الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

حكومة جنوب السودان تطرد محققة أممية

أتيم سايمون مبيور
جوبا - قامت حكومة جنوب السودان بطرد محققة أممية. تقول الحكومة أن تقارير المحققة كانت ”لا اخلاقية“.
25.04.2024
المحققة الاممية نشرت تقارير ”لا اخلاقية“ و”ليس فيها ادنى قدر من الحقيقة“، يقول وزير الاعلام جنوب السوداني بنجامين ماريال.
المحققة الاممية نشرت تقارير ”لا اخلاقية“ و”ليس فيها ادنى قدر من الحقيقة“، يقول وزير الاعلام جنوب السوداني بنجامين ماريال.

في تطور جديد ولافت‪،‬ حملت وسائل الاعلام العالمية صبيحة الرابع من نوفمبر الجاري خبرا يفيد بإقدام سلطات حكومة جنوب السودان على طرد المحققة الاممية ساندرا بيداس، التي كانت تتولى التحقيق في اوضاع حقوق الانسان بجنوب السودان.

وكانت بعثة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في جنوب السودان قد اتهمت في بيان لها اغسطس الماضي جيش جنوب السودان بارتكاب اعمال تعذيب واغتصاب في ولاية جونقلي، التي تشهد منذ مطلع العام عمليات نزع الاسلحة من سكانها.

واضاف البيان أنه ”بين 15 يوليو و20 اغسطس اشارت فرق المراقبة في البعثة الى انتهاكات مفترضة لحقوق الانسان لاسيما عمليات قتل و27 تهمة بالتعذيب او سوء المعاملة مثل الضرب المبرح والايهام بالغرق و12 حالة اغتصاب وست محاولات اغتصاب وثماني عمليات خطف“.

المحققة الأممية نشرت تقارير ”لا اخلاقية“ و”ليس فيها أدنى قدر من الحقيقة“
برنابا مريال بنجامين

ويضيف البيان ان ”معظم الضحايا من النساء وفي بعض الحالات من الاطفال“. وشهدت حملة اعادة السلام لجونقلي جمع أكثر من 30 ألف قطعة سلاح مختلفة الأنواع.
 
وردّت حكومة جنوب السودان علي البيان لحظة صدوره بالتقليل من حجم هذه الانتهاكات قائلة انها حالات منعزلة. وكان المسؤول العسكري عن الحملة الجنرال كوال ديم قد قال في تصريحات صحفية في اكتوبر الماضي إن بعض المنظمات الحقوقية تجري تحقيقاتها دون الاضطلاع على وجهات نظرهم حيال الاتهامات التي توجه لهم، مشيرا إلى أنهم قد أخضعوا عددا من الجنود لمحاكمات عسكرية.

واوضح المتحدث باسم الحكومة الدكتور برنابا مريال بنجامين في تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية المبررات التي قادت الى طرد المحققة بالقول إن المحققة الاممية نشرت تقارير ”لا اخلاقية“ و”ليس فيها ادنى قدر من الحقيقة“.

”هذا الأمر ينتهك الالتزامات القانونية لحكومة جمهورية جنوب السودان"
هيلدا جونسون
واعتبرت هيلدا جونسون، الممثلة الخاصة للامم المتحدة في جنوب السودان، ان ”هذا الامر ينتهك الالتزامات القانونية لحكومة جمهورية جنوب السودان"، موضحة انها طلبت تفسيرات من السلطات“، مؤكدة ان ”المراقبة والتحقيق ورفع تقارير عن وضع حقوق الانسان ، هي من ضمن العناصر الاساسية للتفويض المعطى لبعثة الامم المتحدة في جنوب السودان والتي ينبغي حمايتها“.

وكانت أونميس قد تلقت رسالة رسمية من حكومة جنوب السودان تطلب فيها مغادرة أحد العاملين في البعثة الأممية خلال 48 ساعة.

يذكر أن الموظفة الأممية كان قد تم نقلها إلى مركز الأمم المتحدة في عنتيبي بأوغندا، انتظارا لاتخاذ قرار بشأن بقائها في البعثة الأممية بجنوب السودان من عدمه.

وفي الشهر الماضي كانت منظمة العفو الدولية قد نشرت تقريرا يتهم القوات الامنية في جنوب السودان بارتكاب افعال عنف ”مروعة“ وعلى نطاق واسع ضد مدنيين من بينها أعمال قتل واغتصاب.

كما إنتقدت المنظمة عدم رد حكومة جنوب السودان على إنتهاكات مروعة لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات الأمن التي تقوم بحملة لنزع الأسلحة في ولاية جونقلي.

وفي نفس الفترة نددت منظمة هيومن رايتس ووتش بضرب وتعذيب وإطلاق رصاص على المدنيين، لحملهم على تقديم معلومات حول أماكن الأسلحة.

واعتبرت السلطات الرسمية بجنوب السودان ان المحققة المبعدة تعد اول شخص يعلن على انه غير مرغوب فيه في قضية حقوق انسان بالدولة المستقلة حديثا، مما يخلق نوعا من المواجهة مع المنظمة الدولية التي تقوم بتقديم العديد من الاعمال الانسانية علي امتداد البلاد.

