يشهد جبل شوك الشاهق، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من أربعة آلاف متر، نمواً سكانياً متسارعاً. في بيئته الاستوائية في منطقة أمهرة الأثيوبية، يعاني الجبل من إزالة الغابات، تدهور الزراعة والفيضانات الموسمية التي كلّها ترافق ارتفاع عدد السكان فيه.
مستجمعات مياه شوك هي مصدر مياه لمنظومة نهر النيل الأزرق، وتتألف من أكثر من 59 نهراً و273 نبعاً.
يقول بيلاشيو مهريت، مزارع خمسيني وأب لخمسة أطفال: "أعمل في المزرعة مع والدي وأجني محاصيل وخيرات أرضه".
يؤكد بيلاشيو، كغيره من مزارعي المنطقة، أن النظم البيئية في المنطقة آخذة بالتدهور مع ارتفاع درجات الحرارة. ويقول: "نعاني من الفيضانات التي تجرف التربة مع بذورنا في فصل الشتاء".
"شوك" تعني بارد جداً بالأمهرية، لأن مناخ الجبل بارد جدا. قبل عشرين سنة، كان شوك مغطى بالثلوج، لكن ذلك أصبح نادراً هذه الأيام، ناهيك عن الغطاء النباتي كشجرة اللوبيليا العملاقة التي كانت سمة مميزة للمنطقة.
تتعرض بيئة جبل شوك للضغط أيضاً لأن الزراعة قلصت التنوع البيئي، حيث تراجعت المنطقة الفاصلة بين الغابات والقمم الثلجية. ويلحق توسع استخدام الأراضي للزراعة بفعل تزايد السكان ضرراً بالنظم الزراعية البيئية.
ويؤثر تدهور الأراضي الناتج عن الإفراط في الزراعة على معدلات التعرية في مستجمعات الماء وعلى جودة المياه في المناطق الواقعة على مسار الأنهار، بما في ذلك سد النهضة الكبير في أثيوبيا.
ويؤثر الطمي وزيادة الرمال والرواسب الأخرى بشكل متزايد على دولتي المصب, السودان ومصر.
نعاني من الفيضانات التي تجرف التربة مع بذورنا."
وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لعام 2019، أدت زيادة هطول الأمطار فوق المعدل في بداية شهر أغسطس إلى حدوث فيضانات في جَنُوب غوندر في إقليم أمهرة الأثيوبي قتلت شخصين وأغرقت عائلات كثيرة.
وقد حدث الفيضان في منطقتي فوجيرا وليبو كيميكيم في 11 و12 أغسطس، بسبب طوفان الأنهار المغذية لبحيرة تانا والنيل الأزرق. وتضرر منها 25 ألف شخصاً و18 مدرسة، وغمرت المياه 6,653 منزلاً و3,428 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
تكرر الأمر سنة 2021، وكان الضرر أكبر. ففي الوقت نفسه من شهر أغسطس، تضرر عدد كبير من السكان، لكن لم يعلن رسمياً عن حجم الأضرار.
تكشف دراسات أجرتها جامعة ديبر ماركوس، الواقعة في منطقة أمهرة الأثيوبية، أن مستجمعات مياه جبل شوك ظلت تواجه الفيضانات والتعرية الناتجة عن ازدياد عدد السكان والاستيطان، الرعي الجائر وإزالة الغابات، بالإضافة إلى الممارسات الزراعية غير المستدامة.
وقد تنبه خبراء البيئة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية إلى المشكلات البيئية والزراعية في المنطقة، مما أطلق سلسلة من المبادرات والمشاريع.
وأجرت جامعتا ديبر ماركوس وأديس أبابا عدداً من الدراسات الاستقصائية لتحديد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لسكان جبل شوك.
يقول أبيوت مولا، مدير قسم تطوير مشروع أبحاث مستجمعات شوك في جامعة ديبر ماركوس: "درسنا خيارات كسب العيش المقترحة لتجنب المشكلات البيئية الخطيرة الحالية".
تعمل الجامعة مع هيئة إدارة الأراضي الريفية لمنطقة شرق غوجام مع مكتب مشروع لجنة البيئة الاتحادية الخاص بتعميم الحوافز للحفاظ على التنوع البيئي الممول من مرفق البيئة العالمي.
لطالما كان هطول الأمطار الغزيرة مشكلة كبيرة في مستجمعات مياه جبل شوك، لأنه يسبب فيضانات تلحق أضراراً كبيرة بالزراعة، والنظام البيئي، والبنية التحتية، وتعطل نشاطات البشر، وتخرب الممتلكات، خصوصاً في مناطق أسفل مجرى المياه.
بنى كل من السودان ومصر سدوداً كثيرة على نهر النيل لأغراض مختلفة، وينبغي أن تستفيد دول المنبع، ومنها أثيوبيا، من هذه التجارب.
وفقاً للدكتور المهندس ماناي إوينيتو، المهندس المشارك في "مهندسو مي الاستشاريون" كان الترسب في هذه الخزانات مشكلة كبيرة أمام التخزين وسلامة السدود. وقال إن الترسب في خزاناتهم يقلل طاقتها التخزينية وعمرها الافتراضي.
وأشار أيضاً أن الدراسات المتاحة تظهر أن سد سنار الذي أقيم على النيل الأزرق في السودان لغرض الري خسر 71 في المئة من طاقته التخزينية الأصلية بسبب الرواسب خلال 61 عاماً.
وفقد سد الرصيرص، الذي شيده السودان على النيل الأزرق 36 في المئة من طاقته التخزينية الأصلية خلال 28 سنة.
يبلغ إجمالي طول السد العالي في أسوان (بحيرة ناصر) 500 كيلومتراً (350 في مصر و150 في السودان). ويتجمع أكثر من 124 مليون طن من الرواسب كل عام في بحيرة ناصر، مما قلل طاقتها التخزينية بشكل كبير.
ويعتبر الترسب مشكلة خطيرة لأثيوبيا، وقد يكلف تجنب الرواسب الطينية من خزان سد النهضة الكبير ملايين الدولارات.
لكن وفقاً للخبراء، سيخفف هذا السد مشكلة الترسب كثيراً في خزانات السودان ومصر.
النظام البيئي لا يقدر بثمن، وليس فقط بالنسبة لأثيوبيا."
يقول الدكتور ماناي: "سيفيد ذلك دول المصب بشكل مباشر بزيادة الإنتاج الزراعي، وتوليد الطاقة، والملاحة النهرية، وإمدادات المياه".
ولأن النيل نهر مشترك، تدعو الحكومة الأثيوبية والعديد من الأكاديميين دول الحوض إلى تقاسم مسؤولية الحفاظ على البيئة.
لدى الحكومية الأثيوبية أيضاً طموح أكبر وهو أن تساهم السودان ومصر مالياً في الحفاظ على النظام البيئي لجبل شوك.
يأتي قرابة 85 في المئة من نهر النيل من مرتفعات أثيوبيا. يقول أبيوت: "يساهم جبل شوك وحده بأكثر من 10 في المئة من مياه النيل. لذلك فإن النظام البيئي لا يقدر بثمن، وليس فقط بالنسبة لأثيوبيا، بل يجب على السودان ومصر أن تشاركا أيضاً في حل المشكلات التي تواجهه وتتصرفا وفقاً لذلك".
ولدعم هذا الرأي قانونياً، تنص المادة 2 من اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية (اتفاقية المياه) على ضرورة قيام "جميع الأطراف باتخاذ كافة التدابير الملائمة لمنع أي تأثير عابر للحدود وضبطه والحد منه".