الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

سنار
سد ومشروع سنار: كفاية المياه حلم بعيد المنال

آلاء إلياس, محمد هلالي و محمد الفاتح
يقع سد سنار على النيل الأزرق على بعد 300 كيلومتر من العاصمة السودانية الخرطوم. وتستخدم مياه خزانه للري وتوليد الكهرباء.
28.08.2021  |  سنار، السودان
أحد فرعي قناة الجزيرة قرب مدينة الحصاحيصا. (الصورة: © النيلان | محمد هلالي)
أحد فرعي قناة الجزيرة قرب مدينة الحصاحيصا. (الصورة: © النيلان | محمد هلالي)

بالنسبة لبعض المزارعين المشمولين بمشروع الجزيرة، أحد أكبر مشروعات الري في العالم، كان موسم الشتاء لسنة ٢٠٢١ فاشلاً بسبب النقص الشديد في المياه.

كانت النتيجة خسارة أكثر من 100 ألف فدان."

يحكي المزارع محمد عبد الرحيم عن الضرر الذي لحق بمحصوله من القمح: "تم ري محصول القمح مرتين بالري الصناعي، وباقي المرات بالمضخات حتى انقطعت المياه. وكانت النتيجة خسارة أكثر من 100 ألف فدان".

وأكد عبد الرحيم ومزارعون متضررون آخرون أنهم لم يتلقوا أي مساعدات من السلطات.

 وقال وزير الزراعة السوداني آنذاك ياسر عباس محمد علي بأن المشكلة الكبرى هي ازدياد مساحة الأراضي المزروعة. فقد كان مخططاً زراعة 400 ألف فدان من القمح، ولكن "المساحات الفعلية المزروعة تجاوزت 500 ألف فدان"، وهذا أدى إلى نقص المياه.

 وأعلن علي تدابير لإيقاف النشاطات الزراعية التي تتطلب كميات مياه تتجاوز الحدود الموضوعة. وقال إن الشرطة ومكتباً مختصاً بالري سيتوليان رصد أي تجاوزات للخطة.

يعتمد الإنتاج الزراعي في مشروع الجزيرة بشكل رئيس على الري الصناعي، والأمطار التي تهطل بين شهري يوليو وأكتوبر، وهذا يساعد في ري بعض المحاصيل الصيفية.

 

المشروع

انطلق مشروع الجزيرة في عام 1911، بوصفه مزرعة تجريبية لزراعة القطن على مساحة 250 فدان. وبعد نجاح التجربة، تمت زيادة المساحة عاماً تلو عام حتى وصلت إلى 22 ألف فدان سنة 1924.

بعد عام، افتتح سد سنار، ووصلت المساحة المروية في عام 1943 إلى قرابة مليون فدان. وفي الفترة 1958-1962، أضيفت أراض زراعية مساحتها مليون فدان تعرف باسم امتداد المناقل، فوصلت مساحة المشروع إلى 2.2 مليون فدان.

يقع المشروع في وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في السهل الموحل الممتد من سنار إلى جنوب الخرطوم. وقد أنشئ لتزويد مصانع القطن البريطانية بالقطن الخام، وأسهم في تشكيل العمود الفقري للاقتصاد السوداني بعد الاستقلال.

يعتبر مشروع الجزيرة أكبر مشروع ري في أفريقيا، وأكبر مزرعة في العالم بإدارة موحدة. يضم أكثر من 3.5 مليون نسمة، ويمتلك كل مزارع مساحات تتراوح بين 15 و40 فداناً.

يقول مهندس الري معاوية محمد الطيب: "يروى المشروع بطريقة السواقي. وتوزع المياه عبر شبكة قنوات طولها 375.14 كيلومتراً، وطاقة تخزينها 31 مليون متر مكعب".

 

السّد

بني سد سنار في عام 1925 خلال الاحتلال البريطاني. وهو أقدم سد في السودان ويقع في سنار على النيل الأزرق في منطقة الجزيرة. ويبلغ طوله 3,025 متراً، وارتفاعه 40 متراً. واستغرق إنشاؤه 10 سنوات.

أنشئ السد لتخزين المياه وتحويلها لري مشروع الجزيرة، وتوليد الكهرباء، والسيطرة على الفيضانات، وتأمين المياه.

الكهرباء في سنار مستقرة أكثر من المدن السودانية الأخرى".

وبحسب سجلات وزارة البيئة، لم يتم إجراء أي دراسة بيئية قبل بناء السد، بسبب غياب الوعي البيئي آنذاك.

وأحد أسباب بنائه هو توليد الطاقة الكهرومائية التي تعدّ طاقة متجددة، لكنها تضر البيئة. فمثلاً، دمرت بحيرة السد الموائل الطبيعية لحيوانات المنطقة. وقد تؤدي إعاقة تدفق الأنهار إلى منع انتقال السمك بحريّة من منطقة إلى أخرى. وقد تحدث فيضانات مدمرة في حال انهيار السد.

وذكر طلال محمد، وهو عالم بيئة يعيش في سنار، سلبيات أخرى كانتشار أمراض كالملاريا والبلهارسيا والجيارديا. وقال: "جميع هذه الأمراض ناجمة عن حشرات تعيش في بحيرة السد". لكنه نوه أن للسد فوائد أيضاً: "يشكل مصدراً لدخل الكثير من سكان منطقة بحيرة السد، حيث يقومون بالصيد وجمع الحطب العالق في البحيرة. ويروي الكثير من المزارعين محاصيلهم من مياه السد، والكهرباء في سنار مستقرة أكثر من المدن السودانية الأخرى".

