الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

اغتيال ناصر سعيد ببورتسودان: لماذا كبلت الخرطوم حرية الصحافة وتحاشت اتهام أطراف خارجية؟

ماهر أبو جوخ
الخرطوم - لم تتم تغطية انفجار العربة البرادو عاصمة ولاية البحر الاحمر بورتسودان بشكل تام من طرف الصحافة بعد أمر جهاز الامن للصحافة بعدم نشر أي تفاصيل. فما هي أسباب هذا المنع؟
25.04.2024
سيارة المرحوم ناصر عوض الله أحمد بعد الحادثة في بورتسودان يوم 22 مايو 2012.
سيارة المرحوم ناصر عوض الله أحمد بعد الحادثة في بورتسودان يوم 22 مايو 2012.

لقي المواطن ناصر عوض الله احمد سعيد البالغ من العمر 65 عاماً حتفه بعاصمة ولاية البحر الاحمر بورتسودان صبيحة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من مايو 2012، عقب انفجار العربة البرادو موديل 2011 التي كان يقودها.

سارع جهاز الامن بالاتصال بقيادات الصحف المحلية وأمرهم بعدم نشر أي تفاصيل متعلقة بالحادث

بدأ المشهد العام للحكومة السودانية مضطرباً بشكل كبير حيال هذا الحادث.

فوزير الخارجية علي كرتي سارع في مقابلة تلفزيونية اجرته معه قناة 'الشروق' السودانية بعد ساعات من الحادث لاتهام اسرائيل بالوقوف خلف تلك العملية والتورط فيها، نظراً لتشابه اسلوب هذا الحادث مع حوادث اخرى بولاية البحر الاحمر "لتوهم اسرائيل بدعم (السودان) بعض الفصائل الفلسطينية" حسب قوله.

إلا أن الجهات الأمنية ممثلة في جهاز الامن والمخابرات كانت لديها تقديرات مختلفة اتجاه الحادث، اذ سارع جهاز الامن بالاتصال بقيادات الصحف المحلية وأمرهم بعدم نشر أي تفاصيل متعلقة بالحادث او توجيه الاتهام لاسرائيل.

وطال قرار المنع تصريحات كرتي لقناة 'الشروق' وطالبهم بالاكتفاء فقط بما سيرد اليهم في بيان الشرطة.  

وامتثلت معظم الصحف لهذه التوجيهات وانتظرت بيان الشرطة حول الحادث وحينما طال انتظارها صدرت بدون تفاصيل حول الحادثة وكانت المفاجأة أن الشرطة لم تصدر أي بيان رسمي حول الحادث طيلة الـ24 ساعة التي اعقبت الحادثة، مما اظهر مقدار الارتباك وعدم تنسيق الادوار بين الاجهزة المختلفة.

لكن ما زاد من مشاهد الارباك هو نقل المركز السوداني للخدمات الصحفية (SMC) -- وهي كالة اخبارية مرتبطة بجهاز الامن والمخابرات -- لخبر في ذات اليوم عن معلومات من التحقيقات الأولية تشير لانفجار السيارة جراء استهدافها بصاروخ موجه من طائرة، الأمر الذي ادى لمقتل صاحبها في الحال.


محمد عبد العزيز © ماهر أبوجوخ

لعل مصدر الحيرة هنا نابع من التضارب ما بين توجيهات الامن للصحف بعدم نشر تفاصيل تلك الحادثة وايراد الموقع الاخباري المرتبط به لأنباء تؤكد استهداف السيارة بصاروخ موجه من طائرة.

مبررات وتخوفات

حالة الارتباك تلك انتابت الحكومة السودانية عقب تلك العملية ربطه البعض بأمرين أولهما عدم وجود دليل ملموس للخرطوم حتى اللحظة يؤكد تورط دولة خارجية محددة عموماً واسرائيل على وجه الخصوص.

الامر الثاني هو قلق الخرطوم من تحول اتهاماتها لاسرائيل لنتيجة عكسية ليس في مصلحتها بتأكيد استمرار دعمها –أو على اقل تقدير غضها الطرف- عن دعم المجموعات الفلسطينية الاسلامية خاصة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وهو ما سيعيد الصاق تهمة دعم ومساندة الارهاب.

وقد اجتهدت الخرطوم ايما اجتهد لنفيها هذه التهمة، وبذلت في سبيل ذلك العديد من الجهود لرفع اسمها من قائمة الولايات المتحدة الامريكية للدول الراعية للارهاب.

"استمر وستكون التالي"


للوهلة الاولى لتسرب نبأ تدمير العربة ببورتسودان، سارع المراقبون المحليون لاتهام جهات خارجية بالوقوف خلف هذه العملية.

