات انشقاق في الحزب الحاكم قد تفقد الطاهر منصبه

لاشك في ان مثل هذه التصريحات بالنسبة للكثيرين، لا سيما المعارضة، لا تتعدى كونها وعود فارغة. إلا أن هناك ثمة بوادر إيجابية تتمثل في انشقاقات داخل الحزب الحاكم. لا عجب إذن أن اجتماع ممثلي الحزب في البرلمان شهد بلبلة واضحة في الصفوف ومواجهات عنيفة بين معسكرات مختلفة. منها معسكر يسعى، حسب مصادر برلمانية تحدثت لـ"الأخبار"، إلى تشكيل آلية في مواجهة الجهاز التنفيذي من خلال تشديد الرقابة عليه، إلى حد يصل إلى استجواب الوزراء وإقالتهم حال عدم اضطلاعهم بواجباتهم الموكلة إليهم. ليس هذا هو البرلمان الكابوسي الذي ينبئنا به قادة المعارضة والذي لا يتعدى كونه الذراع المطولة للحكومة، فيمرر توصياتها دون أن يرتعش له جفن. لكنه في الوقت ذاته يبعد بالطبع كل البعد عن التخيل المثالي لبرلمان مستقل، تتمثل فيه كافة التيارات ذات شعبية، ويقف الند للند للحكومة اذا ما تطلبت الأوضاع ذلك.