الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

إعادة التفكير في سياساتنا وطرق استثمارنا
استثمارات خضراء لمكافحة تغير المناخ

داغم تيريفي
النظام البيئي الحيوي لحوض النيل في قبضة تغير المناخ القوية. هل تستطيع الاستثمارات الخضراء أن ترمي طوق نجاة للمنطقة؟
25.03.2022  |  أديس أبابا، إثيوبيا
عنفات الرياح في أداما، إثيوبيا. (الصورة: مركز البحوث الحرجية الدولية | أوليفيه جيرار)
عنفات الرياح في أداما، إثيوبيا. (الصورة: مركز البحوث الحرجية الدولية | أوليفيه جيرار)

تخوض كل من إثيوبيا، مصر والسودان حرباً جيوسياسية باردة ضارية حول استخدام النيل الأزرق وكيفية تشغيل سد النهضة الإثيوبي. اجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وانتقد آخرون التوتر المتصاعد وعلقوا عليه. وفي الوقت نفسه، يجري تجاهل تغير المناخ الذي يُعدّ التهديد الأعظم لحوض النيل.

أصبح متوسط درجات الحرارة في العالم أعلى بدرجة مئوية واحدة قياساً بحقبة ما قبل الثورة الصناعية بسبب ارتفاع تركيز غازات الدفيئة العالمية. تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تستفيد بعض المناطق وتتضرر أخرى من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 1-3 درجات مئوية فوق مستويات عام 1990.

ينوء حوض النيل، وهو أهم نظام بيئي في أفريقيا يضم أكثر من 40 بالمئة من سكانها (نحو 490 مليون نسمة)، تحت وطأة آثار تغير المناخ.

وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تشمل التحديات الناجمة عن تغير المناخ في حوض النيل عدم استقرار هطول الأمطار وتدفق النيل، فضلاً عن تدهور الأراضي وانخفاض منسوب مياه النهر والفيضانات ونوبات الجفاف وإزالة الأحراج وغياب الأنواع والأنظمة البيئية وزيادة تفشي الأمراض.

لوحظت أضرار جسيمة في البنية التحتية وخسائر في الأرواح والنزوح، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب الأمطار الغزيرة التي أدت إلى فيضانات في خضم احتدام الجدل بشأن سد النهضة.

في أغسطس 2020، عانى السودان من فيضانات عارمة أدت إلى نزوح أكثر من 600 ألف نسمة وانهيار منازل كثيرة وتضرر الأراضي الزراعية والبنى التحتية وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ولو لم يحتفظ حوض سد النهضة بنحو 4.5 مليون متر مكعب من المياه في ذلك الفصل الماطر، لكانت الأضرار أشد.

إعادة النظر في الاستثمارات في الزراعة

وفقاً لبنك الاستثمار العالمي كريدي سويس (Credit Suisse)، يُعدّ الاستثمار المُراعي لتغير المناخ وفي الاقتصاد منخفض الكربون جزءاً من إدارة المخاطر الجوهرية المحدقة بمحفظة استثمارات البنك. وربما يجد المستثمرون، الذين يركزون على شراء الأراضي والذين يسعون إلى تخفيض الاستثمارات المسببة لانبعاثات الكربون من محافظهم، استثمارات منخفضة الكربون في القطاعات الجديدة كالطاقة والتصنيع الزراعي في حوض النيل. يعارض بعض المواطنين الاهتمام المتنامي لمستثمري الخليج في الاستحواذ على الأراضي الرطبة الزراعية في حوض النيل.

مع أن تغير المناخ يفاقم مشكلة الإجهاد المائي، فقد حصل مستثمرون منذ عام 2000 على قرابة 10.3 مليون هكتار من الأراضي في مختلف بلدان حوض النيل. ووفقاً لمركز بوليتزر (Pulitzer Centre)، فقد تم شراء معظم هذه الأراضي في 28 صفقة عابرة للحدود الوطنية. اشترت شركات من بلدان شرق أوسطية بصورة رئيسة أراض شاسعة لإنتاج محاصيل غذائية وعلف للحيوانات، ومنها البرسيم الحجازي والوقود الحيوي.