من جانبها ذكرت البعثة الاممية بجنوب السودان في بيان أصدرته في الخامس من شهر نوفمبر الجاري أنها اجتمعت بالرئيس سلفاكير لمناقشة هذه المسألة، لكن لم يتم سحب طلب المغادرة، مؤكدة أن حقوق الإنسان ومكافحة سياسات التمييز كانتا في صلب الحرب الأهلية التي عاشتها جنوب السودان مع جارتها الشمالية في الخرطوم.

وقال البيان: ”إن احترام حقوق الإنسان يجب أن يكون حجر الزاوية في دستور المرحلة الانتقالية لجنوب السودان“، مشددة على أن مراقبة حقوق الإنسان والإبلاغ والتحقيقات وبناء القدرات هي من العناصر الأساسية في ولاية بعثة أنميس، ويتعين احترامها.

ونوهت البعثة إلى أنه إذا ثبتت صحة أي شكاوى أو أدلة خطيرة تتعلق بسلوك أحد الموظفين في البعثة، فحكومة جنوب السودان ستقوم بالتنبيه وإتباع الإجراءات القانونية وفقا للالتزامات الدولية.

الجديد في الامر هو ان الحكومة لم تبادر بالتعليق علي بيان الامم المتحدة في اي من وسائل الاعلام المحلية مما يعني ان المسألة قد تبدو محسومة بالنسبة لها بشكل نهائي، مما يشكل ازمة جديدة قد تلقي بظلالها السالبة علي مستقبل العلاقة بين جنوب السودان و المجتمع الدولي في مجال حقوق الانسان تحديدا و التزاماته بالمواثيق الملزمة عقب نيله عضوية المؤسات الدولية كاحدث دولة في المنظومة الكونية.


الصحفي والمحلل السياسي أنطوني جوزيف.
© النيلان | أتيم سايمون مابيور
ويرى الصحفي والمحلل السياسي انطوني جوزيف في تصريح للنيلان ان القضية سيكون لها تاثيراتها غير الخفية على مستقبل العلاقة بين جنوب السودان والاسرة الدولية وذلك بقوله: ”ان للامر تبعات اخرى عديدة على المدى البعيد باعتبار انها عملية مواجهة حقيقية بين جنوب السودان الدولة الوليدة والامم المتحدة خاصة فيما يخاص بحقوق الانسان.“

ويضيف جوزيف أن ”هذا سينعكس بالطبع على شكلية العلاقة بينها والمنظمات والدول المانحة لأن المسالة لا تخلو من تنصل من الالتزامات الدولية، كما اعتقد ان هذا القرار غير مدروس من قبل الحكومة حيث كان يجدر بها ان تتعامل مع التقرير الاخير بنوع من الموضوعية ، خاصة وانها ليست المرة الاولى التي ينشر فيها تقرير في هذا الشان، هذه ستكون نقطة سلبية كما لا تعدو ان تكون خصما على البلاد‪.‬“

يلاحظ المتابعين لمسار هذه القضية ان التحقيق موضوع الجدل كان قد نشر في شهر اغسطس من هذا العام ، وحينها صدرت ردود رسمية متباينة حيال الامر، وهو ما ادى الى ايهام الرأي العام بان تلك المواقف قد تمثل نهاية للقضية.

ولكن ما ان عادت الحكومة وبلا مقدمات لتقوم بطرد المحققة الاممية بعد مرور فترة تكاد تقارب الثلاثة اشهر، حتى ثارت مزيد من الاستفاهامات حول مدلول الخطوة والتوقيت. ولقد رفض وزير الاعلام جنوب السوداني التعليق حول التوقيت الطرد.

يقول انطوني جوزيف أنه ”من الملاحظ ان الحكومة دوماً ما تكون ردود افعالها متأخرة تجاه قضايا حساسة كهذه… لذا قامت بهذا القرار غير المدروس وهي لا تعلم تبعاته“.

وفي أولى ردود الافعال الدولية على هذا القرار، فقد أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها الشديد إزاء قرار جنوب السودان بتوجيه أمر لإحدى موظفات حقوق الإنسان التابعين لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان بمغادرة البلاد في غضون 48 ساعة.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيان صحفي أصدره يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر إن ”الولايات المتحدة تؤيد تماما بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وجهودها الرامية لتعزيز المؤسسات الحكومية، وتوفير الإغاثة الإنسانية، ورصد ومنع نشوب الصراعات في جميع أنحاء جنوب السودان“، مشددًا على أن رصد حقوق الإنسان والتحقق منها وإعداد تقارير عنها تمثل المهمة الرئيسية للبعثة.

وأكد البيان كذلك على أهمية وضرورة السماح لموظفي البعثة بالقيام بهذا العمل ”دون خوف من الانتقام أو الطرد“.

عليه ربما تكون الحكومة قد ضاقت ذرعا بالتقارير التي ظلت تصدرها المنظمات الدولية عن حقيقة الاوضاع بالدولة الجديدة بما فيها الامم المتحدة نفسها ، الا ان العديد من المتابعين لمسار القضية كانوا يرون ضرورة ان تلجا الدولة الحديثة الى اتباع السبل الدبلوماسية التي يرونها هي الانجع في التعريف بوجهة نظر الحكومة ، دون اللجوء الى المخاشنات المكلفة.