الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

التغيير السياسي أصبح ضرورة ملحة بعد فشل شعارات الإنقاذ

جاءت حكومة الإنقاذ قبل 20 عاما بشعار "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، وحتى اليوم لم تنجح في تحقيقه لذلك أصبح التغيير السياسي السلمي عبر الانتخابات ضرورة ملحة.
25.04.2024
التغيير السياسي أصبح ضرورة ملحة
التغيير السياسي أصبح ضرورة ملحة

قد يتساءل المرء: هل هناك ثمة ضرورة لتغيير النظام السياسي في البلاد؟ وكيف يتم هذا التغيير؟ هل يمكن أن يتم ذلك بواسطة القوة العسكرية والاستيلاء على السلطة أم بواسطة التداول السلمي للسلطة؟ وهل الهدف من هذا التغيير هو إحداث تغيير في الوجوه والأشخاص والأحزاب السياسية أم إحداث نقلة نوعية في المسار السياسي للبلاد؟

للإجابة على هذه التساؤلات لابد من الرجوع إلى الدوافع التي تجعل من المطالبة بالتغيير أمراً ضرورياً لا يختلف فيه اثنان. وهذا يقود الى مراجعة الشعارات الأولى التي رفعتها حكومة الإنقاذ عندما وصلت إلى السلطة عبر انقلابها العسكري وهي "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" إلى جانب بعض الشعارات المرتبطة بالجانب الروحي مثل "هي لله هي لله”. وتعبر تلك الشعارات عن مبررات الإنقاذ لاستيلائها على السلطة، والتي يمكن تلخيصها في تردي الأوضاع المعيشية والغلاء والندرة. لكن الأوضاع المعيشية للشعب السوداني لم تتحسن طيلة مدة حكم الإنقاذ والتى جاوزت العشرون سنة باستثناء أوضاع الفئات المقربة من الإنقاذ، ولم يتحقق شعار "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" وأصبح غالبية أبناء الشعب السودانى يعانون من الفقر والفاقة والجوع والمرض الى جانب الضرائب التى تزيد من معاناتهم .

وبالرغم من هذا ما زالت الإنقاذ تصر على إنها نقلت البلاد إلى الأمام. وبعد عشرون عاماً من الانقلاب يقول الرئيس البشير فى حديث نشر فى الحرة فى العدد 29 فى 2يونيو 2009 "إن الإنقاذ منعت سقوط السودان كله بيد التمرد، وان الإنقاذ وضعت السودان على منصة الانطلاق، ووفرت مقومات الدولة العظيمة، وأرسينا قاعدة الحكم الراشد، والتبادل السلمي للسلطة". ومضى يقول إنه في عقدين من الزمان ووسط مقاطعة وحصار وحروب واستهداف استطاعت حكومة الإنقاذ أن تعبر بالبلاد من الدائرة المفرغة وتوفر كل مقومات الدولة العظيمة مثل ثورة التعليم العالى وثورة الاتصالات وشبكات الطرق والجسور واستخراج البترول وبناء السدود وتوفير الطاقة الكهربائية وتحقيق السلام.

لكن من الناحية الفعلية لم يحدث تغيير في حياة المواطن نحو الأفضل، وإنما جاءت النتائج عكسية فالمشهد الذي يتراءى للجميع هو أن الذين استفادوا من هذه الإنجازات هم شريحة محددة، من الذين تطاولوا في البنيان واقتنوا السيارات الفارهة. فالتعليم اليوم أصبح بدفع دم القلب والعلاج كذلك، وحتى لقمة العيش أصبحت لا تأتي إلا بعد خروج الروح. أما في مجال البحث عن العمل في دواوين الدولة فالوضع اصبح مقروناً بالتزكية معياراً للقبول في وظيفة من الوظائف، وخرجت معايير الكفاءة من الحسابات المعمول بها في كل دول العالم.

صورة الواقع قبل الانقلاب ليست مرضية لكنها لا تعطي الحق بالانقلاب على نظام اختاره الشعب السوداني، وتردى الوضع المعيشي قد ساهمت فيها عوامل عديدة منها التركة الثقيلة التي تركها نظام مايو، الى جانب محدودية الموارد. والآن وبعد استخراج النفط الذي استبشر فيه الناس كثيراً وظنوا إن بلادهم أصبحت من الدول البترولية التي يحس فيها المواطن بالرفاهية ورغد العيش لا يزال الوضع لدينا مقلوبا رأساً على عقب، وبدلاً من توظيف أموال البترول في الزراعة وظفت في مشاريع أخرى لا تخدم المواطن في شيئ.

