الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

الأساسيات
لنرفع من الاستثمار، لنقم بتحديث الزراعة ولنفتح الحدود للسماح بتجارة الأغذية

هنري لوتايا
بتقنيات زراعية بسيطة وعمليات تجارية معقدة، تسابق دول حوض النيل الزمن لتفادي حدوث أزمة غذائية كبيرة.
22.01.2020  |  كمبالا، أوغندا
حرث الحقل في في ثيت بولاية تونج، جنوب السودان. (الصورة: النيلان | أيويل سانتينو)
حرث الحقل في في ثيت بولاية تونج، جنوب السودان. (الصورة: النيلان | أيويل سانتينو)

يعد انعدام الأمن الغذائي أحد أهم التحديات التي تواجه دول حوض النيل، إذ يعاني قرابة 140 مليون شخص - 34 في المئة - من سكان دول الحوض من سوء التغذية، مع تفاوت مستوى الشدة من بلد إلى آخر، وفقًا لتقرير أوضاع حوض النيل 2012.

يعاني قرابة 140 مليون شخص من سكان دول الحوض من سوء التغذية“

ويشير النمو السكاني السريع، بالإضافة إلى التوسع العمراني وتغير المناخ، إلى تدهور وضع الأمن الغذائي في المستقبل.

التجارة واحدة من الطرق التي تلبي بها الدول احتياجاتها الغذائية المستقبلية التي لا يستطيع الإنتاج المحلي تلبيتها. تمتلك المنطقة إمكانات هائلة غير مستغلة، ليس فقط لتلبية احتياجاتها الغذائية. بل ولزراعة مزيد من الأغذية لدعم دول أخرى واستخدام الإيرادات في تحسين اقتصادات المنطقة.

بيد أن إمكانية استخدام تجارة المواد الغذائية بين الدول الأعضاء في حوض النيل تواجه العديد من التحديات.

تشير دراسات عدة أجريت بشأن موضوع الأمن الغذائي إلى أن تدني مستويات الإنتاج في الدول الأعضاء، وفي معظم أفريقيا عمومًا، هذا العائق الأكبر أمام تجارة الغذاء. بما أن الإنتاج قليل جدًا، فلا يتبقى للأسر المنتجة للغذاء شيء للبيع. ففي أوغندا مثلًا، وهي واحدة من أكبر منتجي الأغذية في المنطقة، يعتمد أكثر من 50 في المئة من الأسر الزراعية في البلاد على زراعة الكفاف، وفقًا لتعداد أوغندا السكاني لعام 2014.


الاستثمارات ضعيفة وتقنيات قديمة

ينبع هذا التحدي من انعدام الإرادة السياسية للاستثمار في وسائل زراعية أحدث. فقد تسببت التقنيات التقليدية مثل استخدام عصي الحفر، بالإضافة إلى استعمال البذور الرديئة وعدم استخدام الأسمدة والاعتماد على هطول الأمطار بزعزعة اقتصادات معظم الدول الأفريقية، على الرغم من التصريحات العديدة التي أصدرها قادة معظم الدول الأفريقية، مثل إعلان مالابو الذي وافقت فيه دول الاتحاد الأفريقي بالإجماع على استثمار 10 في المئة من موازنتها الوطنية في الزراعة.

يؤدي نقص الاستثمار في الزراعة إلى حلقة مفرغة من الفقر ونقص الإنتاج“

ويؤدي نقص الاستثمار في الزراعة إلى حلقة مفرغة من الفقر ونقص الإنتاج، خاصة في ظل حقيقة أن النمو السكاني تجاوز الآن نمو القطاع الزراعي بسنوات عدة.

والسبب الآخر وثيق الصلة بتقادم تكنولوجيات إنتاج الغذاء هو عدم الاستثمار في التخزين، وفي زيادة القيمة المضافة، والبنية التحتية للنقل والتسويق، ووضع معايير تنسيقية لتسهيل تجارة المحاصيل الغذائية.

في تقرير لمبادرة حوض النيل لعام 2012 بعنوان تحليل التجارة الدولية بالمنتجات الزراعية عبر ممرات محددة في حوض النيل، تبين مثلًا أن معظم التجار يعتمدون على منازل سكنية لحفظ مخزونات السلع الغذائية كالذرة والفاصوليا والبطاطا.

وفي ظل هذه الظروف تتعرض جودة الغذاء، وبالتالي سلامته للخطر. يؤكد البروفسور أرتشيللو كايا من جامعة ماكيريري في أوغندا بأن سوء تخزين ومعالجة الحبوب، كالذرة والفول السوداني، سبب رئيس في انتشار الفطريات التي تطلق مادة الأفلاتوكسين السامة. وتتكاثر هذه المادة في ظروف الرطوبة والدفء ومعروف أنها تسبب سرطان الكبد عند تناولها باستمرار، والموت الفوري عند تناولها بجرعات عالية.