"مثل هذه الامكانيات غير متوفرة للدول المجاورة للسودان وهي غير موجودة في المنطقة إلا عند دولة واحدة فقط."
محمد عبد العزيز

وفي هذا السياق يشير المحرر العام لصحيفة 'السوداني' والمهتم بشؤون شرق السودان محمد عبد العزيز لعدة معطيات تؤكد تنفيذ هذه العملية من قبل جهات خارجية، من خلال دقة التنفيذ العالي لها حيث لم تصاب العربة التي خلفها أو العربتين امامها أو حتى محطة الوقود التي كانت على مسافة 100 متر من محل الانفجار.

كما أن اطارات السيارة البرادو المستهدفة لم تنفجر خلال قصفها، موضحاً أن أن اختيار المكان والتوقيت نفسه كانا دقيقين بشكل كبير، أي قبل دخول العربة المستهدفة لمنطقة وسط المدينة وازدحام الطرق.

أما الجزئية الثانية التي اشار لها عبد العزيز فتمثلت في السرعة الخاطفة التي نفذت بها العملية للدرجة التي جعلت شهود العيان غير قادرين على تحديد الكيفية التي اصيبت بها العربة. وتوقع عبد العزيز اصابة السيارة المستهدفة بصواريخ هيل فاير (نار الجحيم) باعتباره يتسم بالدقة والقدرة التفجيرية العالية في مساحة محدودة للاصطياد الاهداف الثابتة أو المتحركة.

واضاف عبد العزيز: "مثل هذه الامكانيات غير متوفرة للدول المجاورة للسودان وهي غير موجودة في المنطقة إلا عند دولة واحدة فقط."

واعتبر أن العملية تمت بتنسيق عالي ورصد للهدف الذي تم في الغالب إما عبر عبر محطة ارضية تولت رصد السيارة أو بإلصاق جهاز تتبع على السيارة لتسهيل مراقبة تحركاتها. ونوه لوجود اشخاص مستهدفين بعينهم بتلك العمليات وربما تهدف في ذات الوقت لارسال رسائل لهم على شاكلة "توقف أو استمر ولكن اعلم أنك إذا قررت أن تواصل فقد تكون هدفنا التالي".

تنفيذ خارجي

في ذات السياق بدا الصحفي ومحلل الشؤون السياسية بصحيفة (الأحداث) اليومية شوقي عبد العظيم متفقاً مع وجهات النظر السابقة بتنفيذ العملية من قبل جهة خارجية نظراً لوجود حوادث سابقة واخرها قبل عام في بورتسودان بقصف سيارة من ماركة (سوناتا). وكانت اسرائيل قد اعلنت لاحقاً تنفيذها لذلك الهجوم بغرض اغتيال عناصر متورطة في تهريب السلاح لقطاع غزة لملصحة حركة حماس.


شوقي عبد العظيم © صفحة الفيسبوك

ونوه عبد العظيم لنشر وكالة (SMC) قبل ايام من الحادث نفياً للجهات الامنية لخبر صحفي نشر في بعض الصحف اشار لتعرض الصياديين السودانيين العاملين في البحر الأحمر لمضايقات من جهات مجهولة حالت دون ممارستهم لعملهم داخل المياه الاقليمية السودانية وان تلك المضايقات وصلت حد اطلاق النيران عليهم، مبيناً أن ذلك الخبر كان مؤشر لحدوث امر ما انطلاقاً من البحر الاحمر.

واعتبر أن الطريقة التي تم بها  تنفيذ العملية ودقتها المتناهية تشبه لحد كبير الاسلوب الذي تم به قصف سيارة السوناتا ببورتسودان قبل اكثر من عام، مضيفاً أن الحادثة اذا دبرت ونفذت من جهات داخلية لتم تنفيذها بطرق اسهل من تلك الطريقة التي نفذت بها.

هنا قد يثور تساؤل أساسي: طالما اشارت المعطيات الأولية من واقع قرائن الاحوال، من خلال الكيفية التي تم تنفيذ العملية بها ودقتها وجميع تفاصيلها، لوجود طرف خارجي متصل بالحادثة، فما هو الأمر الذي يحول دون إعلان الحكومة السودانية لهذا الأمر؟ وما هو السبب الحقيقي والاساسي للحد من حرية الصحافة ودورها في تمليك المعلومات المتصلة بهذه الحادثة؟

"هذه المعطيات قد تجلعهم يتخوفون من التداعيات التي قد ترتب على توجيه انتقادات عنيفة وحادة للجيش السوداني وضعف دفاعاته الجوية."
محمد عبد العزيز

يعزي محمد عبد العزيز هذا التوجه بعدم اتهام جهة خارجية وفي ذات الوقت التضيق على حرية الصحافة في ما يتصل بهذه القضية، بالملابسات التي صاحبت التغطية الصحفية لقصف سيارة السوناتا ببورتسودان قبل عام والتي اعلنت اسرائيل تنفيذها.

