نظرة شاملة

سدود السودان

السدود مبان بشرية قديمة تطورت مع التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، وتحولت من مجرد وسيلة لتخزين المياه إلى توليد الكهرباء، وزراعة مساحات واسعة من الأراضي عبر الري المباشر. أسهم كل هذا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان كثيرة.

قبل بناء السدود، ينبغي إجراء تقييم دقيق لمنافعها وأضرارها، وآثارها على النظم البيئية المحلية، والإجابة على السؤال الأهم، وهو هل منافعها تفوق أضرارها.

يعتبر السودان جزءاً من هذا النقاش العالمي، ولا سيما عند النظر إلى الدمار الذي لحق بالبيئة والمجتمعات المحلية من جرّاءِ  بناء بعض السدود في الماضي. لقد بني معظم السدود في السودان لتوليد لطاقة، وتقليل خطر كوارث الفيضانات التي تضرب السودان كل خريف.

ولكن الحقيقة هي أننا لا نزال نشهد فيضانات كل خريف، ولا يزال قطاع الكهرباء في السودان ضعيفاً، وتمتد فترات انقطاع التيار إلى أيام عدّة. وهذا يدفعنا للتشكيك في مدى نجاعة السدود، ولا سيما بعد أخذ أثرها على البيئة بعين الاعتبار.

يعتبر السودان أحد البلدان التي تمتلك أكبر إمكانات لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، حيث يحتوي قرابة مليون هكتار من المياه السطحية، وتشكل الأراضي الرطبة 10 بالمئة من مساحته. ويشكل نهر النيل وفروعه أهم مصدر للمياه في البلاد.

بدأ السودان بناء السدود في عشرينيات القرن العشرين مستفيداً من تنوع موارده المائية، وعلى رأسها النيلان الأزرق والأبيض، والأنهار الموسمية مثل ستيت وعطبرة.

يمتلك السودان ستة سدود رئيسية على نهر النيل (سد جبل أولياء، وسد خشم القربة، وسد مروي، ومجمع سدي أعالي عطبرة وستيت، وسد سنار) بنيت على فترات مختلفة ولأغراض متنوعة كتوليد الكهرباء والري وحماية الأراضي والناس من الفيضانات، واستخدمت في مشروعات متنوعة كمزارع السمك في بحيرات السدود.

سد سنار

بني سد سنار على النيل الأزرق، على بعد 320 كيلومتراً جَنُوب شرق الخُرْطُوم، و270 كيلومتراً أسفل سد الروصيرص.

بدأ بناؤه في عام 1922، واكتمل في مايو 1925 عندما كان السودان تحت الاحتلال البريطاني. بني لري أراضي مشروع الجزيرة، وتوليد الكهرباء للخرطوم. يعتبر أقدم سد مائي في السودان، وتبلغ طاقته 15 ميغاواط.

يبلغ طوله 3,025 متراً، وأقصى ارتفاع له 40 متراً. ويضم 80 بوابة تصريف ذات مستوى منخفض لتنظيم مخزون السد.

حسب دراسة أجرتها الرابطة الدولية للطاقة الكهرومائية: "كانت طاقة تخزينه في البداية 930 مليون متر مكعب، وارتفاع المياه 421.7 متراً".

أما اليوم، فلا تتجاوز طاقة تخزينه 390 ملیون متر مكعب، وتمتد بحيرة السد أكثر من خمسة كيلومترات جَنُوب السد.

أسهم خزان سنار في ري مشروع الجزيرة والمناقل، ما عزّز إنتاج المحاصيل المدرة للدخل كالقطن والفاصولياء والقمح، وحول ولاية الجزيرة إلى ملتقى لجميع قبائل السودان.

وأسهم المشروع في زيادة معدلات الإنتاج والإنتاجية في السودان، وتصدير المحاصيل المدرة للدخل، والقطن بشكل رئيس، إلى المصانع الأوروبية.

سد جبل أولياء

في عام 1929، وجه رئيس الوزراء المصري رسالة إلى المفوض السامي البريطاني يوضح فيها رغبة مصر ببناء سد جبل أولياء لمواجهة مشروع الجزيرة.

افتتح السد في عام 1938 تحت الإدارة المصرية. ولكن الحكومة المصرية سلمته للسودان بعد تخليها عن استخدامه للتخزين بعد إنشاء السد العالي في أسوان في عام 1963.

بني السد على النيل الأبيض، على بعد 44 كيلومتراً جَنُوب العاصمة الخُرْطُوم. يبلغ ارتفاعه 22 متراً، ويحتوي بحيرة بطاقة تخزين تبلغ 3.5 مليون متر مكعب. وفي عام 2003، نفذت الحكومة السودانية مشروعاً لتوليد الكهرباء من السد باستطاعة 30 ميغا واط.

رفع السد مستوى المياه في المناطق أمام السد وخلفه، وبات بالإمكان ري المشاريع الزراعية على النيل الأبيض في مناطق أبو قوتة والفطيسة والحشبة وأم جر والدويم عبر المضخات.

أسهم السد وخزانه في توفير المياه لمشاريع السكر والمشاريع الزراعية، وتعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة جبل أولياء جَنُوب الخرطوم. كما شكل عائقاً أمام الأعشاب الضارة، ومنعها من تجاوز الخزان لكي لا تؤثر على النيل الرئيس.

تعتبر منطقة الخزان نقطة جذب سياحي يزورها سكان الخُرْطُوم بشكل دائم.