في أكتوبر 2018، تكبد مجلس الحبوب الأوغندي، أحد أكبر مصدري الحبوب من أوغندا، خسائر كبيرة عندما منعت شحنته من صادرات الذرة من دخول كينيا. فقد وجد مجتمع شرق أفريقيا أن نسبة الأفلاتوكسينات في الذرة الأوغندية تتجاوز الحد الأقصى المسموح، وهو 10 ميكروغرام/كيلوغرام.


السياسة التجارية

إلى جانب نقص القدرات في مجال إنتاج الغذاء، تواجه بلدان حوض النيل العديد من التحديات الأخرى التي تخفض أو تؤخر أو تعرقل تبادل الأغذية داخل كل بلد أو بين الدول الأعضاء.

في كثير من الأحيان، منعت القيود السياسية وغيرها من القيود الإدارية الممارسات التجارية“

وفي كثير من الأحيان، منعت القيود السياسية وغيرها من القيود الإدارية الممارسات التجارية، حتى بين البلدان التي أعلنت حرية حركة السلع والخدمات. فقد سبب إغلاق الحدود بين رواندا وأوغندا في وقت سابق من هذا العام خسائر للتجار.

والأهم من ذلك هو أن إغلاق الحدود هدد بتفاقم انعدام الأمن الغذائي في رواندا، وهي مستورد صافٍ للأغذية – بمعنى أن قيمة السلع والخدمات المستوردة أعلى من السلع والخدمات المصدرة في فترة زمنية معينة.

وهذا المثال على تعقيد السياسات التجارية ليس الوحيد. فقد أوقفت الحكومة التنزانية مرتين على الأقل في السنوات الست الماضية صادرات التجار من المواد الغذائية إلى البلدان المجاورة.

وقد ثبت أن انعدام الأمن الناشئ عن النزاعات السياسية أو المدنية، كما حدث في جنوب السودان وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية في السنوات الأخيرة، كان باهظ التكلفة على المنتجين والتجار. ففي مارس 2019، دفعت حكومة أوغندا 48 مليار شلن أوغندي (13 مليون دولار أمريكي) لبعض التجار الأوغنديين كتعويض جزئي عن الخسائر التي تكبدوها عندما اشتعلت نيران الحرب الأهلية في جنوب السودان  سنة 2013.


التعرفة الجمركية والحواجز غير الجمركية

على الرغم من أن تسعاً من دول حوض النيل العشر تنتمي إلى سوق مشتركة إما في إطار السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا أو جماعة شرق إفريقيا، التي قرر أعضاؤها إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات عمومًا، لا تزال دول حوض النيل تفرض ضرائب على مجموعة واسعة من المواد الغذائية.

وعادة ما يتم ذلك في إطار ما تعتبره البلدان "قائمة حساسة" للسلع التي يجب تحريرها وبالتالي لا تزال تواجه رسوماً مرتفعة، مع ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على حرية حركة الأغذية من مناطق الفائض إلى مناطق العجز.

لا تزال الحكومة الإثيوبية تعتبر التجارة غير الرسمية بالثروة الحيوانية مع الدول المجاورة، مثل كينيا، غير قانونية، لأنها تحرم الحكومة من النقد الأجنبي الذي تمس الحاجة إليه، وفقًا لدراسة أجرتها مبادرة حوض النيل بشأن تجارة الغذاء.

وتؤدي الحواجز غير الجمركية كالابتزاز الذي يمارسه عناصر شرطة المرور، والضرائب المتعددة، والروتين من جانب ضباط الجمارك أثناء عملية تخليص المركبات إلى تأخير لا داعي له يصل إلى سبع ساعات، كما هو الحال في بوسيا، على الحدود بين أوغندا وكينيا.

ويعد اتباع مسارات غير رسمية لتجنب التأخير والرسوم غير القانونية ممارسة شائعة خاصة بين تجار الأغذية سريعة التلف. لكنه لا يساعد إلا في توفير الوقت. فقد قدرت دراسة مبادرة حوض النيل أثر ذلك على تكلفة نقل الغذاء بحدود 50 بالمئة من تكاليف النقل.

وتقدر مبادرة حوض النيل أن الحواجز غير الجمركية تشكل نحو 50 بالمئة من أعباء التجار في أوغندا و35 بالمئة في كينيا و12 بالمئة في تنزانيا.

من الواضح أن دول حوض النيل ملزمة بزيادة إنتاج الغذاء“

والخلاصة أنه على الرغم من اتخاذ بعض التدابير لفتح الحدود عن طريق التحرير الاقتصادي، فإن أثر هذه التدابير يتلاشى بالمقارنة مع الحاجة إلى زيادة الإنتاج وزيادة القدرات الأخرى.

ولقد كانت مبادرة حوض النيل قاطعة في تحذيرها من أن مستقبل الأمن الغذائي في المنطقة يبدو محفوفًا بالمخاطر إذا لم تتخذ أي إجراءات مدروسة. وأكّد تقرير وضع حوض نهر النيل لعام 2012 أنه "من الواضح أن دول حوض النيل ملزمة بزيادة إنتاج الغذاء، إذا أرادت تفادي أزمات غذائية كبرى يمكن أن تقوض وتمحو مكاسب الماضي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية".

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
نحن ما نأكل
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.