تحتاج سلسلة المياه الخاصة بإنتاج الغذاء وآثار تغير المناخ إلى إعادة تفكير: ما زال خبراء المياه يشيرون إلى ضرورة وضع نظام منسق لإدارة المياه لمواجهة مخاطر المياه أو الإجهاد المائي.

يتركز التحدي الأكبر في القطاع الخاص. فأكثر القِوَى الفاعلة تعتقد بأن مسؤولية أزمة المياه تقع على عاتق الحكومات.

ومن المثير للاهتمام أن بعض المستثمرين العالميين المسؤولين والأذكياء بدؤوا خلال السنوات الست التي أعقبت إطلاق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بقياس عملياتهم ومخرجاتهم وفقاً لهذه الأهداف لإظهار مدى انسجام استثماراتهم مع إطار عمل الأمم المتحدة. لذلك، يرجح وجود إشارات على مثل هذه الالتزامات من المستثمرين في حوض النيل وآليات للإدارة والرصد من الأطراف الفاعلة من الدول.

إدراج خِدْمَات النظم البيئية في صنع القرار يُحسّن كيفية اتخاذ القرارات وإبلاغ السكان بها."

ورغم أن البلدان المتقدمة مسؤولة تاريخياً عن تغير المناخ، وبالتالي يقع على عاتقها تمويل مشروعات التكيف مع المناخ في البلدان النامية، فالجدال ما زال دائراً بشأن المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة التي صاغتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خلال مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992. لذلك، على بلدان حوض النيل أن تؤمن التمويل من القطاعين العام والخاص، عن طريق تنفيذ خِدْمَات للتكيف مع آثار المناخ وضمان تدفق مستدام لمياه نهر النيل.

وضعت مبادرة حوض النيل وفريق الخبراء العامل المعني بالأراضي الرطبة الإقليمية أطلساً بدعم من المؤسسة الألمانية للتعاون الدَّوْليّ، يساعد على وضع نموذجات لسبل إنتاج النظم البيئية لخدمات وتحليل النواتج الإقليمية والوطنية والعالمية والمنافع الكَمّيَّة لإصلاح النظام البيئي والموائل.

هكذا وُضِعت خطط اعتمدتها الدول الأعضاء في 2020 لإدارة ثلاث مساحات لأراضٍ رطبة عابرة للحدود هي سيو سيتيكو (كينيا - أوغندا) وسيمليكي (أوغندا - جمهورية الكونغو الديموقراطية) وغابة سانغو/ مينزيرو (أوغندا - تنزانيا). ولكن هذه الخطط أغفلت مستنقعات بحيرة تانا التي سجلتها منظمة اليونسكو محمية عالمية للغلاف الحيوي ومصدر النيل الأزرق.

وفقاً للشراكة الوطنية لخدمات النظم البيئية، وهي مبادرة لمعهد نيكولاس لحلول السياسات البيئية في جامعة ديوك، فإن إدراج خِدْمَات النظم البيئية في صنع القرار يُحسّن كيفية اتخاذ القرارات وإبلاغ السكان بها. والإخفاق في ذلك يقلص من مزايا النظم البيئية.

تسهم استثمارات تغير المناخ في الزراعة وتنفيذ خِدْمَات النظم البيئية مباشرة في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة: 2 (القضاء التام على الجوع)؛ 12 (الاستهلاك والإنتاج المسؤولان)؛ 13 (العمل المناخي)؛ وربما 15 (الحياة في البر) حيث تحتاج دول حوض النيل أراضٍ أقل للزراعة إذا استطاعت إنشاء آلية لإدارة المستثمرين بصورة مشتركة في إطار مؤسسة خاصة بالحوض.

إن إقامة نظام مناسب لإدارة المياه ضمن سلاسل التوريد للشركات الزراعية المدرجة في الحوض خطوة مهمة جداً لتحقيق الأمن المائي والغذائي.

إعادة النظر في الاستثمارات في الطاقة

يمثل تغير المناخ تهديداً جسيماً يؤثر على اقتصادات الدول الفقيرة المتعطشة للطاقة. ولكن فكرة إدراج اعتبارات الاستدامة في عمليات الاستثمار تسهم في تحقيق هدف مشروع مسارات إزالة الكربون العميقة التابع للأمم المتحدة: صافي انبعاثات صفري بحلول 2050.