وحتى مشروع الجزيرة الذي كان له الفضل في تعليم كل أبناء السودان الذين تتراوح أعمارهم الآن من 30 سنة الى المائة سنة عبثت به الأقدار في ظل ثورة الإنقاذ وأصبح يواجه ما يواجهه المواطن السوداني من فقر، وهنا تحطم الجزء الاول من شعار الإنقاذ بموت مشروع الجزيرة قد مات شعار نأكل مما نزرع. وقبل مجيء الإنقاذ كانت صناعات النسيج في السودان متطورة، وكان مصنع النسيج السوداني وحده يشغل أكثر من 25 الف عامل الى جانب مصنع الخرطوم للغزل والنسيج(النسيج اليابانى) ومصنع الصداقة بالحصاحيصا، جميع هذه المصانع أصبحت الآن في خبر كان وهنا تحطم الجزء الآخر من شعار الانقاذ الاول (نلبس مما نصنع).

فإذا كانت الشعارات هي مادة الإنقاذ من أجل الاستيلاء على السلطة وقد تحطمت الآن على أرض الواقع، فمن الضروري أن يحدث التغيير في النظام السياسي بعد أن تهيأت كل الفرص أمام التغيير. فهل تقبل الإنقاذ بالتغيير سلمياً؟ ام أن المحافظة على السلطة ومغرياتها تجعلهم يعودون إلى الوراء وتنفيذ مقولتهم "أتينا للسلطة بالبندقية ومن يريد أن يأخذها فبالبندقية"؟

الآن تغيرت الأوضاع في أفريقيا والعديد من دول العالم وأصبح من الصعب جداً الاعتراف بأي نظام يأتي عبر الانقلاب وازدادت نزعة الدول إلى التغيير الديمقراطي الذي يأتي عبر صناديق الاقتراع، لتنهى سيطرة الحزب الواحد الذي يصور نفسه على أنه الصادق الأمين والقوى والمخلص أكثر من الآخرين.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع جريدة أجراس الحرية.

تغيير النظام السياسي سلمياً أصبح ضرورة من الضرورات بعد عجز النظام عن تنفيذ شعاراته التي جاء بها، وبعد أن وصل التردي المعيشي إلى كل بيت في السودان، وأرهقت النفقات الزائدة كاهل كل مواطن في أرض المليون ميل. والتغيير السلمي للسلطة هو ميزة تمتاز بها الشعوب المتحضرة والقيادات الواعية التي تفضل مصالح الدولة العليا على مصالحها الشخصية الضيقة، وفى هذا قال أحد الذين كان لهم شرف مشاهدة التغيير السلمي للسلطة في السودان في عهود الديمقراطية المجيدة "كنا صغاراً نركض خلف العربات التي تقوم بعمليات الدعاية الانتخابية للمرشحين من كل الأحزاب السودانية ولم نشعر وقتها بالتهديدات مثل التي بدأت تظهر الآن حتى من قبل بدء العملية الانتخابية". تلك هي الميزة التي ميزت القوى السياسية في السودان فهل تظل هذه الميزة كما كانت أم أننا موعودون بممارسات جديدة لم تكن معروفة لدى الكثيرين؟

موجبات التغيير السلمي للنظام السياسي أصبحت متوفرة الآن أكثر من أي وقت مضى والمصلحة الوطنية تقتضى العمل الجاد من أجل إحداث هذا التغيير وتحسين الأوضاع المعيشية لأبناء الشعب الذين جربوا حظهم خلال العشرون سنة الماضية التي ما زالت فيها الأزمات تتوالى داخلياً وخارجياً في مشهد قد يقود إلى انفراط عقد الدولة السودانية نتيجة تغليب الرأي الواحد في مجال السياسية، والتهميش في مجال التنمية والعمران، والمحسوبية والاعتبارات الأخرى في مجالات التوظيف والعمل، والتمييز والاستعلاء فى الشارع العام. آن الأوان للعمل من أجل تغيير النظام السياسي بكل مفاهيمه وهياكله بنظام سياسي آخر لا يميز ولا يفرق ولا يضطهد ولا ينظر للآخر نظرة استعلائية وكل هذا بواسطة صناديق الاقتراع فقط.