وجهت الصحف وقتها انتقادات عنيفة وحادة لوزير الدفاع الوطني الفريق اول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين - والذي يعد من ابرز المقربين للرئيس السوداني المشير عمر البشير- مضيفاً أن تلك الانتقادات طالت حتى الرؤية الحكومية وكيفية تعاطيها مع ملف الصراع في الشرق الاوسط وانحيازها المعلن لحركة حماس وأضاف: "في تقديري أن توجيهات عدم النشر ومطالبة الصحف بالاكتفاء ببيان الشرطة يأتي تحسباً لمثل تلك التداعيات".

اضعاف المعنويات

لكن عبد العزيز ينبه لنقطة اخرى يعتبرها لا تقل أهمية عن النقطة السابقة والمتمثلة في وجود اوضاع مختلفة على صعيد الجبهة الداخلية السودانية عن العام السابق، حيث تسعى الحكومة لخلق اكبر حالة من الالتفاف الشعبي حولها لدعم جهودها الحربية ضد دولة الجنوب وقوات الحركة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي اندلعت جميعها عقب حادثة العام الماضي وقال:"هذه المعطيات قد تجلعهم يتخوفون من التداعيات التي قد ترتب على توجيه انتقادات عنيفة وحادة للجيش السوداني وضعف دفاعاته الجوية في مواجهة الدول الخارجية وهو ما قد يؤدي لنتائج سلبية تفضي لاضعاف الروح المعنوية للجيش والشعب في مواجهاتهم المسلحة عموماً ومع دولة الجنوب على وجه الخصوص".

مظاهر الضعف

من ناحيته ربط الصحفي شوقي عبد العظيم المسلك الرسمي حيال هذه القضية والانتقاص من الحريات الصحفية في ما يتصل بهذه القضية بسبب داخلي وأساسي والمتمثل في عدم رغبة الحكومة في ظهورها بمظهر الضعيف في مواجهة العدو التقليدي والدائم الذي ظلت تحث الشعب السوداني على مواجهته والتصدي له والمتمثل في "اسرائيل".

"القضية ليست البحث عن دليل لتحديد الجهة المتهمة وانما لافتقار السودان للامكانات التي تجعله قادراً على التعامل مع مثل تلك الهجمات."
شوقي عبد العظيم

ورغم اقرار عبد العظيم بعدم امتلاك الخرطوم حتى اللحظة لدليل يؤكد الاتهامات الموجه لاسرائيل بقصف ناصر سعيد الايام الماضية في بورتسودان، ولكنها اشار لتوفر ذلك الدليل في المرة السابقة قبل عام حينما قصفت السيارة السوناتا ببورتسودان حينما اقرت واعلنت الصحف الاسرائيلة تنفيذ بلادهم لتلك العملية واضاف:"القضية ليست البحث عن دليل لتحديد الجهة المتهمة وانما لافتقار السودان للامكانات التي تجعله قادراً على التعامل مع مثل تلك الهجمات".

واعتبر أن هذا الأمر حقيقة وليس أمر سري، واستدل هنا بما ذكره وزير الدفاع الوطني امام احديى جلسات مجلس الولايات مؤخراً في معرض رده على سؤال وجهه له احد اعضاء مجلس الولايات حول الاجراءات الدفاعية الخاصة بتأمين البحر الأحمر وسماء البلاد حيث ذكر الوزير يومها أن هذه الاجراءات تحتاج لطائرات وقطع بحرية حديثة ذات كلفة مالية عالية حيث نوه الوزير يومها أن تكلفة القطع البحرية والجوية باهظة جداً وتنعدم المقارنة بينهما وبقية الاسلحة الاخرى.

ويقول عبد العظيم أن السودان حالياً لا يمتلك رادرات حديثة تمكنه من معرفة الطائرات المخترقة لاجوائه ويفتقر للمضادات الارضية الحديثة القادرة على التعامل مع اي اجسام تخترق مجاله الجوي وهو الأمر الذي سيعزز حالة الاختلال في ميزان القوة لغير مصلحة السودان.

وحول امكانية قيام السودان بإعادة التوازن لميزان القوة من خلال تطوير تسليحه كماً ونوعاً، فقد بدا عبد العظيم متشككاً من نجاح هذا الأمر في ظل الظروف الراهنة واضاف:"من المؤكد أن الدول ذات الصناعات العسكرية الكبري المتطورة سترفض تمليك مثل هذه التقنيات في ظل الظروف الراهنة وهو ما سيجعل حالة الاختلال تلك قابلة للاستمرار".