السد مصمم أساساً ليخزن 930 مليون متر مكعب من المياه، ولكنه اليوم يخزن 390 مليون فقط، أي قرابة 40 في المئة من الكَمّيَّة الأصلية بسبب تراكم الترسبات.

مع فقدان قدرة التخزين، اختل تصميم القنوات، وسد الطمي القنوات الرئيسية والفرعية، وقنوات الحقول.

وخلال موسم الأمطار، تتسبب الكميات الكبيرة من مياه أمطار في المرتفعات الإثيوبية التي تصب في النيل الأزرق في تآكل حافتي السد. وإلى جانب الطمي، تحمل المياه الحيوانات والأشجار والنفايات الغارقة إلى الخزان، وفي نهاية المطاف، إلى الحقول المزروعة، وهذا غالباً يخرب المحاصيل.

في الطريق إلى سد سنار، تمكن مشاهدة جبال من الطمي على طول الضفة الشرقية للقناة الرئيسة لمشروع الجزيرة، وهذا يشير إلى وصول كَمّيَّة كبيرة من الطمي من المرتفعات في أعلى مجرى النهر.

يقول وبالم فيكادا، رئيس قسم التنمية الاجتماعية والاتصالات في المكتب الفني الإقليمي لدول شرق النيل، إنه لولا سد سنار ومشروع الجزيرة المجاور حيث تتجمع ترسبات النهر، "لكانت كَمّيَّة الترسبات في أسفل المجرى أكثر بكثير بالتأكيد".

 

الطّمي

صرح الدكتور يونس عبد الله قسم الله، الذي يعمل في مديرية هندسة الأنهار والسدود التابعة لمركز البحوث الهيدروليكية، أن كمية الترسبات في النيل الأزرق تبلغ وسطياً 146 مليون طن سنوياً، بينما كمية الترسبات داخل مشروع الجزيرة تبلغ 7.5-8.5 مليون طن سنوياً.

وقال حسابو إبراهيم، رئيس تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، الذي يبلغ من العمر 70 عاماً وأمضى كامل حياته في المشروع: "يستخدم العاملون والمهندسون ذوو الكفاءة في المؤسسة العامة لأعمال الري والحفريات 40 في المئة من الطمي في بداية عملية الري ما يسهم في زيادة خصوبة التربة، ويتخلصون من الكَمّيَّة المتبقية بطريقة احترافية ودون إلحاق ضرر بمساحة القنوات وحجمها".

الشركات العاملة في إزالة الطمي تسببت في نقص المياه."

ولكن في عام 2005، أخذت الأمور منعطفاً مختلفاً عندما بدأت شركات خاصة تشارك في عمليات إزالة الطمي. يقول الصديق علي، أحد مزارعي المنطقة، إن "الشركات العاملة في إزالة الطمي تسببت في نقص المياه نتيجة الحفر الزائد"، وهذا أدى إلى خفض مستوى المياه.

وأوضح أنهم "عملوا دون إرشادات فنية، وغيروا تصميم القنوات وعمقها وعرضها"، وأضاف بأن "مستوى المياه في القنوات لم يعد يصل إلى قنوات الحقول".

إدارة الطمي عملية حساسة تؤدي زيادتها أو نقصها إلى نقص كميات المياه في مشروع الري. وهي عملية مكلفة للغاية. ويقول المسؤولون السودانيون بأن 50 في المئة من تكلفة التشغيل والصيانة المخصصة من موازنة الوزارة تستخدم لإدارة الترسبات.

 

هل ثمّة حل طويل الأمد؟

نظراً للموارد التي يتم صرفها على إدارة الترسبات، ونقص المياه الناجم عن ارتفاع أو انخفاض كميتها في خزان سنار وقنوات ري الجزيرة، فإن البحث جارٍ حالياً عن حل طويل الأجل.

وقال إبراهيم: "علينا تغيير أوقات الزراعة تدريجياً حتى عودة شبكة القنوات والري إلى وضعها السابق".

يجب استخدام تقنيات ري حديثة كالري المحوري أو بالتنقيط."

ووافقت المهندسة الزراعية عبير علي المختصة في مجال حماية النباتات على هذا الرأي. وعبرت عن تأييدها لإيقاف زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، كعلف الحيوانات مثلاً.

وأوصت باستخدام تقنيات حديثة: "يجب استخدام تقنيات ري حديثة كالري المحوري أو بالتنقيط بدل الري بالسواقي"، لزيادة كفاءة استخدام المياه، وتقليل خسارة المواد المخصبة والمغذية جراء الاستخدام الموضعي وانخفاض الرشح.

وأشارت المهندسة إلى أن "استخدام التقنيات الحديثة يمنع نمو الأعشاب الضارة، وأمراض النباتات، ويمنع هدر كميات كبيرة من المياه".

تقول مديرية هندسة الأنهار والسدود التابعة لمركز الأبحاث الهيدروليكية بأن سد النهضة الإثيوبي الكبير يشكل جزءاً من الحل طويل الأجل، وأنه سيسهم، بعد تشغيله، في تقليل كَمّيَّة الترسبات في النيل الأزرق، وزيادة كفاءة الري في مشروع الجزيرة.

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
لا يسير القارب قدما إذا جذّف كل على هواه

 

 

جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.