يجب أن ينظر المستثمرون إلى اتباع استراتيجيات التخفيف من آثار المناخ والتكيف معها بطريقة فعالة."

يرجح أن يزداد الإقبال على تقنيات مواجهة تغير المناخ كالطاقة الخضراء والنقل المستدام، إذ إن المستثمرين يبحثون عن خيارات لإزالة الكربون من العالم. فمثلاً، تولد إثيوبيا طاقة صديقة للبيئة من سد النهضة. وفي الوقت نفسه، يمكن استخدام الخزان في أنظمة طاقة شمسية عائمة تعزز توليد الطاقة.

وفقاً لأحد تقارير البنك الدولي، فالاستثمار في أنظمة الطاقة الشمسية العائمة فعال، ولا سيما في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية التي يشتد التزاحم فيها على الأراضي. وتشمل مزايا الأنظمة العائمة مقارنة بالأنظمة البرية ناتجاً طاقياً أعلى وتبخراً أقل وجودة مياه أفضل.

من جهة أخرى، يجب أن ينظر المستثمرون إلى اتباع استراتيجيات التخفيف من آثار المناخ والتكيف معها بطريقة فعالة، من أجل بناء القدرة على الصمود وإدارة مخاطر المناخ على استثماراتهم. هذا ويجب أن يضع واضعو السياسات آلية لجعلها فعالة، وبالتالي إفادة جميع بلدان حوض النيل. من الواجب العمل ضمن إطار آلية منسقة بين جميع هذه البلدان، لكي يكون العمل على استثمارات تغير المناخ فعالا.

إنجازات مبادرة حوض النيل حتى الآن

باعتبارها المؤسسة الوحيدة والفريدة القائمة في حوض النيل، كُلفت مبادرة حوض النيل بإجراء دراسات عدة على مستوى الأحواض الفرعية والحوض بأكمله لتحسين فهم الموارد المائية والوضع الاجتماعي الاقتصادي والهشاشة في مواجهة تغير المناخ وتدابير المواجهة الملائمة وخيارات التطوير. ودعمت المبادرة أيضاً الحوار بين العلوم والسياسات عن طريق تعزيز أدوات الرصد والتخطيط في الحوض وتسهيل توسع البنى التحتية للمياه والطاقة.

جمعت جزئية 'خدمات المناخ' في المبادرة معلومات وبيانات من جميع بلدان حوض النيل باستثناء مصر وتنزانيا عن مختلف القطاعات المتعلقة بالمياه كالطاقة والزراعة والبنية التحتية (السدود وخطط الري وغيرها). والهدف هو "جعل صناع القرار وهياكل الدعم الفني التابعة لهم يستخدمون 'خدمات المناخ' في التخطيط وتقييم مخاطر المناخ في استثمارات البنية التحتية".

وفقاً لتقرير التقييم الأساسي للبنية التحتية الذي أعدته 'خدمات المناخ' في مبادرة حوض النيل، تتيح خدمات المناخ لصناع القرار في القطاعين العام والخاص إدارة مخاطر المناخ وفرصه وتحسين قدرات البنى التحتية الوطنية على الصمود. ويشير التقرير إلى أن بلداناً عديدة في الحوض ما زالت تفتقر حتى الآن إلى القدرات المؤسسية والفنية والخدمية اللازمة لإعداد خدمات المناخ وإدماجها في إجراءات وأنظمة التخطيط لديها.

تعمل مبادرة حوض النيل أيضاً على رصد الجفاف بواسطة نظام التنبؤ بجريان النهر. ويصدر التقرير تلقائياً عن طريق "بوابة بيانات الفيضانات والجفاف" التي تحوي أحدث صور الأقمار الاصطناعية المستخدمة لرصد هطول المطر ورطوبة التربة وصحة الغطاء النباتي لدعم نظام الإنذار المبكر بالجفاف.

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
عندما تتحدث الأفعال، تنعدم الكلمات
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.