سد خشم القربة

سد خرساني على نهر عطبرة غرب مدينة خشم القربة، على بعد 560 كيلومتراً شرق الخرطوم، ونحو 80 كيلومتراً غرب مدينة كسلا، ويبعد 438 كيلومتراً على الأقل عن مدينة عطبرة.

يعتبر رابع أصغر سد من أصل خمسة سدود مشيدة على نهر النيل وروافده في السودان. بني في الفترة 1961-1964 في إطار مشروع إعادة توطين سكان وادي حلفا الذين تضرروا من بناء السد العالي في مصر بعد أن غمرت بحيرة النوبة (بحيرة ناصر في مصر) قراهم وبلداتهم.

أعدت شركة صوغريا الفرنسية التصميم الهندسي، وتولت شركة تورنو الايطالية أعمال البناء التي اكتملت في عام 1964. طاقته التخزينية 1.3 مليار متر مكعب، انخفضت حالياً إلى الثلث بسبب الطمي. ولكن مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت ساهما في دعم هذه الطاقة.

استهدف خزان خشم القربة ري 450,000 فدان في مشروع حلفا الجديدة الزراعي، وزراعة مساحات واسعة خارج مناطق النازحين من وادي حلفا، ما أسهم في استقرار الناس في الولايات الشرقية.

وساهم مشروع السكر في حلفا الجديدة، إلى جانب منشآت التصنيع الأخرى، في زيادة تنمية المنطقة.

من طرف ناسا ورلد ويند - ملكية عامة، الرابط

سد الروصيرص‎

سد خرساني كهرومائي سمي على اسم مدينة الروصيرص التي تقع قربه على نهر النيل الأزرق في ولاية النيل الأزرق. يبعد 550 كيلومتراً عن العاصمة الخرطوم. بني في عام 1952 لتخزين مياه النيل الأزرق واستخدامها في الري.

نفذ المشروع على مرحلتين. انتهت المرحلة الأولى في عام 1966، وتم ربط محطة كهرومائية معها، وأنهت وحدة تنفيذ السدود المرحلة الثانية في عام 2013.

ارتفعت طاقة تخزين سد الروصيرص من 3 إلى 7.3 مليار متر مكعب مع ارتفاع منسوب مياه السد من 68 إلى 78 متراً. والغرض منه ‎ هو زيادة طاقة خزان سنار للاستفادة منه في توسيع المحاصيل الشتوية التي تحقق عوائد اقتصادية عالية.

تطلبت المرحلة الثانية من المشروع إعادة توطين المتضررين منه وتعويضهم عن ممتلكاتهم التي خسروها وعن إعادة توطينهم. وقال الدكتور أحمد القروري، مفوض الشؤون الاجتماعية في وحدة تنفيذ السدود في مقابلة أجريت في نوفمبر 2012: "أعدنا توطين 20 ألف أسرة في 12 مدينة حديثة مزودة بجميع الخِدْمَات الضرورية".

من طرف ناسا ورلد ويند - ملكية عامة، الرابط

سد مروي

أحد أهم وأكبر المشروعات الاقتصادية المنفذة في السودان في التاريخ الحديث، وكان له أثر كبير على حياة المواطنين.

بدأ مقترح المشروع بإجراء الحكومة المصرية دراسة أولية في عام 1946. تبعها دراسة أجرتها شركة سويكو السويدية في المدّة 1983-1986. ونفذت شركة موناكو-أغرا الكندية دراسات عدة في المدّة 1989-1993.

 بعد ذلك، تولت مؤسسة هايدرو بروجيكت تصميم المشروع بالكامل. وبلغت طاقته الإنتاجية 1,250 ميغاواط.

يقع السد على نهر النيل الرئيس عند جزيرة مروي، على بعد 346 كيلومتراً شمال الخُرْطُوم، و330 كيلومتراً عن الحدود الشمالية للسودان.

نفذت وحدة تنفيذ السدود مشاريع عدّة مرافقة لمشروع سد مروي شملت طرقاً وجسوراً ومنازل وكلية ومستشفى ومحطة قطارات ومطاراً.

وأسست أربع مشروعات زراعية للمتضررين من بناء السد بلغت مساحتها الإجمالية 207 ألف فدان (86 ألف و940 هكتار): الحامداب الجديدة بـ 35 ألف فدان (14 ألف  و700 هكتار)، وأمري الجديدة بـ 67 ألف فدان (28 ألف و140 هكتار)، والمناصير الجديدة بـ 60 ألف فدان (25 ألف و200 هكتار)، وكحيلة شرق بـ 45 ألف فدان (18 و900 هكتار).

مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت

سدان كهرومائيان بنواة طينية وبحيرة تخزين مشتركة على نهر عطبرة بطاقة تخزين تبلغ 3.688 مليار متر مكعب، وارتفاعها 52 متراً. يقع أحد السدين على نهر عطبرة، والآخر على نهر ستيت في باردانا وروميلة.

يهدف إنشاء سدي أعالي عطبرة وستيت إلى تنفيذ مشاريع زراعية جديدة في المنطقة، وإيجاد حل جذري لمشكلة نقص المياه في القضارف التي يعاني سكانها من العطش.

يسهم المشروع أيضاً في إنعاش خزان سد خشم القربة، وحمايته من الفيضانات، وإعادة إحياء مشروع حلفا الجديدة الزراعي الذي انخفضت مساحته الزراعية نتيجة الطمي في خزان سد خشم القربة.

أنشأت وحدة تنفيذ السدود مدناً سكنية للمتضررين من المشروع ضمت منازل مزودة بخدمات الكهرباء والماء، ومستشفيات، ونواد رياضية، ودور عبادة، ومدارس، ومشاريع زراعية، ما أسهم في تحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة.